
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: هل أصبح حزب الله أكثر استعدادًا للدخول في صراع مع إسرائيل؟
عرض – علي عاطف
في ظل التطورات المحلية في إسرائيل والتطورات الدولية الأخرى المعنية بتطورات الصراع بينها وبين “حزب الله” اللبناني، نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في الثالث من مارس الجاري مقالًا تحت عنوان “هل أصبح حزب الله أكثر استعدادًا للدخول في صراع مع إسرائيل؟“(*) تناول فيه مستقبل الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” خلال الفترة المقبلة وبعد التغير الذي حدث مؤخرًا في الإدارة الأمريكية.
أكد المقال إجمالًا أن “حزب الله” سعى خلال الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى تجنب إشعال صراع على الحدود مع إسرائيل خوفًا من رد فعل قوي، ولكن “مع وجود إدارة جديدة في واشنطن الآن والأزمة المتفاقمة في لبنان وانشغال إسرائيل بشؤونها الداخلية“، فإن الأمين العام للحزب “حسن نصر الله” ربما يُقدم على التصعيد خلال الفترة المقبلة.
وأثار المقال تساؤلًا رئيسًا وهو “كيف يجب أن تتصرف إسرائيل؟“، ليجيب من خلال تقديم توصيات من أجل التعامل مع احتمالات هذا التصعيد.
وفيما يلي، نستعرض ما جاء في مقال المعهد بشكل أكثر تفصيل:
“حزب الله” يبدي استعدادًا أكبر للدخول في صراع مع إسرائيل بالتنسيق مع إيران
بدأ المعهد بالإشارة إلى أن “حزب الله” اللبناني أبدى مؤخرًا استعدادًا أكبر للمخاطرة بالدخول في مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل خلافًا لما كان عليه الوضع من “ضبط للنفس” خلال الأشهر الأخيرة للإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب. وحسب المقال، فقد اتضح هذا الأمر منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة وذلك من خلال محاولات الحزب الإضرار بالطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان مثلما حدث في 3 فبراير 2021 عندما أطلق الحزب صاروخًا مضادًا للطائرات مستهدفًا طائرة من دون طيار (درون) إسرائيلية وذلك بعد فترة كبيرة من تجنب القيام بهذه الأفعال منذ أكتوبر 2019.
ويشير المعهد إلى أن هذا التصعيد يبدو أنه منسق مع إيران وينبع من تخمين التنظيم بأن إسرائيل منشغلة بشؤونها الداخلية في الوقت الحالي من حيث وباء فيروس كورونا والأزمة السياسية وأنها ليست مستعدة لتنفيذ “حملة عسكرية خطيرة“.
ويستطرد المعهد قائلًا إن الحزب ينظر إلى التغيير الذي حدث في القيادة السياسية الأمريكية مؤخرًا كفرصة. فخلال الأشهر الأخيرة لترامب، كان من الواضح أن التنظيم توخى الحذر في عملياته على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية وكانت لديه صعوبة في تحقيق ما أسماها “معادلة الردع”.
وضرب المقال أمثلة على هذا الحذر السابق كانت:
- بعد محاولتين فاشلتين للثأر، امتنع الحزب عن اتخاذ الخطوة التي وعد بها ضد إسرائيل ردًا على مقتل أحد عناصره في سوريا خلال شهر يوليو 2020. وما تمكن نصر الله من تحقيقه في هذا السياق كان الضغط الذي فُرض على الجيش الإسرائيلي في أعقاب التوترات الجارية على الحدود اللبنانية والذي أدى إلى انتشار أكبر للجيش هناك.
- عدم رد الحزب على الهجمات الواسعة المنسوبة إلى إسرائيل والتي استهدفت أصولًا له في سوريا وكانت ترمي إلى إحباط عمليات نقل للأسلحة من إيران وتدمير بنى تحتية له في مرتفعات الجولان.
- امتنع حزب الله عن اتخاذ أي عمل ضد إسرائيل على الحدود مع لبنان بعد مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020 والذي نُسب هو الآخر لإسرائيل وذلك بحجة أن الرد يجب أن يأتي من الجانب الذي تم استهدافه وهو إيران في هذه الحالة. وكذا يبدو أن الإعلان عن هذا الموقف كان لتهدئة الانتقاد الداخلي بأن الحزب يعمل لخدمة إيران.
خطاب “حسن نصر الله” في فبراير الماضي دليل على الرغبة في التصعيد
وتطرق المقال إلى التغير الذي لوحظ في خطاب الحزب لاحقًا، قائلًا إن “نصر الله” تحدث في خطاب يوم 16 فبراير 2021، إحياءً لذكرى مقتل سلفه في قيادة الحزب عباس الموسوي عام 1992 على يد إسرائيل، عن احتمالية المواجهة مع إسرائيل وأشار إلى خطاب ألقاه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي في 26 يناير وإلى التقييم الاستخباراتي الإسرائيلي المنشور مؤخرًا حول مدى جدوى “الجولات المحدودة من المواجهة“.
وقال المعهد إن الأمين العام تطرق لحديث كوخافي الذي أصرّ على شرعية الهجوم “الفعال” للجيش الإسرائيلي على مستودعات صواريخ حزب الله المخبأة بين المدنيين اللبنانيين، محذرًا من إمكان حدوث اشتباكات مع إسرائيل.
وأشار المعهد إلى أن “نصر الله” زعم أن هذا هو الآخر له ما يبرره “لأن جميع الإسرائيليين هم جنود احتياط”. وحول اهتمام الحزب بالمعارك المحدودة المُشار إليها سالفًا مع إسرائيل، لم يستبعد “نصر الله” تجدد الصراع بين الحزب وإسرائيل واحتمال تحول الضربات بين الطرفين إلى حملة واسعة.
ويعتقد المعهد أن التنظيم ينتظر فرصة مناسبة لخدمة مصالحه مثل إيران الراعية له في الوقت الذي لم تتشكل فيه بشكل كامل سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه المسرح اللبناني أو بشكل خاص تجاه ما يتعلق بـ”حزب الله” وفي ظل توقع تغير سياسة بايدن عن ترامب فيما يخص المحور الشيعي.
فقد كانت الإدارة السابقة، يضيف المعهد، تدعم مبدأ “الضغط الأقصى” على حزب الله بالتوازي مع الضغط الذي مارسته على إيران (حيث وسعت من عقوباتها على أعضائه وداعميه في النظام اللبناني مطالبة بالحد من نفوذ حزب الله في الحكومة اللبنانية الجديدة، على النقيض من فرنسا المستعدة للضغط على لبنان والمضي قدمًا في المفاوضات مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية). وأكد المعهد أن “حزب الله” تلقى في الوقت نفسه ضرباتٍ على الساحة الدولية العام الماضي انعكست بشكل أساسي في تصنيفه من قِبل 13 دولة جديدة كمنظمة إرهابية.
استطلاع للرأي يؤكد تراجع شعبية “حزب الله” في الداخل اللبناني
وذكر المعهد أن استطلاعًا للرأي أُجْرِي مؤخرًا أكد تراجع شعبية “حزب الله” وأظهر أنه برغم استغلال الحزب لشلل النظام السياسي واستمراره في تمكين دوره بين السكان الشيعة، فقد أدى الواقع اللبناني الكئيب إلى تزايد الانتقادات العلنية للتنظيم على الساحة اللبنانية الداخلية. ويتضح هذا من نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه “معهد واشنطن” في لبنان في نوفمبر الماضي، حيث أظهر تراجعًا واضحًا في دعم الحزب خلال السنوات الأخيرة بين الجمهور اللبناني ومن بينهم المجتمع الشيعي. وأثارت حملة الحزب الواسعة في ذكرى مقتل قاسم سليماني في يناير 2020 انتقادات واسعة في لبنان أدانت عمل “حزب الله” لخدمة لإيران.
من غير المستبعد بدء حلقة صراع بين الحزب وإسرائيل خلال الفترة المقبلة
وفي النهاية، تطرق المعهد لمستقبل الصراع بين الحزب وإسرائيل. وتوقع أن أي تغيير محتمل في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران أو الحزب بالتزامن مع التدهور المستمر في لبنان إلى جانب إحساس التنظيم بأن إسرائيل مشغولة بشؤونها الداخلية ربما يزيد من “جرأة” الحزب تجاه إسرائيل. ولم يستبعد المعهد محاولة الحزب مرة أخرى تنفيذ “الهجوم الانتقامي الذي وعد به” والذي يمكن بدوره أن يخلق حلقة صراع حسب تقييم قسم الاستخبارات العسكرية.
وأوضح المعهد أن التوتر المتجدد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ربما يهدف من ورائه الحزب إلى تحسين صورته في الداخل اللبناني وربما يمنح هذا التوتر إيران أيضًا بشكل غير مباشر نفوذًا عند الجلوس مع الإدارة الأمريكية الجديدة على الأقل حتى استئناف المفاوضات النووية.
ويتوقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن أي استئناف للمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران سيؤدي إلى أن يكبح الحزب أنشطته تجاه إسرائيل من أجل عدم تقويض الحوار الذي من المفترض أيضًا أن يخدم إيران، ووضع احتمالًا أن ينفذ الحزب تهديداته بزيادة التوترات خلال الأشهر المقبلة مشددًا على ضرورة إعادة النظر في رد الفعل الإسرائيلي.
ودعا المعهد إلى تبني خيارين في هذا الصدد هما ضمان رد مناسب ومحسوب يحول دون حدوث المزيد والانزلاق إلى قتال واسع النطاق، أو استغلال الحدث لتنفيذ عمل مكثف يؤدي لإضعاف صواريخ الحزب بشكل كبير والتي وصفها المقال بأنها تمثل من جانبها تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل. وشدد المعهد في النهاية على ضرورة تشجيع واشنطن على الانخراط في المشهد اللبناني بالتزامن مع صياغتها سياسةً خاصة بها تجاه هذا البلد، وهي سياسة يجب أن تشمل جهدين متوازيين: استمرار الضغط السياسي الاقتصادي على الحزب وتقديم المساعدة للدولة اللبنانية “التي توشك على الانهيار”، حسب وصف المقال.