
تحدي هيكلي: من سيخلف “محمود عزت”؟
مع إعلان السلطات المصرية القبض على “محمود عزت” (القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان)، تصاعدت تساؤلات عدة عن ماهية الشخص الذي ستُسند إليه قيادة الجماعة، ولا سيما في ضوء رفض الفقه الكلاسيكي لجماعة الإخوان ولاية “الأسير”(والذي يعنى عدم توليه من يقع في الاسر مسئولية الجماعة). وكان ذلك النهج متبع من قبل الجماعة مع إلقاء القبض على “محمد بديع”(المرشد السابق لجماعة الإخوان). ومن ثَمّ، تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على طبيعة مهام المرشد العام، وماهية المرشحين المُحتملين، بالإضافة إلى استعراض أبرز الإشكاليات التي تواجه تنصيب المرشد القادم.
اختيار المرشد العام
طبقًا للائحة جماعة الإخوان يتولى المرشد العام عددًا من المهام؛ إذ يُعد المسئول الأول عن الجماعة. ويقوم بالإشراف على كل إدارات الجماعة وتوجيهها، ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير وفق لنظام الجماعة. كذا له صلاحيات تمثيل الجماعة في كل الشئون والتحدث باسمها. ناهيك عن تكليفه ما يراه من الإخوان للقيام بمهام يحدد نطاقها له.
وقد حددت لائحة الجماعة جملة من الآليات لاختيار المرشد العام؛ إذ يقوم مكتب الإرشاد بترشيح أكثر اثنين قبولًا لدى المكاتب التنفيذية، وذلك في حال عدم وجود إجماع على شخص واحد. ويوجه نائب المرشد العام الدعوة إلى مجلس الشورى العام لاجتماع مدته أسبوع كحد أقصى يجرى فيه انتخاب المرشد العام الجديد، وذلك بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن حوالي 107 من أصل 121 عضوًا من مجلس شورى الجماعة ما بين مسجون ومتوفي ما يحول دون اجتماع المجلس.
وفي سياق متصل، وضعت اللائحة آليات للتعامل مع الظروف الاستثنائية التي يتعرض لها المرشد العام، حيث تنص المواد 4 و5 من اللائحة على “أن في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ يقوم نائبه الأول مقامه في جميع اختصاصاته”. كذلك “في حالة حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد لمهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد”.
المرشحون المحتملون
وفي ضوء المعطيات سالفة الذكر يبرز عدد من المرشحين المحتملين لخلافة “محمود عزت”، وسيتم استعراضهم على النحو التالي:
إبراهيم منير: هو أمين العام للتنظيم الدولي ونائب المرشد العام، ويعد من فريق الصقور والمعروف داخل التنظيم بالتيار القطبي. إذ كان ضمن المتهمين في قضية “تنظيم 65″، وحكم عليه بالسجن. وعقب خروجه طلب اللجوء إلى بريطانيا، واستقر في لندن، وحصل على عضوية مكتب الإرشاد، كما تولى مسؤولية ترتيب اللقاءات بين قادة الإخوان في مصر والحكومات الأوروبية للترويج للجماعة. وعقب ثورة 30 يونيو تولى مسؤولية الإشراف على توفير الدعم المالي واللوجيستي للعناصر الهاربة من مصر وإيوائها في تركيا وماليزيا والسودان. ويلعب دورًا كبيرًا في المشاريع الاقتصادية والمالية للتنظيم في الخارج. مؤخرًا، تعرض “منير” إلى انتقادات حادة؛ حيث تم اتهامه بتزوير انتخابات الجماعة وبفضائح أخلاقية.
محمد البحيري: يعد أحد قيادات الظل في جماعة الإخوان، ويلعب دورًا كبيرًا في التمويلات الجماعة في الخارج. ينتمي إلى التيار القطبي نسبة إلى أفكار سيد قطب. فقد كان ضمن المتهمين في قضية “تنظيم 65″، وصدر بحقه حكم بالإشغال الشاقة المؤبدة. وبعد خروجه من السجن، تعددت مسؤولياته حتى أصبح عضوًا بالتنظيم الدولي، ومسؤول الإخوان في أفريقيا. بالإضافة إلى توليه بعض الملفات الإدارية والتنظيمية داخل التنظيم الدولي. وقد أقام في السودان حتى عام ٢٠١١، ومع عودته لمصر تولى ملفات التنسيق بين إخوان مصر، وتونس، والمغرب، والسودان. بعد ثورة 30 يونيو هرب إلى السودان حيث كان مسئول ترتيب الإقامة والمعيشة للعناصر الإخوانية الهاربة من مصر. وفي الوقت الحالي يتنقل “البحيري” بين تركيا وبريطانيا للتنسيق والتشاور بشأن ملفات خاصة بالإخوان، مع منظمات دولية وحكومات غربية. مؤخرًا، ورد اسمه في التسجيلات المتعلقة بالفساد المالي لقيادات الإخوان والاستيلاء على أموال الجماعة.
محمود حسين: يعتبر من الرعيل الأول للجماعة؛ إذ تم استقطابه على يد “مصطفى مشهور”(المرشد الخامس للإخوان المسلمين وأحد منظريها). وعقب انضمامه للإخوان سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة وهناك شارك في كافة الأعمال التنظيمية للجماعة. وتدرج في مواقع الجماعة التنظيمية حتى أصبح عضوًا بمكتب إرشاد، ثم أمينًا للجماعة في عام 2010م، واستمر في منصبه حتى الآن. وعقب ثورة 30 يونيو، هرب إلى تركيا وأدار التنظيم من الخارج، وتعرض لانتقادات من قبل الإخوان؛ حيث ووصفوا فترة إدارته لشئون الجماعة في الخارج بالسيئة، متهمين إياه بعدم الشفافية والإقصاء ما تسبب في حالة شديدة من الإرباك للجماعة. وفي الآونة الأخيرة، جاء اسمه في تسريبات متعلقة باستيلائه على أموال التبرعات التي ترد للجماعة من المنظمات أجنبية والجمعيات الخيرية.
ويمكن القول، إن القاسم المشترك بين جميع المرشحين سالفين الذكر تحكمهم في مصادر تمويل الجماعة، وقدرتهم على التواصل مع المنظمات المختلفة من أجل الحصول على الدعم المالي للتنظيم هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تورطت جميع الأسماء السالفة في اتهامات متعلقة بالاختلاس والفساد المالي. ما يشير إلى أن الجماعة قوامها المال وهدفها المال.
إشكاليات متعددة
هناك جُملة من الإشكاليات المُتعلقة باختيار المرشد الجديد لجماعة الإخوان، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
أولًا: تكمن الإشكالية الأولى في وجود معظم المرشحين المحتملين لمنصب المرشد العام في الخارج، فحين أن الفقه الكلاسيكي للجماعة يقتضي وجود من يتولى مسئولية ذلك المنصب في مصر. وعليه، من المُرجح أن يتم التعاطي مع ذلك الموقف باللجوء إلى “فقه الضرورة”، الذي يعد أحد أهم أدوات الجماعة الفقيه لتحقيق أهدافها.
ثانيًا: تتصاعد إشكالية أخرى مُتعلقة بسيطرة التيار القطبي على مقاليد الحكم في الجماعة، إذ أن اثنين من المرشحين المحتملين للمنصب المرشد العام من القطبيين وهما: “إبراهيم منير”، و”محمد البحيري”. وتتبلور الأفكار القطبية حول جاهلية المجتمعات المعاصرة بما فيها المجتمعات الإسلامية، وتكفير الحكومات القائمة في بلاد المسلمين. ما يستوجب استخدام العنف لتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية طبقًا للرؤية القطبية. ويُعد تصعيد أي منهما دلالة على أن جماعة الإخوان تصر على الاستمرار في مسار العنف ولا تريد تعديله، حيث أن نهج العنف هو النهج المتبع لدى التيار القطبي وكل المنتمي إليه.
ثالثًا: هناك حالة من عدم التوافق حول معظم المرشحين للمنصب ولا سيما كل من “إبراهيم منير”، و”محمود حسين”، حيث أصدرت مجموعة من شباب الإخوان في الآونة الأخيرة بيانًا بعنوان “هذا ما جناه منير وحسين”، نشر على قناة الجماعة على موقع “تيليجرام”، وحمَل البيان كل من “ابراهيم منير” و”محمود حسين” ما وصلت إليه الجماعة من انقسامات حادة. ناهيك عن تورط الأول في قضايا أخلاقية، وتورط الثاني في فساد مالي متعلق باختلاس مخصصات دعم الإخوان المصريين الهاربين، كذلك المخصصات المالية التي يتم إرسالها لأسر المعتقلين في مصر.
رابعًا: هناك من يجادل بإحتمالية طرح قضية “تدويل منصب المرشد”، وإنهاء سيطرة إخوان مصر على المنصب ولا سيما في ضوء مُحددين؛ يتعلق أولهما بالصراع القائم بين أخوان مصر، وتونس، والكويت، ولبنان. وينصرف ثانيها إلى فشل إخوان مصر في اختيار قيادات سياسية تدير المشهد السياسي في مصر منذ 25 يناير إلى ثورة 30 يونيو. إلا أن هناك فريق أخر، يرى أن المصريين هم الأحق بالمنصب لكون مصر هي مهد نشأته. فضلًا عن أن تدويل منصب المرشد يعد إسقاط لمركزية التنظيم. وفي حالة تبنى هذا الطرح، فسوف يتم عقد مؤتمر للتنظيم الدولي للمفاضلة بين أفضل الشخصيات لشغل منصب المرشد العام مع غض الطرف عن شرط الجنسية المصرية.
خامسًا: في ضوء المعطيات السالفة الذكر، من المُحتمل أن تشهد الجماعة في الفترة المقبلة حالة من الانقسام وذلك في ضوء محددين رئيسين؛ يتعلق أولهما بعدم التوافق حول المرشحين لمنصب المرشد العام. وينصرف ثانيها إلى الصراع حول ملف تمويل الجماعة. ما يعيد للأذهان حالة الانقسام التي شهدتها الجماعة في ضوء تولى “محمود عزت” منصب القائم بالأعمال. حيث انقسمت الجماعة ما بين كتلتين؛ الأولى، يرأسها كل من “محمود عزت”، و”محمود حسين”، و “ابراهيم منير”. والثانية، يرأسها كل من “محمد كمال” (الذي قُتل لاحقًا في عام 2016)، و”محمد طه وهدان ” (الذي سُجن لاحقًا عام 2015)، و “على بطيخ”.
مجمل القول، تشهد جماعة الإخوان تحديًا هيكليًا كبيرًا متعلقًا بوجد حالة من الفراغ التنظيمي، وذلك في ضوء فقدان الجماعة عددًا كبيرًا من قياداتها. وسواء تم تنصيب أحد القيادات المحتملة، أو تنصيب قيادة جديدة بخلاف الأسماء الثلاثة سالفة الذكر، فمن المرُجح أن تكون هناك سرعة في إعلان الجماعة عن المرشد العام الجديد، وذلك بهدف رسائل تطمئنه إلى الداعمين والممولين لها. كذا التأكيد على قدرتها على الصمود والاستمرار. ولا ينفى احتمالية سرعة تحرك الجماعة في هذا الصدد، حجم التحديات والإشكاليات التي تمر بها على الصعيدين الحركي والتنظيمي.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع