الصحافة الإسرائيلية

“هاآرتس الإسرائيلية”: خطة السلام الأمريكية لن تنجح بالموقف الأحادي في ضم الأراضي الفلسطينية

مع الرفض الفلسطيني القاطع المدعوم من الدول العربية لخطة السلام الأمريكية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أغلق الباب أمام التفاوض الثنائي مع إسرائيل في تنفيذ الخطة التي اعتبرها الداخل الإسرائيلي بمثابة مكافأة لإسرائيل وتصاعد في الموقف الأمريكي مع كل رفض من الجانب الفلسطيني، وتساءل مايكل هيرتسوج في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية”، عن” ماذا يجب أن تفعل إسرائيل؟”. فكتب أن خطة السلام الامريكية تمثل نقطة مرجعية قوية لأي زعيم إسرائيلي في المستقبل، ولكنه أوصى بألا يجب العمل بها كخطة عمل تنفيذية حالية.

خطة السلام الأمريكية نقلة نوعية لصالح إسرائيل

وصف الكاتب خطة السلام التي وضعها الرئيس دونالد ترامب بمثابة نقلة نوعية عميقة عن كل محاولة سابقة منذ عام 1993، والتي تعد تحولاً لصالح الحكومة الإسرائيلية، خاصة إذا ما قورنت بثلاث مبادرات أمريكية سابقة، والتي تمثلت في “أطر خطة كلينتون في ديسمبر 2000، “عملية أنابوليس” لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في 2007-2008، مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 2013-2014″، والتي رآها البعض تطوراً للسياسة الأمريكية في تنفيذ الإرادة الإسرائيلية مع كل رفض من الجانب الفلسطيني.

وتناول الكاتب الخطة باعتبارها مؤثرة كعنصر حاسم لتحقيق ما أسماه “الأمن القومي الإسرائيلي” وليس في مجرد الدور الذي حاول أن يحصرها البعض فيه وهو “التأثير على الانتخابات الإسرائيلية”.

وتناول سبل حل الصراع بضرورة أن يقوم على التفاوض والتوصل لواقع متفق عليه بشكل متبادل مع الجانب الفلسطيني وليس مفروضاً، قائماً على أساس “الانفصال السياسي وتقسيم الضفة الغربية”، من خلال تحقيق توازن بين الاحتياجات الأمنية الحرجة لإسرائيل وتطلعات فلسطين السياسية. وهو المبدأ الأساسي الذي اعتمدت عليه مفاوضات العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين على الرغم من اختلاف بعض النقاط. 

هل خطة ترامب هي النموذج الأنسب لإسرائيل؟

تمكن الكاتب من الإجابة على هذا السؤال من خلال سرد عدة نقاط وتمثلت بإمكان الخطة أن توفر لإسرائيل وسائل عملية لتلبية احتياجاتها الأمنية في واقع ما بعد الاتفاق”، من خلال إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح بشكل فعال، وستتحمل إسرائيل المسؤولية الأمنية عن كامل الأراضي والسيطرة على غور الأردن، كما ستتحكم إسرائيل في المجال الجوي، والبحري، وهو ما وصفه بأن “الأصدقاء الأمريكان” قبلوا للمرة الأولى “النسخة الإسرائيلية الأكثر شمولاً من الترتيبات الأمنية في الاتفاقية.”

ويرى الكاتب خطة السلام بانها بمثابة تصحيح تاريخي لما خلفته حرب 1967، 1948، وتضع حلولاً جديدة في خطوط الهدنة لعام 1949. وهي تعيد تشكيل مناطق ما بعد عام 1948 وما بعد عام 1967، ووصفها بانها “تصحيح تاريخي”، من خلال اقتراح خطة مفصلة مع خريطة لحل جميع القضايا الأساسية بالكامل لأول مرة، وذلك بالتشاور مع إسرائيل، كما تقترح “نظريًا” نقل بعض المناطق التي يسكنها عرب إسرائيل “المثلث وهي: عرعرة، أم الفحم، وباقة الغربية” إلى الدولة الفلسطينية الجديدة.

كما أثارت الخطة تعويض إسرائيل الفلسطينيين عن 30% من أراضي الضفة الغربية المخصصة لها بموجب الخطة بمقايضات إقليمية ستكون في نسبة تقريبية 2: 1 لصالح إسرائيل، مما يعني أنه على إسرائيل أن تمنح فلسطين مساحة كبيرة من الأرض تعادل أكثر من ضعف مساحة غزة، وسيكون معظمهم في “صحراء النقب”.

واستطرد الكاتب، “لكن هناك تساؤلات عدة تستدعي نقاشًا عامًا واستراتيجيًا، وهي ما الفائدة من ضم العشرات من المستوطنات المعزولة وإنشاء سلسلة من الجيوب السيادية داخل أراضي فلسطين، بالرغم من تحمل قوات الدفاع الإسرائيلية في كل الأحوال المسؤولية الأمنية عن كامل الأرض؟ وهل هي أكثر أهمية من الاحتفاظ بالأراضي في النقب والتي تمنح إسرائيل عمقًا استراتيجيًا وتشكل أرض التدريب الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلي؟، علاوة على ذلك، هل تطبيق السيادة هو الحل الوحيد لحماية كل مصلحة إسرائيلية؟” وما الفارق بين مزايا وضع أراضي معينة تحت السيادة الإسرائيلية، وعيوب فتح الباب أمام المواطنة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك الأرض؟

هل يمكن أن تكون خطة ترامب أساسًا للمفاوضات؟

يرى مايكل هيرتسوج أن أي زعيم فلسطيني لا يمكن أن يوافق على التفاوض على أساس خطة تشترط قيام دولة فلسطينية  قائمة على عدد من المعايير المتمثلة في إقامة دولة منزوعة السلاح، يراها الفلسطينيون دولة منقسمة ومقسمة تحيط بها إسرائيل عاصمتها القدس الشرقية، حتى مليارات الدولارات التي وعد بها الفلسطينيون بموجب الخطة قد يكون لها تأثير عكسي. وبالتالي تم رفض خطة ترامب من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني كما جاء في استطلاعات الرأي، وأضاف أن أي زعيم فلسطيني قد يخلف الرئيس محمود عباس، وهو آخر جيل من مؤسسي الحركة الوطنية الفلسطينية، سيضطر إلى تعزيز موقفه ومكانته بإعلان الحرب عليها.

وبالتالي فإن خطة ترامب لم تكن منصة للمفاوضات، ولكن يمكن الاعتقاد بأن الخطة ستخلق “نقطة مرجعية جديدة” لأي قائد إسرائيلي في المستقبل، ومن الواضح أن الفائدة من الخطة ستتأثر بنتائج الانتخابات المقبلة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.  

هل ستقوم إسرائيل بالاعتماد على خطة ترامب لضم أراضي بالضفة الغربية؟

تتمتع إسرائيل بقدرة حاسمة على التأثير في الموقف الحالي نتيجة دعم غير مسبوق من الإدارة الأمريكية، وعلى هذا الأساس يمكن لإسرائيل أن تختار الشروع في ضم أحادي الجانب في الضفة الغربية – والذي امتنعت عنه منذ 53 عامًا. من أجل تحقيق رؤية أرض إسرائيل بأكملها، ولكن هل سيخدم هذا أمن إسرائيل طويل الأجل ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية؟

يرد أنصار الضم على التحذيرات المتعلقة بالآثار السلبية المحتملة والمتمثلة في “إغلاق باب الاتفاق، وتقويض الوضع الأمني ​​في المناطق،  بطء عملية التطبيع مع الدول العربية، تصارع حملة نزع الشرعية الدولية ضد إسرائيل” من خلال اعتبار الأمر بمثابة فرصة تاريخية لمرة واحدة لتأمين المصالح الإسرائيلية الحيوية التي يجب ألا تفوتها، في النهاية سيتعايش العالم مع الأمر الواقع، ويضيفون أنه لا يجب عدم مكافأة الفلسطينيين على الرفض، نظرًا لأن الخطة مكنتهم من إنشاء كيانًا ذاتي الحكم وعرض عليهم مزيدًا من تحقيق مبادئ المواطنة من حمل الجنسية والتصويت في الانتخابات والحفاظ  على حياة مجتمعية منفصلة، من خلال إزالة التخوف من خطر الانزلاق إلى دولة ثنائية القومية.

وعلى الجانب الآخر، فإن إجراءات الضم الإسرائيلية ستثير العالم، وسيظهر إسرائيل بأنها تغلق الباب على الانفصال عن طريق الاتفاق وتتحرك من جانب واحد لإعادة تعريف ساحة الصراع، مما سيدفع الجانب الفلسطيني إلى إعادة تحديد الساحة في اتجاه إقامة دولة واحدة مع الحصول على حقوق متساوية للجميع وقد يفوزون بدعم دولي كبير نتيجة الحصول على التعاطف الواسع مع هذه الفكرة بين الشباب الفلسطيني، ومن المتوقع أن تستمر في النمو.

وبالتالي فإن التنفيذ الأحادي للخطة قد يثبت أن إضافة الاراضي للضفة الغربية في الوقت الحالي يمكن أن يؤدي إلى حقيقة خطيرة وغير مستقرة.

كما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أن خطة السلام تلك لم تأخذ مصلحة الطرفين في الاعتبار، لأن خطوة الضم ستجرد عملياً أي اتفاق من جدواه، حيث ستضم إسرائيل أراض الضفة الغربية فوراً، بينما ستظل الأراضي الفلسطينية مشروطة بمعايير أخرى، وبالتالي فإن عملية ضم الأراضي تهدف فقط إلى توحيد اليمين الإسرائيلي قبيل الانتخابات. إلا أن قيام نتنياهو بالسعي نحو ضم الأراضي لتحقيق الفائدة على مسيرته السياسية على المدى القريب، قد يخلق اصطفاف عربي ضد ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل. 

وهو ما انتبه إليه نتنياهو فيقول ديفيد ماكوفسكي أن خطة السلام الأمريكية تتطلب موافقة “الطرفين” لمبادلة هذه المنطقة، وصرح نتنياهو في الأيام التي تلت إصدار الخطة، بأنه لا يفكر في هذا الخيار، وهو ما وصفه الكاتب بأنه بمثابة تخوف من ردود الفعل العربية داخل إسرائيل وخارجها عشية الانتخابات الإسرائيلية.

واختتم الكاتب التقرير بالتأكيد أنه على إسرائيل الاعتماد على التفاوض الثنائي وتجنب التصرف الأحادي، والاعتماد على الخطة الأمريكية كخطة عمل، دون تنفيذها بشكل أحادي.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى