كورونا

حصاد البنك الدولي لعام 2020 :تفشي جائحة كورونا وسقوط الملايين في براثن الفقر

عَرض – كريستين نبيل 

 نشر “البنك الدولي” تقريرًا بتاريخ 14 ديسمبر تحت عنوان استعراض حصاد عام 2020 وتأثير فيروس كورونا المستجد في 12 شكلاً بيانياً”  لكاتبيه بول بليك مسؤول الشؤون الخارجية بالبنك الدولي وديفيانشي وادوا الخبيرة بالبيانات. يهدف هذا المقال إلى تقديم وصٍف كمي وعرضٍ عام لنتائج بعض التقارير الاقتصادية والاجتماعية لتأثيرات جائحة كورونا على مختلف نواحي الحياة.

بدأ التقرير بعرض بعض تعبيرات مثل “الإغلاقات العامة” و“إلزامية ارتداء الكمامة”  و ” التباعد الاجتماعي” التي لم تكن معروفة لمعظم سكان العالم وكيف أصبحت هذه  التعبيرات جزء من الحياة اليومية المُعاشة. ولم تقف تأثيرات الجائحة إلى هذا الحد فقط بل ألحقت أشد الضرر بالفئات الضعيفة والاكثر إحتياجًا.

             “جائحة كورونا قد خلفت تأثيرات واسعة النطاق على كل مجال من مجالات التنمية تقريبًا

كما لم تفعله أي أزمة من قبلها”

أولًا: الاثار الاقتصادية  لتفشي جائحة كورونا

استعرض التقرير أهم النتائج لمجموعة من الابحاث والتقارير الدولية، وسلط الضوء بطرق مختلفة عن الفقراء الجدد، الفئة الجديدة التي تسببت الجائحة في خلقها. حيث أفاد هذا التقرير أن بعد عقود من التقدم في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، جاء عام 2020 يُنذر بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.

وأستند الباحثان لأحدث نسخة من “تقرير الفقر والرخاء المشترك”. حيث أشارت أحدث التحليلات الاقتصادية إلى قراءة أولية  تفيد بسقوط الملايين في براثن الفقر:

  •  88 مليون شخص تقريبًا وفقًا للسيناريو المتفائل
  •  وقد يرتفع هذا الرقم إلى 115 مليون شخص وفقًا للسيناريو المتشائم

ويتوقع البنك الدولي أن تكون أكبر شريحة من الفقراء الجدد في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة جنوب الصحراء في افريقيا.

ووفقًا لتقرير الفقر والرخاء لعام 2020، إن كثيراً من الفقراء الجدد يشتغلون على الأرجح في قطاعات الخدمات غير الرسمية، والإنشاءات، والصناعات التحويلية  وهي القطاعات التي تأثَّر فيها النشاط الاقتصادي بشدة من جراء الإغلاقات العامة والقيود الأخرى على الحركة والانتقال.

عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم

وأوضح البنك الدولي أن الأثار الجانبية لتفشي الجائحة لاتتوقف فقط عند  هذا الحد من الخطورة. لن يزيد فقط عدد الفقراء و لكن سنجد في الاعاوم المقبلة ملايين من الناس بلا وجبات غذائية. ووفقًا لمؤشرات التنمية للبنك الدولي أن معدل الفقر الغذائي  في إذدياد قبل جائحة كورونا ولكنها للاسف ستزداد سوءًا بعد انتشار الوباء.

      كما استعرض التقرير بشكل مُفصل أهم العوامل التي تُسبب في إرتفاع عدد الفقراء أثناء جائحة كورونا و منها

  • الركود الاقتصادي الذي وصفه الخبراء الاقتصاديين في تقرير“الآفاق الاقتصادية العالمية” الصادر في شهر يونيو من العام الماضي، بأنه الاشد والاكثر خطورة من الركود الذي حدث في مطلع التسعينات و من الذي حدث مع بداية عام 2009. بل أنه الاشد منذ الحرب العالمية الثانية. كما تنبَأ الخبراء بانكماش الاقتصاد العالمي وكذلك انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل هذا العام ليدفع بملايين من الناس في هوة الفقر المدقع.

           تنبؤات المحللين الاقتصادين بالبنك الدولي  للنمو بين كل موجات الركود العالمية منذ  عام 1990

–  انخفاض التحويلات المالية مع انخفاض أعداد المهاجرين والمغتربين  حيث تزايدت خلال العقود الماضية أهمية الدور الذي تلعبه التحويلات المالية  للمغتربين في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو وخصوصًا في الدول النامية، ففي العام الماضي فقط، كانت هذه التدفقات المالية مساويةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية (أي المساعدات الرسمية من حكومة إلى حكومة دولة أخرى).

ولكن تسببت جائحة كورونا في حدوث انتكاسة شديدة، حيث تُفيد تنبؤات الخبراء بالبنك الدولي إلى إنخفاض تلك  التحويلات بنسبة 14% بنهاية عام 2021، وبالرغم من تحسُن التقديرات حاليًا عن  تحليلا الوقت السابق خلال الموجة الاولى للجائحة، وتحسنها جزئيًا في عام 2021 عن عام 2020، إلا أن هذا التراجع في التحويلات لازال غير مسبوق على مدار عدة عقود . 

فمن المتوقع أن تشهد كل المناطق تراجع التحويلات المالية، وأن تُسجِّل أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع. ومع هذه التراجعات، من المرجح أن تهبط أعداد المهاجرين والمغتربين في عام 2020 – وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث – مع انحسار أعداد المهاجرين والمغتربين الجدد وزيادة أعداد العائدين منهم.

  • ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية فمن المعروف معاناة سكان البلدان النامية قبل تفشي الوباء  بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية، وفقًا للبنك الدولى تُشير الاحصاءات أن الاعباء المالية التي يتكبدها 900 مليون شخص من بين هؤلاء  يدفعون أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمنًا للرعاية الصحية. مما يدفع حوالي 90 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا. حتى الان لا يوجد إحصاء رسمي يرصد أعداد ضحايا ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية و لكن المؤكد هو تفاقم  هذه الارقام بسبب الجائحة
  • تخفيف أعباء الديون حيث أفاد الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي أن نصف بلدان العالم منخفضة الدخل تعاني بالفعل من ضائقة مديونية أو في خطر التعرض من قبل تفشي جائحة كورونا، مما لا يتيح لها مجالاً يُذكر للتحرك على صعيد المالية العامة لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين تضرروا بشدة من جراء الجائحة.

ولهذا السبب دعا كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أبريل 2020 إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقراً لتمكينها من التركيز على مكافحة الجائحة. وقد مكَّنت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين هذه البلدان من توفير مليارات الدولارات من أجل استجابتها في مواجهة الجائحة. ومع ذلك ستظل الديون تُشكِّل عبئاً ثقيلاً في الأعوام القادمة، وسيلزم هذا الامر اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الديون من أجل تفادي ضياع عِقْد آخر.

  • أغتنام فرص الاستدامة  على الرغم من تركيز العالم على الجائحة، فإن الصدمات المناخية والكوارث الطبيعية وخسائر تدهور المنظومة البيئية لم تتوقف.  لذا اهتم البنك الدولي بتمويل الأنشطة المناخية،  حيث قامت بتقديم 83 مليار دولار للاستثمارات المتصلة بتغير المناخ خلال السنوات الخمس الماضية.

 وفي ظل جائحة كورونا، التفت العالم لضرورة صياغة مسارلتعافٍ مستدام للاقتصاد دون الضرر بالبيئة. و ذلك من خلال البحث عن سبل مواءمة الأهداف قصيرة الأجل مثل (خلق الوظائف والنمو الاقتصادي)  مع الأهداف طويلة الأجل (مثل خفض الانبعاثات الكربونية). 

زيادة تمويل الأنشطة المناخية من 20% من القروض في 2016 إلى 28% في 2020

ثانيًا: الاثار الاجتماعية لتفشي  جائحة كورونا

تسبببت الاغلاقات العامة و إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا إلى حدوث  أثار إجتماعية لم تحدث من قبل ومنها:

  • فقر التعلم الناجم عن إغلاق الفصول الدراسية أكثر من 160 دولة قامت بفرض إغلاق المدارس إما بشكل تام أو بشكل جزئي مما أثر بالسلب على المستوى التعليمي  لمليار ونصف طفٍل وشاب على مستوى العالم. ووفقًا لتصريحات من منظمة اليونسكو  

    ” ستمتد الاثار السلبية للجائحة على التعليم لعدة عقود ولن تقف فقط عند حد  سوء التحصيل الدراسي في الأمد القصير، وإنما أيضاً تقليص الفرص الاقتصادية التي ستُتاح لهذا الجيل من الطلاب على الأمد الطويل” 

فبسبب إنخفاض التحصيل الدراسي وزيادة معدلات التسرب من المدارس، من المحتمل أن يفقد هذا الجيل من الطلاب ما يُقدَر بنحو 10 تريليونات دولار من الدخل أو قرابة 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وزيادة مستويات فقر التعلم زيادة كبيرة جدًا تصل  إلى 63%، أي ما يعادل 72 مليون طفل آخر في سن التعليم الابتدائي.

  • التمييز بين الجنسين على الرغم من التقدم الملموس للفرص الاقتصادية المتاحة للنساء خلال الخمسون عامًا الماضية و الذي رصده تقرير “المرأة و أنشطة الاعمال والقانون” و الذي صدر في مطلع عام 2020، إلا أن جائحة كورونا  تسببت في دق ناقوس الخطر لاتساع الفجوة بين الجنسين أثناء الجائحة و بعد إنحصارها. و قد تؤدي هذه الجائحة لضياع بعض المكاسب التي حققتها المرأة خلال العقود الماضية إن لم تلتفت الحكومات و سارعت بتقديم الدعم اللازم من خلال تشريعات و فرص حقيقية لتكين المرأة إقتصاديًا خلال الوقت القادم.
  • اللجوء بشكل متزايد إلى التواصل من خلال شبكة الانترنت والتكنولوجيا زادت أهمية التواصل الرقمي خلال العقود الماضية  حيث أصبحت شبكات الإنترنت بوابة الوصول إلى الكثير من الخدمات الأساسية والتحويلات النقدية الرقمية. وأزادت كورونا من أهمية التواصل الرقمي الذي ساهم في التخفيف من الاثار السلبية لتفشي الجائحة من خلال منصات الصحة الإلكترونية وغيرها من الخدمات التعليمية وخدمات أخرى.

حيث أفادت نتائج إستقصاء قام به البنك الدولي مع  شركات متوسطة و صغيرة و متناهية الصغر في الدول النامية، أن ثلث هذه الشركات استخدم شبكة الانترنت و مبتكرات تكنولوجية من أجل التكيف مع الازمة. 

بالرغم أن التكنولوجيا لم تتمكن  من حل مشكلات هذه الشركات بشكل جذري  إلا أنها ساهمت بشكلٍ او أخر  في تخفيف تلك الاثار.

    ” حيث أفاد هذا الاستقصاء أن مبيعات الشركات قد هبطت بمقدار النصف بسبب الأزمة، الأمر الذي اضطر الشركات إلى تقليص ساعات العمل والأجور وغيرها من الاجراءات.” 

  • زيادة مناطق الهشاشة و الاكثر عرضًا  للصراعات في عام 2000، كان هناك واحد من كل خمسة فقراء مدقعين في العالم يعيش في بيئات تعاني أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. وبالرغم من زيادة المناطق الاكثرعرضًا للهشاشة والصراعات بشكل ملحوظ لكن عددها الاجمالي كان أقل من المناطق الغير عرضة للصراعات حتى عام 2020.

وللاسف مع بداية أنتشار جائحة كورونا نجد أن المناطق الاكثر هشاشة والاكثر عرضة للصراعات أصبحت أكثر من المناطق البعيدة عن الصراعات، كما هو موضح بالأشكل البياني التالي لعامي 2019 و 2020:

وأختتم كل من بول بليك وديفيانشي وادوا تقريرهما بمقولة  الخبير ديفيد مالباس

إن جائحة كورونا لم تكن معروفة قبل عام، لكنها سرعان ما أصبحت عدسة جديدة للطريقة التي ننظر بها إلى كل ما نفعله لدعم التنمية”. كما أكدا أن النطاق الكامل لتأثيرات الجائحة لن يتضح الان بل سيحتاج إلى عدة سنوات، والكثير من العمل على تجميع البيانات وتحليلها، وكذا تطوير الأدوات التمويلية لتلبية احتياجات البلدان ومواصلة العمل للقضاء على الفقر المدق

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى