ليبيا

مركز أمريكي يتساءل ..هل أوروبا على استعداد للتعامل مع الأزمة الليبية؟

أكد مركز أمريكي تراجع الدور الأوروبي في المنطقة بدءا من سوريا إلى ليبيا، حيث يمر الجوار الملاصق لأوروبا بعملية تحول لا محالة، والتي لن تؤدي فقط إلى تشكيل النظام السياسي الإقليمي والمحلي لدول الجوار، بل وسيتخطى هذا ويؤثر كذلك على النظام الأوروبي.

وذكر مركز بروكنجز الأمريكي – في تقرير نشره – أن الاتحاد الأوروبي غافل عن أهمية مرحلة التحول هذه، مشيرا إلى أنه عندما يُحاول الاتحاد الأوروبي أو القوى الأوروبية الكبرى وضع سياسة، فإنها عادة ما تكون قصيرة النظر، ويُدلل المشهد الحالي من سوريا إلى ليبيا على القصور الذي يُصيب السياسة الأوروبية منذ سنوات مضت، وليست وليدة اللحظة.

طورت أوروبا سياساتها المختلفة… وتجاهلت أزمات المنطقة

أوضح التقرير أن تشخيص الأزمات التي تمر بها المنطقة خاطئ، فهو يُقلل بشكل أساسي من مكانتها مقارنة بأزمتي الإرهاب واللاجئين، وبصياغة أخرى، طور الاتحاد الأوروبي من سياسة مكافحة الإرهاب ومكافحة اللاجئين، ولكنه على الرغم من هذا، لم يُطور من سياسة ليبيا أو سوريا لتحقيق الأهداف المستدامة وطويلة الأجل في هذه الدول.

في الحالتين، فبدلًا من أن تتولى أوروبا القيادة في هذا الشأن، احتلت المقعد الخلفي، مُفسحة المجال للقوى الأخرى لتفرض سيطرتها واستراتيجياتها، مما يؤيد فشل أوروبا في دفع رؤية سياسية قابلة للتطبيق من تلقاء نفسها للتعامل مع هذه الصراعات.

وهو ما أدى إلى تبخر مفاهيم الشرعية السياسية والحكم الرشيد وغيرها، من أمثلة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فأوروبا تسعى بلا هدف لتحقيق الاستقرار، وهو ما يٌترجم تغاضيها عن الممارسات الاستبدادية عن الأحداث الدائرة في الجوار.

 والسيناريو الأكثر مأساوية يتمثل في ثقة الأوروبيين في أن الأولوية في معالجة صفقات اللاجئين المشكوك فيها أخلاقيا، وكذلك رفض أموالهم لمنع الانتقال إلى أوروبا، بدلًا من وضع سياسة متماسكة طويلة الأجل لدول الجوار، التي يجب أن تُمثل أولوية في الوقت الحالي.

يقظة موسكو المؤخرة في الشرق الأوسط

وأشار التقرير إلى أنه مما يجعل أوروبا مجرد عضو متفرج في الملعب السياسي للجوار، في المُقابل نجد موسكو الإثنين الماضي والقمة التي عُقدت هناك والتي حاولت من خلالها روسيا وتركيا لعب دور أكثر عمقًا، من خلال سعيها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما أوضح العجز الأوروبي المتزايد فيما يتعلق بأزمات الشرق الأوسط.

كان النشاط الدبلوماسي الأوروبي بقيادة ألمانيا، رد فعل على المبادرات التركية الروسية، وذلك على الرغم من الانقسامات الفرنسية الإيطالية حول دعم المشير خليفة حفتر، ومع هذا، فإن أوروبا لا تحتمل أن تظل هكذا على طول الخط، في المنطقة السياسية الرمادية المحايدة من المشهد الليبي.

وبالتالي، فإن كل ما يحدث على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط سيساهم بشكل مباشر في تشكيل السياسة التي تتحكم في الشواطئ الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن التغاضي عن الترابط العميق ما بين الشرق الأوسط وأوروبا، ففي حالة ما لم يكن لأوروبا أي فعل في أحداث هذه المنطقة، فإنها ستُشكل بلا شك المشهد العام والسياسة في أوروبا. وبالنظر إلى أن اللاجئين الذين نتجوا عن انهيار الأنظمة السياسية المحلية في الشرق الأوسط، ساهموا بشكل مُباشر في تصاعد التطرف السياسي في أوروبا.

الأزمة الليبية في المشهد الأوروبي

وذكر التقرير أن الأزمة الليبية تقدم هنا مثالا حيا عن الخطأ في السياسات الأوروبية تجاه المنطقة، وبالتالي سيكون مؤتمر برلين بمثابة اختبار جوهري سيكشف ما إذا كان الغرب بشكل عام وأوروبا بوجه خاص، على استعداد للقيام بمهمة ترويض المنطقة.

ولا يمكن لأوروبا أن تتجاهل تركيا وروسيا، كفواعل أساسيين في الأزمة الليبية، حينما ننظر على استراتيجية تركيا الاستباقية في ليبيا فإننا نُلاحظ أنها تتمثل في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والمالية والمنافسة مع غيرها من اللاعبين الإقليميين مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، والدافع لخروج تركيا من عزلتها التي تعانيها في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي المقابل فإن المصالح المالية ومصالح الطاقة، وكذلك السعي لتحقيق دور إقليمي ودولي موسع، إلى جانب الوجود المتزايد في شرق البحر المتوسط التي تُشكل عناصر أساسية لاستراتيجية روسيا في المنطقة.

وبالتالي فإن طبيعة التدخل العسكري الروسي في سوريا لها شكلان، هما التدخل العسكري الغربي في ليبيا عام 2011، والمستنقع الذي نتح عن الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتعتقد روسيا أنها خُدعت، جراء اتهامها بإساءة استخدام قرار مجلس الأمن الدولي لعام 1973م للإطاحة بالنظام. وهو ما يجعل روسيا مُصممة على عدم تكرار هذا السيناريو لتغيير النظام في سوريا، وفي المُقابل لا ينبغي أن تكون ليبيا هي ثمن انتقام روسيا من الغرب.

دور موسكو وأنقرة في شرق المتوسط

عند المُقارنة بوضع موسكو وأنقرة في سوريا، فإنها تحظى بنفوذ محدود نسبيًا في ليبيا، وهو ما كان واضحا بشكل جلي عندما رفض حفتر التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار. وبدلًا من هذا، فإن المسرح الليبي به العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين، وهؤلاء الفاعلين لديهم القدرة على تقويض جهود الآخرين، وبالتالي لكي تُحقق أي مبادرة جديدة استدامتها، يجب أن تجمع كل الجهات الرئيسية الفاعلة، بما في ذلك الدول التي تأثرت بشدة التطورات في ليبيا، وهو ما جعل دعوة الجزائر لحضور مؤتمر برلين خطوة إيجابية، في حين اعتبرت دعوة تونس نقطة قصور باعتبارها دولة مجاورة تأثرت بالآثار الخارجية السلبية الناجمة عن الوضع الليبي المُعقد.

ومن هنا، لا ينبغي أن تهدف موسكو وبرلين فقط إلى تجميد الصراع بشكله الحالي، ولكن يجب ألا يُمهد تجميد هذا الصراع الطريق لإضفاء الشرعية على الوضع الراهن، والذي يُعد الخطوة الأولى الضرورية لتيسير العملية السياسية. وبدلًا من هذا، فإن الهدف الأساسي كجزء من العملية السياسية يجب أن يكون سحب القوات إلى الحدود التي كانت قبل إبريل الماضي، أي قبل أن يشن حفتر حملته “الدموية” للاستيلاء على طرابلس من الحكومة المعترف بها في الأمم المتحدة.

وبالتالي على المشاركين في برلين اليوم التعهد بسحب المرتزقة من ليبيا، وعلى أوروبا بشكل خاص أن تقوم بأفضل جهودها لتُحقق التوازن ما بين مصالحها وأهدافها في ليبيا.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى