كورونا

تركيا في مواجهة كورونا.. تحديات كبيرة واستجابات جزئية

بينما ينتشر فيروس كورونا المستجد على نحوٍ مُتسارع في تركيا، لتقترب أكثر من النموذج الإيطالي، تبدو تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، بأن الوضع تحت السيطرة، وأن “لا فيروس في العالم أقوى من تركيا” التي يمكنها التغلب عليه في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لا أساس لها من الصحة، بعدما جاءت تركيا في طليعة الدول الأكثر تضرراً من الجائحة خلال فترة قصيرة، ما يشكك في جدية وفاعلية الإجراءات الوقائية التي اتبعتها الحكومة التركية للحد من تفشي الفيروس حتى الآن. 

مقارنة بدول العالم، قامت الحكومة التركية في الفترات الأولى لظهور الفيروس، باتباع سياسة التعتيم، مدعية اتخاذ إجراءات صارمة تحول دون تفشي الوباء على أراضيها. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن مع ظهور أول حالة إصابة في 11 مارس، تبعها أول حالة وفاة بعد ذلك التاريخ بأسبوع، وتتزايد الأعداد بشكل مطرد، لدرجة أن حذر الخبراء من أن تركيا قد تواجه السيناريوهين الإيطالي والإيراني في الارتفاع المفاجئ للإصابات.

لم تشدد تركيا قبضتها بشأن التدابير الاحترازية لاحتواء تفشي الفيروس، لكنها بدلاً من ذلك اعتمدت اتباع استراتيجية تقييد الوصول والتنقل على الصعيد الوطني والتي لا تصل إلى حد الإغلاق الإلزامي. ومع تزايد عدد الإصابات والوفيات، انتقلت تركيا من مرحلة “خداع الذات” إلى الشعور بوقوع “حالة طوارئ” وشيكة، واحتلت المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر تأثرا بالجائحة. لتسجل تركيا في 14 إبريل 61,049 حالة إصابة، ووفاة 1,296.

سجال بين المعارضة ونظام أردوغان

https://www.qposts.com/wp-content/uploads/2020/04/1-3-780x405.jpg

على وقع تفشي فيروس كورونا تعيش تركيا أزمات سياسية، تغذيها حالة من الصراعات الداخلية في محيط أردوغان، الذي رفض استقالة وزير الداخلية “سليمان صويلو”. والتي قيل إنها تأتي على خلفية انتقادات واسعة تعرض إليها صويلو، بسبب الإعلان المباغت لفرض حالة الحظر العام على 31 مدينة تركية، ما تسبب في حالة من الهلع والفوضى في الشارع التركي، إلا أن المؤشرات بخصوص خلفيات تلك الاستقالة ورفض أردوغان لها تنطوي على عدة أبعاد أهمها:

  1. عكست الاستقالة إرتباكاً في إدارة المشهد التركي، فوزير الداخلية لم يُقدم استقالته نتيجة إحساسه بالمسؤولية، وبالفشل في إدارة الأزمة، إنما نتيجة استشعاره الخطر، وأنه قد يكون كبش الفداء القادم لأردوغان كي يتملص من مسؤولية الفشل في إدارة الأزمة المتفاقمة، ويلقي بها على كاهله، لإنقاذ نفسه من أية مساءلة. 
  2. إطلاع وزير الداخلية بحكم منصبه على كثير من أسرار الدولة، خصوصاً تلك التي تتعلق بوضع المعارضين في الداخل والخارج، وملفات تتعلق بالوضع الإقليمي والدولي للبلاد، وهو ما يعد تهديدا لأردوغان وحكمه، ورغبته في الظهور بمظهر القائد المسيطر، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة.
  3. رفض الرئيس التركي قبول الاستقاله مرده الخوف من حدوث انشقاقات في الحكومة التركية، فرحيل صويلو الآن يعني رحيل ما لا يقل عن ثلث الحكومة التركية وثلث أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين يدينون جميعًا بالولاء لوزير الداخلية التركي.
  4. مخاوف من حدوث انهيار وانشقاقات في الحكومة، في ظل وجود تقديرات تشير إلى رغبة وزير الصحة في تقديم استقالته على خلفية تعاطي الدولة مع فيروس كورونا، وانهيار المنظومة الصحية التي جعلتها تعيش حالة شلل وعاجزة عن استيعاب العدد الهائل من الإصابات. 

وفي ضمن هذا السياق، زادت حدة الصراع بين المعارضة التركية والحكومة بسبب التعامل مع فيروس كورونا المستجد، مع اتهام أعضاء من المعارضة، للحكومة بعدم الشفافية وإخفاء العدد الحقيقي للمصابين. وتجاهل الحكومة التركية دعوات رؤساء البلديات المعارضة في المدن الكبرى لفرض قيود أكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس. فقد دعا عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو لأسابيع بإغلاق شامل للمدينة، التي تعد الأكبر في البلاد بحوالي 20% من سكانها، ولديها ما يقدر بنحو 60% من حالات الإصابة بفيروس كورونا. إلا أن الحكومة امتنعت عن الإغلاق الكامل، وبدلاً من ذلك فرضت حظر التجول على المسنين ومن يعانون من مشاكل صحية، ومن ثم على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً.

وتصاعد التوتر بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض، وتم تبادل الاتهامات بينهما على خلفية الاستثمار السياسي في الأزمة. وهو ما أكده إعلان بلديتا إسطنبول وأنقرة اللتان تسيطر عليهما المعارضة عن حملات تبرع لجمع الأموال للسكان الأكثر احتياجاً خلال الأزمة، إلا أن الحكومة منعت حملات التبرع التابعة للبلديات، وقال الرئيس التركي إن تحركات البلديات التي تسيطر عليها المعارضة لجمع التبرعات لمعالجة إصابات كورونا كانت محاولة لتشكيل دولة موازية، في حين اتهمته المعارضة بالتأخر في اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي من شأنها من أن تحد من انتشار الفيروس وتأثيره على المجتمع.

ظنت السلطة الحاكمة في تركيا أنها بتحويل جهود مكافحة هذه الجائحة إلى صراع مع البلديات المعارضة أنها وجدت فرصة جديدة لتعزيز الاستقطاب الاجتماعي الذي تتغذى عليه، وحاولت القضاء على سُبل وصول الإدارات المحلية إلى الشعب بكفاءة عالية وبسرعة أقل، واعتقاد عدم انكشاف ذلك خطأ آخر يُدرج إلى قائمة أخطائها.

تداعي الاقتصاد التركي

الأزمات تطيح الاقتصاد التركي

تواجه تركيا، في مكافحتها للوباء، التحدي المزدوج المتمثل في إبطاء الانتشار السريع لفيروس كورونا وتجنب الانهيار القريب لاقتصادها. وجاءت الأزمة لتقضي على آمال الرئيس التركي في أي تعافٍ متوقع خلال العام الحالي، في ظل الضغوط على اقتصاد تركيا الهش الذي يعاني بالفعل منذ عدة سنوات. فالوضع الاقتصادي لتركيا كان ضعيفا قبل كورونا، وإذا ما أضيف إلى ذلك الديون الخارجية والأزمة التي سببتها الجائحة، فهذا يعني أن أنقرة مقبلة على كارثة.

ترى الحكومة التركية أن الاقتصاد أهم من مكافحة الوباء، وهو ما أكدة تصريح للرئيس التركي قال فيه “تركيا بلاد يجب أن يستمر فيها الإنتاج وألا تتوقف فيها عجلة الحياة عن الدوران تحت أي ظرف وأي حالة”. لذلك حاولت الحكومة جاهدة تأجيل حظر التجول، خشية أن يؤدي ذلك إلى تطورات من شأنها أن يتوقف الإنتاج بشكل كامل وتنفجر البطالة، وتزداد الأزمة في أوساط الفئات ذات الدخل المنخفض. ورغم انخفاض أسعار النفط العالمية، الأمر الذي ينعكس على انخفاض أسعار الوقود المحلية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها الشعوب، إلا أن أنقرة قامت بزيادة أسعار البنزين 0.2 ليرة اعتباراً من مطلع أبريل الحالي، في وقت تقدم في الدول حول العالم حوافز للمواطنين وخفض لأسعار الوقود في الأسعار العالمية المتدنية.

ومن المتوقع أن تؤثر الأزمة الاقتصادية، على ترتيب الاقتصاد التركي على مستوى العالم. فوفق المؤشرات والأرقام الجديدة ستكون تركيا مرشحة بقوة للخروج من قائمة أقوى 20 اقتصادًا عالميًا، وهو أمر يرتبط بشكل واضح بتزايد الديون وفقدان الثقة في أداء الاقتصادي بشكل عام. ومع استمرار انهيار الاحتياطي النقدي، فربما تلجأ تركيا إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام الحالي، وهي خطوة إن أقدم عليها النظام التركي سيكون عليه القبول بمزيد من إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي لن يستطيع تحمل تباعتها داخليًّا، فضلًا عن تقديم تنازلات من أردوغان، لمنح استقلالية لعدد من المؤسسات الاقتصادية التي فرض سيطرته عليها.

هشاشة النظام الصحي

الأطباء الأتراك يواجهون فيروس كورونا في ظروف عمل صعبة

رغم الإصلاحات التي أدخلتها تركيا على نظام الرعاية الصحية، إلا أنها لا تزال متأخرة مقارنة بجميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتعاني وضعاً سيئاً من حيث الاستعدادات والإجراءات الوقائية للتصدي للفيروس. ومما زاد من فداحة الأمر النقص في الطواقم الطبية، إثر قيام حكومة أردوغان بما اسمته “حملة التطهير”، في أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016، إذ تم فصل 15 ألفا من العاملين في المجال الطبي. كما فقد العديد من الأساتذة في كليات الطب وظائفهم بسبب التوقيع على عريضة المطالبة بالسلام مع الأكراد. 

تفرض الحكومة التركية احتكار وحصار على المعلومات المتعلقة بالوباء، واستنكر اتحاد الأطباء في تركيا، التأخر في نشر المعلومات أو حجبها حيث لا يتلقى الأطباء والعاملين في مجال الصحة أية معلومات عن المرضى الذين يفحصونهم ويتابعونهم، أو يتلقونها في وقت متأخر جدا، وحذر الاتحاد من أن هذه المعلومات ذات أهمية حيوية ليس فقط للأطباء والعاملين الصحيين المعنيين، ولكن أيضًا لحماية المرضى الآخرين.

وتحتل تركيا مرتبة متدنية بين البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث عدد الأطباء، إذ إن لكل 1000 مريض 1.9 طبيب. ويصل عدد المستشفيات 1534، وعدد الأسرة بها لمواجهة أي أزمات صحية محتملة، 231.913 سريرا، كما أن عدد أسرة المرضى في العناية المركزة يبلغ 24.71 سريرا. أي أن نصيب كل ألف فرد من الأسرة هو 2.8 سرير، لتحتل تركيا بهذه النسبة المركز التاسع بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أضف لهذا أن عدم قيام الحكومة بتوفير مستلزمات الوقاية للأطباء وطواقم التمريض أدى إلى إصابة أكثر من 100 طبيبًا حتى الآن بالعدوى أثناء تأدية عملهم في مكافحة الجائحة.

وإلى جانب نقص الإمكانيات الطبية، أظهرت تركيا وجهها الحقيقي، بعد الاستيلاء على شحنة طبية كانت في طريقها إلى إسبانيا لإنقاذ مرضى كورونا وبالتزامن مع هذه الأزمة كشفت وسائل إعلام يمنية عن محاولة تصدير كميات كبيرة من الكمامات الموجودة في اليمن إلى تركيا. ففي الوقت الذي تثور فيه مخاوف من تحول اليمن إلى بؤرة انتشار للفيروس، خصوصًا في ظل ضعف إمكانات المنظومة الصحية، كشفت تقارير إعلامية محلية عن أن 50 ألف كمامة كانت في طريقها للتهريب من اليمن إلى تركيا، عبر إحدى الشركات العالمية، قبل أن تتمكن السلطات من ضبطها وإعادة توزيعها على المواطنين بسعر التكلفة.

ختاماً،

من المتوقع أن تشهد تركيا خلال الفترة المقبلة، أسرع وتيرة لتفشي جائحة كورونا. يعزى تزايد أعداد الضحايا والمصابين إلى موقف أردوغان نفسه، الذي قاوم اتخاذ إجراءات عاجلة، مكتفيًا فقط بالدعوة إلى مجرد “حجر صحي طوعي” في تركيا. وفي الوقت الذي نادى فيه السياسيون المعارضون باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد فيروس كورونا، أسوة بإجراءات الحظر والإغلاق التي دخلت حيز التنفيذ في جميع أنحاء العالم، تم تجاهل آرائهم ودعوتهم، مثلما تمت محاصرتهم وتهميشهم بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، في سياق محاولات أردوغان لبسط نفوذه وتمديد قوته بإلقاء خصومه في السجن.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى