كورونا

صمود “ووهان” .. عندما انتفض العملاق الصيني في وجه “كورونا”

مرض لا يحترم حدودا ولا يستثني أحدًا، فقدت الدول سيادتها على حدودها في مواجهة الفيروس فلا منع حال ولا حظر أجدى، وفي أيام أصبح مصير البشرية مشتركا

وأمام هذا تصرفت الصين كعملاق حقيقي وتحملت مسئوليتها كاملة فكانت تصريحات منظمة الصحة العالمية في الثالث من فبراير الماضي حين أعربت عن إشادتها بالإجراءات الفعالة التي اتخذتها الصين وأكد مدير منظمة الصحة العالمية أن الصين تتخذ إجراءات جادة وهي إجراءات لا تحمي الشعب الصيني فحسب وإنما حدت أيضًا من انتشار الفيروس في البلاد الأخرى وأنه لولا الجهود الصينية لكانت الإصابات خارج الصين اليوم أكبر من ذلك بكثير.

لم تدخر الحكومة الصينية جهدا ، فعمدت إلى إعادة تأهيل العديد من المستشفيات لاستيعاب مرضى كورونا وتزويدها بالتجهيزات المطلوبة وحتى السيارات التي تستخدم مكبرات صوات تم توظيفها.المجتمع الصيني تمت تعبئته إلى أقصى درجة وفي الوقت الذي قطعت فيه البرامج التي يبثها التلفزيون ليقول المذيع أن الفيروس انتقل من ووهان إلى جميع أنحاء الصين انتقل الدعم من جميع أنحاء الصين إلى ووهان، للحظات عديدة كان الجميع يؤمنون بأنه سيتم الضغط على زر تشغيل ووهان مرة أخرى حين يحتشد الكثير من الركاب في مترو الأنفاق وتصبح أكشاك الطعام صاخبة مرة أخرى وحتى يصطف المارة لمشاهدة أزهار الكرز .

الرئيس الصيني يعلن التعبئة العامة

في  السابع من فبراير أيضًا أعلن الرئيس الصيني الحرب الشاملة على كورونا وما هي إلا دقائق حتى انتفض التنين تلبية للنداء وتم فرض إجراءات صارمة لاحتواء الفيروس وانخرط كل فرد في العملية فقلل الناس تحركاتهم خارج منازلهم إلا للضرورة القصوى حيث  لعب الانترنت والتطور الرقمي دور كبير في توفير احتياجات الناس “لا شك أن التكنولوجيا الصينية خدمت أصحابها” .

وحتى قبل إعلان الرئيس الصيني التعبئة العامة ضد فيروس الكورونا القاتل  تمكنت الصين من إنجاز مستشفى ووهان في خلال عشرة أيام فقط، وبدأ في وقتها طاقم طبي مكون من 1400 فرد من الجيش الصيني بمهمة معالجة المرضى في مستشفى “هوشنشان” بووهانبطاقة  1600 سرير وذلك في محاكاة لنموذج تفشي سارس في 2003 والذي شهد بناء مستشفى  ” ليشنشان” في غضون سبعة أيام.

وظهرت الكثير من الشهادات من المواطنين الذين شهدوا انتشار السارس في 2003 والذين يشهدون الآن تفشي كورونا حيث أكدوا أن المختلف في الأمر ان الصين لم تكن بهذا التطور في 2003 أما التشابه فيكمن في قوة التماسك المجتمعي، أما ووهان مركز تفشي الفيروس في مقاطعة هوبي فقد شهدت قصصًا إنسانية من نوع آخر تمثلت في تطوع الآلاف من الكوادر الطبية والصحية من جميع أنحاء الصين لخدمة المدينة ومستشفياتها كما ظهر المتطوعون “الأهليون ” لفحص حرارة الأشخاص قبل الدخول إلى أي مجمع سكني أثناء ارتدائهم اقنعة الوجه الواقية كما كان لعمال توصيل الطلبات دور كبير في احتواء الأمور وكانوا مثل الأبطال ، أما الشعب الصيني فهو مثال يحتذى ليس فقط في جلده وقوة تحمله وإنما في ثقته في حكومته التي كانت سببًا أساسيا في قوة الحرب على الفيروس القاتل.خصوصًا إذا ما وضعنا بالاعتبار ان المرض داهم الصينيين قبيل احتفالهم بالعام الجديد. وفي نفس الشهر أرسلت  القوات المسلحة الصينية ثماني طائرات مثلت مددًا من الأطقم الطبية إلى مقاطعة ووهان وكانت هذه هي المرة الثانية حيث تم إرسال قافلة  أخرى من الطائرات في  وقت سابق من نفس الشهر.

كما انخرط الأهالي في المقاطعات الأخرى في أعمال تطوعية وكان على رأسها مقاطعة ” هونان” بوسط الصين  التي قامت بتضمين 60 طن من التبرعات التي شملت إنتاج المقاطعة إلى ووهان وقدمت نفس المنطقة حوالي 613 طن من الخضروات إلى مقاطعة هوبي وعاصمتها ووهان منذ أن ضرب المرض.

وقد أعلن البنك المركزي في الصين عن ضخ تريليون ومائتي مليار يوان في الاقتصاد الصيني لدعم جهود مكافحة كورونا، ووفرت الصين الضمان لسلامة الأجانب المقيمين على أراضيها ومن إجمالي 27 حالة إصابة لأجنبي تعافى منهم 8 أفراد مع احترام عقائدهم الدينية وعادات الطعام الخاصة بهم،إضافة إلى ذلك تمت ترجمة كل الإرشادات الخاصة بالوقاية إلى ست لغات وقامت الجامعات في مقاطعة هوبي بتقديم 3 وجبات مجانية للطلاب يوميًا ،علاوة على ذلك قامت إحدى الجامعات بشراء طنين من الخضراوات وتوزيعهما على الطلاب وهو ما دعا الكثير من الأجانب لرفض مغادرة الصين لأنهم يشعرون بالأمان ويشعرون أنهم في وطنهم.

كورونا باغت الصينيين

كانت أعياد الربيع التي يحتفل بها الصينيون في الرابع والعشرين من يناير على الأبواب عندما باغتهم كورونا،وفي بلد تتجاوز مساحته 9مليون كلم مربع ويفوق سكانه المليار و400 مليون نسمة وتستغرق تجهيزات المناسبة والاحتفال بها حوالي شهر كامل يمكن تخيل مدى الضغط الملقى على عاتق الحكومة في ظل هذه الأوضاع والتي تعامل معها الصينيون بعقلانية، كل هذا الطقوس اختفت تمامًا .

أظهر الشعب الصيني مزايا تستحق التقدير والاحترام وتجسدت المزايا في الجهود والروح الكفاحية والالتزام والانضباط والخدمة المجتمعية التطوعية وروح المسئولية صينيًا وإقليميًا وعالميًا والاستعداد لتشاطر المعلومات والخبرات والتجارب لما فيه صالح البشرية.

على خط المواجهة.. ملائكة بالزي الأبيض

تحية مستحقة.. استحقاق في زمانه ومحله فمنذ الإعلان عن تفشي الفيروس في مطلع يناير الماضي استماتت الطواقم الطبية في الدفاع عن ووهان وعن الصين حتى أن أعدادًا منهم فارقت الحياة تاركة عائلاتهم خلفهم، خصائص خطة الصين لمواجهة المرض تمثلت في ثمانية خطوات أساسية وهي التعامل مع الأزمة كقضية أمن وطني وإدارة الأزمة على أعلى مستوى من قبل المسئولين وانتشار فرق التعامل السريع في مناطق الأزمة وإغلاق المصانع وغيرها من أماكن التجمعات وكذلك الحد من استقبال الرحالات الجوية ومنع حركة المواطنين داخليا عن طريق عزل ووهان كما رحبت الصين بأي تعاون مع جهات خارجية ” دول وحكومات” ،وقامت بتوعية المواطنين في وسائل الإعلام المختلفة  ودحض الشائعات والتعامل بشفافية مع الأرقام وتوسيع نطاق التعامل مع منظمة الصحة العالمية.

ووسط كل الضجيج الذي أثاره العالم كانت هناك حقيقة واحدة ثابتة ومؤكدة مفادها أن الصين تواجه كورونا بعلومها المختلفة وبأمل كبير في القضاء عليه وثقة في النفس وكل ذلك مغلف بمسئولية أخلاقية كحائط الصد الأول عن العالم ولذلك اختارت بكين أن تبتعد عن الضجيج وأن ترصد كل طاقاتها لمواجهة الفيروس. وقد فضلت الصين الحفاظ على الأمان الصحي للعالم أكثر من مصالحها الاقتصادية واستطاعت في خلال أيام حشد 11 الف طبيب ونقلهم إلى ووهان، وفي خطتها قدمت 19 عشر مقاطعة مساعدات لتسع عشرة وحدة إدارية على مستوى مقاطعة هوبي بطريقة كل مقاطعة تقدم العون لمدينة وحتى الرابع عشر من فبراير فقط وصل إلى ووهان17 طاقمًا طبيًا ٌ بإجمالي 25 ألف فرد من العاملين في مجال الطب كما نقل إلى منطقة الوباء ثلاثة مختبرات نقالة وحتى منتصف الشهر الماضي تراجعت معدلات الإصابة في هوبي بنسبة 50% .

عزل ووهان يؤتي ثماره

كان اتخاذ قرار عزل ” ووهان” عاصمة مقاطعة هوبي القرار الأمثل ، وقد قامت الوحدات القاعدية للحزب الشيوعي الصيني بلعب الدور الرئيسي في معركة العزل حيث تظهرقدراتها التنظيمية والتعبويةعند مواجهة الكوارث الطبيعية وأزمات الصحة العامة، مثل زلزال ونتشوان في 2008 وبعد تفشي المرض كان ينبغي توفير الرعاية لكل من ليس لديهم أعراض واضحة في البيوت الوحدات القاعدية للحزب الشيوعي تمت تعبئتها فصارت تشكل شبكة فعالة لمكافحة الوباء، كل هذه الجهود أدت إلى أن  أعلن الرئيس الصيني شيجينبينغ  أن ووهان تمكنت من “السيطرة عمليا” على فيروس كورونا المستجد وذلك بعد أول زيارة له للمدينة التي ظهر فيها الوباء قبل أن ينتشر في أنحاء العالم.وجاءت زيارة شي في وقت تبدو فيه إجراءات الحجر الصحي غير المسبوقة التي عزلت مدينة ووهان وباقي أنحاء مقاطعة هوباي وسط الصين منذ أواخر يناير وقد أتت بثمارها، مع انحسار عدد الإصابات الجديدة بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية.وخلال زيارته أعلنت هوباي عن تخفيف قيود السفر للسماح للأشخاص الأصحاء في مناطق منخفضة الخطر بالتنقل في أنحاء المقاطعة. 

لا مغادرة للمقاطعة

التدابير لم تخفف على ما يبدو القيود على ووهان، كما لم تشر حول ما إذا كان باستطاعة الناس مغادرة المقاطعة البالغ عدد سكانها 56 نسمة. وأكدت وسائل إعلام حكومية أنه تم إغلاق آخر المستشفيات الميدانية البالغ عددها 16 والتي أقيمت في ذروة تفشي الوباء في المدينة. وقال  الرئيس الصيني “تمت السيطرة عمليا على انتشار مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مقاطعة هوبي وعاصمتها ووهان” وأضاف “تم تحقيق نجاح أولي نحو استقرار الوضع وتحسنه في هوبي وووهان”.

بكين تعطينا المزيد من الدروس

لم تكتف بكين بدحر المرض في هوبي فمساء الخميس الماضي ، وصلت رحلة جوية تقل فريق مساعدة صيني، مؤلف من تسعة أفراد يحمل معه أطنانا من الإمدادات الطبية، إلى مطار “فيوميتشينو” بروما، وكان في استقبالها حشد من الخبراء المحليين من الصليب الأحمر الإيطالي، ومسؤولون من وزارة الخارجية الإيطالية، ومندوبون من السفارة الصينية لدى إيطاليا.وظهر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو على موقع الفيسبوك وهو يعرب عن شكره. وقال: “الليلة، إيطاليا ليست وحدها. الكثير من الناس في العالم يدعموننا،وكتب بيبي غريلو، الزعيم السابق لحركة “فايف ستار”، على مدونته في وقت متأخر من يوم الخميس يقول: “درس آخر يأتي من الصين، خلال هذه الأيام التي تواجه فيها إيطاليا صعوبات كبيرة، تضامن مع رسائل، ومساعدات، ومعدات طبية، وأطباء”.وأضاف: “كما يقول أحد أمثالنا: حب الصديق هو حب للأبد، فقد ولد ليكون صديقا في المحن”.

وقد قامت فتاة من نابولي الإيطالية الساحرة برسم صورة للتعبير عن امتنانها للصين في الوقوف إلى جانب بلادها وقالت الصينيون اليوم يقولون لنا ” روما ليست وحيدة”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى