أفريقيا

العلاقات المصرية النيجيرية..تزايد النفوذ الإقليمي وتحقيق الاستقرار القاري

من منطلق رؤية الدولة المصرية تجاه القضايا الأفريقية القائمة على “التنمية من أجل إرساء الأمن والاستقرار القاري”، عمدت الاستراتيجية المصرية في التوجه الإفريقي على دعم عناصر التنمية وفقاً لأجندة إفريقيا 2063 بالتعاون الثنائي والقاري بين أبناء القارة السمراء، والتي تمثلت في تجفيف منابع تمويل الإرهاب في القارة إلى جانب التدريب والدعم الفني وحفظ الأمن والسلم من خلال المشاركة في قوات حفظ السلام، وانهاء النزاع من خلال مبادرة إسكات البنادق، والتي ظهرت كذلك في التوقيع على المعاهدة المنقحة لإنشاء تجمع دول الساحل والصحراء، المُعتمدة فى أنجمينا (تشـاد)، والتي تستفيد منها دول الساحل والصحراء والدول المتاخمة لها ومنها نيجيريا، وكانت قد أعلنت مصر في يونيو 2018 عن إنشاء مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب ومقرها القاهرة لمجموعة دول الساحل والصحراء والتي تستفاد منها نيجيريا أيضاً، وهو مسؤول عن تبادل الخبرات الأمنية بين الدول الأفريقية والتنسيق لإجراء تدريب مشترك دوري في مجال مكافحة الإرهاب.

وتُعد منطقة الساحل والصحراء من أكثر المناطق الأفريقية تأثراً بالنزاع وخاصةً في ظل انتشار فيروس كورونا، والتي أثرت على تزايد الحركات الإرهابية في المنطقة الأكثر تشابكاً في القارة باعتبارها متاخمة لدول بحيرة تشاد وليبيا والغرب الإفريقي، للحد الذي وسع من سيطرة الحركات الإرهابية في المنطقة وخاصة حركة بوكو حرام الإرهابية التي تم توصيفها بالحركة “الأكثر دموية” في القارة لعام 2020، للحد الذي غزى الطموح النيجيري في زيادة التعاون مع الدولة المصرية لمواجهة الاضطرابات المتزايدة القائمة على التعاون الأمني والاقتصادي في مجالات التنمية، والتي ظهرت في الرسالة الخطية التي حملها السفير جوزيف كيشي، المبعوث الخاص لرئيس جمهورية نيجيريا من  إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي في 27 يناير الماضي من الرئيس النيجيري “محمد بوهاري” لزيادة التعاون الثنائي بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية ومكافحة الإرهاب وتعزيز جهود المشاورات السياسية بين البلدين واستئناف انعقاد اللجنة المشتركة، وتبادل الخبرات بشأن التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، وكذلك الإشادة بدور مصر في مساندة جهود نيجيريا في التنمية من خلال التعاون في مشروعات البنية الأساسية، خاصةً تشييد الطرق وتوليد الطاقة، وهو ما يضعنا أمام التعرف على الطموح النيجيري من التقارب مع الجانب المصري خلال الفترة القادمة، خاصةً في ظل رئاسة نيجيريا لمفوضية الأمن والسلم الأفريقي.

الدور المصري المحوري كركيزة للاستقرار القاري:

ظهر في الرسالة الخطية للرئيس النيجيري محمد بخاري أو بوهاري أهمية التطلع للتعاون ونقل الخبرات المصرية في العديد من المجالات وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب وذلك لما للدور المصري من تأثير في الكثير من المبادرات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وعلى اعتبار مصر ركيزة أساسية للاستقرار والأمن على مستوى القارة بأكملها، والتي تقوم على مبدأ أن العلاقات المصرية النيجيرية نموذج للبناء بين الدول الأفريقية الكبرى.

وفي المقابل حرصت مصر على توطيد العلاقات مع نيجيريا في الأونة الأخيرة، وتعميق العلاقات القائمة على المصير المشترك بين البلدين في إطار التهديدات التي تعاني منها المنطقة من تدخلات خارجية ومشاكل داخلية عمقت من النزاع أدى لعدم الاستقرار وانتشار ظاهرة الإرهاب عابر الحدود، فقد أكد السفير المصري بنيجيريا إيهاب عوض خلال لقائه مع الرئيس النيجري محمد بوهاري في 28 يناير  حرص مصر على زيادة العلاقات مع نيجيريا والتي ازدادت قوة  بالفعل في السنوات الأخيرة”.

وظهرت العلاقات الثنائية بين البلدين في الدعم المصري ضد تنظيم بوكو حرام الإرهابي من خلال إنشاء مركز مكافحة الإرهاب الإقليمي لمجتمع دول الساحل والصحراء، ويعد تجمع “الساحل والصحراء”، ثاني أكبر التجمعات شبه الإقليمية في إفريقيا بعد الاتحاد الإفريقي، ويضم في عضويته 27 دولة من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وتأسس في فبراير عام 1998. والذي تتلقى نيجيريا من خلاله دعمًا أمنيًا من خلال تدريب قواتها على كيفية مكافحة الإرهاب وتعقب الجماعات المتطرفة هذا إلى جانب التدريب العسكري المشترك مع دول تجمع الساحل والصحراء وتدريب القوات النيجيرية على كيفية التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة مثل الجماعات المسلحة وإطلاق سراح الرهائن.

كما شارك وفد من وزارة الدفاع المصرية في الاجتماع السابع لوزراء دفاع دول تجمع الساحل والصحراء، والذي عقد في العاصمة النيجيرية أبوجا في 20 – 22 من شهر يونيو 2018، وثمنت الوفود المشاركة جهود مصر في تأسيس المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب، وكذلك تفعيل وتقديم ألف منحة دراسية للعسكريين من دول التجمع في مجال الأمن والدفاع، والتنسيق على إجراء تدريبات مشتركة دورية في مجال مكافحة الإرهاب.

كما تقدمت القاهرة باقتراح إنشاء قوة أفريقية لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي لقي ترحيباً من القادة الأفارقة لمواجهة العديد من التحديات مثل الأزمة الليبية والتي تؤثر على دول الساحل والمتاخمة لها، لما تمتلكه إفريقيا من القدرات اللازمة لتشكيل قوة عسكرية، وقال السفير المصري لدى إثيوبيا والمفوض الدائم للاتحاد الإفريقي أسامة عبد الخالق في مقابلة تلفزيونية في 9 فبراير 2019  إنه “تم تقديم اقتراح بعقد قمة أفريقية لمناقشة إنشاء قوة عسكرية أفريقية إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي واللجان العسكرية والدفاعية لمناقشة الأمر من جميع الأطراف. ” وتقوم تلك القوة أيضاً على “تبادل المعلومات التدريبية والأمنية، وكذلك الخبرة العسكرية بين الدول الأعضاء في قوة مكافحة الإرهاب الإفريقية”، والتي تزامنت مع استضافة القاهرة اجتماع رؤساء أركان جيوش دول الساحل الخمس  “موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو” يوم 9 فبراير 2020، وناقش الاجتماع آليات تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتبادل الخبرات والتجارب في مجالات الأمن والدفاع.

ويعود الترحيب الإفريقي بالاقتراح المصري بتشكيل “قوة عسكرية أفريقية “لحاجة القارة لقوة عسكرية من الداخل لمواجهة التهديدات الإرهابية من أجل جذب الاستثمار وتحقيق التنمية “، خاصة في ظل ما يتمتع به الجيش المصري من قوة وسمعة دولية وإقليمية خاصة في إطار خبراته في التعامل مع قضايا الإرهاب داخليًا، وخارجيًا من خلال مشاركته في قوات حفظ السلام الدولية، بالإضافة إلى عضوية القاهرة في مجلس السلم والأمن الأفريقيين في الفترة من 2020 – 2022، هذا إلى جانب دور مرصد الأزهر الشريف في مواجهة الفكر المتطرف في إفريقيا وخاصة في نيجيريا، والبعثات المتبادلة بين البلدين وزيارات الأزهر المتكررة لدحض الفكر المتطرف.

ويعد مقترح إنشاء قوة عسكرية مشتركة بمثابة داعم ومنسق لتحقيق التوازن الإقليمي والدولي  مع القوات العسكرية الدولية الموجودة في إفريقيا، مثل القيادة الأمريكية الإفريقية وكذلك التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش”.

التعاون الثنائي في إطار التكامل القاري:

في أبريل من العام الماضي، وافق البرلمان المصري على قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 145 لسـنة 2020 بشأن الموافقة على المعاهدة المنقحة لإنشاء تجمع دول الساحل والصحراء، المُعتمدة فى أنجمينا (تشـاد) بتاريخ 16/ 2/ 2013، ووفقا للاتفاقية يعمل التجمع فى مجالين رئيسيين هما الأمن الإقليمى والتنمية المستدامة سعيا لتحقيق عدد من الأهداف متمثلة في “المحافظة على السلم والأمن والاستقرار فى منطقة الساحل والصحراء، وتعزيز الحوار السياسي ومكافحة الجريمة العابرة للحدود والآفات المرتبطة بها كالإتجار فى المخدرات والأسلحة والبشر وغسيل الأموال والإرهاب هذا إلى جانب قضايا مكافحة التصحر والجفاف والتغيرات المناخية، والتعاون الاقتصادى والتجارى والعلمى والاجتماعى والثقافى، وتنمية البنى التحتية، وتشجيع حرية تنقل الأشخاص والممتلكات والخدمات.

وهو ما يضعنا أمام وعي مصري كامل بمشاكل القارة بشكل عام ومنطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي، التي ساهمت في تزايد الحركات الإرهابية إثر عدم الاستقرار، كما تعالج تأثير النزاعات على المنطقة والتغيرات المناخية التي زادت من ظاهرة التصحر، وبالتالي زيادة النزاع داخل القارة، وتأثير ذلك على احتمال انتشار الأزمات الغذائية  في نيجيريا، وبالتالي فإن استضافة القاهرة مقر مركز الاتحاد الأفريقى لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاع، سيجعل مصر قوى ضاربة في مجال التنمية وتسوية النزاعات وتحقيق الاستقرار للدول الافريقية من خلال حشد الجهود القارية والدولية، وبالتالي ستجعلها قبلة نيجيريا لمواجهة أزماتها الداخلية.

مصر ونيجريا في تجفيف منابع تمويل الإرهاب في القارة:

ترى كل من مصر ونيجيريا أن التعاون الثنائي قد يعزز من فرص مواجهة التمويلات الخارجية للقوى الدولية متمثلاً في الاستراتيجية المصرية نحو تجفيف منابع تمويل الإرهاب، فقد تزامنت التحركات المصرية النيجيرية مع تزايد التحركات التركية لترسيخ الفكر العثماني من خلال دعم حركة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، والتي وسعت نفوذها في دول الجوار وخاصة تشاد والكاميرون.

فهناك اتهامات متزايدة حول قيام تركيا بتمويل الجماعة بالأسلحة، خاصة بعد استخدام الجماعة للطائرات المسيرة “بدون طيار”، فقد قامت السلطات النيجيرية بفتح تحقيق عام 2019 بعد اعتراض شحنة أسلحة غير مشروعة قادمة من تركيا في عام 2019.

ونشرت صحيفة “التليجراف” البريطانية تقرير يثبت تورط تركيا في نقل الأسلحة إلى نيجيريا، حيث ثبت عبر تتبع عدد من الأسلحة أن شبكة تهريب تعمل بين ميناءَي لاجوس في نيجيريا وإسطنبول في تركيا، أوصلت كميات من الأسلحة التي ضبطتها قوات الأمن النيجيرية.

كما كشفت دراسة أجراها خبراء في مكافحة انتشار الأسلحة عن أن تركيا أسهمت في تغذية واحد من أشد الصراعات الدموية في غرب إفريقيا عبر تهريب كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة.

وبالتالي فإن التعاون المصري النيجيري خاصة في ظل الدور المصري في مواجهة التدخلات الإقليمية في ليبيا ودول الساحل والصحراء، ووقف تمدد التسلح عبر البحر المتوسط؛ قد يكون بمثابة إزعاجاً جديداً للتدخل التركي الداعم للنزاعات من أجل تحقيق الحلم العثماني بالسيطرة على اقتصاديات الدول من خلال تأجيج النزاع بها.

التعاون المصري النيجيري في دعم النفوذ الاقليمي للبلدين لتحقيق الاستقرار القاري:

يُعد فوز النيجيري بانكولي أديوي بمنصب مفوض السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، خلفا للجزائري إسماعيل شرقي، مساهمة  في  دعم المبادرة المصرية حول إنشاء قوة عسكرية إفريقية مشتركة، خاصةً في ظل تنامي الجماعات الإرهابية في نيجيريا وانتشارها بالدول المجاورة كالكاميرون وتشاد بذريعة أنه عقاب لها في مساعدة الحكومة النيجيرية في القضاء على الإرهاب، وبالتالي فهي بحاجة للدعم المصري في مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة، الأمر الذي يدعو إلى التعاون الأمني والسياسي بين البلدين.

كما أعاد الرئيس السيسي المناداة بتنفيذ مبادرة “إسكات البنادق” التي قدمها الرئيس السيسى، خلال القمة الإفريقية بأديس أبابا فى فبراير 2019، والتي أكد مجلس الأمن على دعمه لها واعتمدها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2457 في فبراير 2020، وتضمنت المبادرة آليات محددة لإنهاء النزاعات والحروب بالقارة بحلول عام 2020، والتوصل إلى اتفاقات نهائية مع أطراف النزاعات بوقف إطلاق النار، وطرح مبادرات للحوار وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاعات ومحاربة المجاعات.

وخاصةً في ظل تعقد الصراع في القارة التي تكون في ذات طبيعة داخلية وتأتي في شكل حروب أهلية أو صراعات مسلحة داخل حدود الدولة، قائمة على النزاعات الطائفية الدينية أو الثقافية أو العرقية، والتي تحولت إلى أزمات إقليمية، بعد تنفي

ذ الفصائل المتحاربة عملياتها داخل الدولة وخارجها، وتؤدي هذه الديناميكية إلى تعقيد الصراعات وصعوبة حلّها في أفريقيا.

وتعاني نيجيريا على وجه الخصوص حسبما قالت خبيرة الأمم المتحدة المستقلة أجنيس كالامار في تقريرها حول الوضع في نيجيريا عام 2019، أن الوضع المثير للقلق في نيجيريا يكمن في النزاع المسلح ضد جماعة بوكو حرام الإرهابية في الشمال الشرقي وانعدام الأمن والعنف في الشمال الغربي، بالإضافة إلى المنطقة الوسطى المعروفة باسم الحزام الأوسط وأجزاء من الشمال الغربي والجنوب حيث تستشري النزاعات العرقية بين رعاة مجموعات الفولاني الرحل وسكان المجتمعات الزراعية الأصلية، إلى جانب انتشار العصابات أو الطوائف المنظمة في جنوب البلاد.

وتواجه نيجيريا، ضغوطا ذات مستوى وطني وإقليمي وعالمي، مثل مشكلة الانفجار السكاني وزيادة أعداد من يعيشون في فقر مدقع، وتداعيات تغير المناخ والتصحر، مع ارتفاع ظاهرة انتشار الأسلحة. 

وهو ما يضع مبادرة “إسكات البنادق” و المعاهدة المنقحة لإنشاء تجمع دول الساحل والصحراء، ومركز مكافحة الإرهاب، وإعادة تولي أماني الطويل لجنة البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الإفريقي بمثابة فرصة أمام نيجيريا لحل المشكلات الداخلية ذات التأثير المتنامي داخلياً وإقليمياً. كما يعد عام 2020 هو العام الأكثر دموية في تاريخ جماعة بوكو حرام بعد شن العديد من العمليات الإرهابية وتنفيذ عمليات الاختطاف كوسيلة ضغط على الحكومات الدولية لتحرير الرهائن مقابل مبالغ مالية مما يسهم في زيادة التمويل بجانب عمليات الاتجار بالبشر والسيطرة على موارد الأراضي التي تدخلها في ظل صعوبة مواجهة التنظيم نتيجة سهولة التنقل في نيجيريا أو غرب أفريقيا بشكل عام، وهو ما يساعد في انتشار المقاتلين في أكثر من دولة من دول هذا الإقليم، ومع قدوم الرئيس النيجيري محمد بوهاري لسدة الحكم، أعلن أنه من ضمن أهدافه الأساسية في الفترة القادمة محاربة قوات بوكو حرام والقضاء عليها، من خلال التعاون الإقليمي، فبالتالي فإن دعم المبادرات المصرية والتواجد المصري النيجيري ذات النفوذ الدولي والاقليمي ونقل الخبرات بين البلدين سيسهم في تحقيق مزيد من النجاحات ضد جماعة بوكوحرام الإرهابية، هذا إلى جانب التعاون في مجال البني التحتية باعتبار أن التنمية هي أساس الاستقرار ووقف النزاعات.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى