آسيا

هل يُمكن تبني مقاربة مشتركة بين أمريكا وأوروبا بشأن الصين؟

يُمكن القول إن الإدارة الأمريكية الجديدة، إذا ما أرادت أن تكون سياستها فعًّالة تجاه الصين، فعليها العمل مع “الحلفاء الأوروبيين”، وتجنب التصرف الأحادي الجانب كما فعلت إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب”. وفي هذا السياق، يُمكن تحديد خمسة مجالات للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الصين، تتمثل هذه المجالات في الآتي: (القضايا الاقتصادية، وقضايا التكنولوجيا، وحقوق الإنسان، وإعادة تنشيط النظام الدولي، والتغيرات المناخية). 

 ومع ذلك لن يكن العمل مع الحلفاء الأوروبيين لتطوير سياسات مشتركة تجاه الصين بالأمر السهل على الرغم من أن الاتجاه داخل أوروبا يسير بوضوح نحو نهج أكثر صرامة بشأن الصين، إلا أن المصالح الأمريكية المتصورة والسياسة الحالية تتباعد في نواحٍ عديدة مع سياسات الاتحاد الأوروبي. 

فعلى الصعيد الاقتصادي، تتمتع أوروبا باعتماد اقتصادي كبير على الصين أكثر من الولايات المتحدة، ذلك على الرغم من تزايد الانتقادات الأوروبية للصين بشأن سياساتها الاقتصادية غير العادلة؛ إضافة إلى أن أوروبا لا تٌشارك الولايات المتحدة الأمريكية ذات المخاوف المرتبطة بالأمن القومي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. 

وعلى الرغم من تزايد انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، إلا أن استعداد أوروبا لاتخاذ إجراءات ملموسة لفرض عقوبات على الصين لهذه الانتهاكات لا يزال غير واضح. بالإضافة إلى ذلك، تبنت أوروبا تعاونًا وثيقًا مع الصين في مجالات مثل تغير المناخ ومجالات أخرى، بينما تخلت الولايات المتحدة عن معظم مجالات التعاون مع الصين.

في الوقت ذاته، يشعر الأوروبيون بارتياب شديد تجاه الولايات المتحدة بعد أربع سنوات من إدارة ترامب. وهو ما يضع على عاتق الإدارة الأمريكية الجديدة مسؤولية تطوير سياسة أكثر تعاونًا مع الدول الأوروبية واستعادة الثقة التي تراجعت إبان عهد ترامب، من خلال تبنًّي دبلوماسية أمريكية تُكسب الثقة للحلفاء الأوروبيين، لتنسيق سياسة أمريكية أوروبية موحدة تجاه بكين. 

جدير بالذكر، إن عودة الثقة لأوروبا في الولايات المتحدة الأمريكية سيستغرق وقتًا ودبلوماسية كبيرة، وفهم جيد لما تريده “القيادة الأمريكية”. لكن المكاسب التي ستحققها الولايات المتحدة ستكون عظيمة إذا تمكن صانعو القرار من تطوير تعاون قوي عبر المحيط الأطلسي بشأن التحديات العالمية.

النظرة الأوروبية للصين

أخطأت إدارة الرئيس “ترامب”، عندما تعاملت مع الصين في معظم القضايا والمسائل المرتبطة بالسياسة الخارجية الأمريكية بشكل أحادي بعيدًا عن الحلفاء الأوروبيين. 

لكن مع انتخاب “جو بادين” رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، تبدو الحاجة مٌلحة بضرورة العمل مع الحلفاء الأوروبيين، من أجل تنسيق سياسة مُشتركة بشأن بكين. وهو الأمر الذي قُوبل بترحيب حار من قِبل زعماء الاتحاد الأوروبي والزعماء الأوروبيون، اَملين أن يؤدي انتخاب “بايدن” إلى إعادة تنشيط العلاقات على نطاق واسع من خلال الشراكة عبر الأطلسي. في الوقت ذاته أعربوا عن استعدادهم لتعاون وثيق مع إدارة بايدن بشأن الصين والتحديات التي تطرحها فيما يتعلق بالممارسات التجارية غير العادلة والأمن والقضايا الأخرى التي يتشاركون فيها نفس التخوف الأمريكي. 

لكن رغم ذلك تظل معضلة عدم تلاقي المصالح الأمريكية والأوروبية المرتبطة بالصين ضمن التحديات التي تواجه عملية تطوير نهج تعاوني فعًّال مع الأوروبيين.

وقد كشفت مؤتمرات القمة بين الاتحاد الأوروبي والصين في يونيو وسبتمبر 2020 عن تحديات التعاون عبر الأطلسي بشأن الصين، إذ يستمر موقف أوروبا تجاه الصين في التشدد خاصة بسبب ممارسات الصين الاقتصادية وانتهاكاتها لحقوق الانسان، علاوة على فيروس كورونا المُستجد، وتعتبر وثيقة المفوضية الأوروبية، والمعنونة بــ “الاتحاد الأوروبي والصين: نظرة استراتيجية”، الصادرة في مارس 2019 بمثابة البيان الشامل لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، والتي تصف العلاقة بين الطرفين بالآتي:

  • النظر للصين بوصفها شريك في المجالات السياسية المختلفة، وكونها شريك مهم يحتاج الاتحاد الأوروبي لإيجاد توازن معه في المصالح المشتركة، فضلًا عن كونه منافس اقتصادي يسعى لتحقيق الريادة التكنولوجية، ومنافس يروج لنماذج بديلة للحكم، وهو ما يحتاج لنهج مرن وعملي في التعامل معه، بما يتيح الدفاع عن المصالح والقيم العالمية.
  • وصف الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة الصين “بالمنافس المنهجي”، والذي لابد من التعاون معه في العديد من القضايا ذات الاهتمام المُشترك، وهو ما أكدته رئيسة المفوضية الأوروبية “فون دير لاين” (von der Leyen)، في قمة يونيو 2020 إلى أنه “ليس من الممكن تشكيل عالم الغد بدون شراكة قوية بين الاتحاد الأوروبي والصين”.
  • وعليه يجب أن يتم العمل مع أوروبا بشأن الصين انطلاقًا من هذه الحقائق، إذ أن القضايا الاقتصادية تأتي في المرتبة الأولى لأوروبا، حيث تعتمد على التجارة والاستثمار مع الصين أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن الصين ثاني شريك تجاري للاتحاد الأوربي، فضلًا عن كون الأخير الشريك التجاري الأكبر للصين، ومع ذلك ترى أوروبا أن الحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين هو جوهر مصالحها، وبالتأكيد لا تريد الاختيار بينهما.
  • علاوة على ذلك لا تشارك أوروبا الولايات المتحدة الأمريكية ذات المخاوف المٌتعلقة بالأمن القومي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ ترى أوروبا مصالحها في آسيا بشكل كبير من منظور اقتصادي. فعلى الرغم من حفاظ دول أوروبا على علاقات خاصة مع الولايات المتحدة، إلا أنها لا تريد أن تنغمس في صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خاصة في ظل تأكيدات بعض القادة الأوروبيين مثل الفرنسي إيمانويل ماكرون على “السيادة الأوروبية.
  • رغم انتقادات أوروبا المتزايدة لسياسات الصين في مجال حقوق الانسان خاصة ما يتعلق بـ “شينجيانغ” و”هونغ كونغ”، لكن لم يتضح بعد الخطوات التي سيتخذونها بخلاف التعبير عن النقد العام، وعلى الرغم من اقتراح رئيس الاتحاد الأوروبي في 19 أكتوبر 2020 بشأن إنشاء نظام عقوبات عالمي لحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، إلا أن التأييد الكامل من الاتحاد الأوروبي لا يزال غير مؤكد.
  • على صعيد آخر، يواصل الاتحاد الأوروبي تبني التعاون مع الصين على الرغم من الاختلافات الجوهرية فيما بينهما، إذ يعملون بصورة تشاركية بشأن تغير المناخ في إطار اتفاق باريس، علاوة على التعاون بشأن جائحة “كوفيد-19″، كما واصلت الأطراف الأوروبية العمل مع الصين ضمن الاتفاق النووي الإيراني، وعليه بات من المؤكد أن أوروبا ستدفع الإدارة الأمريكية القادمة لتبني تعاون مماثل مع الصين.
  • وهنا يجب التأكيد على حالة التغيير السياسي التي تشكلت في أوروبا سواء بسبب استمرار تهديدات جائحة “كوفيد-19″، أو عبر الصعوبات الاقتصادية والتوترات داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع الحلفاء الأوروبيين للتغلب على هذه التحديات.
  • لقد تسببت إدارة ترامب في ضرب الثقة بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون، بحيث أصبح ينظر إلى واشنطن على أنها غير موثوقة ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وعليه يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة إعطاء الأولوية لبذل الجهود لاستعادة الثقة المفقودة مع الأوروبيين.

أهداف الولايات المتحدة في هذا الصدد

في ظل الاختلافات سالفة الذكر، يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تطوير قائمة الأولويات لعدد من القضايا مع الحكومات والخبراء الأوروبيين، الأمر الذي يمكن أن يُساهم في مواجهة الصين كما أنه يُعزز من التعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية. من ناحية أخرى، يجب تطوير استراتيجية دبلوماسية لإقناع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل عام بتنفيذ نهج تعاوني بشأن التعامل مع الصين.

التوصيات التي يُمكن للإدارة الجديدة تبنيَّها

سيتطلب تبني سياسة مشتركة بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين التعاون في عدد من المجالات ذات الأهمية الكبرى ومن بينها: 

  • القضايا الاقتصادية، إذ يُعد المجال الاقتصادي من المجالات الواعدة للتعاون عبر الأطلسي، خاصة في ظل المخاوف المشتركة من قبل أوروبا والولايات المتحدة بشأن الممارسات الاقتصادية للصين، وعليه يمكن تعزيز التعاون في هذا المجال، إلا أن هناك عدد من التحديات يجب التغلب عليه، خاصة ما يرتبط بتباعد المصالح بين الطرفين، وقد تشمل المجالات الاقتصادية الواعدة تطوير سياسات مُماثلة ونهج موحد تجاه الصين.
  • التكنولوجيا: تتشارك الولايات المتحدة وأوروبا العديد من المخاوف لكنها ليست متطابقة بشأن الممارسات الصينية، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وأوروبا متنافسان في هذا المجال، إلا أن هناك مجالات محتملة لمزيد من التعاون عبر الأطلسي يتجاوز المجالات المهمة للتعاون الاقتصادي ومن بينها (تطوير اَليات مشتركة بشأن معايير تكنولوجيا الجيل الخامس (5G)، وأمن سلاسل التوريد، والإعانات الحكومية لبعض القطاعات، والعمل لتطوير المعايير الفنية الدولية للتقنيات الجديدة التي تتوافق مع القيم المشتركة.
  • حقوق الإنسان، مع تزايد القلق الأوروبي بشأن انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، لا سيما في “شينجيانغ” و “هونغ كونغ”، فإن الرد المشترك على سياسات الصين في مجال حقوق الإنسان يٌعد مجالًا واعدًا للتعاون بين الجانبين، من هذا المنطلق، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا العمل لتطوير نهج مشترك وإجراءات تعاونية تسعى إلى فرض عقوبات على الصين في انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
  • إعادة تنشيط النظام الدولي، بينما تسعى الصين لبسط نفوذها بشكل كبير داخل المؤسسات الدولية وذلك على خلفية انسحاب “ترامب” من تلك المؤسسات، فقد يكون من الضروري على الإدارة الجديدة العودة لهذه المؤسسات والقيام بدور قيادي ومؤثر، ومن الضروري أن يتطور النظام العالمي، بما في ذلك المؤسسات الدولية، ويتكيف مع تغير موازين القوى في العالم بما في ذلك الطموحات الكبيرة للاتحاد الأوروبي، وكذلك الكيانات المتعددة الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار أن انهيار المؤسسات الدولية وحل محلها المؤسسات المتنافسة سيؤدي إلى مخاطر كبيرة. 
  • تغير المناخ، تحتاج الولايات المتحدة للعودة لاتفاق باريس للعب دور فعًّال في مٌعالجة قضية تغير المناخ على مستوى العالم، ونظرًا لأن الصين مسؤولة عن النسبة العالية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فلا يمكن احتواء تغير المناخ دون بذل الصين المزيد من الجهد، وعليه فالتعاون الثنائي مع الصين في هذه القضية ضروري، وكذلك العمل من خلال المؤسسات متعددة الأطراف. وهنا يُمكن للولايات المتحدة العمل مع أوروبا للضغط بشكل مشترك على الصين لتقليل استخدامها للفحم محليًا وخاصة في مشاريع مبادرة الحزام والطريق. إضافة لتوسيع التعاون العالمي في تطوير تقنيات الطاقة النظيفة، ومعايير التكنولوجيا الخضراء، ومساعدة البلدان النامية على تمويل الاستخدام الموسع لتكنولوجيات وممارسات الطاقة النظيفة.

في الأخير، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني استراتيجية دبلوماسية دقيقيه تجاه أوروبا من أجل تطوير وتعزيز النهج التعاوني، مع العمل على الفهم الواضح لدرجة ومستوى انعدام الثقة والغضب الذي يشعر به العديد من المسؤولين الأوروبيين حاليًا تجاه الولايات المتحدة، وعليه يجب أن تبدأ الاستراتيجية الدبلوماسية مع أوروبا بجهد واسع النطاق لإعادة بناء الثقة من جديد.

المصادر: 

  1. Paul Gewirtz, “The future of trans-Atlantic collaboration on China: What the EU-China summit showed”, (brookings, June 26, 2020): https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/06/26/the-future-of-trans-atlantic-collaboration-on-china-what-the-eu-china-summit-showed/
  2. “EU-China – A Strategic Outlook,” )The European Commission, March 12, 2019): https://ec.europa.eu/commission/sites/beta-political/files/communication-eu-china-a-strategic-outlook.pdf
  3. Mark Wu, “Managing the China Trade Challenge: Confronting the Limits of the WTO”, (Harvard Law School, 10 Oct. 2020): https://cpb-us-w2.wpmucdn.com/web.sas.upenn.edu/dist/b/732/files/2020/10/Mark-Wu_Limits-of-WTO_Final.pdf

“Let’s Make the Most of This New Chapter in EU-US Relations.” EEAS – European External Action Service – European Commission, https://eeas.europa.eu/headquarters/headquarters-homepage/88393/let%E2%80%99s-make-most-new-chapter-eu-us-relations_en

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى