تركيا

أزمة اللاجئين داخل تركيا بين الرفض الشعبي والاستغلال السياسي

لم تكن العمليات العسكرية الأخيرة في إدلب بمثابة الداعي لتجدد الحديث حول أزمة اللاجئين في داخل تركيا. منذ عام 2016، شغلت قضية اللاجئين مساحة واسعة من الاهتمام السياسي والشعبي، فمع تبنيها لسياسة الباب المفتوح، وصلت أعداد اللاجئين إلى ما يقرب من 3.9 ملايين لاجئ.

وتعتبر أعداد اللاجئين السوريين الأكبر من بين باقي الجنسيات المتواجدة، حيث تقدر أعدادهم بنحو ثلاثة ملايين و649 ألف سوري، وهو ما يعادل نسبة 4.6% من إجمالي الشعب التركي، وذلك وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات التركية يناير 2019.

بينما توزعت أعداد باقي اللاجئين ما بين نحو 170.000 لاجئ من أفغانستان و142.000 من العراق و39.000 من إيران و5.700 من الصومال و11.000 لاجئ من الجنسيات الأخرى وبالنظر إلى تعدد جنسيات اللاجئين، إلا أن قضية اللاجئ السوري ظلت القضية المحورية الصالحة للجدال بين المواطنين وللتوظيف السياسي سواء من قبل النظام التركي أو من قبل معارضينه.

التعامل الشعبي مع أزمة اللاجئين

كسبت قضية اللاجئين السوريين في بدايتها تعاطفًا شعبيا وسياسيا، الأمر الذي لم يدم طويلًا، ففي يوليو 2017، نشرت صحيفة “حرييت” التركية نتائج دراسة أجرتها نقابة السمكرية والحداديين الموحدة في تركيا حول وضع العمال السوريين في البلاد.

وبحسب الدراسة يعتقد 73% من العمال الأتراك الذكور و60% من العاملات التركيات أن وصول السوريين تسبب في انخفاض رواتبهم. ويعتبر 66% من العمال الأتراك أنه يجب منع اللاجئين السوريين من حق العمل في الأراضي التركية، بينما اعتبر 76% من المشاركين الأتراك إنه لا ينبغي منح الجنسية التركية لأي سوري باستطلاع آخر أُجري خلال نفس العام.

تنامت حالة الغضب الشعبي الموجه ضد السوريين، خاصة مع ما تصوره الأتراك بمنافسة اللاجئين لهم على الخدمات العامة وسوق العمل، ففي أحد الاستطلاعات التي أجراها مركز التقدم الأمريكي، يعتقد 80% من الأتراك المشاركين أن الحكومة تنفق الكثير من المال على اللاجئين.

وفي ظل حالة تراجع الوضع الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة، تأكد التصور السابق بما أدى في النهاية إلى تزايد الحملات العنصرية الموجهة ضد اللاجئين سواء الشعبية أو الإعلامية، والتي وصلت حدتها إلى حرق وتحطيم عددٍ من المحال التجارية المملوكة لسوريين، واستخدام الأسلحة البيضاء، بل والاعتداء على الأتراك الذين يستعينون بسوريين لإدارة محالهم.

وأفادت الدراسة المنشورة في يوليو 2019 من قبل جامعة “قادر هاس” في إسطنبول بأن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54.5% إلى 67.7% في 2019.

المعارضة التركية واللاجئين

على المستوى السياسي، فقد احتلت قضية اللاجئين قمة أولويات الأحزاب السياسية التركية، وبالأخص جانب المعارضة. فقد استخدمت المعارضة اللاجئين إلى جانب الأزمة الاقتصادية لإبراز فشل النظام التركي في إدارة البلاد، وهو الأمر الذي كان جليا خلال الانتخابات المحلية الأخيرة والتي أسفرت عن سحب المعارضة لبلدتي أنقرة وأسطنبول من قبضة العدالة والتنمية.

منذ بداية تدفق اللاجئين على الحدود التركية، اتخذت المعارضة موقفًا موحدًا إزاء استقبال وتجنيس السوريين، بل وتوافق معهم في مسألة رفض التجنيس هذه حزب “الحركة القومية” المعروف عنه توافقه مع حزب العدالة والتنمية. ففي تصريح له عام 2016 عقب إعلان الحكومة بقرار تجنيس السوريين، رأى “دولت باهتشلي” رئيس الحزب أن “التصريحات المتعلقة بمنح الجنسية للسوريين أمر غير مقبول، ومنح الجنسية ليس قراراً متعلقا بالحالة الكيفية للسيد الرئيس”.

تتحرك المعارضة في رفضها لتعامل النظام التركي مع قضية اللاجئين من خلال موضوعين رئيسيين. يتمثل الموضوع الأول في البعد الاقتصادي: حيث تشير الإحصائيات إلى أن ما يقدر بنحو 1.2 مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي في تركيا.

 ويشكو الكثير من الأتراك من أن السوريين يأخذون فرص العمل منهم، بقبولهم بأجور أقل من أجور العمال الأتراك، رغم أنهم يقبلون بالعمل في ظل ظروف قاسية. وفي هذا السياق، تشير الأرقام إلى أن نسبة البطالة في تركيا، سجلت في مايو 2019، أعلى نسبة لها.

يُضاف إلى ما تقدم، ما أثاره رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض”كمال كليتشدار أوغلو” من حديث حول ما يمثله اللاجئون من عبء على ميزانية الحكومة “التي تقوم بصرف الأموال عليهم من الخزينة العامة للدولة المخصصة للمواطنين الأتراك”.

يتمثل الموضوع الثاني: فيما أحدثه اللاجئون من تأثير اجتماعي وديموجرافي داخل الولايات التركية. فمن المتعارف عليه اعتزاز المواطن التركي بهويته وثقافته ولغته، ولكن مع تصاعد الحضور العربي، يُثار الحديث حول احتمالات تغير التركيبة العرقية والديموجرافية لبعض الولايات التركية وهو الأمر الذي تستند إليه المعارضة خلال النقاشات.

فقد صرح رئيس حزب الشعب الجمهوري من قبل بأن “أعداد السوريين في بعض الولايات التركية فاقت تعداد السكّان المحليين، بمعنى إذا تقدم أحدهم للترشح في الولايات التي يوجدون فيها بأعداد كبيرة لرئاسة البلدية لفازوا بها.” جدير بالذكر أن مدينة “كلس” تضم أكبر كثافة سورية بالقياس إلى عدد السكان، إذ تصل نسبة السوريين فيها إلى نحو84.41% وتليها “هاتاي” بنسبة 26.71% ثم غازي عنتاب بنسبة 21.90%.

من الاستقبال المفتوح إلى الترحيل

شهد تعامل النظام التركي مع قضية اللاجئين تطورًا براجماتيًا. ففي البداية، اعتمد الجانب التركي اتباع سياسة “الباب المفتوح” في ما يتعلق باستقبال اللاجئين السوريين. واستخدمت تلك السياسة في نطاق الترويج الداخلي للحزب وتثبيت وجوده. كذلك، فقد هدف النظام التركي من سياسته مع اللاجئين إلى محاولة تصدير صورة إيجابية عنه إلى الخارج، ففي مارس 2016، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى صفقة تعهدت أنقرة من خلالها بوقف تدفق اللاجئين غربًا في مقابل الحصول على تمويل لدعم السوريين في تركيا.

خلال نفس العام، تحدث الرئيس التركي عن تجنيس اللاجئين السوريين وعن إدماجهم في المجتمع ودورهم في تنمية الاقتصاد التركي، كما استغل ورقة اللاجئين لتبرير العملية العسكرية في “عفرين”، حيث قال إن أحد الأهداف الرئيسية للعملية العسكرية تتمثل في تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم، على الرغم من أن معظم اللاجئين في البلاد ينحدرون من أماكن أخرى في سوريا.

ولكن في ظل ما يشهده الاقتصاد التركي من تراجع وتنامي لمستويات البطالة، وما يعبر عنه المواطنون الأتراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر عن رفضهم استضافة بلادهم للاجئين، تغير الخطاب التركي الرسمي حيال اللاجئين إلى حال مناقض لما كان عليه سابقًا، وذلك في إطار محاولاته لاحتواء الاستياء الشعبي القائم.

أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في إحدى تصريحاته السابقة للانتخابات البلدية في تركيا: “نريد من إخواننا وأخواتنا من اللاجئين أن يعودوا إلى أرضهم ومنازلهم، لا يمكننا أن نبقي 3.5 مليون شخص هنا إلى الأبد”. ترافق تغير الخطاب مع تشديد للإجراءات كإغلاق العديد من مخيمات اللاجئين، ممارسة التشدد في منح تصاريح العمل، إلى جانب التضييق على منح تراخيص الأنشطة التجارية، وأخيرًا منع اللاجئين من التنقل عبر الولايات إلا بعد الحصول على إذن سفر أمني قبيل المغادرة.

كذلك، أشارت عدد من تقارير المنظمات الحقوقية كهيومن رايتس وواتش، والعفو الدولية إلى ممارسة السلطات التركية لترحيل قسري للاجئين السوريين من أراضيها وإرسالهم إلى منطقة سورية بالقرب من الحدود على الرغم من أن الصراع لم ينتهي هناك بعد. فعلى الرغم مما أعلنه الرئيس التركي عن “عودة طواعية” لما يقرب من 365 ألف سوري، إلا أن التقارير الحقوقية والصحفية تشير إلى تعرض اللاجئين إلى التهديد أو الإجبار من قبل الشرطة التركية للتوقيع على وثائق تفيد بأنهم سيعودون بمحض إرادتهم إلى سوريا.

في النهاية، يمكن القول أن قضية اللاجئين ستظل قضية محورية بالداخل التركي يستغلها كل طرف وفقًا لما ترتأيه سياسته ورغبته في اكتساب شعبية داعمة، وسيظل الخاسر من تلك القضية هم اللاجئين أنفسهم.

نائب رئيس وحدة الدراسات الاسيوية |  + posts

نائب رئيس وحدة الدراسات الاسيوية

نوران عوضين

نائب رئيس وحدة الدراسات الاسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى