
ثبات الرؤية.. ما طبيعة الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية؟
على اختلاف الإدارات الأمريكية المتناوبة علي المكتب البيضاوي، وتفاوت اتجاهات السياسة الخارجية لها، مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، محدداً ثابتاً من محددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خاصة والعالم الإسلامي عامة.
بيد أن التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية وديناميكيات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حتي مع أجنحة اليمين القومي؛ لم يشهد تلك الحالة المثيرة للجدل، إلا مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، وتبنيه مشروع تسوية شاملة للقضية الفلسطينية بات يُعرف إعلامياً بـ “خطة السلام”، وتقوم بالأساس علي تحقيق أقصي مكاسب ممكنة استغلالاً لحالة الانكشاف الأمني الكبير للمنطقة العربية وحذف كل من سوريا والعراق من معادلة القوة العربية أمام إسرائيل، إثر الغزو الأمريكي المباشر للعراق في العام 2003، وانطلاق موجات ما يُسمي “الربيع العربي”، الذي أفضي في مجمل تفاعلاته وتطوراته الميدانية والسياسية إلى تعظيم أدور “إسرائيل – تركيا – إيران” بالمنطقة.
ومع ضبابية مستقبل التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، في ضوء المتغيرات الإقليمية الراهنة المتعلقة بتفشي حالات عدم الاستقرار الممتد، والتفجير من الداخل، وإنهاء احتكار الدولة الوطنية للقوة الإكراهية، وصعود ظاهرة الإرهاب العابر للحدود؛ أفضت هي الأخرى لتراجع القضية ومركزيتها في الخطاب والوعي العربيين.
“شكرا على كل ما فعلته من أجل إسرائيل”، هكذا ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته “بنيامين نتنياهو”، علي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال إعلانه لـ “خطة السلام”، في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، مشيرا إلى السياسة المتشددة حيال إيران والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار التراجع عن اعتبار مستوطنات الضفة الغربية “مخالفة للقانون الدولي”.

من الأطراف للمركز مرة أخري
خطة السلام للرئيس ترامب، التي وضعها مستشاره وصهره “جاريد كوشنر”، جاءت في 80 صفحة، طرحت من خلالها الإدارة الأمريكية رؤيتها لإحلال السلام في الشرق الأوسط”.
ردات الفعل العربية الرسمية علي خطة السلام، أكدت مركزية القضية الفلسطينية في أجندات الدول رغم المتغيرات الجوهرية في بنية الإقليم. وعبّرت عنها فعاليات اجتماع مجلس جامعة الدول العربية علي المستوي الوزاري الذي رفض الخطة في بيانه الختامي.
وجاء الرد المصري الرسمي علي الخطة من خلال بيان وزارة الخارجية، ليدعوا الأطراف المعنية بالدراسة المتأنية، يأتي التعاطي المصري تجاه مقترح التسوية الأخير، مكمل لما يمكن وصفه بثوابت الموقف المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، الذي شهد أوج مراحله منذ المواجهات العسكرية المباشرة إثر أربعة حروب، تلتها مسارات التفاوض، بدءأ من كامب ديفيد، مروراً بإتفاقيات أوسلوا ومباردة السلام بالقمة العربية المنعقدة في بيروت 2002، وصولاً للتطورات الأخيرة التي تلت المبادرة المصرية 2014 ويمكن إيضاح ثوابت الموقف كالاتي:
توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية
بالرغم من الدور الوظيفي لحركة حماس والمنبثق عن أيديولوجيا تنظيم الإخوان المسلمين، إلا أن الإدارة المصرية حرصت علي توحيد الصف الفلسطيني، عبر إجراء العديد من المصالحات الوطنية لتشكيل حكومة موحدة تدير الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني لتعظيم مكاسب جولات التفاوض المستقبلية مع الجانب الإسرائيلي. ولعل أبرزها أعوام:
2009
حيث شهد عام 2009، 6 لقاءات بين وفدي حركتي فتح وحماس برعاية مصر في القاهرة، توصلت خلاله الحركتان لاتفاق مبادئ تضمن الرؤية المصرية لإنهاء حالة الانقسام الوطني الفلسطيني، والذي أطلق عليه ورقة القاهرة.
خمسة لجان كاملة من حركتي فتح وحماس تم تشكيلها خلال الفترة بين إبريل حتى يوليو 2009 لبحث موضوعات هامة منها المصالحة والحكومة الفلسطينية والأمن والانتخابات ومنظمة التحرير، ليتم الإعلان عن الاتفاق الثنائي لمبادئ المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.
2011
في 2011 وقعت حركتا فتح وحماس اتفاق مصالحة جديد وكان أيضا برعاية مصرية، وتم توقيع الاتفاق بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مقر الجامعة العربية بـ3 مايو 2011.
2013
بعد عام واحد فقط من لقاء القاهرة عادت حركتي فتح وحماس إلى طاولة التفاوض مرة أخرى في مصر، وتم خلال تلك المرة الاتفاق على بنود جديد للمصالحة.
وترأس وفدي المصالحة الذين اجتمعوا بالقاهرة موسى أبو مرزوق ممثلا لحركة حماس، وعزام الأحمد ممثلا عن حركة فتح، و اتفقا على أن تكون هناك مجموعة من الاجتماعات الدورية دائمة الانعقاد لحين تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني.
ومن بين البنود كان التنسيق مع رئيس المجلس الوطني الفلسطيني من أجل إعداد قانون الانتخابات ومناقشة النقاط العالقة في القانون وتقديم الصيغة النهائية له، بالإضافة إلى تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن.
2017
فتح وحماس توقعان اتفاق المصالحة بالقاهرة برعاية مصرية
إطلاق عمليات تفاوضية شاملة
يسعي الموقف المصري الانتقال بالقضية الفلسطينية من تسويات الحد الأدني المبقية علي جذور الصراع، للتسويات الشاملة، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وفق المقررات الشرعية الدولية. ويرمي الموقف المصري في هذه النقطة لدرء محاولات اختطاف القضية الفلسطينية من قِبل فواعل عنيفة من غير الدول، كالتنظيمات والميليشيات المسلحة وكذا الأطراف الإقليمية الداعمة لها لتحقيق أجنداتها الخاصة علي حساب القضية.
تثبيت العمل بالأطر القانونية والمخرجات المعتمدة
أصدرت الأمم المتحدة عبر مجالسها المتخصة نحو 19 قراراً أممياً لصالح الفلسطينيين، ولم تلتزم بهم إسرائيل، إذ برهنت سياساتها وعبر إداراتها المختلفة علي التنصل من الاتفاقات الدولية والمواثيق الأممية، دون مراجعة ومسائلة قانونية.
تحاول مصر ثبيت العمل بأكثر الأطر القانونية والاتفاقات المنظمة لعمل الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، وكذا المبادرات الصادرة عن أعمال القمة العربية التي لاقت اجماعاً عربياً يوحد علي نحو كبير الجهود الدبلوماسية بغية الضغط علي إسرائيل للالتزام بالمقررات ووقف سياساتها العدائية ولاسيما الاستيطانية التي تتم رغم الإدانة الدولية الأممية.
حيث أكد وزير الخارجية سامح شكري في كلمته في الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية المنعقد اليوم، السبت، لمناقشة خطة السلام الأمريكية؛ علي إن محددات التسوية الشاملة والعادلة المنشودة للقضية الفلسطينية مازالت محددات معروفة وواضحة لم تتغير، ويتمثل إطارها في الشرعية الدولية ومقرراتها، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافةً إلى مبادئ القانون الدولي الراسخة، ومبادرة السلام العربية لعام 2002.
دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية
منذ عهد الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، وكان الموقف المصري ثابتاً علي إيجاد دولة مستقلة ذات سيادة للفلسطينيين، تكن اللبنة الأولي لاسترداد حقوقهم ووقف تهويد الجغرافيا الفلسطينية. حيث أكد الرئيس السيسي اليوم في لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، علي ثبات الموقف المصري تجاه حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً للشرعية الدولية ومقرراتها، مؤكدا أنه في نهاية المطاف لا بديل عن المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع، حتى يمكن التوصل إلى تسوية يتم التوافق عليها في إطار شامل يضمن استدامة تلك التسوية، وينهي معاناة الشعب الفلسطيني باستعادة كامل حقوقه المشروعة، ويحافظ على حقوق كافة الأطراف في الحياة والعيش في أمن واستقرار وسلام.
تفضيل الحلول الدبلوماسية السياسية لحل الأزمات
تنتهج الإدارة المصرية من بعد الثلاثين من يونيو، تفعيل آليات الحل الدبلوماسي والسياسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وكذا القضايا الإقليمية والدولية. وفيما يرتبط بالحالة الفلسطينية، تدفع مصر للمثول أمام طاولات المفاوضات ولاسيما بعد ارتهان النشاط المسلح الفلسطيني بقوي إقليمية تعلم علي ربط قرارها الاستراتيجي بهذه الفصائل، ومد نفوذها للمنطقة العربية والإسلامية من خلالها ومن وراء ستار دعم القضية الفلسطينية، دون المساهمة الفعلية في إجراءات الدفع بالحصول علي دولة وطنية فلسطينية وتوحيد مؤسساتها الأمنية ضد الانتماءات والولاءات ما فوق الوطنية.
مراعاة التوازن الإقليمي والدولي
لعل من أبرز سمات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية بعد الالتزام بالدعم المتواصل والشامل للوصول لتسوية عادلة، هو مراعاة التوازن الإقليمي والدولي، والعمل وفق المتغيرات الطارئة بما يُحجّم استغلال إسرائيل والأطراف الداعمة لها من تحقيق الاستفادة القصوي من اختلال موازين القوي في غير صالح الأطراف العربية، إذ تأتي خطة السلام الأمريكية في سياق حالة الانكفاء العربي علي الداخل ومواجهة تحديات موجة المد الرابع لتنظيمات الإرهاب منذ تأسيس تنظيم القاعدة في ثمانينات القرن المنصرم، وخروج العراق وسوريا من معادلة القوة العربية، فضلاً عن دخول مفاوضات سد النهضة للحظة حقيقة. وزيادة الانخراط الإقليمي لكل من تركيا وإيران للجبهة الشرقية للمنطقة العربية. لنجد أن ثوابت الموقف المصري عبر النقاط السالف ذكرها، تكمل إحداهما الأخرى، لتنحصر في هدفين رئيسيين، الأول، إقامة دولة فلسطينية وفق الشرعية الدولية، منع اختطاف القضية الفلسطينية من قبل رعاة حروب الوكالة بالإقليم.