
كورونا بالأراضي السورية.. مواجهة للوباء أم توطيد للأقدام
في الثاني والعشرين من مارس الماضي، أعلنت دمشق عن أول إصابة بالفيروس. وبحسب آخر الإحصائيات الرسمية المعلنة، فقد تم تأكيد إصابة 25 حالة بالفيروس، وشفاء خمسة أشخاص، ووفاة شخصين جراء الإصابة.
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” إلى وقف فوري لإطلاق النار على مستوى العالم في جميع النزاعات للتصدي للفيروس، مع التأكيد على أن “سوريا تواجه خطرًا كبيرًا وهو عدم القدرة على احتواء الوباء”. وفي ذات الإطار، رجّح المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا “جير بيدرسن”، عدم تمكن سوريا من ردع تفشي الفيروس نتيجة عمليات النزوح وما تشهده العديد من المخيمات من ظروف صعبة.
تحديات المواجهة
وبناءً على ما تقدم من تحذيرات، آثرت السلطات المحلية – حتى قبيل الإعلان عن وجود حالات إصابة – اتخاذ قرارات الإغلاق والحظر للحد من انتشار الفيروس، إلا أن هذه الإجراءات قد تبدو غير كافية مع ما تعاصره الدولة السورية من تحديات.
- الانقسام السوري: يحكم سوريا ثلاثة كيانات مختلفة، الحكومة السورية والتي تسيطر على ثلثي مساحة الأراضي، قوات سوريا الديمقراطية والتي تسيطر على مناطق واسعة بشمال شرق سوريا، وأخيرًا، منطقة الشمال الغربي والتي لا يوجد بها إدارة مركزية واضحة ولكن يسيطر عليها بالأساس فصائل إرهابية موالية لأنقرة إلى جانب سيطرة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية، إداريًا على محافظة إدلب. يعد هذا الاختلاف أمرًا معيقًا لجهود المنظمات الإنسانية الصحية العاملة، نظرًا لما يفرضه الاختلاف من نهج معين في التعامل مع كل جهة. كذلك، فإن غياب السلطة المركزية عن مناطق بالشمال الشرقي والشمال الغربي قد يعرقل دور منظمة الصحة العالمية بالبلاد، فبحسب الجهات الفاعلة بالمناطق السابق ذكرها، تقوم المنظمة بتسليم معدات الاختبار إلى السلطات الحكومية في كل بلد، وهو الأمر غير المتحقق بتلك المناطق.
- تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار المنظومة الصحية: بعد صراع مدته تسع سنوات، تعيش الدولة السورية في أزمة اقتصادية كبرى أسفرت عن أن هناك حوالي 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. أتى الفيروس وما تبعه من قرارات بحظر الأنشطة وغلق المعابر ليعمق من الأزمة، خاصة وأن الحلفاء الدوليين للحكومة السورية لن يستطيعوا باللحظة الراهنة تحقيق أي شكل من أشكال الدعم الاقتصادي.
وعلى صعيد المنظومة الصحية، تظهر بيانات من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السورية أنه من إجمالي 111 مستشفى عامًا في سوريا، هناك 58 مستشفى فقط تعمل بكامل طاقتها، والباقي إما يعمل جزئيًا (27) أو مدمرًا بالكامل (26). كذلك، فقد ذكر تقرير للأمم المتحدة أن ما يصل إلى 70٪ من العاملين بالمجال الصحي غادروا البلاد كمهاجرين أو لاجئين.
وفي تقرير حديث صادر عن كلية لندن للاقتصاد، لا يوجد سوى عدد 325 سرير عناية مركزة مصحوبًا بأجهزة تنفس في جميع أنحاء سوريا، وموزعين بشكل غير متناسب، حيث يقع عدد 200 سرير بمناطق سيطرة النظام. ولا يتوفر في شمال شرق سوريا سوى 22 سريرًا فقط، بينما لا يتوفر أي شئ في مدينة دير الزور، على الرغم من أنها غارقة بالميليشيات الإيرانية، والتي يعتقد كونها المصدر الرئيسي لدخول الفيروس إلى البلاد. وفي منطقة الشمال الغربي، فلا يوجد هناك سوى 166 طبيبًا و64 مرفقًا صحيًا لخدمة ما يقرب من ثلاثة مليون نسمة، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية إذا ما تفشى الفيروس بتلك المنطقة.
- مخيمات اللاجئين: تعد مخيمات اللاجئين من أكثر الأماكن المهددة بتفشي الوباء فيها، وذلك نظرًا لصعوبة تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي، ولتدهور خدمات الرعاية الصحية، علاوة على تدني معايير النظافة. فعلى سبيل المثال، يعد معسكر الهول من أكبر المخيمات والذي يُقدَّر احتواؤه على أكثر من 69,000 نازح. يحتوي المخيم على ثلاثة مستشفيات ميدانية فقط و12 نقطة طبية ثابتة، ولم يتم تجهيز أي منها بوحدات العناية المركزة أو أجهزة التنفس.
- التهديد الإرهابي: تعد خلايا تنظيم “داعش” بمثابة تهديد آخر نظرًا لما يقتضيه أمر المواجهة مع التنظيم من تشتيت للجهد وللموارد، خاصة مع ما يعتبره التنظيم بأن الوباء يعبر عن اللحظة المناسبة للمواجهة والأخذ بالثأر. وعليه، تدور تحركات التنظيم بسوريا خلال اللحظة الراهنة ما بين محاولات تهريب عوائل التنظيم من مخيم الهول، أو تصفية الحسابات مع عناصر كانت تابعة للتنظيم، أو تصعيد هجماته على القوات الموالية للنظام بمنطقة البادية السورية.
- الممارسات التركية: على الرغم مما يعانيه العالم من أزمة إنسانية جراء التفشي الوبائي الذي يقتضي في أبسط طرق معالجته إلى غسل الأيدي بالمياه، أقدمت السلطات التركية على قطع إمدادات المياه عن مناطق سيطرة الأكراد بشمال شرق سوريا، حيث تسيطر تركيا وفصائلها الموالية على محطة مياه “العلوك”، التي من المنوط بها خدمة 460 ألف شخص في محافظة الحسكة، وثلاثة مخيمات للنازحين. وعليه، قد يؤدي استمرار هذا الانقطاع إلى تقويض عمل المنظمات الإنسانية، ومن ثم، تفشي الفيروس بتلك المناطق.
- احتمال تفشي الوباء بالمناطق الخاضعة للميليشيات الإيرانية: بحسب تقارير صحفية، فقد كانت أولى إصابات فيروس كورونا في سوريا بصفوف عناصر “مليشيا فاطميون”، كانوا أرسلوا حديثًا من طهران إلى دمشق، أو ربما سافروا إلى إيران ثم عادوا لسوريا مرة أخرى.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تعداد المصابين من القوات الإيرانية وميليشيا “فاطميون” والمليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية بالبلاد، وصل إلى 116 حالة مؤكدة تتفشى في دير الزور بشكل أساسي.
- الألغام: فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” في التاسع من أبريل أن الوضع الأكثر صعوبة والأكثر احتمالًا لانتشار الفيروس يكمن بشرق الفرات وفي محيط منطقة التنف؛ نظرًا لاحتواء المنطقة على عدد كبير من الألغام والذخائر غير المنفجرة، وبالتالي صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إليها. وفي هذا السياق، يشير المرصد السوري إلى أن عدد الذين قتلوا جراء انفجار ألغام وعبوات وانهيار أبنية سكنية متصدعة من مخلفات الحرب في مناطق متفرقة من الأراضي السورية، خلال الفترة الممتدة منذ بداية يناير 2019 وحتى أبريل2020، يصل إلى 267 فردًا بينهم 65 مواطنة و77طفلاً.
تعزيز التموضع
بالرغم من أن أمر تفشي وباء كورونا هو أمر إنساني بالأساس يستدعي تكاتف جهود الفاعلين الدوليين المنخرطين بالأزمة، إلا أن الممارسات تكشف عن اتجاه كل طرف نحو تعزيز تموضعه العسكري داخل الأراضي السورية. فعلى الجانب التركي، عمدت السلطات التركية إلى تعزيز وجودها العسكري بريف إدلب علاوة على الانتشار بالمناطق القريبة أو الواقعة على طول طريق M4 الدولي، بهدف توفير الحماية في حال تقدم النظام مرة آخرى للسيطرة على المدينة، بجانب نشرها لمنظومات دفاع جوي تستهدف فرض حظر طيران النظام السوري فوق سماء إدلب في حال انهيار الاتفاق مع روسيا.
من ناحية آخرى، عملت القوات الأمريكية خلال الفترة الماضية على إعادة تعزيز وجودها بمناطق شرق الفرات، وذلك عبر إدخال آلاف الشاحنات المحملة بأسلحة ومعدات عسكرية ولوجستية إلى الحسكة، واستدعاءها لجميع العاملين معها سابقا من عناصر قوات سوريا الديمقراطية للعودة إلى العمل معها مجددًا. يتزامن هذا مع تعزيز الوجود الروسي بالشمال السوري. وأخيرًا، تسعى إيران من خلال ميليشياتها إلى البقاء على نفوذها في سوريا، وهو ما يتجلى في إطار ما تم تسجيله في مقطع مصور لجولة ميدانية بالقرب من المنطقة الحدودية مع الجولان لقائد “الفيلق الأول” بالجيش السوري مع عنصر من ميليشيا حزب الله والمسؤول عن ملف “جبهة الجولان” بالحزب، وهو ما يبدو أنه يأتي في إطار الرد على الضربات الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة على مطار الشعيرات.
إجمالًا،
يمكن القول إن استمرار الانقسام بين الفاعلين بالداخل وتركيز الفاعلين الدوليين على تعظيم أوضاعها داخل الأراضي السورية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، والتي إذا ما حدثت، لن تكون الحدود السورية حينها عائقًا أمام عودة انتشار للوباء.
نائب رئيس وحدة الدراسات الاسيوية