كورونا

تدابير وخبرات سابقة لمواجهة كورونا في إفريقيا

مع انتشار فيروس كورونا المستجد، وتصنيف منظمة الصحة العالمية له بأنه وباء عالمي، منذ ظهوره لأول مرة في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، كانت القارة الأفريقية محل تحليل من الدول والإعلام الأجنبي نتيجة تأخر ظهور حالات مصابة بالقارة من ناحية، إلى جانب قلة الأعداد التي سجلتها القارة من ناحية أخرى، مما فتح الباب أمام العديد من  التكهنات حول أسباب تأخر ظهور الحالات بالقارة، والاتهامات بالتعتيم الإعلامي، وما قابله من قيام حكومات الدول الإفريقية باتخاذ تدابير احترازية في محاولة للحد من انتشار الفيروس، ولعل تأخر ظهور الحالات في أفريقيا قد أتاح الفرصة للحكومات الأفريقية لنقل التجارب الدولية واتخاذ إجراءات وقائية، تلتها إجراءات لمواجهة الفيروس في ظل معاناة بعض الدول من ضعف البنية التحتية والاقتصادية التي لن تمكنها من مواجهة المرض من ناحية أخرى.

الوضع الإفريقي من الأوبئة العالمية

سجلت 27 دولة أفريقية من أصل 54دولة حالات إيجابية مصابة بفيروس COVID 19 المستجد حتى تاريخ 17 مارس 2020، هذا إلى جانب الأعداد القليلة التي شهدتها القارة بالرغم من عدد سكانها البالغ 1.3 مليار نسمة، وهو ما دفعنا للتعرف على تاريخ القارة من الأوبئة المشابهة، والذي غالبًا ما يصل إلى إفريقيا بعد شهور من انتشاره.

وهو ما حدث عند انتشار مرض “السارس” في الفترة 2002 -2003، والذي دخل القارة بعد 5 أشهر من انتشاره لأول مرة في الصين، حيث أصبحت جنوب إفريقيا الدولة 17 في العالم التي تقدم تقارير تفيد ظهور حالات بها مصابة بالمرض، ولم يبلغ أي بلد آخر في القارة عن حالة بعد ذلك.

وفي عام 2009، وصل فيروس إنفلونزا الخنازير H1N1 إلى 60 دولة خارج أفريقيا، قبل أن تبلغ القارة عن أول حالة لها بعد شهرين من الاكتشاف الأول للمرض في المكسيك، وبشكل عام مثلت الوفيات في جميع أنحاء إفريقيا 1٪ من إجمالي الوفيات المبلغ عنها حول العالم، وهو ما يمكن قياسه مع فيروس COVID19.

ووفقًا لآخر احصائيات نشرتها منظمة السياحة العالمية، فإن إفريقيا بالرغم من تحقيقها معدل نمو 2% في حجم السياحة الوافدة إلى القارة، فإن نصيبها من إجمالي السياحة العالمية هو 5%، هذا باستثناء دول الشرق الأوسط ومنها مصر، بينما تمثل أوروبا وأسيا الوجهات الأكثر استقبالًا لأعداد السياح العالميين، فبلغت الأولى 51% والثانية 25% من إجمالي أعداد السياح وفقاً لتقديرات المنظمة لعام 2018، مما دفع البعض لتحليل أن الأمر يتعلق بنسب الانفتاح على العالم الخارجي. كما أن إفريقيا قارة شابة وبالتالي لا تعتمد بشكل كلي على العمالة الخارجية، وبالتالي فالنسب بها قليلة نوعًا ما، وعليه فإن معظم الحالات التي ظهرت في القارة جاءت وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية من الأوروبين العائدين للقارة، وحالات قليلة من شرق أسيا.

وأشارت بعض التقديرات إلى تعرض 13 دولة أفريقية للخطر الأكبر للمرض على أساس حجم الحركة مع الصين، وسط روابط تجارية وثيقة للقارة مع بكين، وضعف نظم المراقبة الصحية في عدد من الدول. بينما نشرت دورية “لانسيت” الطبية دراسة حول تصنيف مصر والجزائر وجنوب إفريقيا باعتبارها الدول الأكثر استعدادًا للتعامل مع الفيروس.

وعلى الرغم من استعداد القارة بإجراءات احترازية مسبقة، إلا أن وجود بعض الأمراض المنتشرة في أفريقيا قد يعقد من إدارة الأمر، وذلك كما جاء في تصريحات شيكوي إيكويزو، رئيس المركز الوطني النيجيري للسيطرة على الأمراض (NCDC)، بإن “نيجيريا مستعدة”، كما نجحت بالفعل في مكافحة فيروس إيبولا وإدارة تفشي المرض طوال الوقت، والقيام حاليًا بإدارة حمى لاسا، مشيرًا إلى أنه لدى نيجيريا فريق قوي معتاد على القيام بذلك”، إلا أن انتشار الملاريا في إفريقيا يمكن أن يعقد تشخيص فيروس كورونا المستجد في القارة، نظرًا لتشابه الأعراض.

وعن انخفاض نسب الإصابة في أفريقيا، أرجع العلماء السبب إلى المناخ الاستوائي في القارة، وهو المناخ الأقل ملائمة للفيروس الجديد، لكن لا توجد بيانات ودلائل علمية بعد حول هذا الأمر، خاصة وأن تايلاند ذات المناخ الاستوائي أيضًا قد تفشى فيها المرض. وأشار آخرون إلى أن الشيء الوحيد الذي وضع أفريقيا في هذا الوضع هو فحصها المبكر في المطارات وموانئ الدخول الأخرى، وذلك لأن البنية التحتية كانت موجودة بالفعل والعاملين الصحيين في متناول اليد، حيث تم الكشف عن أول حالة في الكونغو من خلال هذه الطريقة، وتم إجراء اختبارات وحجر صحي سريع للحد من انتقال المرض، لكن هناك بعض المخاوف بشأن قدرة القارة على التعامل مع المرض، حيث تمثل أفريقيا 16٪ من سكان العالم، ومعدل الإنفاق على النظم الصحية فيها قليل، مما يمثل ضغطًا اقتصاديًا جديدًا على القارة، سواء بالإنفاق على مواجهة المرض، أو فرض العزلة المؤثر على العلاقات الاقتصادية والسياحة إلى إفريقيا.

فيما أوضحت ماري ستيفن، المسؤولة الفنية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الكونغو برازافيل، أن أفريقيا كانت جيدة حتى الآن في احتواء الفيروس؛ لأنها اكتشفت حالات مبكرة، إلا أن النظم الصحية للقارة “تتعامل مع الكثير من حالات الطوارئ الأخرى في نفس الوقت “.

الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها القارة في مواجهة فيروس كورونا

سارعت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى تدريب 54 دولة من الدول الأعضاء على اختبار الفيروس، وقامت الدول الأفريقية بوقف معظم شركات الطيران التي لديها رحلاتها المباشرة إلى الصين، ونشطت الدول إجراءات المراقبة والحجر الصحي، إلا أن إثيوبيا، وهي واحدة من أكبر مراكز الحركة الجوية في أفريقيا، حافظت على تسيير رحلات منتظمة إلى الصين. فقد أعلنت الخطوط الجوية الإثيوبية في 2 مارس أنها استمرت في تشغيل 35 رحلة أسبوعيًا إلى المدن الصينية بكين وشانجهاي وجوانجو وتشنغدو، وكذلك إلى هونج كونج.

فيما أشارت بعض التقارير إلى أن إفريقيا لديها خبرة سابقة في التعامل مع بعض الأوبئة، كما هو الحال في محاولة منع انتشار تفشي فيروس إيبولا المدمر في غرب إفريقيا الذي انتهى في عام 2016، ويشير خبراء الصحة العالميون إلى ذلك كعلامة على الاستعداد لهذا المرض، حيث تم إنشاء مركز السيطرة على الأمراض في أفريقيا استجابة لتفشي فيروس إيبولا، وهو فيروس أشد فتكًا قام باختبار النظم الصحية في إفريقيا لأنه يتطلب أنظمة مراقبة قوية للقبض عليه، وعزل الاتصالات لاحتواء انتشارها وتعاونها مع السكان المحليين، وأنشأ العديد من البلدان معاهد للصحة العامة، وقامت الحكومات بالتوجيه نحو “تجنب المصافحة والمعانقة في جميع الأوقات”.

وقامت البلدان الإفريقية بإنشاء أماكن للعزل والحجر الصحي، وتعقيم الأبنية، وتوفير المواد المطهرة والحد من استغلال السوق، حيث أمر الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في 6 مارس بإنهاء منشأة العزل والعلاج الوطنية في غضون أسبوع، وأعلنت أنجولا كذلك في 2 مارس أنها تمنع دخول الأشخاص القادمين مباشرة من الصين وكوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا ونيجيريا ودول شمال إفريقيا.

وتعد الشائعات من أخطر ما يواجه القارة، وأضاف عبئًا جديدًا على الحكومات ينبغي مواجهته، باعتبار الوعي العام أول خطوات الحد من انتشار الفيروس، وهو ما دفع بعض الشبكات الإخبارية بعمل تقارير عما يتم تداوله من معلومات خاطئة ظهرت حول انتشار المرض وتعتيم الحكومات، وهو ما نفته منظمة الصحة العالمية بالأرقام المعلنة، وجعلت الحكومات الأفريقية تأخذ على عاتقها وضع استراتيجيات جديدة للرد عن طريق التكذيب، واتخاذ إجراءات رادعة ضد مروجي تلك الشائعات.

وصرح ماتشيديسو مويتي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أفريقيا حول الإجراءات التي تتخذتها إفريقيا، والتي تحولت من مرحلة الاستعداد إلى المواجهة المباشرة مع بداية ظهور حالات في القارة، إنه “لا يزال بإمكان كل دولة تغيير مسار هذا الوباء عن طريق زيادة الاستعداد للطوارئ أو الاستجابة لها”.

وفي بيان منظمة الصحة العالمية حول الوضع في القارة أوضحت إنه في حين أن انتقال العدوى المحلية – أي الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ سفر – لا يزال منخفضًا، إلا أن الاحتواء هو الاستراتيجية الأكثر ملاءمة، وهذا يعني الكشف عن الحالات بسرعة، وعزلها ومعالجتها وتتبع شبكات تواصلهم.

كما أشادت منظمة الصحة العالمية بنظم المراقبة القوية التي تعتمد عليها بعض الدول كما هو الحال في مصر، والتي تعمل على الحد من السيطرة على الحالات داخل المجتمع منعاً لانتشارها على نطاق واسع.

إلغاء الأحداث العالمية لمواجهة كورونا

كان من المقرر أن تشهد القارة هذا العام استقبال العديد من الأحداث المهمة، ولكن مع تفشي الفيروس العالمي، والذي وصل إلى حد إصابة دول ذات أنظمة صحية عالية الكفاءة والجودة كما هو الحال في أوروبا، قامت الدول الأفريقية باتخاذ إجراءات تمنع التدفق الخارجي لداخل القارة، ومنها تعليق أسبوع المناخ المقرر عقده بدولة أوغندا في الفترة من 20 إلى 24 أبريل، والذي تستضيفه مدينة كامبالا، بالتعاون مع الشركاء الرئيسيون وهم الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ ومجموعة البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا والاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الأفريقي.

إلى جانب تأجيل ثلاثة أحداث مهمة أخرى، وهي “المؤتمر الوزاري رفيع المستوى الذي تنظمه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (UN-ECA)، والذي كان من المقرر عقده في الفترة من 18 إلى 24 مارس في إثيوبيا. وتأجيل مواعيد ملتقى أينشتاين في كينيا، ويحضره عادة أكثر من 2000 شخص من أكثر من 79 دولة، في الفترة من 9 إلى 13 مارس. كما تم تأجيل منتدى المديرين التنفيذيين لأفريقيا الذي يستمر يومين والذي كان من المقرر عقده في ساحل العاج.

وفي مصر تقرر تأجيل مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، في إطار قرار مجلس الوزراء بتأجيل كافة الفعاليات والتجمعات للحد من انتشار فيروس كورونا. وأعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم تأجيل فعاليات بطولة كأس الأمم الإفريقية للمحليين 2020 التي كان من المفترض إقامتها في الكاميرون إبريل المقبل.

كما أدى انتشار الفيروس عالميًا، إلى إلغاء بعض الزيارات الرسمية وكذلك الاقتصادية، فقد أعلن الرئيس التنفيذ لشركة “تويتر” جاك دورسي، تأجيل قضاء عدة أشهر خلال هذا العام في إفريقيا، وأضاف أنه “في كلتا الحالتين سيواصل البحث عن فرص جديدة في إفريقيا”.

وبالتالي فإن القارة الإفريقية لديها تاريخ سابق في التعامل مع مثل تلك الحالات، وعليه فإن فرض العزلة والإجراءات الصحية والكشف المبكر والشفافية التي اعتمدت عليه الحكومات الإفريقية سيكون بارقة أمل في مواجهة الأمر، إلا أن ظهور هذا المرض سيمثل ضغطًا اقتصاديًا جديدًا على القارة في ظل انتهاج استراتيجيات فرض العزلة الدولية، إلى جانب الضغط على النظم الصحية التي تحتاج لتكاتف الجهود العالمية لمساعدة القارة في إجراءتها للحد من انتشار المرض.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى