كورونا

كيف نفهم استراتيجية الولايات المتحدة لمجابهة وباء كورونا؟

مع بداية تفشي فيروس كورونا، تباينت ردود الفعل الدولية حول التعامل معه، ما بين متكتم غير مبال، إلى متخوف يسابق الزمن لمكافحته، إلى آخر يروج لكونها مؤامرة أو حربًا بيولوجية. وبعد أن أصاب الفيروس جميع القارات، وأصبح الوضع كارثي، شرعت الدول في تبني استراتيجيات للحد من انتشاره. وعلى الرغم من أن الخطر الذي يواجهه العالم واحد، إلا أن الاستراتيجيات اختلفت من دولة لأخرى وفقًا لمعدل انتشار الفيروس فيها، ونظام الرعاية الصحية المتبع بها. في هذا الإطار اتخذت الولايات المتحدة إجراءات غير مسبوقة للحد من انتشار فيروس كورونا، شملت إعلان الرئيس دونالد ترامب حالة طوارئ وطنية على مستوى البلاد. 

اتخذت الولايات العديد من الإجرءات للحد من انتشار فيروس كورونا، من بينها منع التجمعات، وغلق المدارس وإلغاء المهرجانات والمسابقات الرياضية. وكشفت وثائق مسربة أن انتشار فيروس كورونا في أمريكا قد يكون أسوأ بكثير مما يزعم المسؤولون، حيث من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة أكثر من 480 ألف حالة وفاة، فضلًا عن إصابة 4.8 مليون شخص بالفيروس. وكشف تقرير قدمته جمعية المستشفيات الأمريكية (AHA) في فبراير الماضي عن المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها كبار السن وهؤلاء الذين يعانون من أمراض مسبقة إذا أصيبوا بفيروس كورونا. فوفقًا للتقرير، الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا أو أكثر لا تتجاوز فرص نجاتهم من الفيروس نسبة 14.8% إذا أصيبوا بالعدوى. ولا يزال الخطر قائمًا لهؤلاء الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و 79 عامًا حيث تبلغ معدلات الوفيات إلى 3.6% .ولكن ينخفض الخطر مع الشباب.

\\SERVER\Folder Redirection\marwa.mohammed\Downloads\الفيروس في امريكا.PNG

كيف استجابت الإدارة الأمريكية للخطر؟

أعلنت الولايات المتحدة، تسجيل 57 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا، فيما بلغت الإصابات 2340 حالة. وعليه تعددت الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها لتشمل وضع قيود على السفر، وحظر سفر على القادمين من الصين، ومنع السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة لمدة 30 يومًا، بالإضافة إلى وضع قيود مشددة على السفر على متن البواخر السياحية. فضلًا عن إغلاق المدارس وإلغاء الأنشطة الثقافية والرياضية، حيث اتخذت العديد من الولايات الأمريكية قرارات بإغلاق وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، والانتقال إلى التعليم عن بعد، وأيضًا إغلاق الأنشطة العامة والتجمعات التي ترتبط بالأنشطة الثقافية والرياضية.

كما شملت الإجراءات الاحترازية الأنشطة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية 2020، حيث أعلنت ولاية لويزيانا الأمريكية إرجاء الانتخابات التمهيدية لأكثر من شهرين خوفًا من تفشى الفيروس. وتأجيل الانتخابات التمهيدية في ولاية جورجيا حتى مايو المقبل، لتصبح ثاني ولاية يجبرها الفيروس على اتخاذ قرار مماثل. كما تم إلغاء بعض الجولات الانتخابية لكل من المرشحين الديمقراطيين “جون بايدن” و”بيرني ساندرز”، قبل جولة الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات. وتجرى الآن مراجعة الموقف بالنسبة للكثير من الأنشطة العامة والتجمعات المرتبطة بالانتخابات.

وعلى هذا تعاملت الإدارة الأمريكية مع انتشار فيروس كورونا عبر عدة مستويات:

المستوى الأول: التهوين وعدم المبالغة. في هذه المرحلة، بذل الرئيس الأمريكي قصارى جهده لتهدئة مخاوف مواطنيه والأسواق من مخاطر فيروس كورونا، إذ كلّف نائبه “مايك بنس” بتنسيق جهود مكافحة الوباء، وأكد أن تفشي الوباء في الولايات المتحدة “ليس أمرًا محتومًا”. ولكن تعرضت إدارة ترامب إلى انتقادت بسبب عدم إجراء اختبارات كافية للكشف عن الإصابات بالفيروس.

وطالب الديمقراطيون في الولايات الأكثر تضررًا الرئيس باتخاذ إجراءات لإمداد الولايات والمؤسسات الصحية بالتمويل الكافي لحماية المواطنين، في ظل نقص أدوات اختبار الفيروس، وعدم دقة نتائج الاختبارات الأولية، وتقارير أعداد الإصابات والضحايا، بالإضافة إلى سوء التواصل بين البيت الأبيض والكونجرس حول التعامل مع الأزمة. وعدم إنصات ترامب لرأي العلماء والمختصين، عندما أكد في مؤتمر صحفي حول انتشار كورونا أنه يتوقع زوال الفيروس في أبريل المقبل بسبب ارتفاع الحرارة، وأن الإنفلونزا العادية تقتل أشخاصًا أكثر بكثير من فيروس كورونا. وسيتم التوصل إلى لقاح خلال فترة قصيرة، وهو ما رد عليه العلماء بأن اللقاح لن يكون جاهزًا للاستخدام حتى منتصف العام القادم.

المستوى الثاني: إدراك حجم الخطر، ومحاولة الحكومة كسب الوقت للاستعداد لمواجهة حالات الإصابة والتقليل من انتشارها، الأمر الذ ترتب عليه: 

  • إعلان الرئيس الأمريكي تشكيل فريق عمل لمكافحة الفيروس، برئاسة وزير الصحة أليكس آزار، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ونائب وزير الخارجية ستيفن بيجون، وعدد من كبار الخبراء في الأمراض المعدية. بالإضافة إلى عقد مؤتمرات صحفية بشكل دوري لإطلاع الرأي العام على تطورات الموقف، وتخصيص الحكومة الأمريكية صفحة خاصة على موقع “مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” لتحديث البيانات والمعلومات بشكل مستمر عن الموقف.
  • قيام “مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” بإعداد مركز عمليات طوارئ للمساعدة على سرعة الاستجابة والتحرك في حال تفشي الفيروس. ويقوم الخبراء في المركز برصد وتبادل المعلومات، واتخاذ قرارات سريعة. كما أصدر المركز تعليمات بفرض الحجر الصحي لمدة أسبوعين على الأمريكيين الذين تم إجلاؤهم من ووهان.
  • توقيع الرئيس الأمريكي، على مشروع قانون لتخصيص 8.3 مليار دولار لمعالجة الأزمة وتوفير الأموال لوكالات الصحة العامة لإجراء الاختبارات وإتاحة اللقاحات والعلاجات الأخرى. وكان الكونجرس قد رفض طلب ترامب بتخصيص ملياري دولار فقط، وأقر مجلسا النواب والشيوخ عدم الاستهانة بمواجهة الفيروس، وأقرا قانون إنفاق بقيمة 8.3 مليار دولار. وحث الرئيس الكونجرس على دعم اقتراحه بتخفيض الضرائب على الرواتب الأمريكية.
  •  العمل مع حكومات بعض الدول المتضررة مثل حكومات إيطاليا وكوريا الجنوبية لتنسيق فحص المسافرين القادمين إلى الولايات المتحدة من هذين البلدين. كما فرضت الإدارة الأمريكية قيودًا على دخول المواطنين الأجانب الذين كانوا في إيران. وحظرت دخول المواطنين غير الأمريكيين القادمين من 26 دولة أوروبية.

المستوى الثالث: إعلان حالة الطوارئ الوطنية، وقد انضوى الإعلان على عدد من الترتيبات تشمل:

  • وقف حركة السفر لمدة 30 يومًا مع أوروبا التي أصبحت البؤرة الجديدة لتفشي وباء فيروس كورونا.
  • تخصيص 50 مليار دولار لمكافحة انتشار الفيروس، في كافة الولايات الأمريكية.
  • توفير خمسة ملايين جهاز اختبار لفيروس كورونا في غضون شهر، وإنشاء مواقع لاختبار الإصابة بالفيروس في جميع أنحاء البلاد. وتفعيل خطة التأهب للطوارئ في جميع المستشفيات.
  • منح سلطات جديدة وواسعة النطاق لقطاع الخدمات الصحية، تشمل التنازل عن بعض متطلبات الترخيص الفيدرالية، والإعفاء من قيود الوصول الحرجة على عدد الأسرة ومدد الإقامة، والتنازل عن القواعد لجلب المزيد من الأطباء إلى المستشفيات في بعض المستشفيات.
  • رفع احتياطات النفط الاستراتيجية للولايات المتحدة إلى الحد الأقصى في سياق إجراءات طارئة تهدف إلى تجنب أزمة اقتصادية بسبب انتشار الفيروس. وشراء كميات كبيرة من النفط بأسعار جيدة من أجل تخزينها في الولايات المتحدة.

كيف ساهمت الاستخبارات الأمريكية في الكشف عن الوباء؟

\\SERVER\Folder Redirection\marwa.mohammed\Downloads\الاستخبارات.jpg

منذ الكشف عن مدى انتشار فيروس كورنا المستجد حول العالم، تعاملت الولايات المتحدة مع الوباء على أنه أولوية أمن قومي وتهديد للأمن والاستقرار العالميين. ففي تقييمها السنوى للتهديدات العالمية، صنّفت الاستخبارات الأمريكية الانتشار الواسع لمرض وبائى ضمن التهديدات الكبرى التى تواجه البلاد. وحذرت في تقرير عام 2019 من انتشار الأوبئة الصحية، ومن أن الولايات المتحدة والعالم ستكون عرضة لوباء الأنفلونزا القادم أو تفشي مرض معد على نطاق واسع، قد يؤدي إلى معدلات وفيات وإصابات هائلة، وهو ما سيؤثر على الاقتصاد العالمي.

وشككت الولايات المتحدة في قدرة الصين على التعامل مع الفيروس، وقال البيت الأبيض، إنه “ليس لديه ثقة كبيرة في المعلومات الواردة من الصين” فيما يتعلق بعدد حالات الإصابة، كما أن الصين كانت مترددة في قبول المساعدة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة، وحجبت معلومات تخص تفشي المرض عن العلماء.

وعلى هذا، سخّرت الولايات المتحدة أجهزة استخباراتها لكشف وتتبع الفيروس، وجمع معلومات خريطة انتشار المرض على مستوى العالم، ودراسة نقاط قوة وضعف الدول والحكومات المختلفة للتعامل مع الفيروس، عبر وسائل مختلفة، بداية من أنظمة التعقب للحصول على معلومات حول الفيروس وانتهاءً باختراق الاتصالات؛ وذلك بغية التغلب على شح المعلومات القادمة من الصين. وأعلن المركز الوطني الأمريكي للاستخبارات الطبية (NCMI)، رفع تحذيره من الفيروس، إلى “أزمة محدقة”، بعد انتشاره في جميع القارات.

وعملت الاستخبارات الأمريكية عبر مسارين:

المسار الأول: الحصول على بيانات حركة المسافرين الصينيين، وبيانات حركة التجارة من الصين إلى جميع أنحاء العالم، لتحديد مدى انتشار المرض ورصده، ومن خلال تحليل هذه البيانات، أصبحت الاستخبارات الوطنية ومركز الشؤون الدولية في وكالة الاستخبارات المركزية المصدر الأول للأخبار الموثوقة المرتبطة بكورونا بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأمريكية. كما أصدر مركز الاستخبارات الطبية تقديرات حول سلامة القوات العسكرية خارج الحدود. 

المسار الثاني: إمداد لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب بتقارير يومية عن تطورات الفيروس في مختلف دول العالم، وهي تقارير من شأنها التصدي للتهديد بأبعاده الأمنية والوطنية والاقتصادية على حد السواء، والمساعدة في تنسيق المجهودات بين الأجهزة والإدارات المختلفة على مستوى البلاد. وتقييم ردود الحكومات في جميع أنحاء العالم في التعامل مع الفيروس، وذلك باستخدام أدوات استخباراتية متنوعة، تتراوح من المخبرين السريين إلى التنصت الإلكتروني.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى