كورونا

موقع أمريكي: على ترامب ألا يوفر دعمًا ماليًا لأردوغان وألا يسقط في فخ “إس – 400”

عرض – داليا يسري

تحت عنوان “ينبغي على ترامب ألا يسقط في فخ إس-400 الخاص بأردوغان“، نشر موقع “وور.أون.روكس“، تقريرًا  علق من خلاله على الطائرتين العسكريتين اللتين قام أردوغان بإرسالهما إلى الولايات المتحدة، محملتين بالمساعدات الطبية بهدف إظهار روح التضامن خلال جائحة كورونا. ويعلق الموقع على هذه اللفتة، بأنها تعبر عن آمال أردوغان في أن يسمح له ترامب بالاستفادة مما تحتويه خزائن واشنطن، وبمعنى آخر أن يسمح له بالوصول إلى الاحتياطات الفيدرالية من الدولار الأمريكي.

ويوضح الموقع أنه في حالة موافقة ترامب على هذا النوع من المقايضة، فإنه سوف يقدم لأردوغان فرصة ليس فقط في شراء معدات الحماية الشخصية فحسب، بل أنه سوف يساعده أيضًا في دفع ثمن شراء “عضو” حلف الناتو للأجهزة العسكرية الروسية التي تخضع للعقوبات.

وبناءً عليه، يلفت الموقع إلى أنه في 20 إبريل، قد أعلنت تركيا قرارها بتأجيل موعد التفعيل المخطط له لمنظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 والتي كانت قد تلقتها من موسكو بتاريخ يوليو الماضي، مشيرة إلى أن التأخيرات المتعلقة بانتشار كوفيد-19 كانت قد تسبت في تعطيل توفير التمويل الغربي وسط أزمة اقتصادية تسبب بها الوباء، وهي نفس الأزمة التي تعد المحرك الرئيسي وراء سعى أردوغان لإقناع ترامب في منحه شريان الحياة المالي اللازم لإنقاذ الموقف على هيئة صفقة متبادلة مع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. 

ويرى الموقع أنه لا ينبغي على ترامب الوقوع في هذا الشرك، وأنه ينبغي عليه أن يترك الأمر لأردوغان الذي يبقى ملتزما بتفعيل منظومة بطاريات إس-400 بمجرد انتهاء أزمة كوفيد-19. مقترحًا على ترامب أنه بدلًا من أن يبادر إلى إنقاذ الرئيس التركي من خلال صفقة مقايضة غير مفيدة، يجب عليه أن يقوم بتوجيه أردوغان نحو صندوق النقد الدولي لأجل توقيع اتفاقية قرض شاملة بشروط سياسية تضمن التزامه بمعايير الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة وإجراءات مكافحة الفساد.

ويشرح الموقع أنه في حالة قبول الرئيس التركي لهذا الاقتراح فإنه سوف يضمن أن تدفقات الأموال القادمة إليه سوف تخدم المواطنين الأتراك المحتاجين بدلًا من مشروعات الغرور أو شراء المعدات العسكرية الروسية. وفي حالة رفض أردوغان عرضًا من صندوق النقد الدولي، فسوف يثبت أنه يواصل وضع مصلحته الشخصية والسياسية فوق المصلحة الوطنية. 

واستعرض الموقع تاريخ الصفقة التركية، قائلًا إن الحكومة التركية كشفت لأول مرة عن محادثاتها الجارية مع روسيا لشراء منظومة الصواريخ أرض جو “إس-400” في نوفمبر 2016، بعد مرور أربعة أشهر من انقلاب وصفه الموقع بـ “الفاشل”، ترتب عليه أن قامت الحكومة التركية بالدفع نحو وجود نظريات مؤامرة يُلقى فيها اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية.  

وفي خلال هذا الوقت، رأي أردوغان أن منظومة إس-400 هي المظلة التي سوف تحميه من طائرات “إف-16” التركية، والتي شكلت تهديدًا كبيرًا على أيدي الطيارين الانقلابين، كما أن هذه الخطوة كانت تتفق بنسبة كبيرة مع أنظمة أخرى وصفها الموقع بالاستبدادية على غرار إيران وروسيا وفنزويلا. 

وشرح الموقع كيف أقدم أردوغان على إتمام هذه الصفقة، واستمر في الأمر متحديًا الرؤية الأمريكية، وقد استمرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا باستعراض مميزات منظومة إس-400، بكل فخر. إلا أن هذه الأنباء السعيدة واستعراض تفاصيلها لم تستمر لفترة طويلة، حيث انتهت بشكل مفاجئ في فبراير 2020، عندما أسفرت الاشتباكات بين القوات التركية وقوات الجيش السوري والمدعومة من روسيا وإيران في منطقة إدلب شمال غرب سوريا عن مقتل 60 جنديًا تركيًا. كما تسببت الخسائر البشرية التي تكبدتها القوات التركية في تاريخ 27 فبراير من مطلع هذا العام، بفعل غارات القوات الجوية الروسية بالحرج لأنقرة التي تلقت الضربات فيما كانت منظومة بطاريات صواريخ إس-400 لاتزال قابعة في العاصمة. 

ويشير الموقع في تحليله إلى أن هذا النمط  في التحول بمجريات الأحداث لم يختبر قوة العلاقات بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين فحسب، بل أنه تسبب كذلك في إثارة آمال الغرب فيما يتعلق بتوطيد العلاقات بين أنقرة وواشنطن. كما أدرك أردوغان أنه لا يستطيع الاعتماد على نظام “إس-400″، لأجل الحماية من ضربات النظام الروسي والسوري في سوريا، واضطر لأن يلجأ مرة أخرى إلى حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، داعيًا إلى إطلاق صواريخ باتريوت الأمريكية. في نفس الوقت، الذي ثبت فيه عدم صدق الشائعات التي كانت تدور حول احتماليات نقل تركيا لبطاريات “إس-400” إلى الحدود السورية، وقد بدا كل هذا باعتباره دلالات تؤكد على أن محور أردوغان للخروج من الأزمة بدءً من اللجوء إلى حلف الناتو وصولًا إلى محاولة استخدام الأنظمة الدفاعية الروسية لم يكن سليمًا من المنظور الأمني. 

الوباء والأزمة الاقتصادية التركية

يعرض الموقع لتعداد حالات إصابات فيروس كورونا في تركيا، ويشير إلى أنه ووصولًا إلى تاريخ 20 إبريل كانت تركيا قد تفوقت على الصين كدولة تحتوي على أكبر عدد ممكن من حالات كوفيد-19 المؤكدة خارج إطار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء. وبعد مرور فترة وجيزة، أصبحت هي الدولة السابعة عالميًا والتي أبلغت عن أكثر من 100,000 حالة. فيما تبقى هناك مخاوف أمنية من أن تتحول أزمة الصحة العامة في تركيا إلى شكل أكثر حدة، بالنظر إلى سوء تقدير أنقرة المتعمد إزاء عدد الإصابات والوفيات. 

واستعرض الموقع كيف أدى تفشي الفيروس التاجي الجديد إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية القائمة في البلاد. بحيث انخفضت قيمة الليرة التركية بنسبة 18% حتى الآن مقابل الدولار الأمريكي، مما يمثل ضغطًا إضافيًا على الشركات غير المالية والتي تعاني من زيادة في قيمة المديونيات الخاصة بها عبر البلاد، وهذه يبلغ إجمالي التزاماتها من النقد الأجنبي حوالي 300 مليار دولار.

كما أشار الموقع كيف أنه ومنذ يناير 2019، يبدو أن البنك المركزي التركي قد أحرق 65 مليار دولار من احتياطاته لدعم العملة المتعثرة، كما توقع بنك استثماري كندي أنه وفي ظل المعدلات الحالية فإن البنك المركزي التركي سوف يستنفذ احتياطاته من العملات الأجنبية باستثناء الذهب بحلول منتصف يونيو. كما تظهر دراسة مورغان ستانلي أنه في حالة وجود أزمة طويلة الأمد، فإن تركيا سوف تكون هي الأكثر عرضة لأزمة ميزان المدفوعات بين جميع الأسواق الناشئة الرئيسية حيث لديها أقل نسبة من احتياطيات النقد الأجنبي نسبة إلى احتياجات التمويل الخارجية. 

ويقول الموقع، أنه لسوء حظ تركيا فإنه لا يمكن معالجة مشكلاتها المالية إلا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وصندوق النقد الدولي والدول الأوروبية الكبرى، وهي نفس الدول والمؤسسات التي عادة ما تنفر منها أنقرة بسبب دورها الاستبدادي لرفضها شراء أنقرة لمنظومة صواريخ “إس-400” الروسية. ولكن في الوقت نفسه، يوضح الموقع أن أردوغان متردد للغاية فيما يتعلق بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، لأن هذه الصفقة سوف تأتي كصفقة إنقاذ وسوف يلحق بها شروط سياسية صارمة، تتعلق بالحكم الرشيد والشفافية، والمساءلة ومكافحة الفساد. ويدرك أردوغان أن هذه الظروف تجعل من المستحيل اتباع سياسة مستقلة كما تقوم بتقويض أسس حكمه الفردي، وهذا ما يترك أمامه خيارين فقط لتجنب وقوعه تحت وطأة التخلف عن السداد، وهي إدخال ضوابط رأس مال أو قطع صفقات المبادلة والمقايضة، وهذه ترتيبات مؤقتة تسمح لأنقرة باقتراض العملات الأجنبية من الاحتياطي الفيدرالي أو البنوك المركزية الغربية الأخرى مقابل الليرة.

كما يدرك أردوغان أيضًا أن روسيا التي اثبتت أنها شريك أمني قوي، باتت اليوم غير فعالة بنفس القدر بصفتها شريك اقتصادي. وهذا يرجع إلى أن الكرملين ليس لديه تاريخ فيما يتعلق بتقديم شريان الحياة المالية لتركيا خلال الانهيارات المالية الأخيرة، ولديها سجل مشكوك فيه في طريقة الخدمة الذاتية التي قدمتها لمساعدة نظام مادورو في فنزويلا. وبناءً عليه، تواصلت أنقرة مع واشنطن بدلًا من موسكو في 10 إبريل لتأمين خط مقايضة مع الاحتياطي الفيدرالي، في خطوة يرى معظم المحللين أنها تعتبر بمثابة تطور غير محتمل، نظرًا للمخاوف التي تتعلق باحتماليات استقلال البنك المركزي التركي، وانخفاض مستوى الاحتياطيات، بالإضافة إلى سياساتها النقدية الغير سليمة في إطار العمل. 

وأوضح الموقع ما ذكره ديفيد ساترفيلد، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، أن هناك متطلبات معينة وضعتها لجنة السوق المفتوحة للاحتياطي الفيدرالي، فيما يتعلق بالأهلية المحتملة لخطوط المقايضة، ولكنها مع ذلك تظل متطلبات وشروط نقدية مالية لا ترتبط بالسياسة. بحيث يمنح صندوق استقرار أسعار الصرف التابع لوزارة الخزانة الأمريكية وزير الخزانة فسحة سياسية كبيرة، بانتظار موافقة الرئيس، بغرض استخدام أصولها البالغ 93 مليار دولار، كما فعلت خلال أزمة البيزو المكسيكية عام 1994. ومع ذلك، كانت حاجة أنقرة للإنقاذ قريبة من إجمالي أصول الصندوق حتى فيما قبل انهيار كوفيد-19.

ومع ذلك، يؤكد الموقع أن أردوغان لايزال لديه أمل في أن يحصل على شريان الحياة المالي من ترامب، كما حاولت حكومة أردوغان تأمين صفقات مبادلة مع الدول الأعضاء الأخرى في حلف الناتو. ويعرض الموقع للإعلان محافظ البنك المركزي التركي في 30 إبريل أنه يجري في الوقت الراهن محادثات حول خطوط المقايضة مع عدة بنوك مركزية. 

كما يشير الموقع إلى أن أنقرة تخشى من أن تقوم أي عقوبات أمريكية محتملة بتقويض الدفاع الوطني في ديسمبر 2019، لأنها سوف تكون ضربات قاتلة للاقتصاد التركي. ولقد قامت أنقرة لأجل زيادة احتمالات تأمين خط مقايضة الاحتياطي الفيدرالي والتخفيض من مخاوف المستثمرين بشأن العقوبات التي تلوح في الأفق، بالتواصل مرة أخرى مع الولايات المتحدة في 14 إبريل، بغرض تشكيل مجموعة عمل “إس-400″، والتي تضم أيضًا حلف الناتو. وبعد مرور أيام على هذه الخطوة، أجرى أردوغان مكالمة هاتفية مع ترامب، كرر من خلاله طلبه لأجل خط المقايضة، وبغرض تعزيز مساعيه، أرسل الرئيس التركي طائرتين عسكريتين من المساعدات الطبية، بما في ذلك الأقنعة والدروع الواقية والمطهرات إلى الولايات المتحدة في أواخر إبريل، مصحوبة برسالة تحث الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية على فهم “أفضل لأهمية العلاقات التركية الأمريكية”. 

خيارات السياسة الأمريكية

يرى الموقع أنه في الأشهر المقبلة، قد تعتمد فحوى العلاقات الأمريكية التركية على قرار أنقرة بتجنب تشغيل منظومة “إس-400” بقدرة تشغيلية كاملة، وإقناع واشنطن بأن الوضع الحالي لمنظومات الأسلحة يمكن اعتباره هو عدم النشر. ويقول الموقع أن الدور الذي يلعبه أردوغان في الوقت الراهن في إطار مساعيه نحو تأمين شريان حياة مالي من الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في الناتو، يعد بمثابة ضرورة تكتيكية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الهش للبلاد، كما أنه لا يمثل تحولًا استراتيجيًا بأي معنى. ويرجح الموقع أنه وبمجرد أن يتعافى الاقتصاد التركي، فإن أنقرة سوف تواصل مواءمة نفسها بشكل وثيق مرة أخرى مع روسيا، وأعداء الناتو الآخرين وسوف تواصل نشر صواريخ “إس-400”. 

وعليه، يحذر الموقع ترامب من الوقوع في حيلة أردوغان، ويقترح عليه أن يوجهه بدلًا عن ذلك إلى صندوق النقد الدولي. ويرى الموقع أنه في حالة ارتكب الرئيس الأمريكي خطأ منح نظيره التركي خط مقايضة بدون قيود مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فسوف ينقذه من الشروط الصارمة لترتيب احتياطي مع صندوق النقد الدولي. وهذا بدوره سوف يمكن تركيا من التراجع عن انعدام الديموقراطية وسوء الإدارة الاقتصادية، والتراجع كذلك عن ابتعادها عن حلف شمال الأطلسي والقيم عبر الأطلسي، وبالتالي تفاقم معاناة الشعب التركي. 


داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى