
دراسة أمريكية تكشف خفايا التحالف التركي القطري في المنطقة
أصدرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية المعنية بأبحاث الأمن القومي والسياسات الخارجية، ورقة بحثية تتناول التحالف التركي القطري بمنطقة الشرق الأوسط، وأنماطه الكثيرة وأشكاله المتباينة وتأثيره علي موازين القوي بالمنطقة وأيضاً علي الولايات المتحدة.
وكانت الورقة من إعداد دكتور إيكان أرديمير، البرلماني التركي السابق، وفارشا كودي فايور، وقد قسما الورقة إلي عدة محاور رئيسة تعالج أنماط التحالف التركي القطري، والبؤر التي تظهر فيها سمات هذا التحالف بشكل جلي، وقد قُسِمَت علي النحو التالي:
1- مقدمة
2- رواد الأصولية الإسلامية
3- ليبيا
4- الصومال
5- حماس
6- العراق
7- سوريا
8- تنظيم داعش
9- التعاون العسكري
10- الدعم الاقتصادي القطري لتركيا
11- الإتصالات والإعلام
12- الطاقة
13- الخيارات الدبلوماسية
المقدمة
1- يرى الكاتبين أن التدخل التركي السريع (خلال 48 ساعة) في يونيو 2017، لإنقاذ قطر من تداعيات قرار المقاطعة وإيقاف التواصل بين دول الرباعي العربي “المملكة السعودية – الإمارات المتحدة – مصر – المملكة البحرينية”، والتي كان من أهمها النقص الحاد في السلع الغذائية بالأسواق القطرية، كان من أهم دلائل قوة ومتانة العلاقة بين الدوحة واسطنبول، والذي تعود جذوره الأولى الى بداية العلاقات الدبلوماسية في ما بينهما قبل 50 عام. كان الجسر الجوي الغذائي التركي الى الدوحة هو المظهر الأكثر ظهوراً على المستوى الإعلامي بين الجانبين، لكن هناك العديد من جوانب التعاون بين البلدين والتي وصلت درجة تقدمها الى حد التحالف التام بينهما، وهذا كان واضحاً في الموقف القطري من العملية العسكرية التركية شمالي سوريا في أكتوبر الماضي، وتأييدها لهذه العملية بجانب حركة حماس دولة باكستان، في خروج واضح عن الإجماع العربي والدولي المدين لهذه العملية.
2- خضع التقارب بين الجانبين خلال الفترة الماضية إلى عدة محددات رئيسية، أهمها تشاركهما نفس وجهة النظر المتعلقة بالإسلام السياسي، والتي حددت توجهاتهما الإقليمية التي نبعت من إلتزاماتهما الإيدلوجية تجاه التوجهات الإسلامية الراديكالية والأصولية. وقد اتسع قوس التقارب بينهما ليشمل كافة مجالات التعاون، خاصة المجال الاقتصادي والدفاعي والإعلامي، بجانب قطاع الطاقة. هذا التحالف شكل حسب رأي الكاتبين تحدياً أساسياً للولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، لأن هذا التحالف لم تقتصر أدواته فقط على الأوجه الشرعية المعلنة للتعاون بين الدول، بل تعداها الى الدعم المالي واللوجيستي للفصائل إسلامية التوجه في الخارج، وكذا دعم التوجهات الإيديولوجية المتطرفة والإرهابيين المرتبطين بحركات مسلحة مثل تنظيم القاعدة وحركة حماس. ومن مباعث التهديد في هذا الوضع للولايات المتحدة، وجود أهم قواعدها العسكرية في كلا البلدين، وهما قاعدتي انجرليك الجوية في تركيا، وقاعدة العديد الجوية في الدوحة، والتي تضم مركز القيادة المتقدم للقيادة الأمريكية العسكرية الوسطى، وقد وصلت الولايات المتحدة مؤخراً الىة قناعة انها لم تستطيع وضع البلدين تحت السيطرة كحليفين أساسيين على مدار السنوات الماضية، وبالتالي باتت تحتاج لأن تبحث عن مواقع جديدة لتموضع قواعدها العسكرية، وفي نفس الوقت يجب ان تكون على أستعداد دائم لإستيعاب البلدين في حالة تراجعهما عن نهجهما الحالي.
المبحث الأول: رواد الأصولية الإسلامية
في هذا المبحث تناول الكاتبان ديناميات مقاطعة الرباعي العربي، إذ يري كلاهما أن عقب بدء مقاطعة الرباعي العربي لقطر، انقسمت ساحة الصراع في المنطقة الى جانبين، الجانب الأول فيه قطر وتركيا، والجانب الثاني في دول الرباعي العربي، وامتدت هذه الساحة من ليبيا غرباً الى العراق شرقاً.
كما يفندان أن من الأسباب الأساسية للنهج التركي الإقليمي هو أرتباط النظام السياسي الحاكم في أسطنبول بأدبيات “الإسلام السياسي الأصولي”، وهذا التوجه توطد عقب حيازة حزب العدالة والتنمية على أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2007، في حين تتخذ قطر في هذا الصدد منهجاً مبنى على عدم إتاحة أي مجال لأدوات الإسلام السياسي كي تتواجد او تتغلغل في شئونها الداخلية، ولهذا تضع مجهودها الأكبر في دعم هذه الأدوات خارجياً، وهي الأدوات التي تصنفها الامارات المتحدة والمملكة السعودية على أنها فصائل إرهابية.
فمنذ عام 2007 بدأ دعم أردوغان وحزبه للفصائل الإسلامية الراديكالية، فبدء في دعم الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وهو حركة حماس، المصنفة من جانب الولايات المتحدة تنظيماً أرهابياً منذ عام 1997. وتوطدت على مدار السنوات الماضية العلاقات بين أردوغان وقائد الحركة خالد مشعل. هذا التوجه كان أساسياً لتبرير الترحيب التركي بإنتخاب مرشح الإخوان المسلمين في مصر “محمد مرسي” كرئيس للجمهورية المصرية عام 2012، وحاولت أسطنبول نسج خيوط علاقات تحالفية مع النظام الإخواني الجديد، تبلورت في 24 ملف رئيسي. بالتزامن مع هذا التوجه السياسي الإقليمي لأردوغان، شرع أيضاً في مد نفوذ بلاده الثقافي والتعليمي عن طريق أفتتاح مئات المدارس والمؤسسات التعليمية والثقافية التركية في الخارج، في عدد كبير من الدول مثل قيرغيزستان وألبانيا وغانا والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.
قطر التي تبقى في أساسها دولة وهابية تتخذ نفس النظرة الإسلامية التي تتخذها دول مثل السعودية، لكن أسرة “آل ثاني” الحاكمة في الدوحة حرصت على ألا تسمح بأي نشاط أصولي لمنظمات او هيئات أسلامية، لأن استراتيجيتها كانت دوماً ضخ هذه النشاطات الى الخارج وليس الداخل. النسخة القطرية من الوهابية تتقاطع مع نظرة الإخوان المسلمين للإسلام السياسي، وحتى الآن تحرص أسرة آل ثاني على تفادي مواجهة أية تحديات داخلية لسلطتها المطلقة، وهذا تمثل بشكل واضح في الحل الطوعي لفرع جماعة الإخوان المسلمين في الدوحة عام 1999. بشكل عام، مكنت الثروات النفطية الهائلة التي توفرت لقطر الدوحة من توفير مستوى معيشي مرتفع لنحو ثلاثة ملايين مواطن ومقيم، وبالتالي مثل هذا درع حماية منع اية حركات أو توجهات إسلامية من خلق نفوذ لها داخل المجتمع القطري ونسج خيوط علاقات إجتماعية داخله عبر تقديم الخدمات الإجتماعية كما هو الحال في دول أخرى، وبالتبعية تحولت العلاقة بين قطر والجماعات الإسلامية الأصولية ومنها جماعة الإخوان الى علاقة تحالفية توافقية طالما ظلت الأنظار متجهة الى خارج قطر وليس الى داخلها.
على الجانب الآخر، واجهت الإمارات المتحدة والمملكة السعودية جماعة الأخوان المسلمين والجماعات الراديكالية الأخرى، وتعاملت مع هذه الجماعات كمصادر تهديد محقق، لأنها تخشى من تأثيرها على أوضاعها الداخلية، ولذلك كانت دائماً تحتفظ بسيطرة مطلقة على الجوانب السياسية والدينية في شئونها الداخلية، من أجل ان يتشكل ما يشبه “جدار ناري” بين هذه الجماعات وبين الوضع الداخلي لهاتين الدولتين. هذه المخاوف أكدتها مجريات أحداث “الربيع العربي”، التي ظهرت من خلالها خطورة خلط جماعة الإخوان ما بين السياسة والدين في ممارستها لما بات معروفاً بالإسلام السياسي.
المبحث الثاني: ليبيا
تناول الكاتبان الميدان الليبي كونه أحد أوضح بؤر الصراع الذي يظهر فيه مستويات عالية من التنسيق بين كل من تركيا وقطر، غكان الميدان الليبي من اوائل الميادين التي شهدت بدء الصراع بين المحورين. فمحور تركيا وقطر كان يدعم ميليشيات غرب ليبيا، التي تتكون أساساً من فصائل إسلامية متشددة، في حين دعم محور مصر والإمارات المتحدة والمملكة السعودية قوات الجيش الليبي، التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في شرقي البلاد، والذي يضع نفسه في مواجهة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في طرابلس.
فعندما بدأت الحرب الأهلية في البلاد عام 2014، قامت قطر وتركيا بدعم المجلس الوطني العام في طرابلس، وأبقت على أواصر علاقات قوية مع تحالف “فجر ليبيا”، وهو تجمع من عشرات الميليشيات المسلحة تتصدره جماعة الإخوان. وحسب خبراء الأمم المتحدة، فإن شركات تركية زودت قوات هذا التحالف بالسلاح والذخائر، وهذا ضمن عملية تسليح كبرى قامت بها قطر في الملف الليبي منذ عام 2011، وهو ما يعد خرق واضح لحظر التسليح الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا.
يؤكد الكاتبان أن الجيش الليبي من جانبه يؤكد ان تركيا قدمت دعماً عسكرياً مباشراً للميليشيات الراديكالية الإسلامية غربي ليبيا، وشمل هذا الدعم أسلحة وذخائر وحتى خبراء فنيين للتدريب والصيانة، ناهيك عن طلعات مستمرة لطائرات النقل القطرية الى مطارات غربي ليبيا. في مايو 2019، وبعد نحو شهرين من بدء هجوم الجيش الليبي بقيادة حفتر على العاصمة طرابلس، وصلت الى العاصمة شحنات من الأسلحة والذخائر التركية، بما في ذلك عشرات العربات المدرعة والطائرات دون طيار، تصل قيمتها حسب صحيفة وول ستريت جورنال الى 350 مليون دولار. وقد أسقطت قوات حفتر أحدى هذه الطائرات دون طيار في عدة مناسبات لاحقة.
المبحث الثالث: الصومال
في هذا المبحث يسلط الكاتبان الضوء علي منطقة القرن الإفريقي حيث يعد القرن الإفريقي من أحدث ساحات الصراع بين المحورين، وفيه كانت المواجهة أكثر مباشرة بين الأمارات المتحدة وقطر، فقطر من خلال الدعم التركي لها، تحاول إعادة أحياء تاجد جماعة الإخوان المسلمين في شرقي أفريقيا، بحيث تكون الجماعة عامل أرتكاز ودعم للأهداف القطرية والتركية. بدء التمدد القطري في الصومال منذ عام 2012، حين مولت الحملة الإنتخابية الناجحة للرئيس حسن شيخ محمد، وهذا التمويل أكدته تقارير الأمم المتحدة. وجدير بالذكر هنا أن شيخ محمد ينحدر من حركة “الدم الجديد”، وهي احدى فصائل الفرع الصومالي للإخوان المسلمين والمسمى “حزب الإصلاح”، والذي من أهم أهدافه نشر الفكر الأصولي، معتمداً في تحركاته على الدعم القطري والتركي.
بالإضافة الى دعمها للحكومة الصومالية، تدعم قطر أيضاً حركة الشباب الراديكالية، وحسب تقرير لدير شبيغل تم نشره عام 2017، تضمن حوار مع أحد أعضاء الحركة، فإن الحكومة القطرية قدمت دعماً بقيمة 20 مليون دولار الى الصومال، في هيئة مبالغ مالية مدفوعة لقادة حركة الشباب سواء من اجل نفقاتهم الشخصية او من أجل شراء الأسلحة والذخائر ودفع رواتب للمقاتلين. في نفس السياق كشفت صحيفة نيويورك تايمز عام 2019، عن تسجيل صوتي لمحادثة هاتفية بين السفير القطري في الصومال وبين رجل الأعمال المقرب من أمير قطر خليفة المهندي، خلالها تم اقتراح افتعال تفجيرات إرهابية في الصومال من اجل تدعيم النفوذ القطري، وكذا تهديد المحاولات الإماراتية للانتشار الاقتصادي هناك. حسب ما أشار به مستشار رفيع المستوى عمل مع الرئيس الصومالي الأسبق، فإن هيئات الإغاثة الإنسانية القطرية، مثل هيئة “عيد الخيرية”، ومن يعمل بها على الأراضي الصومالية، تحوم حولهم شكوك حول أرتباطهم بحركة الشباب، خاصة أن هذه الهيئات تعمل بحرية في مناطق تنتشر فيها بكثافة ميليشيات مسلحة، وقد قام رباعي المقاطعة العربية عام 2017 بوضع هذه الهيئات في القائمة السوداء للمؤسسات التي تمول تنظيم القاعدة.
المبحث الرابع: حماس
جاء في الورقة أن الدعم التركي القطرى لم يقتصر فقط على الصومال وليبيا، بل دخل البلدين ضمن الصراع العربي الإسرائيلي بدعمهما المطلق للفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين، حركة حماس في قطاع غزة. قطر ضخت تمويلاً مباشراً الى هذه الحركة بأكثر من 1.1 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2012 و2018، واستمر هذا التمويل إلى الوقت الحاضر حيث يتم تضخ نحو 330 مليون دولار على شكل مساعدات وإعانات دورية للعائلات القاطنة في قطاع غزة.
ظل أعضاء الحركة موضع ترحيب دائم من كلا البلدين، ومن أمثلة ذلك القيادي الحمساوي في الضفة الغربية صالح العاروري، الذي خطط سابقاً لخطف ثلاثة مراهقين إسرائيليين في يونيو 2014. سافر العاروري الى سوريا عقب الأفراج عنه من السجون الإسرائيلية عام 2010، لكنه على أثر اندلاع الحرب في سوريا غادرها الى تركيا، وبعد ان تواجد في أسطنبول لخمسة سنوات غادر الى قطر، إلا أنه بعد الضغط الخليجي على قطر غادرها عام 2017 إلى لبنان.
المبحث الخامس: العراق
في عام 2014، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مواطنين أردنيين، يحملان بطاقات هوية قطرية ، وهما الأخوين أشرف وعبدالملك عبد السلام، وذلك بتهمة تمويل تنظيم القاعدة في العراق. عبد الملك عبد السلام، المعروف أيضاً بإسم عمر القطري، أو “ذئب
القاعدة “، اعتقلته السلطات اللبنانية ووجدت بحوزته عشرات الآلاف من الدولارات التي تخص تمويل المجموعات الإرهابية، وحسب الصحف المحلية، فإنه من المهام التي كانت موكلة إليه هو توفير مبالغ نقدية تقدر بمائتي ألف ريال قطري وثمانية عشر ألف يورو، مضافاً إليها معدات حربية من بينها أسلحة وذخائر ومناظير للرؤية الليلية وأجهزة اتصالات، وإيصالها إلى أشخاص في انطاكية التركية لنقلها بعد ذلك الى سوريا. وقد أفادت الولايات المتحدة في هذا الصدد أن عبد الملك سلم آلاف الدولارات الى قيادي في تنظيم القاعدة مقيم بسوريا، سلمها بدوره الى قياديين في تنظيم “جبهة النصرة”، المصنف كتنظيم أرهابي من جانب الأمم المتحدة، والذي بايع تنظيم القاعدة في وقت سابق. عبد الملك عبد السلام قام أيضاً بتحويل أربعة ملايين دولار عبر أحد البنوك الأردنية، إلى والده القيادي بتنظيم القاعدة المعروف بإسم أبو عبد العزيز القطري، والذي كان قد أنشأ تنظيماً أرهابياً بإسم “جند الأقصى”، تم تصنيفه كتنظيم إرهابي وكفرع من تنظيم القاعدة من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وقد ترك هذا القيادي العمل الميداني وتفرغ لدعم عناصر القاعدة مالياً ولوجيستياً أنطلاقاً من قطر.
سوريا
من كل المناطق التي دعم فيها الثاني “قطر – تركيا” المتطرفين، كانت سوريا هي البقعة الأبرز في مسارات وخطط دعمهم للنشاط المتطرف، فقد أدت سياساتهم هناك إلى تدمير كبير لحق بالدولة السورية جرّاء عملهم المستمر لصنع معارضة مسلحة سُنية تحارب بالوكالة عنهم، وتحقق مصالحهم. فمثلاً تولت قطر مهام التمويل وشراء الأسلحة للعناصر المتطرفة في سوريا، فيما تولت تركيا المهام اللوجستية والتدريبية عن طريق أجهزة استخباراتها، التي حرصت علي تسليم كافة الأسلحة للعناصر المتطرفة ولاسيما تلك المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين.
ففي عام 2011 أسست تركيا ما يسمي بالجيش السوري الحر، وهو مجموعة من المنشقين عن الجيش السوري والمتطرفين على حدِ سواء. حيث اشترك الجيش السوري الحر وتنظيم أحرار الشام في العديد من المعارك جنباً إلى جنب، كما وفرت تركيا خطوط دعم مباشرة من المناطق الحدودية التابعة لها للداخل السوري، حتي أنشأت في عام 2012 ما يشبه مركز عصبي في ولاية أضنه الحدودية التي تبعد حوالي 60 ميلاً عن الحدود السورية، وقدمت من خلالها العتاد والعناصر الإرهابية للجماعات والتنظيمات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية. وفي الفترة الممتدة من 2012 لـ 2013، أرسلت قطر حمولات أسلحة وذخائر للداخل السوري أكثر من أي دولة أخري منخرطة في الحرب الدائرة طبقاً لما أوردته صحيفة النيويورك تايمز.
عناصر ما يسمي بالجيش السوري الحر اشتركت مع تركيا في عملية درع الفرات 2016، التي استهدفت بشكل رئيسي الكيانات الكردية العسكرية والمدنية من مناطق شمال شرقي سوريا، وفي مايو من العام 2018، إعادة تركيا هيكلة الكيانات الجهادية، فأنشأت جبهة التحرير الوطنية المكونة من 10 فصائل للجيش الحر، مع حركة أحرار الشام وجماعة نورالدين الزنكي. كما بحث انضمام جبهة النصرة قبل أن تعيد تسمية نفسها جبهة فتح الشام لتجنب العقوبات والمراوغة بين سائر الفصائل المسلحة الأخرى. لكن دفعت هذه الجهود التركية إلي تشكيل جبهة قوية من التنظيمات المسلحة تتبع قرارها الاستراتيجي، وهو ما ظهر في مشاركة معظم هذه التنظيمات في الحملات العسكرية التركية النظامية بدءاً من درع الفرات 2016.
وعلي الرغم من تصنيف تركيا لجبهة النصرة كجماعة إرهابية، إلا أن أجهزة استخباراتها مازلت تحتفظ بعلاقات واتصالات مع الجماعة الإرهابية منذ عامي 2013 و 2014 حتي الآن، وقدمت تركيا تسهيلات لوجستية كثيرة لمناطق خاضعة تحت سيطرة جبهة النصرة، وأمدتها عبر شحنات الإغاثة والمساعدات الإنسانية بالكثير من السلاح ولاسيما الصواريخ وقذائف الهاون. هذا بعد أن وفرتا الدوحة وأنقرة الحضانة لأشخاص ومنظمات وجمعيات خيرية تربطها علاقات مباشرة بقادة من تنظيم جبهة النصرة، كانت هذه الجمعيات الخيرية ما هي إلا غطاء وستار لتدفقات من المال والسلاح وصل بسخاء للتنظيم الإرهابي. فمنذ مارس 2015، ضمت الفصائل المنضوية تحت اللواء الفكري والمرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، كيان موحد أُطلِق عليه جيش الفتح، كان ضمن تشكيلاته جبهة النصرة، حظي التشكيل علي دعم أمير قطر، وشن عملياته ضد وحدات الجيش السوري، ونجح ذلك التشكيل في احتلال إدلب وفصلها عن الحكومة السورية، وبدأت كل الفصائل هناك تتلقي الدعم المالي من قطر والسعودية وتركيا.
وفي أغسطس من العام 2016، أطلعت الفايننشال تايمز عبر مصادر لها، أن الدعم المالي والتمويل الذي يصل للعناصر الإرهابية في إدلب، كان يصل عبر شاحنات قادمة من تركيا وتمر عبر حلب، لدعم عمليات جبهة النصرة ضد وحدات الجيش السوري.
الشيخ الكويتي “حجاج العجمي”، بحسب الباحثان، يمثل نموذج للشخصيات الداعمة للتنظيمات الإرهابية، كما يحظى بدعم قطري تركي. ورغم وجوده علي قوائم الإرهاب الدولي للولايات المتحدة والأمم المتحدة والسعودية والبحرين والإمارات إلا انه مازال يدعم تابعيه للتبرع بالمال لتنظيمات المسلحة عبر البنوك التركية، وكان علي متن رحلات كثيرة برعاية قطرية إلي الأراضي السورية. العجمي لم يكن الوحيد الذي حظي بالحصانة القطرية التركية بالرغم من نشاطاته المشبوهة والعلاقاتية مع التنظيمات الإرهابية، كذلك كان بعض الشخصيات القطرية البارزة مثل سعد بن سعد الكعبي، عبداللطيف بن عبدالله الكويري، الذي شغل مدير تمويل حملة “مدد أهل الشام”، التي استهدفت بالأساس تمويل العناصر الإرهابية في جبهة النصرة، حيث أوردت الواشنطن بوست، أن الحملة كانت علي علاقة وثيقة بجبهة النصرة وعبر حسابها علي تويتر أعادت تغريد محتويات خاصة بجبهة النصرة دون خجل!. أما “الكعبي” فطبقا لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية قاد حملة تبرعات داخل قطر، لمد جبهة النصرة بالمال والسلاح. وقد أظهرت بعض مقاطع الفيديو من جمعيات مماثلة تركية وصول هذه الإمدادات القطرية للإرهابيين في سوريا عبر الحدود الأردنية ومن خلال شاحنات مساعدات إنسانية.
العديد من الإصدارات والتقارير أدانت قطر بدعم جبهة النصرة الإرهابية بصورة مباشرة عن طريق تقديمها فدي مبالغ فيها، للتنظيم، فمثلاً قدمت قطر لجبهة النصرة مبلغ قدره 150 مليون دولار لتحرير 9 حجاج شيعة في الأراضي السورية تم احتجازهم بواسطة جبهة النصرة، مقابل طياريين تركيين تم اختطافهم، طبقا للكاتب الصحافي التركي يوسف قانلي.
وفي عام 2014، تواردت التقارير الصحافية عن دفع قطر ملايين الدولارات لجبهة النصرة مقابل تحرير الراهبات السوريات، الصحافي الأمريكي بيتر ثيو، أكد أن قطر لعبت أيضاً دوراً بارزاً في تحرير عناصر إرهابية هامة من السجون اللبنانية عن طريق هذه الصفقات المشبوهة من ضمنهم زوجة البغدادي، التي كانت في طريقها للاستقرار في تركيا، فضلاً عن إرسال العناصر الإرهابية المصابة لتلقي العلاج في مستشفيات تركيا، هذه العناصر كانت تنتمي لجبهة النصرة بصورة مباشرة.
وفي مايو من العام 2016، أطلقت جبهة النصرة سراح ثلاثة مراسلين إسبان كانت قد احتجزتهم لقرابة العشر أشهر، وعقب إطلاق سراحهم، شكرت الحكومة الإسبانية كل من أنقرة والدوحة علي جهودهم الكبيرة في الوساطة مع جبهة النصرة لإتمام العملية. وبحسب بعض الصحف الموالية للنظام التركي فإن الصفقة تمت بعد أن تم الاتفاق علي تسليم جبهة النصرة مبلغ 3.7 مليون دولار مقابل كل مراسل. فضلاً عن إرسال كميات من “المساعدات الإنسانية” للتنظيم الإرهابي.
وفي إبريل 2017، دفعت قطر أكبر فدية في التاريخ، بلغت مليار دولار، وذلك لتحرير عناصر من العائلة الحاكمة وقعوا في أسر الميليشيات الشيعية، إبان وجودهم في رحلة صيد بالأراضي العراقية، وقد قدرت الأموال التي حصلت عليها كتائب حزب الله العراقية بنحو 400 مليون دولار، طبقاً للفايننشال تايمز. و 140 مليون دولار ذهبت لجبهة فتح الشام و80 مليون دولار ذهبت لأحرار الشام أحدي أقرب التنظيمات المسلحة لجبهة النصرة.
الدولة الإسلامية “داعش”
يذكر الباحثان أن في عام 2014، احتجز تنظيم داعش قرابة 49 موظف في القنصلية التركية في الموصل، و46 تركي آخر، وثلاثة عراقيين. في عام 2015 أبرمت أنقرة صفقة مع تنظيم داعش، وأفرجت عن 180 عنصر من عناصره شديدي الخطورة مقابل رهائن قنصلية الموصل، كما اطلقت سراح آلآف المعتقلين المنتمين للتنظيم. وفي عام 2016 لم تٌسجل قضية واحدة ضد تنظيم داعش رغم نشاطاته المشبوهة في البلاد. حتي جاء الاجتياح التركي لشمال شرقي سورية في التاسع من أكتوبر الماضي، ليرجع الحديث حول مستقبل عشرة الاف عنصر داعشي في سجون قوات سوريا الديمقراطية، حيث استهدف القصف التركي السجون التي تحتجز عناصر داعش، مما أدي لهروب أكثر من 800 عنصر شديدي الخطورة وينتمي للتنظيم الإرهابي، ورغم الوعود التركية للإدارة الأمريكية بمعالجة النشاطات الإرهابية علي الحدود السورية، إلا أن أنقرة أغمضت عينها مرة أخري عن عودة تنظيم داعش في هذه المناطق.
التعاون العسكري
يصل الباحثان لحقيقة أن مع تطابق وجهات النظر والاهتمامات، فإن العلاقات العسكرية بين الدوحة وأنقرة دخلت مرحلة جديدة في ديسمبر من العام 2014 بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري الشامل بين البلدين. وبموجب هذه الاتفاقية أنشأت تركيا أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها. وجاء انشاء القاعدة في سياق مواجهة كل من قطر وتركيا لأعداء إقليميين مشتركين علي حد وصف القادة الأتراك في القاعدة التي تضم قرابة ثلاثة آلاف عنصر من القوات المسلحة التركية. ومع بدء دول الرباعي العربي مصر والامارات والبحرين والسعودية إجراءات مقاطعة الدوحة، تجاهلت قطر مطالب الرباعي بإغلاق القاعدة العسكرية التركية، واستأنفت تركيا تزويد الدوحة بالمؤن وشرعت في إرسال المزيد من القوات لقاعدتها العسكرية التي نفذت أكثر من تدريب شمل الانساق البرية والبحرية، وتعاظم دور القاعدة كلما ضاق الخناق علي قطر وزادت عزلتها الإقليمية بعد مقاطعة الرباعي العربي. فضلاً عن التعاقد مع الحكومة القطرية لإدارة وتشغيل مصانع انتاج المدرعات التركية لمدة 25 عاما في صفقة وصلت لعشرين مليار دولار، حيث تمتلك الحكومة القطرية 49.9% من أسهم الشركة التركية. يأتي هذا بالتزامن حرص الثنائي علي تطوير العلاقات مع روسيا، إذ أبرمت أنقرة صفقة توريد منظومة الاس 400 الدفاعية الصاروخية الروسية، مما عرضها للطرد من برنامج المقاتلات الامريكية الشبحية من الجيل الخامس اف 35، كذلك تهتم قطر بمنظومة الدفاع الصاروخي اس 400 الروسية لكنها لم تٌحسم بعد.
الدعم القطري لاقتصاد اردوغان
تصل حجم الاستثمارات القطرية في تركيا لحوالي 1.8 مليار دولار، وتحتل الدوحة المرتبة الثامنة عشر كأكبر مستثمري البلاد. تركز الدوحة علي تمويل ملفات الإعلام والدفاع في تركيا، وهو ما يجعلها حليف لا غني عنه في اقتصاد اردوغان. افرزت أنماط الدعم القطري لاقتصاد تركيا إلي إنعاش شبكات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما ضخت قطر أكثر من 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي لإنعاشه بعد الهبوط الحاد لليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.
قطاع الإعلام والاتصالات
تدعم قطر بسخاء قطاع الإعلام الذي يسوق للنموذج التركي في المنطقة، ففي عام 2008، دفعت شركة مغمورة قطرية مبلغ 1.1 مليار دولار لشبكة الصباح تي في التركية، لإعادة تأهيلها وشغلها بأفضل الإمكانات والكوادر، كما كونت علاقات وثيقة مع أفراد من عائلة إردوغان.
كما صرفت قطر علي مشروع قناة الجزيرة ترك، حوالي 100 مليون دولار، ولكنه لم ير النور نتيجة لعقبات قانونية، كما اكتفت قطر بدعم المنصات التركية في الداخل، وتسويق دائم للنموذج التركي عبر قناتها الأم الجزيرة.
فكل العمليات التركية العسكرية المباشرة في الإقليم سواء قامت بها القوات النظامية التركية أو الجماعات الإرهابية الموالية لها حظيت بتغطية إيجابية من قناة الجزيرة والقنوات الرديفة لها.
ملف الطاقة
اختصر الباحثان ملف الطاقة في توضيح أن قطر تقدم دعم غير محدود لتركيا علي صعيد الطاقة، فعندما قطعت روسيا امدادت الغاز عن تركيا في 2016 عقب اسقاط الطائرة الروسية في سوريا، مدت قطر تركيا بأكثر من مليون ونصف المليون طن من الغاز المسال، وقد عبر المسؤولون القطريون عن دعم بلادهم اللامحدود لتركيا، وتقديم تسهيلات مالية لشحنات الغاز المسال المتدفقة لتركيا. حيث أمنت أنقرة مصدر دائم لها للطاقة وبسعر رخيص عن السوق العالمية.
جملة توصيات
واختتم الباحثان الدراسة بجمل توصيات تهدف لتحجيم الدور التدميري لحلف تركيا وقطر في المنطقة، فجاء غالبيتها لتركز علي دور أمريكي أكثر فعالية كونه يحكم حجم هذا الحلف في العديد من المناطق، ومنها:
- يجب أن تواصل وزارة الخزانة الأمريكية عقوباتها علي الأشخاص والمؤسسات الخيرية القطرية والتركية المتورطة في دعم وتمويل الإرهاب.
- يجب أن تحجم الولايات المتحدة علاقاتها مع قطر وترهنها بالإجراءات المطلوبة لتخفيض مستوي دعمها للإرهاب والشخصيات المدرجة علي قوائم الإرهاب الدولي.
- يجب علي الولايات المتحدة أن تطلب بصورة رسمية قطع علاقات الدوحة وانقرة بالجماعات والتنظيمات الإسلاموية التي تحارب بالوكالة عن مصالحهما في المنطقة، وإذا أظهرت الدولتين عدم تعاون جدي في هذا الصدد، علي الولايات المتحدة تحديد الأشخاص في كلتا الدولتين، والذين توكل إليهم مهام توصل إمداد المال والسلاح للتنظيمات الإرهابية، تمهيداً لفرض العقوبات وتحجيم نشاطاتهم.
- يجب علي الولايات المتحدة انشاء المزيد من القواعد أو النقاط العسكرية في كل من تركيا وقطر لحرمان الدولتين من الوصول لمستويات اعلي من التنسيق والاستفادة من الخدمات اللوجستية لعمليات دعم تمويل الإرهاب في المنطقة.
- يجب علي الولايات المتحدة تشجيع أية جهود من شأنها حل وتسوية النزاع الخليجي الخليجي، كونه الخطوة الأولي للحد من تطوير العلاقات الاستراتيجية بين الدوحة وانقرة.
- يجب تشجيع قطر وتركيا علي عدم اللجوء لروسيا لابرام صفقات التسليح عالية القيمة واستبدالها بأنظمة دفاعية من حلف شمال الأطلسي الناتو.