
كشمير…. إقليم “الخطر” القابل للاشتعال في أي لحظة
يعتبر إقليم كشمير أهم بؤر التوتر في قارة آسيا، حيث شهد موجات متتالية ومتجددة من أعمال العنف التي فشلت الجهود الدبلوماسية في احتوائها. وتكمن أبرز ملامح الخطر التي تميزه كونه يقع على حدود ثلاث قوى نووية “الصين، والهند، باكستان”. وقد سلط تقرير سابق صادر عن ميونخ للأمن الضوء على أبرز 10 صراعات دولية متوقعة خلال عام 2020 الجاري، وكان من بينهم “أزمة كشمير”، موضحًا أن فرص التصعيد لا تزال قائمة، والوضع قد يتجه للانفجار، مضيفًا أنه في حال تجددت الأزمة، فإنه سيتعين على القوى العالمية أن تضع كل ثقلها لمنع انهيار السلام هناك.
اشتباكات متجددة
أعلنت باكستان في 10 فبراير الجاري عن سقوط قذائف هاون هندية على منازل في الجانب الذي تديره باكستان من إقليم كشمير، أسفرت عن وقوع ما لا يقل عن 10 جرحى مدنيين. وأوضح الجيش الباكستاني في بيانٍ له إنه رد بإطلاق النار على ما وصفه بـــــــ “انتهاكات وقف إطلاق النار غير المبررة”، مما أسفر عن مقتل جندي هندي وإصابة 3 آخرين. جاءت هذه المناوشات بعد أيامٍ من التصريح المثير للجدل الذي أصدره رئيس الوزراء الهندي “ناريندا مودي” خلال كلمة ألقاها في أكاديمية عسكرية في نيودلهي“سبق أن خسرت باكستان 3 حروب. لن تحتاج قواتنا العسكرية لأكثر من 7 إلى 10 أيام لإسقاط باكستان”. وعبر كذلك عن أسفه لتقاعس أسلافه الذين كانوا يترددون في استخدام القوة العسكرية ضد باكستان.
وفي المقابل، نددت باكستان بتعليقات مودي التي وصفتها بـــــــ “غير المسؤولة والمحرضة على الحرب”، وقالت أن التصريحات تعكس “المحاولات اليائسة” للمسؤولين في نيودلهي من أجل “صرف الانتباه عن الانتقادات المتزايدة حيال سياساتهم التمييزية على المستويين المحلي والدولي”. وأعلنت وزارة الخارجية الباكستانية في بيانٍ لها أن من شأن رد باكستان “الفوري والفعال” في فبراير الجاري والذي أسفر عن “إسقاط مقاتلة هندية واعتقال قائدها أن يكون كافيًا للتأكيد على الإرادة والقدرة لدى قواتنا المسلحة واستعدادها”. فيما كشفت في الوقت نفسه عن إمكانية إعادة الطيار الهندي، الأمر الذي بدا لمحاولة لإحتواء التصعيد.
أزمة ممتدة
عندما أصدرت بريطانيا العظمى قانون استقلال الهند في عام 1947 الذي أنهى الحكم الاستعماري، سمحت بريطانيا للمقاطعات بحرية اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان وفقًا لرغبة السكان. إلا أن 3 ولايات تعثرت في قرارها هي “حيدر آباد وجوناغاد وكشمير”، ثم تمت تسوية أوضاع “حيدر أباد” و”جوناغاد” بالإنضمام إلى الهند بعد دخول القوات الهندية وإجراء استفتاء شعبي. أما وضع كشمير كان مختلف قليلًا حيث حيث حرص حاكمها “هاري سينج” الهندوسي على التقارب مع الهند إلا أنه خشي من رفض السكان لكون الأغلبية من المسلمين. لذلك، حاول أن يحتفظ بوضع مستقل للإقليم، لكن باكستان حاولت التدخل لحماية المسلمين، كما حاولت الهند التدخل لحماية الحاكم الهندوسي الذي أعلن عن رغبته في الانضمام إلى الهند. وقد قبلت الهند انضمام كشمير إليها، إلا أن حاكمها توجس من رد فعل الأغلبية المسلمة فعرض معاهدتين على كل من الهند وباكستان لإبقاء الأوضاع كما كانت عليه، فقبلت باكستان بالمعاهدة في حين رفضتها الهند، ثم تطور الوضع سريعًا باتجاه الحرب.
حرب 1947 -1948
اندلع قتال بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، لذلك يعتبر إقليم “جامو وكشمير” من الناحية السياسية منطقة متنازع عليها طبقًا للقانون الدولي، وقد قامت الهند بضم الإقليم في 27 أكتوبر 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت بمنح الكشميريين حق تقرير المصير. تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الدولتين برعاية الأمم المتحدة في مستهل يناير 1949 وإعلان خط وقف إطلاق النار “كخط السيطرة”. وتضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم “47” الصادر في عام 1948 النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.
حرب 1965
تجددت أعمال العنف بين الجانبين، حيث حاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين، وتتابعت الأحداث بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيش الهندي والجيش الباكستاني في سبتمبر 1965 على طول الحدود بينهما في “لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان”. واستمر الصراع العسكري 17 يومًا، ولم يُكتب النصر لأي من الطرفين، ثم انتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين.
حرب كاراجيل
أرسل الجيش الباكستاني قوات برية إلى داخل الشطر الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، وسيطروا على 130 موقعًا هنديًا تم إخلاؤهم خلال فصل الشتاء بسبب شدة البرودة. في ساحات معركة كارجيل، فعزز الجيش الهندي الضغط ببطء، وأرسل فرقًا لتسلق الجبال واستعادة نقاط تمركزه على القمم الجبلية، وكانت نقطة تحول حرب كارجيل هي استعادة قمة “تولولينج” المطلة على طريق “سريناجار – كارجيل – ليه” السريع. أدى الهجوم الهندي المضاد إلى اندلاع ما عُرف بـ”حرب كارجيل”، التي استمرت لما يقرب من 3 أشهر، وقُتل خلالها أكثر من 500 جندي هندي وما يقرب من 400 جندي باكستاني، وانتهت بانتصار الهند ودفع المقاتلين الباكستانيين إلى الجانب الآخر من خط السيطرة.
وضع الإقليم
يحتل إقليم كشمير موقعًا جغرافيًا إستراتيجيًا بين وسط وجنوب آسيا، ويشترك في الحدود مع أربع دول هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين. وتبلغ مساحته الكلية 222.236 كيلومترًا مربعًا، يقسمه خط وقف إطلاق النار منذ عام 1949. تسيطر الهند على حوالي 48% ويطلق عليه “جامو وكشمير”، في حين تسيطر باكستان على حوالي 35% ويعرف باسم “ولاية كشمير الحرة “آزاد كشمير””، على حين تسيطر الصين على مساحة صغيرة، حوالي 17%، ويُطلق عليها “أكساي تشين” سيطرت عليها في أعقاب اندلاع الحرب الصينية الهندية عام 1962. يبلغ عدد سكان الإقليم حوالي 13 مليون نسمة، يدين ما يقرب من 90% بالإسلام وفقًا لمعظم التقديرات. يتكون الشعب الكشميري من أجناس مختلفة أهمها الآريون والمغول والأتراك والأفغان، وينقسمون إلى أعراق متعددة أهمها كوشر ودوغري وباهاري، ويتحدثون عدة لغات أهمها الكشميرية والهندية والأوردو.
منح الدستور الهندي في المادة “370” وضعًا خاصًا لولاية “جامو وكشمير” ذات الأغلبية المسلمة، يعطيها علمًا خاصًا واستقلالية في كل شؤون الإدارة عدا شؤون الخارجية والدفاع والاتصالات. أُضيفت المادة “35” في 14 مايو عام 1954 بقرار رئاسي إلى المادة 370 من الدستور الهندي التي تكفل وضعًا خاصًا لولاية “جامو وكشمير” ضمن الهند. تسمح المادة “35” للسلطة التشريعية في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية بتحديد “المقيمين الدائمين” في الولاية. وأصدرت لكل سكان الولاية شهادة إقامة دائمة، تعطيهم بعض الامتيازات في الوظائف والتعليم وامتيازات أخرى، غير أن الامتياز الأكبر الذي يحصل عليه المقيمين الدائمين هو حق التملك وشراء العقارات في الولاية. ينص البند “3” من المادة “370” من الدستور على أنه لا يمكن للرئيس إجراء تغييرات على المادة أو إلغاؤها إلا بموافقة الجمعية التأسيسية لـ “جامو وكشمير”، التي حلت نفسها في عام 1957 بعد أن صاغت دستور الولاية.
على مدار عام 2018، تم حكم “جامو وكشمير” من قبل حاكم عيّنته الهند بعد انسحاب الحزب الحاكم من تحالف مع حزب كشميري محلي، كما تم حل المجلس التشريعي في يونيو 2018. ونظراً لعدم وجود حكومة للولاية أو جمعية تشريعية للولاية، سيطرت الحكومة المركزية والبرلمان على السلطة وألغت المادة. وأخيرًا، أقر مجلس النواب الهندي “قانون إعادة تنظيم جامو وكشمير”، الذي يدعم الأمر الرئاسي بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي في أغسطس 2019. الأمر الذي يعني دفع الصراع مجددًا بإتجاه التصعيد.
في 7فبراير الجاري، قامت الهند بتجديد حبس أربعة زعماء سياسيين في إقليم كشمير أُلقي القبض عليهم منذ أغسطس الماضي أثناء الاضطرابات التي وقعت في أعقاب إلغاء الحكم الذاتي للإقليم. ومن بين المعتقلين الخمسة رئيس وزراء “جامو وكشمير” السابق “عمر عبد الله” ورئيسة الوزراء السابقة “محبوبة مفتي” والمسؤولين الحزبيين في المنطقة “علي محمد” و”سرتاج مدني”. وبالاستناد إلى قانون السلامة العامة الهندي يُسمح بالاعتقال دون محاكمة لمدة تصل إلى عامين.
أهمية الإقليم
يعتبر إقليم كشمير ذو أهمية كبيرة بالنسبة للدول الثلاثة المتنازعة داخل الإقليم، كما ترتبط أهميته بالأبعاد السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والديمغرافية وغيرها. ويمكن بلورة ذلك على النحو التالي: –
بالنسبة للهند:
- تعتبر الهند كشمير عمقًا أمنيًا وإستراتيجيًا لها في مواجهة باكستان والصين.
- تنظر الهند إلى كشمير على أنه امتداد جغرافي وحاجز طبيعي أمام باكستان.
- ترفض الهند السماح لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية حتى لا تفتح الباب أمام ولايات أخرى، لاسيما مع وجود أقلية مسلمة كبيرة العدد.
- السيطرة على تحركات الجماعات الإرهاربية والتنظيمات المتطرفة.
بالنسبة لباكستان:
1- تعتبر باكستان كشمير منطقة حيوية أمنيًا، وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تجري بمحاذاة كشمير.
2- تنبع من كشمير ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة “السند وجليم وجناب” في باكستان مما يجعل سيطرة الهند عليها تهديدًا مباشرًا للأمن المائي الباكستاني.
- بجانب الامتدادات العائلية والروابط الدينية بين الشعبي الباكستاني وسكان كشمير.
بالنسبة للصين:
- تمنح كشمير ميزة نسبية للصين على حساب الهند في ميزان القوى الاقليمية في آسيا.
- تخطط الصين لأن يكون اقليم كشمير ضمن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
- ترى الصين أمن باكستان حيوي بالنسبة لأمن مناطق غرب الصين وبخاصة مقاطعة سنكيانج، ولذلك تقرر في خطط الصين الاستراتيجية أن يقام طريق عابر للحدود يوصل بين ميناء جوادار على بحر العرب في جنوب باكستان وبين مقاطعة سنكيانج عبر ممر “كاراكوروم”.
إجمالًا،
يمكن القول إن تجدد المناوشات والاشتباكات ما هو إلا حلقة ضمن صراع ممتد بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير. كما أن ارتباط الصراع حول كشمير بالأبعاد الدينية جعل منه صراعًا معقدًا يتجاوز المسائل المتعلقة بالمصالح والأبعاد الأمنية والإستراتيجية. وكذا فإن الصراع بين الهند وباكستان لا يرتبط بالأجزاء التي تُسيطر عليها كلًا منهما، وإنما ترتبط بالاقليم ككل. بمعني آخر، فإن غاية كل طرف منهما تكمن في بسط السيطرة على الاقليم بأكمله، أو إعادة ترتيب أوضاعه.
رئيس وحدة الدراسات الأمريكية