مقالات رأي

وائل لطفي يكتب : تحديات في طريق مصر

ربما لم تواجه مصر فى عصر من عصورها هذا الكم من التحديات التى تواجهها داخلياً وخارجياً، وهى تحديات لم تمنع الإدارة المصرية من العمل الدؤوب الذى يسابق الزمن لتحقيق أكبر كم ممكن من الإنجازات خلال السنوات الخمس الماضية حتى تكاد مصر أن تتحول لورشة كبيرة لا يتوقف العمل فيها ليل نهار.. ولعل ما يستحق التحية ليس فقط استمرار العمل فى الداخل، ولكن وجود مؤشرات واضحة على نجاح طرق التعامل مع التحديات فى الخارج، فعلى الحدود الليبية ثمة تحد كبير يتمثل فى التدخل التركى فى ليبيا والميليشيات الإرهابية التى يجرى حشدها هناك، وهو تحد مزعج، خاصة أنه حتى فى حالة حل الأزمة فى ليبيا وإقرار الأمن فإن السيناريو المرشح بقوة هو أن يحاول أفراد هذه الميليشيات أو بعضهم التسلل للسودان الذى تواجه الدولة فيه حالة من حالات السيولة، ومن السودان يصبح الانتقال لمصر عبر الدروب والمدقات الجبلية أكثر سهولة بالنسبة للإرهابيين من أفراد هذه الميليشيات.

ويمتد التحدى الجنوبى ليشمل بناء سد النهضة وعدم الاستجابة الإثيوبية للرغبة المصرية فى التفاوض والنزوع إلى خطاب التحدى الذى يمكن أن يشكل إحراجاً للدولة المصرية لولا قرار القيادة السياسية بالتعامل الهادئ مع القضية وعدم الاستجابة للاستفزازات الإثيوبية مع مسحة من الغموض المطلوب تلقى بظلالها حول الخطوات التى يمكن أن تتخذها مصر فى المستقبل.

ومن الهضبة الإثيوبية فى الجنوب إلى شرق المتوسط والتوتر الذى تسببه التحركات التركية والبراعة المصرية فى التحالفات السياسية مع اليونان وقبرص، والتى أدت لأول مرة للتراجع فى لهجة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ومحاولته استمالة مصر والقيادة المصرية التى وضعت نفسها فى وضع يمكّنها من إملاء شروطها على الرئيس التركى الصلف والمتكبر.

التحديات تمتد أيضاً إلى التغيرات السياسية التى تشهدها المنطقة، واحتمالات إقدام عدد أكبر من الدول العربية على إبرام اتفاقات سلام وتطبيع للعلاقات مع إسرائيل، ورغم أن هذه ليست خطوات عدائية تجاه الدولة المصرية التى ترحب بالسلام، فإن من شأنها إحداث تغييرات سياسية فى المنطقة سيكون على مصر الواعية أن تتعامل معها.

على المستوى الداخلى تواجه مصر تحديات متعددة، أهمها إصرار الدولة على إلزام الناس بالقانون بعد عقود كاملة لجأت فيها الدولة المصرية إلى رشوة الشعب من خلال التغاضى عن مخالفات البناء وسرقات الأراضى والكهرباء والمياه والتعدى على كافة مرافق الدولة، وإلى جانب تحدى إلزام الناس بالقانون هناك تحد آخر وهو الفساد ومافيا الفساد التى تشكل أقوى حزب فى مصر منذ أربعة عقود على الأقل، وإلى جانب هذا التحدى هناك تحدى الإرهاب فى سيناء والخلايا النائمة للإخوان فى محافظات مصر المختلفة، وهناك تحدى الإصلاح الاقتصادى وارتفاع الأسعار، فضلاً عن تحديات أخرى حجم ما هو خفى فيها أكثر مما هو ظاهر، ورغم أن أى وطنى مخلص لا يسعه سوى القلق من هذه التحديات المختلفة فإن إحساس القلق يتجاور مع إحساس آخر هو إحساس الثقة والاطمئنان، فقد نجحت مصر خلال السنوات الست الماضية فى تحجيم الإرهاب والانطلاق فى رحلة البناء، والتعامل ببراعة مع عداء النظام التركى، حتى أوشك على رفع الراية البيضاء والكف عن العدوان، والأهم أن مصر حافظت على بقائها واستقرارها فى إقليم مضطرب تتربص فيه أربع من دول الجوار بالمنطقة، وهو ما تتعامل مصر معه ببراعة واحتراف يدعو للثقة فى المستقبل.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى