السد الإثيوبي

مفاوضات سد النهضة تصل إلى محطتها الأخيرة

يصل قطار المفاوضات الثلاثية بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا حول السد الإثيوبي وجهته الأخيرة في أديس أبابا يومي الخميس والجمعة المقبلين قبل التوجه إلى واشنطن لتقييم التقدم المحرز في المفاوضات، وفقاً للجدول الزمني الذي اتفق عليه وزراء خارجية الدول الثلاث بحضور رئيس البنك الدولي ووزير الخزانة الأمريكي مطلع نوفمبر الماضي، وقد استجابت الإدارة الأمريكية لطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي بتدخل طرف دولي بعد التيقن من عدم جدوى المفاوضات الثلاثية وصعوبة الاتفاق بين الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد في ظل تمسك إثيوبيا بموقفها الأحادي تجاه إدارة وتنظيم الاستفادة من مياه نهر النيل؛ وتم الاتفاق على عقد أربعة اجتماعات فنية تجمع وزراء الموارد المائية للدول الثلاث وحضور ممثلي البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية كمراقبين للاجتماعات، بحيث يتم عقد اجتماعين فنيين يعقبهما اجتماع تقييمي في واشنطن، ثم عقد اجتماعين آخرين قبل أن يجتمع جميع الأطراف في واشنطن لمرة أخيرة تُعرض فيها النتائج النهائية للاجتماعات الفنية من أجل الوصول إلى اتفاق يخدم مصالح الدول الثلاث ويراعي حقوقها في الانتفاع بمياه النيل.

الاجتماع الأول .. أديس أبابا/ نوفمبر 2019

C:\Users\DELL\Desktop\20ipj-2-171.jpg

عُقد الاجتماع الأول من الاجتماعات الفنية الأربعة يومي الخامس عشر والسادس عشر من نوفمبر الماضي في أديس أبابا، حيث تم استعراض العروض التوضيحية التي تشتمل على رؤية كل دولة فيما يخص قواعد الملء والتشغيل المقترحة، وكشف وزير الري السوداني ياسر عباس عقب الاجتماع  عن وصول الدول الثلاث إلى توافق حول المدة الزمنية لملء خزان سد النهضة الاثيوبي في فترة زمنية تصل إلى 7 سنوات وفق “هيدرولوجية” نهر النيل الأزرق، موضحًا أن المفاوضات اشتملت على إشكالية التشغيل الدائم لسد النهضة وتأثيراته على منظومة السدود في السودان ومصر.

وتضمن الاجتماع الفني الأول تحديد العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة وضمان وجود حد أدنى من المياه المتدفقة من إثيوبيا إلى دولتي المصب، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد، وحالة إعادة الملء بالإضافة إلى الآلية التنسيقية بين الدول الثلاث، وقد أكد وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي على التزام مصر بالوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن يحافظ على مصالح مصر والسودان، ويضمن عدم إلحاق أي ضرر بهما، ولا يتعارض مع أهداف إثيوبيا التنموية.

واتفق الأطراف الثلاثة على استئناف المفاوضات في الاجتماع الفني الثاني في القاهرة من أجل تقريب وجهات النظر حول نقاط الخلاف فيما يخص قواعد الملء والتشغيل.

الاجتماع الثاني .. القاهرة/ ديسمبر 2019

عُقد الاجتماع الفني الثاني في القاهرة يومي الثاني والثالث من ديسمبر المنصرم، وقد تم التوصل في هذا الاجتماع إلى نقاط الخلاف الأساسية التي تمثلت في الملء وقواعد تشغيل سد النهضة، وكميات المياه المتدفقة في النيل الأزرق خلال سنوات الملء وأثناء فترات الجفاف، وكذلك التوافق بين سد النهضة والسد العالي أثناء عملية التشغيل، وقد خرج الاجتماع بتقارب في وجهات النظر بشأن ملء سد النهضة خلال السنوات المطيرة، ولكن ظل الخلاف قائماً حول النقاط سالفة الذكر لتستمر المناقشات بين الدول الثلاث في الاجتماعات التالية.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن المقترح المصري تضمن ألا تقل كمية المياه المتدفقة من إثيوبيا في النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب سنوياً وألا ينخفض منسوب المياه أمام السد العالي عن 165 متراً، ولكن ذلك المقترح أثار حفيظة الإثيوبيين ليخرج المدير التنفيذي للمكتب الإثيوبي الفني الإقليمي لشرق النيل “فكأحمد نجاشبأن “ بتصريح أن مصر تتصرف وكأنها تمتلك السد، وأن هذا المقترح سيحرم إثيوبيا من ملء السد للأبد، وعلى الجانب الآخر تمثل المقترح الإثيوبي في البداية في الإفراج عن 31 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، ثم ارتفعت الكمية بعد ذلك لتصل إلى 35 مليار متر مكعب سنوياً.

اختُتم الاجتماع بالاتفاق على استكمال المشاورات في الاجتماعات التالية، على أن يجتمع الوزراء في واشنطن في التاسع من ديسمبر الماضي لتقييم نتائج الاجتماعين الأول والثاني وما تم إحرازه من تقدم في المفاوضات بين الدول الثلاث.

الاجتماع التقييمي الأول .. واشنطن/ ديسمبر 2019

C:\Users\DELL\Desktop\040ecde6-4688-427f-a33b-6024fc9e8763_16x9_1200x676.jpg

عُقد الاجتماع التقييمي الأول بحضور وزراء خارجية الدول الثلاث في واشنطن في التاسع من ديسمبر الماضي، وقد انتهى الاجتماع بالإعلان عن تقدير وزراء خارجية الدول الثلاث دور الولايات المتحدة والبنك الدولي في مراقبة التقدم المحرز في الاجتماعات الفنية بين وزراء الموارد المائية في أديس أبابا والقاهرة، كما اتفق الوزراء على أن يكون الاتجاه الاستراتيجي للاجتماعين الفنيين المقرر عقدهما في الخرطوم وأديس أبابا هو تطوير قواعد وإرشادات فنية لملء وتشغيل السد الإثيوبي، وتحديد ظروف الجفاف، وتدابير تخفيف آثار الجفاف على دولتي المصب.

الاجتماع الفني الثالث .. الخرطوم/ ديسمبر 2019

عُقد الاجتماع الفني الثالث بين وزراء الموارد المائية للدول الثلاث في الخرطوم يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من ديسمبر الماضي، وقد تبادلت الدول الثلاث أثناء الاجتماع معلومات مهمة وقدمت مقترحاتها الخاصة بفترة الملء الأول لخزان السد وآلية التشغيل السنوي، وأشار الوزير السوداني ياسر عباس إلى أن هناك تقدماً ملحوظاً في تقارب وجهات النظر بين الدول الثلاث فيما يخص القضايا العالقة، حيث قدم الجانب السوداني مقترحاً يحدد مدة ملء الخزان ويعرف “الجفاف” و”الجفاف الممتد” من أجل إنهاء الخلاف حول كمية المياه التي يجب على إثيوبيا الإفراج عنها أثناء فترات الجفاف.

وقد أبدى الوفد المصري مرونة في المفاوضات، واستمع للمخاوف التي أبدتها إثيوبيا، وعبر عن استعداده لإعادة النظر في بعض مواقفه تجاه نقاط الخلاف، الأمر الذي يمكن أن يكون سبباً في خروج وزير الموارد المائية الإثيوبي بتصريح مفاده أن مصر قد تخلت عن شرطها المتعلق بكمية المياه المتدفقة من إثيوبيا سنوياً والمقدرة بأربعين مليار متر مكعب، وهو ما نفته وزارة الري والموارد المائية المصرية في بيان رسمي أكدت فيه تمسك مصر بمطالبها فيما يتعلق بسنوات ملء وتشغيل السد.

وانتهى الاجتماع بإعلان تقارب وجهات النظر حول العديد من النقاط الخاصة بقواعد الملء والتشغيل، كما شهدت الجلسات تقديم مقترحات للملء الأول والتشغيل السنوي من الدول الثلاث، على أن تستكمل المناقشات في الاجتماع الفني الرابع والأخير في أديس أبابا.

اجتماع أديس أبابا .. المحطة الأخيرة /يناير 2020

من المقرر أن يجتمع وزراء الموارد المائية للدول الثلاث في أديس أبابا يومي التاسع والعاشر من يناير الجاري من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي حول نقاط الخلاف قبل الاجتماع التقييمي الثاني في واشنطن والمقرر له يوم الثالث عشر من يناير الجاري، ومن المُنتظر أن يخرج هذا الاجتماع باتفاق شامل يخدم مصالح الدول الثلاث وفق اتفاق إعلان المبادئ الموقع بينهم في مارس 2015، وهو ما تعهدت به وفود الدول الثلاث في الاجتماع الأول في واشنطن مطلع نوفمبر الماضي.

إن عدم الإعلان عن التقدم المحرز في المفاوضات أو تعارض التصريحات بين الجانبين المصري والإثيوبي لا يعني بالضرورة وصول المفاوضات إلى طريق مسدود لأن غموض مثل هذه الاجتماعات طبيعي كما يرى الدكتور “أيمن شبانة” مدير مركز الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، وقد يكون تفسيره السياسي بأن التكتم على تفاصيل الاجتماعات وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والمتبقي منها القليل حتى منتصف يناير الجاري لعدم التشويش على سير المفاوضات نفسها، وقد أكد “شبانة” من قبل على أن هذه الاجتماعات لن تحقق اتفاقا بين الأطراف الثلاثة إلا في ختامها، وأن أديس أبابا تريد أن تحقق أقصى استفادة لها قبل الوصول لاتفاق سواء على المستوى الفني أو السياسي، وبالتالي يمكن التنبؤ بالوصول إلى حلٍ يرضي جميع الأطراف بمساعدة البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية في ختام المفاوضات.

أما في حالة عدم التوصل إلى اتفاق فإن تفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ 2015 هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، وبالتالي يتم تفعيل الوساطة الأمريكية للفصل بين الأطراف المتنازعة كما هو متفق عليه في الاجتماع الأول بواشنطن.يتضح مما سبق أن هناك تقاربُ في وجهات النظر حول نقاط الخلاف حسب تصريحات وزارة الخزانة الأمريكية ووزير الموارد المائية السوداني ياسر عباس، ولكن هناك تعارض في تصريحات الوزيرين المصري والإثيوبي بشأن التخلي عن أحد الشروط الهامة في طريق الوصول إلى اتفاق يخدم مصالح جميع الأطراف، الأمر الذي يحجب الرؤية عن مدى التقارب بين وجهات نظر الدول الثلاث، فهل ينتهي الخلاف دون الحاجة إلى تفعيل الوساطة الأمريكية أم أن لأديس أبابا رأي آخر؟ 

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى