
مشهد متكرر…هجمات “حركة الشباب” في الصومال
في تفجير ليس الأول من نوعه في أرجاء ومحيط العاصمة الصومالية ” مقديشيو”، وقع تفجيرًا في الطريق الرابط بين مدينة أفجوي ومقديشيو، السبت 28 ديسمبر 2019، راح ضحيته نحو 150 قتيلًا من بينهم من بينهم 17 ضابط شرطة صومالي و 73 مدنيا. ويأتي هذا التفجير ضمن سلسلة تفجيرات تبنتها ” حركة شباب المجاهدين” في الأشهر القليلة الماضية، كان آخرها التفجير الواقع قبله بإسبوع في 22 من الشهر ذاته، أعلنت الحركة مسؤوليتها عنه، استهدفت خلاله ” فندق جلوبال” بمدينة “جالكعيو” عاصمة إقليم ” مدج” الذي تسيطر على أجراء منه، دون السيطرة على عاصمته، راح ضحية هذا الحادث نحو ستة أشخاص ومقتل عشرة آخرين.
هجمات متكررة
ومنذ انتخاب الرئيس الصومالي الحالي ” محمد عبدلله فرماجو” والحركة كثفت عملياتها الانتحارية والتفجيرية. فمع مطلع عام 2017 والأشهر القليلة السابقة له من عام 2016 والحركة تشن هجمات استمرت طيلة حكم فرماجو في تصعيد مستواها.
ففي أعقاب انتخاب الرئيس الصومالي في يناير 2017، اتجهت الحركة نحو تنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات في أنحاء مختلفة من العاصمة مقديشيو، من بينها تفجير في شهر فبراير من العام ذاته، راح ضحيته 19 شخصًا وأصيب نحو 50، وفي أكتوبر من نفس العام، نفذت الحركة تفجيرًا كان أكثر الهجمات دموية منذ عام 2007، راح ضحية هذا التفجير نحو 230 قتيلًا. وذلك في الوقت الذي تمكنت قوات تابعة للاتحاد الإفريقي من إبعاد الحركة عن مدن جنوبية عدة من بينها كيسمايو التي سيطرت عليها في فترات سابقة.
ومع فقدان الحركة لكثير من معاقلها، منذ أن طردت من مقديشيو عام 2011، لا تزال الحركة تسيطر على أجزاء كبيرة من الصومال ومناطق ريفية تشن منها هجمات منتظمة وتفجيرات في العاصمة مقديشو وبلدات أخرى ضد أهداف عسكرية ومدنية بالإضافة إلى القوات الإفريقية، فضلًا عن تنفيذها هجمات خارجية من بينها كينيا المجاورة.
وفي نوفمبر عام 2018، قامت سيارتان مفخختان باستهداف القصر الرئاسي وفندقًا في مقديشو، أسفرت عن مصرع ما لا يقل عن 38 قتيلا، حسب إعلان أجهزة الإغاثة الصومالية.
وفي مطلع 2019، قامت الحركة بهجومًا على مجمع يضم فندقا ومكاتب إدارية في العاصمة الكينية نيروبي، وهو التفجير الذي تربطه الحركة للمرة الأولى بالقضية الفلسطينية؛ إذ أعلنت عقبه مسؤوليته عنه، مبررة ذلك بقرار الرئيس الأمريكي” دونالد ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
كما قامت بقتل النائب عثمان علمي بوقوري بإطلاق النار عليه قرب منزله في حي سانكا الشمالي في العاصمة، في شهر فبراير، علاوة على هجومًا انتحاريًا أودى بحياة 19 فردًا وخلف 112 جريحًا بفندق في العاصمة مقديشيو، في أول مارس. وتزامن ذلك مع الغارات التي نفذتها القيادة العسكرية الأمريكية ” الأفريكوم” بالتعاون مع الحكومة الصومالية للضغط عليهم من أجل تفكيك الحركة.
ففي شهر مايو 2019 وقع تفجيرًا في مدينة بصاصو، المركز التجاري لولاية بونتلاند شمال شرق الصومال، تسبب في إصابة 8 أشخاص، بينهم قاضٍ وقائد قوات المحكمة، إلى جانب بائعين متجولين أمام مقر محكمة الدرجة الأولى. وهو التفجير الذي تبناه فرع داعش في الصومال، وهو التفجير الذي رجحت بعض الصحف بتورط قطر فيه، ضمن سلسلة التفجيرات التي تدعمها قطر.
وفي يوليو الماضي، قتلا مرشحين في انتخابات رئاسية لإدارة إقليم جوبالاند التي كانت مقررة في أغسطس الماضي، في تفجير بمحيط فندق كيسمايو الذي كان محاصرًا أودى هذا التفجير بحياة 26 شخصًا وأصيب 55 آخرين.
وفي سبتمبر الماضي، وقع تفجيرًا استهدف الموقع العسكري للوحدات الأمريكية في بلدة بلدوكلي الواقعة شمال غربي العاصمة مقديشو جنوب البلاد، من دون الإفادة عن وقوع إصابات، فيما أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية التي استهدفت القاعدة.
وفي سياق متصل، قامت الحركة في نوفمبر الماضي بتفجير سيارتين مفخختين أعقبه هجوم انتحاري على قرب فندق في وسط العاصمة الصومالية، يقيم به سياسيون صوماليون، أسفر عن مقتل أربعين شخصا وأصيب العشرات بجروح، وهو نفس الفندق الذي تعرض لهجوم عام 2015.
وإجمالًا شهد الصومال منذ عام 2015 هجمات عديدة، كان نصيب العاصمة “مقديشو” هو الأكبر من هذه الهجمات.
دوافع متعددة
اتجهت الحركة في الفترة الأخيرة إلى تركيز عملياتها صوب العاصمة ووسط الصومال، في محاولة منها لتركيز الضغط على الحكومة الحالية وعرقلة جهودها في استعادة الأمن والاستقرار، ومن ثم الانطلاق نحو بناء الدولة وتثبيت أركانها من جانب، ومحاولة إظهار عدم قدرتها على بسط نفوذها واستعادة الأمن الدخلي من جانب آخر. وذلك بهدف انتقاص شرعيتها على المستوى الداخلي، وهي على أعتاب استحقاقات رئاسية مقبلة، فضلًا عن سحب الثقة التي تحظى بها إقليميا ودوليًا والدعم الذي تتلقاه من أجل مكافحة الإرهاب، ما يظهر فشل كافة الجهود المبذولة في هذا الصدد وعدم جدوى استمرارية الدعم. وهو الأمر الذي تجلى في اتجاه الاتحاد الأوروبي نحو تخفيض مساهمته في هذا الصدد؛ إذ أعلن الاتحاد الأوروبي، أن هناك أرجاء آخرى في القارة الإفريقية بحاجة إلى هذا الجهد، من أجل بناء السلام، وأنه لا منطق من الاستمرار في دعم سلام لا يلوح في الأفق في الحالة الصومالية، وذلك ضمن خطط انسحاب شركاء الصومال، والإقرار بأنها باتت قادرة بمفردها على مواجهة التحديات.
إضافة إلى أن قوة الاتحاد الإفريقي قررت الخروج من الصومال في 2021، في حين أن كل المؤشرات تقول بأن حكومة الصومال لا تملك استراتيجية فعالة لمحاربة الإرهاب، فضلًا عن العجز عن كشف الهجمات قبل وقوعها، وحماية المسؤولين والسياسيين من قبل الحركة.
علاوة على ذلك، ساهم انسحاب الجيش الصومالي بالفعل من بعض المواقع والقواعد العسكرية، احتجاجا على عدم صرف رواتبه،. افساح المجال لحركة الشباب لملئ الفراغ، وانعكس هذا الوضع الأمني الهش بالفعل في تكثيف هجمات الشباب المجاهدين نحو العاصمة.
ويأتي هذا في سياق تصاعد حدة الخلافات بين المعارضة والحكومة الصومالية حول إدارة البلاد، إذ تتهم المعارضة الحكومة الفيدرالية بالتدخل في شؤون الولايات، على نحو عرقلة انتخابات ولايتي جوبالاند وغلدمج، ومحاولة إيصال مرشح حكومة فرماجو، في محاولة لإعادة المركزية والتخلي عن الدستور الفيدرالي. وتبدى ذلك الموقف في قرار حكومة الصومال بحذر السفر والمسؤولين إلى كيسمايو لحضور حفل تنصيب رئيس الولاية أحمد مدوبي، والعمل على إيصال رئيس موالٍ لها إلى ولاية غلمدغ، ما حدا بإعلان ولايتي جوبالاند وبونتلاند مقاطعتهما لها.
ويزيد هذا الوضع من مخاوف المعارضة من إحتمالية إلغاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 2020، 2021، مع بروز أصوات بمجلس الشعب تبرر إمكانية تمديد فترة الرئيس شتة أشهر حال تعثر إجراء الانتخابات.
ولا شك، أن الديناميات السياسية والأمنية في الفترة الراهنة مدفوعة بالتركيز على الانتخابات المقبلة في 2020، وإجازة البرلمان للتعديلات الحاسمة لقانون الانتخابات والأحزاب السياسية في ديسمبر الماضي، إذ أن الحركة تحاول من تركيز هجماتها في الفترة الراهنة على العاصمة، إسقاط حكومة فرماجو، ومن ثم مشروعه، مع إدراكها بأن نجاحه في استمرار الحصول على الدعم الإقليمي والدولي، سيفرض تداعيات سلبية عليها، وبالتالي تحاول الحركة وضع عقبات تحول دون نجاح فرماجو في الفترة المقبلة، بل وقطع الطريق عليه لاستكمال مدته الحالية، من خلال إرباكه واستنزاف جهوده في مواجهتها.
دلالات وسياقات
تزايد نشاط الحركة الداخلي مقابل النشاط الخارجي، يستهدف دعم نفوذها على الساحة الداخلية، وإثبات أنها قادرة على توجيه ضربات استباقية للحكومة المركزية، دون القدرة على إجهاضها، وذلك في ظل الضغوط التي تمارس عليها، والضربات التي تتعرض لها من قبل القوات الإيفرقية.
ويأتي ذلك أيضًا في سياق دعم نفوذها الداخلي، قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة والمقرر عقدهما في 2020 و2021. وذلك من خلال استهداف الحكومة المركزية في العاصمة، والانتشار في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة، ومحاولة ملئ الفراغ في المناطق التي انسحب منها الجيش الصومالي.
كما تتجه الحركة أيضًا إلى تكثيف نشاطها الداخلي على حساب النشاط الخارجي، الذي كانت تستهدف من خلاله الدول المشاركة في الحرب ضدها، على غرار كينيا، وذلك في محاولة لإثبات أنها التنظيم الأكثر نفوذًا في الصومال، وقطع الطريق أمام تنامي وانتشار داعش، الذي ربما يتخذ من الصومال مجالًا وساحة لإعادة تموضعه، في إطار خطته لإعادة الانتشار في إفريقيا بشكل عام، بعد أن خسر معاقله في كل من سوريا والعراق. وفي ظل ضعف داعش وتراجع قدرته التمويلية، تحاول الحركة إثبات أنها قائد الجهاد في القرن الإفريقي والسعي لإنشاء ما يعرف ب “ولاية القرن الإفريقي”، وكسب ثقة داعش لأن ينضم هو إليها، بدلًا من أن تنشق قيادتها وتعلن ولائها له، وذلك بعد أن تيقنت الحركة أنه لا يزال التنظيم الأقدر على دعمها مقارنة بالقاعدة الذي تراجعت شعبيته وقدرته.
كما تستهدف الحركة أيضًا خلخلة الثقة بين الحكومة المركزية وشركائها الإقليميين والدوليين، الذين دعموا جهودها في مكافحة الإرهاب، والاتجاه نحو بناء مؤسسات الدولة الصومالية، ويسبق ذلك الانتخابات المقبلة، التي تثار تخوفات بشأن تأجيلها، وتمديد فترة الرئاسة الحالية نحو عامين بحسب ما يقره الدستور، وما لوّح إليه نواب البرلمان في وقت سابق، حال حدوث حائل يحول دون إجرائها. وإذا كان هدف الحركة الانتقاص من شرعية الحكومة الحالية، وإضعاف ثقة الشركاء بها، فإنه في المقابل قد تكون هناك نتيجة عكسية، إذ أن عدم الاستقرار الأمني، قد يدفع نحو المزيد من الدعم للحكومة الحالية، كما أنه يدفع نحو تعزيز سيناريو إرجاء الانتخابات حتى تستقر الأوضاع الأمنية. وذلك على الرغم من أن إحباط مشروع فرماجو هو الهدف الأول للحركة، فضلًا عن تقويض النفوذ التركي ومحاولتها لتأسيس جيش نظامي في البلاد. إلا أن بعض التحليلات ترى أن تصعيد الحركة لنشاطها يأتي في سياق تزايد الضربات الموجهة إليها، أو الانشقاقات في صفوف بعض قادتها وكوادرها خلال الفترة الأخيرة، ما يعني أنها في حالة ضعف يعتريها.
وبالرجوع إلى توقيت التفجيرات، فإن الحركة كثفت نشاطها في شهر أكتوبر من عام 2017، وهي الفترة التي بدأت فيها خطة مجلس السلم والأمن الإفريقي للانسحاب من الصومال تدريجيًا ونقل الصلاحيات للجيش الصومال بحلول ديسمبر 2020، وبالتالي يبقى عام واحد على الخطة، التي تحاول الحركة إثبات فشلها، والضغط على القوات الإفريقية للانسحاب، من خلال تغيير طريقة عملياتها النوعية والأهداف الحيوية التي توجه إليها الضربات. وهو ما يدفع بالمنطق الموازي القوات الإفريقية إلى ضرورة إعادة النظر في الخطة الموضوعة سلفًا، والتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل الدفع بالبلاد قدمًا نحو الاستقرار، وضرورة عقد الانتخابات في موعدها، وهو ما تجلى بالفعل في ضغط المجتمع الدولي على الصومال من أجل تمرير قانون الانتخابات، وصدر بالفعل الإسبوع الماضي عن مجلس الشعب الصومالي القانون المعدل، الذي صدر سلفًا في شهر مايو الماضي دون توافق حوله. ويبقى تهيئة الأجواء والإجراءات اللوجستية ضرورة حتمية في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة في الصومال.
بمعنى آخر، فإنه بالمنطق المعاكس، فإن أهداف حركة الشباب لعرقلة جهود الحكومة وإسقاطها من ناحية، والضغط على القوات الإفريقية والدول المشاركة من جهة أخرى، ربما يؤدى في النهاية إلى مزيد من الدعم إلى الحكومة، وإعادة النظر في خطة الانسحاب الإفريقية، وبالتالي تبقى هذه الهجمات انعكاس لحالة من الضعف يعتري الحركة. غير أنه في حال تنفيذ خطة الانسحاب من الصومال، مع الاتجاه نحو تخفيض عدد القوات بالفعل، قد يدفع نحو المزيد من الضعف لحكومة مركزية، تعاني من عوامل ضعف هيكلية كثيرة، ما يدفع نحو مزيد من الاضرابات، وتنامي نفوذ الحركات الإرهابية، حال توحدها، ما يؤدى في النهاية إلى أن نصبح إزاء حركات إرهابية، أصبحت رقمًا في المعادلة السياسية، وبات على النظام السياسي حينها الجلوس معها على مائدة التفاوض، على غرار ما يحدث بين طالبان وحكومة أفغانستان، وتتحول القوات الداعمة لجهود مكافحة الإرهاب لوسيط دولي للتفاوض بين طرفي معادلة سياسية، على غرار توسط الولايات المتحدة بين طالبان وحكومة أفغانستان، وهو السيناريو الكارثي، بأن تتحول الصومال لأفغانستان جديد.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



