
الصين أم أوروبا.. أين بدأ الانفجار العنقودي لفيروس كورونا؟
بينما تتوالي فصول التصعيد بين الولايات المتحدة والصين على خلفية فيروس كورونا المستجد، والتي تتراوح بين الإيحاء بأن الصين تعمدت نشر الفيروس، أو أنه خرج من أحد المعامل بمدينة ووهان، نتيجة خطأ معملي، ترد الصين بأن واشنطن هي سبب انتشار الوباء، لأنها أرسلت جنودًا أمريكيين إلى مدينة ووهان وكانوا يحملون الفيروس. وفي ظل هذا السجال، كشفت منظمة الصحة العالمية عن احتمال ظهور الفيروس في فرنسا في وقت مبكر عن المعلن عنه في الصين.
قالت منظمة الصحة العالمية، إنها لم تفاجأ من محتوى التقرير الذي يشير إلى أن فيروس كورونا ظهر بفرنسا في شهر ديسمبر، أي قبل الإعلان الرسمي عن تسجيل إصابات في البلاد. وقالت الناطقة باسم المنظمة، كريستيان ليندمير، إنه “من الممكن إيجاد حالات إصابة مبكرة”، داعية الدول إلى تفقد السجلات الطبية التي تعود لأواخر سنة 2019، لأن هذا “سيمنح العالم صورة أوضح” عن تفشي الفيروس.
هل فرنسا بؤرة تفشي الوباء؟
يتداول الخبراء في فرنسا فرضية أن فيروس كورونا المستجد ظهر في البلاد في العام الماضي لا في عام 2020. حيث أعلن إيف كوهين، رئيس قسم الإنعاش في مستشفى ابن سينا، أن أبحاثا تجريها فرق في المستشفى أظهرت أن مريضا دخل إلى المستشفى في 27 من ديسمبر 2019، وأظهرت الكشوفات التي أجريت له في مرحلة لاحقة، أنه حامل لفيروس كورونا المستجد.
وتطرح هذه الأبحاث فرضية أن الفيروس وجد على الأراضي الفرنسية نهاية العام الماضي وليس بعد ذلك، خلافا لما يعتقد. إذ أن أولى الحالات الرسمية المسجلة في فرنسا تعود إلى الـ24 من شهر يناير الماضي، وهي لثلاثة أشخاص أحدهم من منطقة بوردو جنوب غرب فرنسا، كان وقتها قد عاد من رحلة إلى الصين، إضافة إلى زوجين صينيين في الثلاثينيات من عمرهما، وينحدران من مدينة ووهان الصينية، حيث ظهر الوباء لأول مرة.
وقد أجرت فرق العمل في المستشفى دراسة على عينات أخذت من حوالي خمسين مريضًا دخلوا إلى المستشفى للعلاج من الالتهاب الرئوي في الفترة ما بين بداية شهر ديسمبر ويناير الماضيين. وقد تبين في مرحلة أولى أن أربعة عشر من أولئك المرضى، عانوا من التهاب رئوي شبيه بذلك الذي يتسبب فيه مرض كوفيد-19، حيث تمت دراسة ملفهم الصحي وأجريت تحاليل على عيناتهم المجمدة، ليتضح أن واحدًا منهم كان بالفعل حاملًا لفيروس كورونا المستجد. وتم الاتصال بذلك الشخص المريض لمعرفة سبل إصابته الفيروس. وقد أخبر هذا الشخص الفرق الطبية أن طفليه كانا مصابين بنفس العدوى، لكن زوجته لم تصب. وأكد أنهم شفوا جميعهم.
وإلى الآن، لا يزال الباحثون يدرسون إمكانية اعتبار أن يكون هذا الشخص المصاب هو الحالة صفر التي ظهرت في فرنسا وربما أدت إلى انتشار العدوى فيها. لكن البروفيسور كوهين، يستبعد ذلك، ويفترض أن يكون الرجل قد أصيب بالعدوى من زوجته التي كانت مصابة بالفيروس بدون أن تظهر عليها أعراض.
ويستند في فرضيته على كون الزوج أكد للفرقة الطبية أنه لم يكن يعمل خلال فترة إصابته، وأنه لم يقم بأي رحلة إلى إحدى المناطق التي كان معروفا أن الفيروس ينتشر فيها في ذلك الوقت. بينما كانت زوجته تعمل في قسم الأسماك في “سوبر ماركت” بجانب قسم السوشي حيث يعمل موظفون منحدرون من أصول آسيوية.
جدل حول التعاون الفرنسي الصيني في مختبر ووهان
نفت الحكومة الفرنسية، ما أشارت إليه تقارير صحفية، عن وجود علاقة بين فرنسا ومختبر P4 الصيني في ووهان، وهو صناعة فرنسية جاء نتيجة تعاون بين باريس وبكين في عام 2004، لتوحيد القوى لمكافحة الأمراض المعدية الناشئة، خاصة بعد ظهور فيروس “سارس”، حيث تنامت قناعة لدى باريس حول ضرورة مساعدة الصين في تلك الفترة والعمل معها بشأن الفيروسات المستجدة وتمكينها من إجراء الدراسات والاختبارات حولها في ظروف جيدة وآمنة والاستعانة بالأجهزة اللازمة، ودون ترك الخبراء الصينيين يتعاملون لوحدهم ومن غير رقابة مع هذه الفيروسات.
ولم يكن هذا المشروع محل إجماع في فرنسا آنذاك، فالمتخصصون في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، فضلاً عن الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي، ومجتمع البحث العلمي، كانوا يخشون أن يتحول المختبر P4 إلى ترسانة بيولوجية. ولكن صوّت السياسيون في فرنسا لصالح المشروع، وتم الانتهاء من الموقع في يناير 2015، وتزامن بدء العمل فيه مطلع عام 2018 مع أول زيارة قام بها إيمانويل ماكرون، إلى بكين. ورغم أن الأمور ساءت كثيرًا في ذلك الوقت، فإن باريس أعطت الضوء الأخضر في النهاية لبدء العمل، وشاركت في مشروعات أخرى مع الصينيين.
وبالتدريج خرج المختبر شيئًا فشيئًا من سيطرة العلماء الفرنسيين، وذلك على عكس “العقد” الذي أبرم بين باريس وبكين. حيث يعمل الصينيون في ووهان، دون رقابة من الباحثين الفرنسيين. ورغم اتهام الرئيس الفرنسي للصين بعدم الشفافية في إدارة الملف الصحي، قالت الرئاسة الفرنسية، إنه لا يوجد عنصر حقيقي يعزز التقارير التي ربطت بين فيروس كورونا ومختبر الأبحاث في ووهان الصينية.
دراسات تشير إلى ظهور الفيروس في إيطاليا وكاليفورنيا
رجح خبير إيطالي أن يكون فيروس كورونا المستجد قد تفشى في إيطاليا وباقي أوروبا في نوفمبر الماضي، وليس في الصين ووفقاً لموقع “South China Morning Post“، فقد قال الخبير جوزيبي رينزي، إن فيروس كورونا المستجد قد يكون تفشى في إيطاليا وباقي أوروبا في نوفمبر الماضي، بعد تسجيل الأطباء حالات التهاب رئوية غريبة جدًا لم يعرفوا سببها في ذلك الوقت. ونقل التقرير عن رينزي، مدير معهد ماريو نيجري للبحوث الدوائية في ميلانو، قوله إن الحالات الغريبة التي سجلت في نوفمبر وديسمبر، قد تعني أن الفيروس كان ينتشر بالفعل في ذلك الوقت في إقليم لومبارديا، وهي المنطقة الأكثر تضررًا في البلاد.
وأوضح الخبير أنه اطلع على حالات للالتهابات الرئوية الغريبة التي حدثت في الإقليم، وحصل على تفاصيلها من قبل الممارسين العامين. وأضاف أن هناك بعض الحالات المشبوهة الأخرى، بما في ذلك حالتين من الإصابة بالالتهاب الرئوي في سكانزور وساسيات في شمال ايطاليا في ديسمبر، حيث أصيب المرضى بحمى عالية وسعال وصعوبة في التنفس. وقال إنه كان هناك أيضا 10 مرضى أصيبوا بالالتهاب الرئوي في بلدتين أخريين مجاورتين هما “فارا جيرا دادا” و”كريما” وظهرت عليهم أعراض مماثلة. ولم يكن ممكنًا معرفة سبب الالتهابات الرئوية الغريبة، بسبب الاختبارات التي كانت تُجرى، كما أن الفيروس كان مجهولًا بالنسبة للأطباء.
كما تشير البيانات التي جمعتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أن فيروس كورونا كان موجودًا في الولايات المتحدة في وقت مبكر من شهر ديسمبر الماضي. ووفقًا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز ، فإن وفيات فيروس كورونا في منطقة خليج سان فرانسيسكو خلال شهري فبراير ومارس دفعت العلماء إلى الاعتقاد بأن الفيروس كان موجودًا في كاليفورنيا في وقت مبكر مما كان يعتقد سابقًا. ولم يكن هناك سوى القليل جدًا من الاختبارات المجتمعية في كاليفورنيا خلال شهري يناير وفبراير؛ مما أسهم في عدم التيقن من وقت ظهور الفيروس لأول مرة.
وعندما حاول المسؤولون عن الصحة العامة تعقب بداية المرض، لم يتمكن من العثور على جهة اتصال محددة أو بيانات تعكس حالات الإصابة؛ ما يعني أن الفيروس كان موجودًا بالفعل في المجتمع المحلي وليس كما كان يشتبه مركز السيطرة على الأمراض أن الوباء بدأ في الصين فقط، وأنه انتقل عند المخالطة مع الصينيين. وقال الدكتور جيف سميث، الطبيب الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لحكومة مقاطعة سانتا كلارا، لقادة المقاطعة أثناء مؤتمر صحفي: “كان الفيروس طليقًا في مجتمعنا، وربما كان موجودًا منذ فترة طويلة”
ختامًا، لا يزال مصدر الوباء سؤالًا عالقًا، ولا يوجد أي دليل واضح على أصل الفيروس. يعتقد العديد من الباحثين أن فيروس كورونا مصدره من دون شك الخفافيش، وانتقل عبر وسيط آخر قبل أن يصل إلى الإنسان. في المقابل، نشرت دراسات أجراها باحثون صينيون آخرون أن المريض الأول بفيروس كورونا لم يزر سوق ووهان للحيوانات البرية. ولا شيء يرجح فرضية تسرب الفيروس من مختبر “وليس هناك من دليل حقيقي” على أن فيروس كورونا المستجد مصدره بالفعل سوق ووهان للحيوانات البرية.