
العلاقات الأمريكية الأفريقية في عهد بايدن إلى أين؟
أول مشاركة رسمية في حدث دولي للرئيس الأمريكي جو بايدن منذ توليه مهام منصبه جاءت من خلال خطابه المسجل عبر الفيديو في رسالته الموجهة للقمة الـ 34 للاتحاد الأفريقي ، كما وصفتها “إذاعة صوت امريكا” في ظل تعهد القيادة الأمريكية بإعادة الاتصال بالمؤسسات متعددة الأطراف مثل الاتحاد الأفريقي، مما يضع القارة السمراء أولوية للقيادة الأمريكية الجديدة، والتي سبقها أول قرار لإدارة بايدن حول إلغاء قرار حظر السفر للولايات المتحدة الذي انتهجته إدارة ترامب التي كانت تقوم علاقتها مع القارة من خلال شعار “أمريكا أولاً” والعلاقات الثنائية.
لتكون رسالة بايدن بمثابة انفتاح دبلوماسي على القارة الأفريقية ككل, مما ينبئ بإلغاء الاتفاقيات الثنائية والتحول للاتفاقيات القارية مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، هذا إلى جانب طرح أجندة بايدن الأمريكية من خلال المشاركة الأفريقية والمتعلقة بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا التغيرات المناخية، وكذلك مواجهة فيروس كورونا المستجد، من خلال طرح مزايا تعاونية مع القارة السمراء بعيدًا عن التنافس مع الصين في القارة، وهو ما ظهر في عدم ذكر الصين في خطابه عبر الفيديو.
تغيير النظرة الأمريكية تجاه القارة وطرق التواجد الأمريكي:
سبق الخطاب الأمريكي في قمة الاتحاد الأفريقي تحليل كتبه “جريجوري ميكس” رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، و الذي نشرته صحيفة “مايل أند جارديان” حول ضرورة تغير النظرة الأمريكية للقارة الأفريقية من النظرة القائمة على التنافس مع الصين، مما وضع الفرصة أمام تركيا والصين في التواجد المنغمس في القارة في ظل سياسة الانغلاق التي انتهجتها الولايات المتحدة، وبالتالي فإن السياسة القائمة على التنافس لم تعد مجدية.
وأكد ميكس ضرورة أن تنشط المصداقية الأمريكية في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج بنفس المعايير الداخلية، والانطلاق منها كمنعطف لتعزيز الشراكات بين منظمات المجتمع المدني الأمريكية والأفريقية التي تتجاوز السياسة الداخلية والخارجية، ويجب أن يكون هذا التعاون ذا شقين من الحكومة إلى الحكومة ومن الشعب إلى الشعب، والتي تقوم من خلال توسعة الشراكات التشريعية مع الديمقراطيات الأفريقية من خلال خلق الشراكة الديمقراطية في مجلس النواب وهي الشراكة الموجودة فقط الآن مع “كينيا وليبيريا”، والتي يجب أن تقوم على تشكيل الخطاب وخطة العمل القائمة على تعزيز المعايير الديمقراطية والمشاركة المدنية وإجراءات مكافحة الفساد ومكافحة المعلومات المضللة والتطرف وتعزيز الشفافية والمساءلة واحترام سيادة القانون وضمان النمو الاقتصادي العادل والانتعاش الاقتصادي والتصدي لـ Covid-19 وتحديات الصحة العامة الأخرى.
وسيظل من المهم بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة التفاعل مع الحكومات الأفريقية من خلال زيادة حجم الزيارات المتبادلة بين الحكومات لتعزيز التفاهم والاحترام المشترك، وكذلك وضع الدول الأفريقية ضمن برامج المساعدة الخارجية، وتكثيف المشاركة الأفريقية في برامج التبادلات الحكومية الأمريكية، وإعطاء الأولوية لتوظيف الخريجين كشركاء تنفيذيين رائدين، هذا إلى جانب توسيع التبادلات الأكاديمية ثنائية الاتجاه بين الجامعات الأمريكية والأفريقية، وتشجيع إنشاء حرم جامعي أمريكي في أفريقيا، مع أعضاء هيئة تدريس وموظفين وعمليات بدوام كامل.
وفيما يتعلق بقضية تغير المناخ، وهي أولوية أمنية وطنية مشتركة، يجب تعزيز التعاون بين مؤتمر رؤساء البلديات في الولايات المتحدة وميثاق رؤساء البلديات في أفريقيا وخاصة في جنوب الصحراء الكبرى لمعالجة التخفيف من حدة أثر تغير المناخ والتكيف معه والقدرة على الصمود.
وفي ظل توقع أن تستوعب المدن الأفريقية ثلثي النمو السكاني السريع في القارة بحلول عام 2050، سيكون من المهم مشاركة الدروس المستفادة حول كيفية تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي والتخطيط الحضري والتأثيرات المتتالية الأخرى لكوكب الاحترار.
وإلى جانب قانون النمو والفرص في أفريقيا ومبادرات Power Africa وProsper Africa للإدارات السابقة، تحتاج الولايات المتحدة إلى التفكير بشكل خلاق في علاقتها الاقتصادية مع القارة الأفريقية. من خلال دعم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من خلال تقديم المساعدة الفنية للأمانة، ودعم آليات تسوية المنازعات التجارية، وتعزيز فرص رقمنة التجارة عبر الحدود.
هذا إلى جانب إنشاء شراكات بين شركات التكنولوجيا الأمريكية والأفريقية والحاضنات والمؤسسات التعليمية لبناء القدرات الرقمية للشباب الأفارقة؛ لإضفاء الطابع الرسمي على دعم الولايات المتحدة لقطاع التكنولوجيا الناشئة في أفريقيا وبيئة الشركات الناشئة.
وأخيرًا، الاستفادة من المغتربين الأفريقيين، بوصفه أسرع معدلات زيادة في أعداد المهاجرين نموًا في الولايات المتحدة، حيث زاد بنسبة 50٪ بين عامي 2010 و2018؛ مما يعطي الأولوية للاستفادة من روح المبادرة الخاصة بهم والخبرة والاتصالات عبر الوطنية وتسهيل دخول شركاتهم الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى الاقتصادات الأفريقية، وذلك بدعم من هيئة تمويل التنمية الدولية الأمريكية.
ويجب أن تقترن هذه الارتباطات الاقتصادية والحكومية الدولية والاجتماعية المبتكرة بدبلوماسية تقليدية متدرجة بشكل مناسب. وذلك بأن تكون وظائف وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتجارة (USAID) في القارة مكتملة بالموظفين، واستكشاف إمكانية إضافة وظائف جديدة؛ للتأكد من أن وجهات النظر الأمريكية معروفة جيدًا من قبل السكان خارج العواصم والتفكير في فتح قنصليات في أماكن مثل كانو ومومباسا ودير داوا، وإنشاء فرق قطرية مخصصة لسفارة الولايات المتحدة للمجموعات الاقتصادية الإقليمية منفصلة عن البعثة الثنائية ويعمل بها ممثلون من وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع ووزارة التجارة. واعتبر أن الولايات المتحدة لم تكن حاضرة في القارة الأفريقية؛ إلا من خلال المشاركة في هذه المنتديات الثنائية والمتعددة الأطراف.
كيف يرى الإعلام الأمريكي مشاركة بايدن في قمة الاتحاد الأفريقي؟
رأت إذاعة “صوت أمريكا” رسالة بايدن التي ظهرت في خطابه عبر تقنية الفيديو بأن الولايات المتحدة مستعدة الآن لتكون شريكك في التضامن والدعم والاحترام المتبادل، بمثابة رسالة لإعادة التوجه الأمريكي تجاه القارة، والتي حدد فيها أوجه التعاون والمتعلقة بالاستثمار وتعزيز حقوق الإنسان للفئات المميزة كالمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة وجميع الأشخاص من كافة العرقيات.
وهو ما لاقى ترحيبًا من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، وعدّه الخبراء بمثابة تغيير في الرسالة التي انتهجها ترامب تجاه القارة الأفريقية والتي بدأت باستخدامه عبارات مسيئة ضد القارة، فيما تغيرت التوجهات الأمريكية في مواجهة التنافس الصيني من خلال تعميق المصالح مع الدول الأفريقية وكذلك أصحاب المصالح والشركاء في الاتحاد الأفريقي، والتي سبقت هذه المداخلة إلغاء حظر السفر الذي فرضه ترامب في أول قرار له منذ توليه المسئولية في البيت الأبيض.
ووصف الباحثون المداخلة التي خلت من ذكر الصين بأنها طريقة جديدة أكثر فاعلية في تغيير شكل العلاقة التي توضح أنها قائمة من أجل أفريقيا وليس التنافس الصيني.
وعن تغيير الشكل الدبلوماسي القائم على التعددية وليس الثنائية التي فرضها ترامب وأجندة أمريكا أولاً، فهناك تركيز أمريكي حول قضايا الديمقراطية والحكم والقضايا الإنسانية وانفتاح العلاقات الدبلوماسية، والتي ظهرت في حديث وزير الخارجية أنتوني بلينكين مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والتي أعرب فيها عن قلقه إزاء النزاع المسلح المستمر بين جبهة تحرير تيجراي الشعبية والقوات الداعمة للحكومة. كما تدرس وزارة الخارجية اتخاذ إجراءات ضد الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، وهو حليف قوي للولايات المتحدة والذي فاز مؤخرًا بولايته السادسة من خلال انتخابات وصفتها الإذاعة بالدامية.
وعدّ التقرير أن المداخلة الأولى للرئيس الأمريكي بايدن مع الاتحاد الأفريقي بمثابة إشارة إلى فعًالية الاتحاد الأفريقي وأن الولايات المتحدة ستتعامل معه بمحمل الجد.
وعن الملفات المتوقع أن تركز عليها الإدارة الأمريكية، فهي المشاركة الدولية في قضايا المناخ وتوفير اللقاحات للقضاء على فيروس كورونا، والتي أبدت الولايات المتحدة انخراطها في الأمر، والمشاركة بنحو 4 مليارات دولار في توفير اللقاح للاقتصاديات الأقل قدرة على توفير اللقاح، وهو ما سينعكس بدوره على الدول الأفريقية، أما عن الاتفاقيات الثنائية التي انتهجها ترامب مثل اتفاقية التجارة الحرة مع كينيا، فإن مصيرها مهدد بالفشل وتوقع الخبراء أن ينتقل الاهتمام الأمريكي إلى منطقة التجارة الحرة ككل.
وانتهى التقرير بوجود حالة من عدم اليقين تتمثل في دور الولايات المتحدة في التوسط في الخلافات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وأكد موقع “أول أفريكا” تغير النغمة الأمريكية في التعاطي مع الدول الأفريقية والتي ظهرت في رسائل التعاون القائمة على التعاون في مجال مكافحة فيروس كورونا، والتشديد على أهمية ضمان قدرة الدول النامية على التخفيف من تأثيرات التغيرات المناخية والتكيف معها.
وأكدت إدارة بايدن تغير النظرة للعلاقات مع أفريقيا، في دعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ترشيح وزير المالية النيجيري السابق الدكتورة نجوزي أوكونجو إيويالا في السباق على رئاسة منظمة التجارة العالمية (WTO)، وذلك بحسب قناة “سي جي تي إن”
وهو ما يضعنا أمام سياسة جديدة تضعها الإدارة الديمقراطية وتتناولها الهيئات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الأجندة الأمريكية في كافة الملتقيات، وأن سياسة الانفتاح الأمريكي ستدعم ثلاث ملفات هامة وهي التبادل التجاري والاستثمار، ودعم الديمقراطية في ظل النزاعات الداخلية في الدول الأفريقية حول التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات، وأخيرًا قضايا حقوق الإنسان والتي ظهرت بقوة في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول الوضع الإنساني في التيجراي الإثيوبي، والتي ستعكس مزيدًا من الانخراط الأمريكي في قضايا القارة الأفريقية.
باحثة بالمرصد المصري