
تحدي الجغرافيا والسلاح .. الحدود المصرية الليبية بين يناير 2011 ويناير 2020.. ماذا حدث؟
لطالما اتسمت الدينامية الأمنية بالاتجاه الاستراتيجي الغربي للدولة المصرية المتمثل في الحدود مع جارتها الدولة الليبية؛ بالاستقرار نسبياً. وذلك علي طول فترات التاريخ المصري الممتد من عهد المصريين الأقدمين، مروراً بالمحطات التاريخية خلال الحقب الزمنية العديدة التي استقرت علي الشكل الحالي للدولة المصرية المعاصرة. هذا الاستقرار النسبي يتضح أكثر أذا ما قورن بالتهديدات المتعاظمة والخطيرة التي سجلها ويشهدها الاتجاه الاستراتيجي الشمالي المصري، إذ جاءت جميع محاولات الغزو والاحتلال عبر هذا الاتجاه، وما لبثت لتهدأ وتستكين إلا بعد العبور المصري الساحق للتشكيلات الدفاعية الهجومية لإسرائيل شرق القناة في حرب أكتوبر 73.
إلا أن الاستقرار النسبي للديناميات الأمنية للاتجاه الاستراتيجي الغربي وقع ضحية الهزّات والتحولات الأمنية العنيفة المصاحبة لموجات ما يُسمي بـ “الربيع العربي” عام 2011، وتحول الاحتجاجات الشعبية الليبية في فبراير من ذلك العام لساحة من الاقتتال الداخلي الموسع، الذي أفضي بدوره لواحدة من أكبر وأسرع نماذج الانكشاف الأمني والانهيار المؤسساتي للدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لتنتقل السمة الحاكمة والغالبة لنمط التفاعلات الأمنية علي الاتجاه الاستراتيجي الغربي من “الاستقرار النسبي”، لـ “الديناميكية المفرطة”، ولاسيما بعد تشظي النشاط الميليشياوي إثر سقوط نظام العقيد القذافي. حيث كانت تنشط في الأيام الأخيرة قبل سقوطه حوالي 18 جماعة مسلحة، سرعان ما لبثت ليرتفع عددها بحلول 5 أعوام لـ 1600 جماعة وتنظيم مسلح، تستخدم حوالي 29 مليون قطعة سلاح، بين خفيف ومتوسط وثقيل، كانت في مخازن العقيد الراحل.
وعليه، فإن الحدود المصرية الليبية شهدت تحديدات وتهديدات غير مسبوقة، وخاصة بعد الانهيار الشامل للمؤسسات الليبية الأمنية، والإرتكان لمهام تأمينها لطرف واحد، وهي الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية التي كانت تواجه هي الأخرى تداعيات موجة المد الرابع لظاهرة الإرهاب العابر للحدود منذ تأسيس تنظيم القاعدة في ثمانينات القرن المنصرم، وما حققته من تهديدات جسيمة تمس صميم أدبيات الأمن القومي المصري.
بشكل عام، نستطيع تقسيم وضع الحدود بين البلدين إلى ثلاث حقب زمنية، الحقبة الأولي هي الفترة السابقة لعام 2011، الحقبة الثانية هي ما بين عامي 2011 و2013، والحقبة الثالثة هي الفترة التالية لعام 2013 وحتى الآن.
المرحلة الأولي ..تصاعد عمليات التهريب
السمة الأساسية لهذه الحقبة، كان التراخي الأمني، والفشل في التأمين الكامل لخط الحدود بين البلدين، نتيجة لأسباب عديدة، منها الطبيعة الجغرافية لهذه الحدود، التي لا يوجد في نطاقها تجمعات حضرية سوى في منطقتي السلوم وسيوة، وبالتالي كانت المناطق الصحراوية المفتوحة بمثابة طرق لتهريب جميع أنواع السلع والأسلحة وحتى الهجرة غير الشرعية، ومن أهم أمثلة هذه المناطق (بحر الرمال الأعظم)، التي يبلغ طولها 150 كيلو متر، وعرضها نحو 75 كيلو متر.
هذا الواقع أدى إلى تفاقم مشكلة التهريب بشكل كبير خلال السنوات التي سبقت عام 2011، حيث أصبحت هناك طرق معروفة ووعرة للتهريب عبر حدود البلدين، تربط ما بين مدينة طبرق شمال شرق ليبيا، ومنطقتي الجغبوب والكفرة في الجنوب الليبي من جانب، ونطاق الواحات المصرية، خاصة جنوبي وغربي الفرافرة، ومدينة العلمين، والظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد من جهة أخرى. ويستخدم المهربون عربات الدفع الرباعي وقصاصي الأثر، من أجل التغلب على وعورة التضاريس في هذه المناطق.
مع مرور السنوات، تمكن المهربون من إيجاد طرق جديدة يتم اللجوء إليها في حالة الطوارئ، مثل الطريق المار بسهل (قروين) شمالي شرق الفرافرة، مروراً بالصحراء، ووصولاً إلى مدينة ديروط بمحافظة أسيوط. هذه الممرات وغيره ساهمت في إغراق منطقة الصعيد بأنواع شتى من الأسلحة، ساهمت في تفاقم مشاكل أمنية خلال تسعينيات القرن الماضي، منها الأرهاب التكفيري وظاهرة الثأر. وهذا أدى إلى بروز مخاطر أمنية أرهابية وجنائية، من بينها عمليات الاختطاف، مثل عملية أختطاف أحدى عشر سائح، في مثلث العوينات الحدودي بين مصر وليبيا والسودان في سبتمبر 2008.
لكن برغم هذا الوضع، بدأت الدولة المصرية أواخر تسعينيات القرن الماضي، في محاولة تطوير العلاقات مع ليبيا، وتحسين الأوضاع المعيشية للمناطق الحدودية بين البلدين، حيث أجرى الجانبين عدة مشروعات مشتركة، من بينها خط الربط الكهربائي، الذي تم تشغيله رسمياً عام 1998.
المرحلة الثانية .. التداعي والانكشاف (2011-2013)
في هذا السياق يمكننا تحديد أبرز أشكال وأنماط التهديد للحدود المصرية الغربية إبان انهيار دولة العقيد، وفي الفترة الممتدة (2011- 2013) كالآتي:
- تشظي الجماعات المسلحة والإرهابية
علي مساحة كبري تتخطي المليون ونصف كيلومتر مربع، ومدن مترامية الأطراف، من الساحل لعمق الصحاري الشاسعة والمنعزلة عن كتل المعمور؛ نشطت أكثر من 1600 جماعة وفصيل مسلح بالأراضي الليبية بعد سقوط نظام القذافي، وتركزت بشكل رئيسي في مدن الساحل الليبي، الشرقي والغربي، ومدن الحوض الجنوبي المشرف علي طرق الاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمخدرات. فلا عجب أن تتحول ليبيا لنقطة وصول رئيسة في الغالبية العظمي من مسارات الهجرة غير الشرعية لأوروبا من شرق ووسط وغرب إفريقيا.
أزكت حالة الانكشاف الأمني هذه الأنشطة ووفرت البيئة المثلي لبقاء وتمدد نشاط الفواعل العينفة من غير الدول علي نحو قد اتجه لتخصيص مهام الأمن الحكومي لها، كما الحال مع ميليشيات طرابلس ومصراته.
- جيوب عسكرية لتنظيمات “القاعدة – داعش” في أقرب نقطة من الحدود المصرية
كانت مدن الساحل الشرقي لليبيا أولي من شهد صعود أدوار التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي “داعش والقاعدة”. فلأول مرة منذ احتلال تنظيم داعش للبادية العراقية السورية وسيطرته علي مساحة تعادل مساحة بريطانيا، في العام 2014؛ ينتقل لشمال إفريقيا من خلال جيب عسكري له علي بُعد 300 كلم من الحدود المصرية. وكان في مدينة درنة معقله الرئيسي في الشرق، إثر مبايعة “مجلس شوري شباب الإسلام“، في أكتوبر 2014.
“القاعدة” بدورها لم تغب عن المشهد، فحضرت عن طريق وكيلها “مجلس شوري مجاهدي درنة”، منذ ديسمبر 2014، وضم فصائل عديدة تحت قيادة المجلس المزعوم منها “أنصار الشريعة”.
- تشكيل غرف قيادة متقدمة للعمليات الإرهابية في مصر
بعد التحول الكبير في مصفوفة الأدوار الإقليمية إبان ثورة الثلاثين من يونيو، وتضافر جهود المؤسسات الأمنية لتجفيف منابع الإرهاب في وادي النيل، وتصفية الخلايا النوعية والنائمة، لجأت العديد من العناصر الإرهابية والمطلوبة أمنياً لمدن الشرق الليبي ولاسيما مدينة درنة، مستغلين حالة الانكشاف الأمني والمؤسساتي هناك، فضلاً عن صعود أدوار تنظيمات القاعدة وداعش، وذلك لمزاولة نشاطهم الإرهابي في منأى من تداعيات سقوط النظام الإخواني بمصر وملاحقة أحهزة الأمن للمفارز الأمنية والخلايا العنقودية واللجان النوعية المكلفة بالأعمال العدائية المسلحة، فضلاً عن الخلافات التي نشبت بينهم مختلف أذرع تنظيمات الفكر الإرهابي العابر للحدود، وخاصةً تنظيمي “القاعدة – داعش”. وعليه، فرّ الثلاثي ” هشام عشماوي، عمر رفاعي سرور، عماد الدين أحمد محمود عبدالحميد”؛ إلي درنة منضوين تحت قيادة فرع تنظيم القاعدة في ليبيا.
المصفوفة السالف ذكرها من أنماط وأشكال التهديد التي تعرضت لها الحدود الغربية المصرية في الفترة (2011-2013) دفعت لجملة مخاطر كبيرة، يمكن حصرها في:
- تهديد الظهير الصحراوي الغربي لوادي النيل
مثلت درنة نقطة إيواء وانطلاق للعناصر الإرهابية وتشكيلات النخبة في الهيكل التنظيمي لتجمع القاعدة – داعش. 300 كلم تفصل بين درنة ومعبر السلوم البري، وكذلك، طرق ودروب صحراوية مختلفة تغني عن الطرق الرئيسة التي تحمل احتمالات عالية لعمليات الكشف والإحباط والضرب الاستباقي. إذ تحولت المدينة لغرف قيادة متقدمة للعمليات الإرهابية التي وقعت بدلتا النيل والظهير الصحراوي للوادي وخاصة في الفترة ما بين (2014-2017). واتسمت هجماتها بالاستهداف الطائفي، عبر جملة عمليات استهدفت الكنائس المصرية وحافلات الأقباط في مدينة المنيا، وكذلك التسلل عبر الحدود وانشاء معسكرات متنقلة بالظهير الصحراوي لمحافظات الجيزة وأسيوط، ولعل معركة الواحات، أكتوبر 2017، كانت مؤشراً لمستوي التخطيط العال الرامي لتحويل الظهير الصحراوي لنقاط استقبال وانطلاق للعناصر الإرهابية القادمة من درنة باتجاه وادي النيل وسيناء.
- الربط الاستراتيجي بين الاتجاه الغربي وسيناء
في محاولة لتقويض الدولة المصرية إبان ثورة الثلاثين من يونيو، سعي التكتل الإرهابي في درنة، لربطها استراتيجياً بديناميكيات المواجهات العسكرية في سيناء، إذ شهدت السنوات اللاحقة ل2015، ولاسيما بعد معركة الشيخ زويد؛ انحسار الإرهاب في جيوب عسكرية ضيقة محاصرة في مثلث (رفح – العريش – الشيخ زويد). حيث افتقر التنظيم الإرهابي في سيناء لقدرات شن هجمات موسعة علي غرار “الشيخ زويد 2015″، وركز علي عمليات القنص والعبوات الناسفة وبدا أنه أضعف حلقات تنظيم “داعش” الأم، وأن أيامه الأخيرة باتت قريبة. في هذه السياق، دفعت غرفة العمليات المتقدم في درنة لتكثيف نشاطها الإرهابي بطول الحدود الغربية، وإرسال قوافل عربات الدفع الرباعي المحملة بأطنان من الذخيرة والمتفجرات لتغذية القدرة المشلولة للتنظيم في سيناء، ومحاولة تخفيف الضغط الواقع عليه وخاصة بعد اتجاه القيادة العامة للقوات المسلحة لإعلان العملية الشاملة سيناء 2018 بمشاركة كافة الأفرع الميدانية وعناصر القوات الخاصة البحرية والمظلات لأول مرة في الميدان السيناوي.
- إرسال السلاح النوعي لسيناء
قبيل العام 2013، وحتي عام 2015، عهد التكتل الإرهابي في درنة إلي استخدام الفائض في قدراته التسليحية النوعية إبان فتح مخازن السلاح الليبي أثناء ثورة 17 فبراير 2011 وحتي بعد سقوط نظام العقيد. وقد وصل بالفعل إلي سيناء حصيلة ليست بالهينة من العتاد التسليحي النوعي، أهمه:
- القواذف المحمولة علي الكتف المضادة للطائرات
أمتلك الجيش الليبي ثلاثة أنواع من القواذف السوفيتية المضادة للطائرات، أكثرها شيوعاً كان (سام-7)، وقد وصلت أعداد من هذه القواذف إلى حوزة المجموعات التكفيرية شمالي سيناء، وإلى الفصائل المسلحة في قطاع غزة، وقد تم إستخدام أحد هذه القواذف في يناير 2014، لإسقاط مروحية نقل تابعة للقوات الجوية المصرية شمالي سيناء.
- البنادق الهجومية البلجيكية
تزود الجيش الليبي عام 2008 بما يقرب من 400 بندقية هجومية من نوع (F2000)، ضمن صفقة كبيرة أبرمها مع شركة (هيسترال) البلجيكية، حصل بموجبها أيضاً على مدافع رشاشة متوسطة، ومسدسات، وذخائر متنوعة، وبلغت حينها قيمة هذه الصفقة 12 مليون يورو. كانت هذه البنادق مخصصة في الأساس ، لتتسلح بها وحدات تابعة للواء 32 المعزز، وهو لواء قوات خاصة كان يقوده خميس نجل العقيد القذافي، ووصلت أعداد من هذه البنادق بعد سقوط نظام العقيد إلى قطاع غزة، وظهرت ضمن العروض العسكرية لعدد من الفصائل الفلسطينية، من بينها سرايا القدس.
- القواذف المضادة للدروع
القواذف المضادة للدروع: أمتلك الجيش الليبي نوعين من أنواع القواذف السوفيتية المضادة للدروع، الأول هو القاذف (كورنيت)، والثاني هو القاذف (فاجوت)، وقد تم نقل أعداد منهما إلى العناصر التكفيرية شمالي سيناء بداية من عام 2011، وتم استخدامها في عدة عمليات خلال عام 2015، منها إستهداف زورق دورية تابع للبحرية المصرية، وعدة عربات مدرعة.
مرحلة الصعود المصري (2013- 2019)
ركزت الخطط المصرية الرامية لمعالجة السيولة الأمنية بالغرب الليبي علي عدة مرتكزات انطلاقاً من ثوابت الأمن القومي المصري، ومنها علي المستوي الاستراتيجي:
- شغل الفراغ العمراني الكبير بالاتجاه الاستراتيجي الغربي
وفي هذا الصدد، تستهدف هيئة التخطيط العمراني من خلال مدينة العلمين والبالغة نحو 75 ألف فدان، والتي اعتُمدت مخططاتها رسمياً؛ وصول التعداد السكاني بها ما بين 4 و5 ملايين نسمة، خاصة لما تتميز به المدينة من مقومات جذب.
وتعتزم الهيئة الاستفادة من الطفرة العقارية، التي شهدتها المدينة والمتمثلة في العديد من القري السياحية، حيث سيتم من خلال المدينة تعظيم الاستفادة الاقتصادية من تلك القري، بحيث تعمل طوال العام. فضلاً عن مشروع محطة الضبعة النووية، الذي من المتوقع تشغيل أول مفاعل بها خلال 2026.
- إنشاء قواعد عسكرية كبيرة
إذ إنشاء القوات المسلحة قاعدة محمد نجيب العسكرية، يوليو 2017، ثاني أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، وتتولي مهام حماية الاتجاه الاستراتيجي الغربي ودعم الاسطول الشمالي. وبها تم تدريب وحدات الجيش المصري علي تكتيكات حروب المدن وتطهير المناطق السكنية ولاسيما الساحلية من العناصر الإرهابية.
- معالجة ملف القبائل
بالنسبة إلى الجيش المصري، أثبتت عملية إعادة الاصطفاف مع القبائل أنها حيوية في التماس المساعدة من وجهاء قبيلة أولاد علي والمجتمعات المحلية الأخرى لمكافحة انتشار الأسلحة والتجارة غير القانونية عبر الحدود. حيث سافر الرئيس السيسي إلى مرسى مطروح في أول زيارة له من زيارات عدة، وتوصّل إلى اتفاق وافق بموجبه شيوخ القبائل المطروحية على تسليم أكثر من 1500 قطعة من الأسلحة المهرّبة إلى الحكومة بحلول ديسمبر من ذلك العام. في المقابل، أسقطت الحكومة دعاوى قضائية عدة ضد رجال القبائل، وأعلن أحد الزعماء القبليين المحليين أن الجيش المصري هو “القبيلة السابعة” في مطروح.
اكتسبت السلطة القبلية قدراً أكبر من النفوذ في الشؤون العابرة للحدود، لأن مصر وليبيا لم تنفّذا خطط إقامة قنصليّتَين في مرسى مطروح وطبرق. بدا هذا واضحاً بصورة خاصة في المفاوضات التي جرت أواخر العام 2013 حول الإفراج عن سائقي الشاحنات المصريين الذين اختطفوا في ليبيا. جرى حلّ المأزق في نهاية المطاف عبر تدخّل وجهاء القبائل على جانبَي الحدود. وتقديراً لهذه الجهود، نظّمت المخابرات العسكرية المصرية حفلاً في مرسى مطروح لتكريم الزعماء الليبيين “الشعبيين”، أي القبليين، من أجدابيا وطبرق ومساعد، ممَّن لعبوا دوراً في الإفراج عن السائقين المختطفين.
المستوي التكتيكي
أما علي المستوي التكتيكي فقد جاء النشاط المصري المتنامي كماً وكيفاً في الاتجاه الاستراتيجي الغربي لعدة أهداف، منها:
- سلسلة مناورات رعد .. الاستعداد لمواجهة التهديدات النظامية والغير نمطية
شهدت المنطقة الغربية العسكرية خلال الخمس سنوات الماضية تجديداً ملحوظة في اسلوب الجيش المصري لاجراؤه مناورات رعد، إذ حاكت لأول مرة مواجهة تنظيمات إرهابية مسلحة، طبقاً لانساق مواجهة الجيوش النظامية للعصابات من واقع مراقبة ودراسة لطبيعة عمل هذه التنظيمات في ميادين الشرق الأوسط، فضلاً عن اجرائها لمناورات حاكت فيها التصدي لجيش نظامي وكذا تنفيذ عمليات الهجوم والإغارة.
- فصل الارتباط الاستراتيجي بين درنة وسيناء
عمليات فصل وفك الارتباط الاستراتيجي بين مدينة درنة وتنظيم داعش في سيناء، بدأت منذ فبراير من العام 2015، إثر تنفيذ سلاح الجو المصري لضربة نوعية مُركّزة، استهدفت أكبر معسكر للإرهابيين بالمدينة أوقع نحو 60 قتيلاً منهم قيادات مؤثرة في التكتل الإرهابي القاعدي والداعشي. تلي ذلك دعم الجهود الليبية الرامية لتنظيف مدن الشرق الليبي من الجيوب العسكرية للتنظيمات الإرهابية، فبدأ الزحف من بنغازي عبر محطات عديدة من العام 2014، حتي العام 2019، نتج عنها تطهير مدن الساحل الشرقي الليبي من آخر جيوب عسكرية تابعة للتنظيمات الإرهابية إثر تحرير مدينة درنة بالكامل في يونيو 2018.
- تكثيف عمليات الاستطلاع والاستهداف الموسع لقوافل التهريب
بالتوازي مع بدء العملية الشاملة سيناء 2018، في فبراير من العام ذاته، تركزت جهود سلاح الجو المصري علي تأمين الاتجاه الاستراتيجي الغربي، في تدمير عشرات العربات المحملة بأطنان من المتفجرات والذخيرة في محاولة لتهريبها وفتح جبهة جديدة بُغية تخفيف الضغط الواقع علي التنظيم الإرهابي في سيناء. إلا أن اللافت انخفاض محاولات التسلل تدريجياً مع تطهير كامل الشرق الليبي من الجيوب العسكرية للتنظيمات الإرهابية وخضوع مدنه وغالبية طرقه ودروبه لسيطرة قوات الجيش الوطني الليبي، التي باتت تسيطر الآن علي أكثر من 90% من مجمل الجغرافيا الليبية.
- توجيه الضرب الاستباقي للعدائيات
نفذ سلاح الجو المصري ضربتين مؤثرتين في مضمار مكافحة التنظيمات الارهابية بطول المنطقة الشرقية، وكان أبرزها ضربات سلاح الجو للعمق الليبي، مدينة الجفرة في مايو 2017، إذ استهدفت تجمعات إرهابية لسرايا الدفاع عن بنغازي ومعسكرات معدة لتدريب متطرفين مصريين تمهيداً لقلب دفة المواجهة، ومحاولة تصدير أخري لعمليات إرهابية علي غرار غرفة عمليات درنة.
خاتمة
من منع التسلل للعناصر وتشكيلات النخبة التابعة للتكتل الإرهابي في الشرق الليبي، وصولاً إلي تجفيف وتدمير منابعها حتي مدن ومناطق وسط ليبيا، كان الخط العريض لديناميكات التأمين المصري للحدود الغربية الممتدة لـ 1200 كلم، حتي استعاد الاتجاه الاستراتيجي شيئا من استقراره النسبي قبيل اندلاع الأحداث في المنطقة العربية 2011. لكن تظل التدخلات العسكرية التركية المباشرة في مسار معارك مصراته وطرابلس، وما يتم نقله علي مدار الساعة من مرتزقة محترفين في مضمار حروب المدن والعصابات ومواجهة الجيوش النظامية ثقيلة الحركة؛ مهددة علي نحو كبير لاستقرار الحدود الغربية رغم حصرها في جيوب عسكرية ضيقة ببؤرتي مصراتة وطرابلس، لما لها من جملة ارتباطات تكتيكية وأخري استراتيجية بجماعات وتنظيمات مسلحة في منطقة الساحل والصحراء.