كورونا

إجراءات صارمة مع العودة التدريجية.. “الحياة تعود مجددا إلى إيطاليا “

يعود 4,5 مليون إيطالي للعمل هذا الأسبوع بعد أن قررت حكومة جوسيبي كونتي تخفيف الإجراءات المتبعة في البلد الأكثر تضررا من جائحة كورونا، فهي البلد الثاني من حيث عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بالفيروس بوقع 29 ألف حالة إصابة كما وصل عدد الإصابات بالفيروس إلى 212 ألف شخص تقريبا حتى اليوم.
واكتشفت إيطاليا أول حالاتها في أواخر شهر يناير الماضي قبل أن يبدأ الفيروس في الانتشار كالنار في الهشيم ملحقا الضرر بكل مقاطعات البلاد منذ اكتشاف أول إصابة حتى يوم الثاني والعشرين من فبراير والذي تم الإعلان فيه أن إيطاليا هي البلد صاحبة الرقم الأكبر من حيث عدد الإصابات عالميا خارج القارة الأسيوية وهو ما كان له تبعات معروفة على جميع المستويات.
وأصدرت الحكومة الإيطالية ، والتي انتقدها كثيرون بسبب التباطؤ في اتخاذ قرار الغلق الكلي للبلاد ، أوامرها بعدم خروج مواطني 11 مقاطعة ومدينة شمال البلاد للحد من انتشار الوباء لكن وبسبب حركة المواطنين من وإلى مقاطعات الشمال الغنية اقتصاديا إلى مقاطعات الجنوب بالإضافة لعدم جدية الإيطاليين وعدم استشعارهم بمدى الخطر المحدق بهم، انتشر الوباء في كل المقاطعات الإيطالية بدلاً من حصره بمقاطعات الشمال كما رغبت الحكومة في بادئ الأمر.
وأعلنت الحكومة الإيطالية الإغلاق التام في عموم البلاد يوم 11 مارس أي بعد 19 يوما من انتشار الفيروس في مقاطعات الشمال وهو ما كان مجالا لنقد الحكومة بسبب التأخر في القرار بعد أن وصلت حالات الوفاة في البلاد إلى 827 حالة وفاة.
ومع تصاعد حدة الأزمة ، اتخذت الحكومة أقصى درجات الحذر وشددت الغلق الكامل للبلاد وأوعزت لرجال الشرطة اتخاذ إجراءات صارمة على كل من يخالف التعليمات الصادرة.
فبعد شهرين من الغلق الكامل للبلاد تعود الحياة لإيطاليا مجددا بعد انخفاض معدل الإصابات والوفيات في البلاد، فبمتابعة الأرقام بدقة يمكن ملاحظة ذلك، وهو ما دعا الحكومة الإيطالية للدخول في المرحلة الثانية من تخفيف الإجراءات الحكومية هذا الأسبوع.
(شكل بياني يوضح إخفاض عدد الإصابات الجديدة في إيطاليا منذ نهاية شهر مارس وإستمرارها في الانخفاض كما زيادة حالات الشفاء.)

(شكل بياني يوضح انخفاض معدل الوفيات في إبطاليا منذ يوم 30 مارس)

أما في الشارع الإيطالي والمدن الرئيسية فيمكن مشاهدة الحركة الدؤوبة للمواطنين في كل الشوارع منذ سماح الحكومة لهم بالنزول والذهاب إلى أعمالهم بدءا من 4 مايو، كما فتحت بعض المقاهي والمطاعم أبوابها مجددا كجزء من المرحلة الثانية لكن مع اتخاذ إجراءات احترازية مشددة وفقا لما تراه الحكومة الإيطالية.

المرحلة الثانية

كانت الحكومة الإيطالية أوضحت أن المرحلة الثانية من تخفيف الإجراءات والتي بدأت يوم 4 مايو الماضي تعني فتحا تدريجيا للبلاد والسماح لبعض المحال والمؤسسات بالعودة للعمل ، كالمقاهي المحالات التجارية، مصانع المواد الأساسية ، إعادة فتح الشوارع كما المواصلات العامة، والسماح للناس بالخروج وزيارة الأقارب.
يأتي ذلك بالتزامن مع تشديد رئيس الوزراء كونتي على أن الشرطة الإيطالية ستعاقب كل من يخالف الإجراءات حتى وبعد تخفيفها، فمع بداية تخفيف الإجراءات يوم 4 مايو وقعت السلطات المحلية في مقاطعتي ميلانو وباليرمو غرامات مالية على ما يقرب من 20 شخصا خالفوا تعليمات حكومية وصل أقصاها إلى ثلاثة الآف يورو وذلك لتجمهرهم للاحتفال بنهاية العزل وهو ما ينافي قواعد التباعد الاجتماعي المنصوص عليها.
وأوضح رئيس الحكومة كونتي أن الأمر لايزال بيد الشعب الإيطالي الذي تراهن الحكومة على وعيه بالخطر الراهن حيث قال كونتي في تصريحات تلفزيونية له قبل يوم من انطلاق المرحلة الثانية ” إن الطليان هم أبطال المرحلة القادمة” مضيفا “علينا أن نكون حاسمين حتى لا نتطر للعودة للخلف”.
وأشارت مصادر حكومية مختلفة إلى أنه وفي حال زيادة عدد الحالات مجددا ستعود الحكومة للمرحلة الأولى أو العودة للعزل الكامل بحسب الحاجة.
أما على مستوى المدن فيلاحظ الاستعدادات الواضحة لعودة المواطنين للشوارع والأماكن العامة التي يمكن مشاهدة الملصقات الخاصة بالتباعد الاجتماعي فيها سواء في وسائل المواصلات أو المحال التجارية وأي مكان يمكن زيارته، حتى مطارات البلاد بدأت في الاستعداد للعودة للعمل بنفس الطريقة من خلال نشر الملصقات الخاصة بالتباعد الاجتماعي وتطهير المكان ووضع أماكن مخصصة للتعقيم الذاتي داخل صالات مطار فيوميتشينو الرئيسي بالعاصمة روما.

( رسم بياني يوضح انخفاض ارقام الإصابة والوفاة وارتفاع أرقام المتعافين في إيطاليا منذ بدأ الأزمة ، إجمالي الحالات ، الوفيات ، حالات الشفاء ، حالات إيجابية)

أخبار إيجابية


لم تكن عودة الحياة لإيطاليا فقط الأمر الإيجابي الوحيد هذا الأسبوع فبالإضافة لذلك شكل خبر تعافي 7000 شخص في يوم واحد دفعة إيجابية لإيطاليا التي ظلت لفترة طويلة تحت وطئة الأخبار السلبية فقط.
ليس ذلك فحسب، قال فريق بحثي من مستشفى سبالنزاني في روما استطاع التوصل لأجسام مضادة لفيروس كوفيد-19 تعمل على الفئران ويتم الأن تطويرها لتعمل على أجسام البشر والتأكد من أنها فعالة لهم.
وفقا لمدير الفريق البحثي الخاص بجامعة سبالنزاني لويجي أوريسيتشيو ” فإنهم وبعد مراقبة دقيقة توصلوا إلى أن الأجسام المضادة للفيروس تحد من قدرته على مهاجمة الخلايا وهو ما يعني أنه من الممكن تطويرها للقضاء عليه والوقاية منه”.
وأضاف أوريستشيو ” أن فريقه يحتاج لدعم الدولة والمجتمع الدولي لزيادة قدرات فريقه وإمكاناته لتسريع عملية الوصول للقاح”

التعلم من التجربة

وتابع بالقول :” لا يمكنني أن أنسى أول أيام فرض الحظر الكامل في إيطاليا وما صحبه هذا اليوم من مفارقات أدت لزيادة سرعة انتشار الفيروس، كان منها أنه وبمجرد صدور إشاعات عن نية حكومة كونتي إغلاق المحافظات الشمالية الغنية هرع العاملون بها لكنهم من عائلات تعود للمقاطعات الجنوبية إلى الجنوب كما ورافقهم بعض أهلي الشمال المتخوفين من الإصابة بالفيروس وهو ما أدى لتكدس في القطارات والحافلات المتجهة للشمال، وكنتيجة حتمية ضرب الوباء مدن الشمال كذلك لتصبح إيطاليا كلها موبؤة، كما لايمكن نسيان الحدائق العامة بروما ، باليرمو ، تورينو، كالياري وهي ممتلئة بالزائرين الذين اعتبروا أول أيام حظر التجوال هي اجازة حكومية مدفوعة الأجر وهو ما كان له تأثير عكسي كذلك بزيادة عدد الإصابات بسرعة رهيبة”.


وأدت كل تلك الأمور لتشديد السلطات إجراءاتها حتى أن رئيس الحكومة كان يخرج عبر شاشات التليفزيون بشكل يومي يدعو المواطنين الالتزام بالإجراءات.
وفقا لصحيفة “لاريبوبليكا” ففي فترة الحظر الكامل التي كانت ما بين 11 مارس ل 3 مايو تم الإبلاغ عن ما يقرب من 420 ألف حالة سفر غير مسموح بها و مايقرب من 900 حالة إنهاك للحجر الصحي كما تمت معاقبة 8300 مالك لمنشأة تجارية بسبب مخالفة التعليمات كما صدر ما يقرب من 1450 أمر إغلاق لشركات لنفس السبب.

في الفترة من 10 مارس حتى منتصف إبريل كان التزام الإيطاليين ممتاز على العكس من طريقة تجاوبهم مع العزل في بداية الأمر وهو ما أكدته صحيفة “لاريبوبليكا” من خلال تتبعها لحركة المواطننيين بمساعدة شركة ” جوجل” باستخام تقنية تعقب الموقع في الهواتف الذكية، حيث تشير الصحيفة لأنعدام للحركة في بعض المدن والمقاطعات وانخفاض كبير في بعض المدن الأخرى.

لكن ما الفرق بين الطليان في بداية العزل ونهايته؟


الوعي والفهم، هما ما شكلا الفارق في إيطاليا ، الانتشار السريع والأعداد المهولة للإصابات بكورونا في إيطاليا كانت بسبب الاستهتار بالأمر وعدم الانصياع للتعليمات بل الاستهانة بها في بداية الأمر، لكن وبعد أن تعلم الطليان الدرس وعرفوا بشكل لا شك فيه أن الأمر جدي والثمن باهظ ويشكل خطر على بقاء البلاد، ما كان منهم إلا الانصياع الكامل وتطبيق الإجراءات بحذافيرها والتعاون مع الأجهزة والسلطات المعنية لدرجة أن بعض المخالفات المسجلة لخرق العزل في المدن الإيطالية كان لأقارب يبلغون عن أقاربهم وفقاً لصحيفة ” ميديترانيو” وهو دليل واضح على استيعاب الإيطاليين للدرس الذي كان باهظ الثمن.



+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى