
سيناريو تصديق البرلمان على إجراء الانتخابات العامة في إثيوبيا عقب انعقاد أول جلسة لبرلمان التيجراي
مع اقتراب انتهاء الصلاحية الدستورية للحكومة الإثيوبية في أكتوبر المقبل، والتى أعطى لها المجلس الانتخابي الإثيوبي صلاحية لمدة عام في ١٠ يونيو الماضي، مع الإعلان عن تأجيل الانتخابات لمدة ٩ إلى ١٢ شهرًا، كشرت المعارضة عن أنيابها أمام حكومة آبي أحمد ورفضت مبدأ التفسير الدستوري الذي تبناه الحزب الموحد “الازدهار”، وطالبت بوجود حكومة انتقالية.
وفشلت كافة طرق الوساطة التى اعتمد عليها آبي ومنها اللجوء إلى الاتحاد الأفريقي، وقابلها بحملة اعتقالات واسعة لتقويض المعارضة والتشبث بقضية سد النهضة باعتبارها المنقذ له في الداخل واللعب بالبطولة الورقية، ولكن هذه السياسات لم تمنع إقليم التيجراي ذا الأقلية الأكثر تأثيرًا في الداخل الإثيوبي من إجراء انتخابات في الإقليم، وانعقاد أولى جلسات البرلمان، وسط دعوات بعدم دستورية هذا الإجراء وتصريحات متناقضة حول إتاحة الدستور للتدخل العسكري حال مخالفته، وأخرى تؤكد عدم الانجراف وراء العنف وذاك عقب الاستعراض العسكري للإقليم في احتفالية “متكدسة” تم تسميتها بأنها جاءت للتوعية بشأن فيروس كورنا.
فكانت المفارقة الأخيرة هو تصديق البرلمان الإثيوبي على إجراء الانتخابات الإثيوبية ولكن دون تحديد موعد لذلك، مما أثار التساؤلات حول دستورية قرار التأجيل ودوافعه، وسط التخوف من تزايد اندلاع العنف واعتقال الشخصيات الأكثر تأثيرًا، وإمكانية حدوث انقلاب جديد، وكيف أثرت انتخابات التيجراي في إحداث هذا التغيير في موقف الحكومة الإثيوبية خاصة دون انتفاء سبب تأجيل الانتخابات وهو انتشار فيروس كورونا.
موقف المعارضة من تصديق البرلمان على إجراء الانتخابات
عقب سلسلة وساطات لجأت إليها الحكومة الإثيوبية لإذابة الجليد مع المعارضة، ومحاولة الوقوف ضد المعارضة الأكثر تأثيرًا والتي أعلنت رفض استكمال الصلاحية الدستورية للحكومة الحالية والمقرر لها أكتوبر المقبل، خضعت حكومة آبي أحمد لإجراء أول حوار مع المعارضة في محاولة لرأب الصدع عقب إجراء إقليم التيجراي الانتخابات وسط تهديدات بعدم الاعتراف بالحكومة الفيدرالية للدولة بداية من أكتوبر المقبل.
وصف الإعلام الرسمي هذا اللقاء بأنه نجاح في محاولة للصلح مع المعارضة والحزب الموحد بقيادة آبي أحمد، فيما وصفها كثيرون وعلى رأسهم المعارضة في إقليم الأورومو بأنها جاءت عقب سلسلة من الاعتقالات للشخصيات الأكثر تأثيرًا في الإقليم وعلى رأسهم جوهر محمد الذي تم اتهامه بالتحالف مع جبهة تحرير تيجراي لاغتيال المطرب الأورومي المناضل هاشالو هونديسا، والتي أعقبها حملة اعتقالات دون توجيه اتهامات محددة لقادة الإقليم، ثم تم تعديل الاتهامات لتشمل ضلوعه في عمليات إرهابية.
أعقب هذا اللقاء، قيام البرلمان الإثيوبي في 25 سبتمبر الماضي بالتصديق على قرار إجراء الانتخابات العامة المؤجلة مرتين مسبقًا، وترك تحديد موعدها للهيئة الدستورية المعنية بالاقتراع؛ فكان مقررًا لها مايو 2020، ثم تم تأجيلها لأسباب أمنية ولوجيستية إلى 29 أغسطس ومع انتشار جائحة كورونا تم تأجيل الانتخابات مرة أخرى في 10 يونيو الماضي من 9 إلى 12 شهرًا، وهو ما قابله معارضة شرسة وسط مخاوف من وجود فراغ دستوري وتم اختيار “مبدأ التفسير الدستوري” الذي أيده حزب الازدهار الموحد، ولكن المعارضة رفضت التمديد للحكومة الحالية، وسط مخاوف من تقويض الديمقراطية، واعتبر المحللون عملية التأجيل بأنها جاءت لصالح الحكومة الفيدرالية.
وأثارت عملية إقرار البرلمان إجراء الانتخابات تساؤلات حول مصداقية التأجيل، خاصة مع استمرار سبب التأجيل وهو انتشار جائحة كورونا، في الوقت الذي كانت تنتهج فيه الحكومة الإثيوبية قرارات لا تمت للإجراءات الاحترازية بصلة، مثل احتفال افتتاح الحديقة العامة، وهو ما يقود تشكيكًا في نوايا إجراء الانتخابات للمرة السادسة منذ 1991، فجاءت ردود أفعال المعارضة متمثلة في جبهة تحرير الأورومو بضرورة إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإيجاد حلول وتوافقات حول القضايا الوطنية محل الخلاف، وخلق ظروف مواتية تحقق الأمن والاستقرار، والمطالبة بأن تكون الانتخابات في مايو المقبل كحد أقصى.
واختار حزب “حركة أمهرة الوطنية” قرار الحكومة الفيدرالية باعتبارها السبيل الذي انتهجته الحكومة الفيدرالية، مع التأكيد على ضرورة استتباب السلم والأمن بجميع المناطق التي تعاني من إنعدام القانون.
فيما أشارت جبهة تحرير التيجراي، والتي أجرت انتخابات في الإقليم في 9 سبتمبر الماضي إلى رفضها لإجراء انتخابات أخرى، والدعوة لوجود حكومة انتقالية؛ وذلك في أعقاب تصريح رئيس مجلس النواب، تاجيسي تشافو، بأن الانتخابات العامة ستجرى في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك “تيجراي”.
التيجراي تدعو لحكومة انتقالية
انعقدت الجلسة الأولى لبرلمان التيجراي، عقب الانتخابات التي أجراها الإقليم في 9 سبتمبر الماضي في تحدٍ واضح لحكومة آبي أحمد، وتم إعلان النتيجة في 13 سبتمبر بفوز “جبهة تحرير التيجراي” بنحو 98.5 % من الأصوات باقتراع منفصل عن الانتخابات العامة المؤجلة، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من الحكومة الفيدرالية بشأن عدم شرعية الانتخابات، واصل تيجراي تشكيل حكومته الجديدة، وتم انتخاب دبرصيون جبريمكيائيل كحاكم للإقليم، وكان يشغل بالفعل منصب نائب رئيس ولاية تيجراي بعد انتخابه لهذا المنصب من قبل المجلس المنتهية ولايته في يناير 2018. وعلى الرغم من أنه كان يتولى المسؤولية الكاملة عن الرئاسة الإقليمية، فقد تم انتخابه كـ “نائب” لأنه لم يكن عضو مجلس النواب الإقليمي.
وكان التنافس على 152 مقعدًا من أصل 190 مقعدًا لمجلس تيجراي الإقليمي حيث تم حجز 38 مقعدًا لتوزيعها على ممثلي الأقليات وفقًا للنسبة التي حددتها المفوضية، وتم تقاسم الباقي بين 4 أحزاب معارضة، حيث تنافس أكثر من 600 مرشح من الخمسة أحزاب سياسية.
بلغت نسبة المشاركة 97٪، وفقًا للجنة الانتخابية في تيجراي التي تأسست قبل ثلاثة أشهر بعد أن قررت الحكومة الفيدرالية تأجيل الانتخابات الوطنية لفترة غير محددة من الوقت بسبب فيروس كورونا وصدق عليها البرلمان وأعلنها المجلس الوطني للانتخابات الذي بدوره رفض إجراء انتخابات إقليم تيجراي.
ووافق المجلس الإقليمي لتيجراي على إعلان جديد يسمح للأحزاب السياسية المعارضة في المنطقة بشغل 15 مقعدًا في المجلس، رغم أنها لم تفز بأي شيء في الانتخابات الإقليمية التي أجريت مؤخرًا، وبناءً عليه تم تقاسم 15 مقعدًا إضافيًا بين خمسة أحزاب سياسية بناءً على عدد الأصوات التي فازوا بها في الانتخابات.
ومع قرار البرلمان بإجراء الانتخابات العامة وعدم الاعتراف بانتخابات التيجراي والمطالبة بإعادة الانتخابات صرحت جبهة التيجراي والتى أجرت بالفعل انتخابات منفصلة قبل أسبوعين، بأنه لن تكون هناك حكومة اتحادية شرعية في إثيوبيا بعد 5 أكتوبر 2020.
وهو ما قابله تهديد عسكري جديد؛ إذ حذر نائب رئيس أركان قوات الدفاع الإثيوبية برهانو جولا من أن قوات الدفاع ستتخذ إجراءات ضد أي كيان يحاول فرض إرادته بالقوة، في إشارة لتصريحات التيجراي.
الإعلان عن الانتخابات بين انتفاء السبب وتقويض المعارضة
وضعت انتخابات التيجراي بنسبة مشاركة ٩٧% الحكومة الفيدرالية أمام مأزق ضعف السبب الذي تم تاجيل الانتخابات العامة على إثره وهو انتشار جاىحة كورونا، ومع استمرار الجائحة وتراجع الحكومة عن قرارها بتأجيل الانتخابات لمدة من ٩ إلى ١٢ شهرا تنتفي الحجة التي انتهجتها حكومة آبي أحمد، خاصة وأن هذا القرار جاء مع استمرار الاحتجاجات التى تقودها قومية الأورمو عقب مقتل المطرب المناضل هاشالو هونديسا، هذا إلى جانب ما تشهده منطقة العفر من نزوح نتيجة تاثير الفيضانات ومطالبة ولايتا الجنوبية في الانفصال عن الدولة الفيدرالية، والنزاع في إقليم بني شنقول، مما يشير لانعدام الأمن في البلاد.
ولكن قادت الاحتجاجات الحكومة الفيدرالية إلى حملة اعتقالات انتقدتها المنظمات الحقوقية للحد الذي طلب فيه أعضاء من الكونجرس الأمريكي بالانتقال السلمي للسلطة. كما شملت حملة الاعتقالات الناشط الأبرز والحليف السابق لآبي أحمد، جوهر محمد المنحدر من قومية الأورومو، مما ترك الساحة خالية أمام آبي.
وهو ما يضعنا أمام سيناريو خضوع الحكومة الفيدرالية لطلب المعارضة في وجود حكومة انتقالية تقود لانتخابات ديمقراطية في مايو المقبل كحد أقصى يتم فيها الاعتراف بانتخابات القوميات التى اعتبرتها أمرا غير دستوري. وانتهاء شرعية الحكومة الفيدرالية الحالية بقيادة آبي أحمد خاصة في ظل وجود ضغوط دولية من قبل الشتات الإثيوبي بالخارج وجماعات الضغط خاصة في الولايات المتحدة في ظل حملة الاعتقالات التى يقودها آبي ضد المعارضة، وآخرها ما قضت إليه محكمة ليديتا بنقل جوهر محمد وسبعة عشر آخرين إلى السجن من مركز الشرطة على خلفية تهم متعلقة بالإرهاب.
أما السيناريو الثاني فهو خضوع القوميات لقرار البرلمان دون وجود ضمانات ديمقراطية تضمن خروج الانتخابات بشفافية عقب الحوار المنقوص مع المعارضة، والتى لن تقبلها القوميات إلا بالإفراج عن السجناء السياسين كبادرة حسن نوايا، وسط رفض آبي احمد فكرة وجود حكومة لتصريف الأعمال مع استمرار تهديداته لقومية التيجراي نحو فرض عقوبات على الإقليم.
باحثة بالمرصد المصري