
صلوا في رحالكم.. كورونا يحول بين الناس ودور العبادة
الأحوال في كل دول العالم قبل انتشار فيروس كورونا المستجد –قطعًا- ليست كنظيرتها بعد انتشار الفيروس، إذ اتخذت كل دول العالم إجراءات احترازية شديدة الصرامة للحد من تفشي هذا الوباء، وهي الإجراءات التي أثرت بطيعة الحال على حياة الناس في كل البقاع، وعلى كافة الأصعدة، ومنها ما يخص ممارستهم لشعائرهم الدينية.
ولعل القرارات التي اتخذتها بعض الدول بوقف الصلوات لكل من المسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء، إنما تدل على حجم الأخطار التي يمثلها هذا الفيروس وسرعة انتشاره، وتؤشر على ضرورة توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، فلا توجد إجراءات أكثر دلالة من هذه التي تخص الشعائر والطقوس الدينية على أن الأمر جد خطير.
تعليق العمرة ووقف الصلوات في المساجد
بداية الإجراءات كانت بإعلان السعودية في 27 فبراير الماضي تعليق إصدار تأشيرات العمرة للقادمين من خارج البلاد، ثم في 4 مارس الجاري بتعليق الدخول لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف من خارج وداخل البلاد، وإغلاق الحرمين الشريفين في غير أوقات الصلاة، بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة، وإغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة.
ومع استمرار تفشي الفيروس، اتخذت السلطات السعودية قرارًا بإيقاف صلوات الجُمع والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان، وذلك باستثناء الحرمين الشريفين. وقبل قرار السعودية، أغلقت دائرة الأوقاف الإسلامية بفلسطين جميع المصليات المسقوفة للمسجد الأقصى المبارك، معلنة أن الصلوات ستقام في باحات المسجد المفتوحة، وذلك للحد من انتشار كورونا وحماية للمصلين الوافدين إلى الأقصى، مع إغلاق كافة المساجد الأخرى، وحصر صلاة الناس في بيوتهم.
ولم تكن الحُرُم الشريفة الثلاثة وحدها هي محل مثل هذه القرارات، إذ اتخذت الكثير من الدول الإسلامية مثل الإمارات والكويت والجزائر وعُمان وقطر والأردن والمغرب وتركيا، وحتى غير الإسلامية مثل بريطانيا وكندا وألمانيا والصين واليابان قرارات بإغلاق المساجد ووقف صلوات الجُمع والجماعة للصلوات الخمس، والاكتفاء برفع الأذان، على أن يصلي الناس في منازلهم، وذلك تفاديًا للعدوى بكورونا المستجد.
حفظ النفوس وحمايتها أعظم مقاصد الشريعة
أكدت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف جواز إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من فيروس كورونا. مؤكدة أن من أعظم مقاصد شريعة الإسلام حفظ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار.
ومن هذا المنطلق كان ترحيب دار الإفتاء المصرية بقرار المملكة العربية السعودية بتعليق العمرة، مشددة على أن هذا القرار يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية للحفاظ على أرواح وسلامة المعتمرين وضيوف الرحمن، وأنه يأتي استنادًا للقاعدة الفقهية “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.
كما أعلنت “العتبة الحسينية المقدسة” بالعراق إيقاف صلاة الجمعة، موضحة أن هذا التوقف سيبقى لحين تحسن الظروف الصحية بسبب انتشار فيروس كورونا، وقرر الوقف السني العراقي، إغلاق جميع مساجد البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا وحتى إشعار آخر.
ولم يقتصر الأمر على وقف صلوات الجماعة، بل تعدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات احترازية أخرى تتعلق بحظر السياحة الدينية الخاصة بالمراقد الشيعية في النجف وكربلاء، والتي كانت تأتي إليها وفود شيعية كثيفة من كافة البقاع، وخاصة إيران التي باتت أحد البؤر الكبيرة لانتشار الفيروس.
إذ كانت محافظة قُم الإيرانية هي البؤرة التي انتشر منها الفيروس إلى بقية محافظات الجمهورية الإسلامية ثم إلى الكثير من الدول العربية، وذلك لما تتمتع به من قداسة دينية، فقصدها الكثيرون ناقلين الفيروس إلى حيث حلّوا، ولذلك اتخذت السلطات الإيرانية قرارًا بفرض حالة الطوارئ في المحافظة، وتقييد زيارات المراكز الدينية، إضافة إلى وقف إقامة صلوات الجُمع والجماعة في كافة المحافظات. كما اتخذت دول عديدة قرارات تتعلق بحالات الوفاة، منها وقف مراسم العزاء، والاكتفاء بتشييع الجنائز، على أن يقتصر التشييع على ذوي المتوفى فقط.
الكنائس تُغلق أبوابها وتبدأ بثًا مباشرًا
تداعيات الفيروس المستجد “كوفيد-19” الدينية لم تطل المسلمين فحسب، وإنما طالت الناس جميعًا بمختلف أديانهم، ومنهم المسيحيين، خاصة بعدما تفشى كورونا في القارة العجوز بشكل كبير، وخاصة في إيطاليا التي تجاوز عدد المصابين بالفيروس فيها 31000 مصاب، وتجاوز عدد الوفيات 2500 حالة وفاة.
وفي قلب العاصمة الإيطالية روما، أعلنت دولة الفاتيكان إغلاق كاتدرائية وساحة القديس بطرس أمام السياح، وأن كافة صلوات عيد الفصح هذه السنة ستُجرى في ساحة القديس بطرس بدون مشاركة المصلين، وأن كل اللقاءات العامة وصلوات التبشير ستكون متوفرة فقط عبر البث المباشر على موقع أخبار الفاتيكان الرسمي، وذلك حتى الثاني عشر من شهر أبريل المقبل. إضافة إلى إصدار السلطات الإيطالية قرارًا بإلغاء كافة التجمعات والأنشطة الدينية، وقررت السلطات المحلية في مدينة ميلانو فرص عقوبات على أي كنيسة تفتح أبوابها للعامة لأداء الصلاة بتهمة “مخالفة إجراءات مكافحة كورونا”.
وفي فلسطين أغلقت كنيسة المهد أبوابها أمام الزوار المسيحيين، وأغلقت فرنسا كنيسة لورد الشهيرة التي يقصدها السائحون للاستشفاء من الأمراض العضوية، وهي إجراءات ليست ببعيدة عن التي اتخذتها معظم الدول، مثل إنجلترا وويلز والصين واليابان وكندا والسويد وتونس، واستبدلت الكثير من الكنائس خدمات البث المباشر بالتواجد داخلها. أما الكنائس التي لم تتخذ مثل هذه الإجراءات حتى الآن فإنها غيّرت الطريقة التي يُنفّذ بها القداس في محاولة لوقف العدوى، مثل إصدار تعليمات بأن يُسلّم القربان باليد لا بالفم كما كان يتم عادة.
إغلاق الكُنُس والمعابد اليهودية
اليهود كذلك فُرضت عليهم إجراءات احترازية ووقائية مشددة غيرّت في طريقة ممارستهم لشعائرهم الدينية، إذ أغلقت عديد الكُنُس والمعابد اليهودية أبوابها في الكثير من البلدان، وأُلغيت احتفالات “عيد المساخر” في بعض البلدان، وفُرضت قيود عليها في بلدان أخرى.
وفي إسرائيل، حثت الحاخامية اليهودية الرئيسية اليهود على الابتعاد عن حائط البُراق والامتناع عن تقبيله، بسبب المخاوف من فيروس كورونا، ودعا الحاخام الأكبر في إسرائيل اليهود إلى الكف عن لمس وتقبيل “المازوزة” –قطعة تحتوي على مقتطفات توراتية تعلق على الأبواب- خوفًا من تفشي عدوى فيروس كورونا.
كما أصدرت الطائفة اليهودية في المغرب تعليمات لأتباعها بإلغاء جميع الأنشطة التي يشارك فيها قادمون من الخارج، ويحضرها أكثر من ألف شخص في أماكن مغلقة. وأعلن مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب تأجيل الموسم الديني السنوي الهيلولة، الذي كان من المتوقع إقامته بمدينة مكناس في مايو المقبل. ووضعت الكثير من المعابد اليهودية في العالم خططًا لتقديم دروسها وخدماتها عبر الإنترنت.
باحث أول بالمرصد المصري