مقالات رأي

وائل لطفي يكتب : معارضون وخونة

هناك فارق بين المعارض والخائن، المعارض صاحب وجهة نظر، له رؤية مختلفة، له اعتراضات على سياسات معينة، لا يتفق مع كل ما يحدث.. لكنه يقف خلف وطنه فى المعارك الكبرى، لا يتخيل أن يخوض وطنه معركة وهو ليس فى الصف، فى رواية (السمان والخريف)كان البطل معارضاً ولكنه كان يعرف معنى الوطن، كان وفدياً فى دولاب الدولة، أبعدته ثورة يوليو، لكنه عندما وقع العدوان الثلاثى تقدم الصفوف ليقاتل دفاعاً عن بلده، كانت هذه وسيلته للتعافى والعودة بعد سنوات الضياع والنفى، هذا البطل لم يتمنّ هزيمة وطنه، لم يروج الأكاذيب التى تبثها إذاعات الأعداء، لم يتمن أن تنتصر إسرائيل على وطنه لأنه يشعر بالظلم، فعل ما يفعله كل مصرى حقيقى.. قدم نفسه ليقاتل.. ما فعله هذا البطل هو عكس ما يفعله (المستتركون) من المصريين.. أولئك الذين يحملون الجنسية المصرية بالميلاد فقط، الذين يرددون أكاذيب دولة معادية لوطنهم لا لشىء إلا لأنهم يرتزقون من هذا، إحدى أكبر الأكاذيب التى يرددها هؤلاء الهراء الذى يقول إن مصر موجودة فى ليبيا تنفيذاً لرغبة هذه الدولة أو تلك، أعتقد أنهم جهلاء بقدر ما هم كاذبون، الأمن المصرى مرتبط بليبيا منذ تاريخ قديم للغاية، ليبيا مجال حيوى لمصر بقدر ما مصر مجال حيوى لليبيا، بعض الأسرات القادمة من ليبيا حكمت مصر فى عصر الدولة الفرعونية الوسطى، فى العصور الإسلامية كانت مصر وبرقة ولاية واحدة، وكان مَن يحكم مصر، يحكم ليبيا والشام، لا يعنى هذا أن لمصر حقوقاً فى ليبيا، فالعصر الحديث له قوانينه وللدول سيادتها، لكنه يعنى أن بين البلدين تداخلاً كبيراً.

فى العصر الحديث، ألهمت ثورة ٢٣ يوليو مجموعة من الضباط الشبان فى الجيش الليبى، فكانت ثورة الفاتح عام ٦٩، وكان جمال عبدالناصر هو الأب الروحي لهذه الثورة.

من الادعاءات التى تنطوى على جهل بقدر ما تنطوى على أكاذيب أيضاً أن التدخل المصرى – لو تم – فى ليبيا يشبه تدخل الجيش المصرى فى اليمن عام ٦٢. وهو قول ينطوى على جهل بأولويات الأمن القومى المصرى، ليبيا مجال حيوى لمصر، لا يمكن ترك ١٢٠٠ متر من الحدود لتصبح مرتعاً للإرهاب مرة أخرى، لا يمكن أيضاً السماح لقوى إقليمية ذات أطماع استعمارية بالوجود فيها، عداء تركيا لمصر واضح، ورغبتها فى زعزعة استقرارها بالغة الوضوح، وبالتالى فإن الوجود فى بنغازى وسرت هو حماية للقاهرة والإسكندرية، هذه مسألة مختلفة تماماً عن الوجود المصرى فى اليمن، رغم أنه كان لهذا الوجود وقتها مبرراته فى ضوء المعركة التى كانت تخوضها مصر وقتها فى المنطقة العربية.

الحديث عن الاصطفاف الوطنى يعيدنا مرة أخرى للحديث عن فيالق (المستتركين) فى المحطات التركية الموجهة لمصر، هؤلاء لا مستقبل لهم، ولا حاضر.. وهذه ليست المرة الأولى التى تعرف فيها مصر معارضة ممولة فى الخارج وكان مصيرها الزوال، أسس آل أبوالفتح إذاعة مصر الحرة فى قبرص عام ٥٦ وكانت ممولة من القوى المعادية لمصر وانتهت إلى لا شىء، ورغم أن آل أبوالفتح كانوا ملء السمع والبصر فى مصر قبل سفرهم، إلا أن اختيارهم قادهم إلى الانطواء فى ركن قصى من ذاكرة المصريين.

تكرر نفس الأمر فى نهاية السبعينات مع بعض الذين أسسوا إذاعات موجهة ضد مصر فى بعض الدول العربية، وقد عاد الشرفاء الحقيقيون منهم إلى مصر، فى حين انتهى بعضهم نهايات مأسوية ولم يعد يذكرهم المصريون بخير أو بشر.. لم يخطئ الذين قالوا إن قراءة التاريخ هى أفضل وسيلة لفهم الحاضر، ولم يخطئ الذين اختاروا أن يقفوا فى صف مصر ولم يخطئ الشاعر بدر شاكر السياب، الذى قال أنا لست أدرى كيف يمكن أن يخون الخائنون.. أيخون إنسان بلاده؟.. إن خان معنى أن يكون.. فكيف يمكن أن يكون؟

“نقلا عن صحيفة الوطن”

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى