
ثلاث شركات عالمية تفوز بأول مزايدة للتنقيب عن البترول والغاز بالبحر الأحمر – القصة الكاملة
في خطوة جديدة نحو تحقيق هدف الحكومة المصرية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة وجذب استثمارات أجنبية ذات عائد قوي على الاقتصاد المصري من خلال وضع مصر على خريطة الشركات الكبرى للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي، أعلنت وزارة البترول اليوم عن نتيجة أول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في البحر الأحمر، ، حيث فازت شركة “شیفرون” الأمريكية بالقطاع رقم (1) بالمزايدة، وفازت شركة “شل” الهولندية بالقطاع رقم (٣)، كما فاز تحالف شركتي “شل” و “مبادلة” الإماراتية بالقطاع رقم (٤)، لتؤكد من جديد على جدوى اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار سواء في البحر المتوسط أو البحر الأحمر.
خطوات منتظمة قبل الإعلان عن المزايدة
طرحت شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول أولى المزايدات العالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في المياه الاقتصادية في البحر الأحمر بعد أن كانت عملية التنقيب تقتصر على المياه الإقليمية التي تمتد إلى 12 ميل بحري فقط، بالإضافة إلى خليج السويس الذي يقع بالكامل داخل الأراضي المصرية، ويُعد الإعلان عن هذه المزايدة نتاجُ لعدة خطوات قانونية وعلمية اتخذتها مصر لاستغلال مواردها الطبيعية في البحر الأحمر.
تعد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية أولى الخطوات القانونية التي اتخذتها مصر في هذا الصدد، حيث تم توقيع الاتفاقية في إبريل 2016، ووافق عليها البرلمان المصري وصدق عليها الرئيس السيسي في يونيو 2017، ومكّنت اتفاقية ترسيم الحدود وزارة البترول المصرية من طرح هذه المزايدة وشجعت المستثمرين الأجانب على التقدم للظفر بحقوق التنقيب في هذه المنطقة البكر التي لم تُستهلك مواردها بعد.
أما الخطوة الثانية فتتمثل في توقيع عقدين بين شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول وشركتى “شلمبرجير” الأمريكية و”تى جى إس” الإنجليزية لتنفيذ مشروعين لتجميع بيانات جيوفيزيقية بالمياه الاقتصادية المصرية بالبحر الأحمر، باستثمارات تتخطى 750 مليون دولار لطرح مزايدات التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في البحر الأحمر، وقد أجرت السفينة الصينية “Dong Fang Kanten” التابعة لشلمبرجير أبحاثاً للكشف عن البترول والغاز الطبيعي على الحدود من سفاجا حتى برنيس، وانحصرت مهمة السفينة في استكشاف الطبقات السميكة التي تحتوى على البترول وتحديد مواقعها لتقديم تقرير كامل ببيانات المنطقة تمهيداً لبدء عمليات البحث السيزمي (لتحديد عمق الطبقات وأنواع الصخور).
وأخيراً، أعلنت وزارة البترول عن طرح المزايدة في نطاق امتياز شركة جنوب الوادي المصرية في مارس الماضي، واستمر تقديم المستثمرين لعروضهم حتى سبتمبر المنقضي، ثم قامت الوزارة بفحص عروض المتقدمين للمزايدة في مدة تخطت الشهرين، لتعلن اليوم عن فوز شركات “شيفرون” و”شل” و”مبادلة” بحقوق التنقيب في المياه الاقتصادية المصرية في البحر الأحمر في مساحة عشرة آلاف كيلومتر، ويصل حجم استثمارات الشركات الثلاث إلى 326 مليون دولار يمكن أن ترتفع إلى عدة مليارات في مراحل تنمية الحقول في حالة تحقيق اكتشافات.
استمرار الثقة وعقد شراكات جديدة
تنطوي نتيجة هذه المزايدة على عدد من الدلائل الإيجابية أهمها استمرار ثقة شركات البترول العالمية في السوق المصري وزيادة استثماراتها كما هو الحال مع شركة “شل” الهولندية و”مبادلة” الإماراتية، ودخول شركات ذات ثقل على المستوى الدولي إلى قطاع التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في مصر مثل شركة “شيفرون” الأمريكية، ليثبت قطاع البترول المصري قدرته على الاحتفاظ بالمستثمرين الحاليين وجذب مستثمرين جدد بما ينعكس على إيجاباً على وضع الاقتصاد المصري مستقبلاً.
وتعد شركة “شل” من أقدم الشركات العاملة في قطاع البترول المصري، حيث تعمل في مصر منذ 1911، ويمتد نطاق عملها ليشمل عمليات الاستكشاف والإنتاج في الصحراء الغربية والبحر والمتوسط، بالإضافة إلى تسويق وتوزيع منتجات البترول والغاز؛ وبذلك يعتبر فوزها بحق التنقيب في البحر الأحمر إضافة جديدة للشركة، الأمر الذي يدل على استمرار ثقة الشركة في استقرار ونمو قطاع البترول في السوق المصري، وقد أكد الرئيس التنفيذي للشركة “جيرالد شوتمان” على استمرار استراتيجية شركته في تحقيق المنفعة المتبادلة مع مصر والعمل على تعزيز مكانة مصر على خريطة الطاقة العالمية لتصبح مركزاً إقليمياً للطاقة؛ وتجدر الإشارة إلى أن استثمارات “شل” في مصر تتضمن الشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، وشركة شل للزيوت مصر.
أما شركة “مبادلة” المملوكة للحكومة الإماراتية، فقد بدأت في الاستثمار بقوة في قطاع البترول المصري عندما وقعت اتفاقاً لشراء 10% من حصة شركة “إيني” الإيطالية في منطقة امتياز “شروق” البحرية والتي يقع فيها حقل ظهر بالبحر المتوسط، وبلغت قيمة الصفقة 934 مليون دولار، بالإضافة إلى منحة توقيع بقيمة 94 مليون دولار، ثم قامت بشراء 20% من امتياز نور البحري من نفس الشركة، واخيراً، حازت الشركة بالتعاون مع “شل” بحقوق التنقيب في البحر الأحمر لتؤكد الثقة في مناخ الاستثمار في مصر وخاصةً في قطاع البترول.
وكشريك جديد لقطاع البترول في مصر، دخلت شركة “شيفرون” الأمريكية إلى السوق المصري باستحواذها على إحدى المناطق التي عرضتها وزارة البترول في المزايدة، وتعد الشركة الأمريكية من الشركات الست الكبرى في العالم في مجال البترول خلال الخمس سنوات الماضية، فهي تعمل في أكثر من 180 بلد حول العالم، وتشارك في مجالات استكشاف وإنتاج وتكرير وتسويق ونقل الغاز والبترول وصناعات الطاقة الحرارية والصناعات الكيماوية، ويعني دخول شركة بمثل هذا الحجم إلى السوق المصري ثقة الشركات العالمية الكبرى في مناخ الاستثمار المصري، وتأكيد على استقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مصر.
مكاسب مشتركة
لا تقتصر عائدات مشروعات التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي وإنتاجهما في مصر على المستثمرين فقط، وإنما تعود هذه المشروعات بالنفع أيضاُ على السوق المصري، حيث استطاعت مصر خلال الربع الأخير من العام الجاري أن ترفع انتاجها من البترول إلى 1.9 مليون برميل مكافئ للزيت يومياً، كما تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي منذ العام الماضي، الأمر الذي انعكس بالزيادة على أعداد الوحدات السكنية التي تم توصيل الغاز الطبيعي إليها حتى بلغت 1.2 مليون وحدة، وحققت صناعة البترول في مصر أعلى نسب مشاركة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 30%، وفى الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 50%، ويساهم ذلك بالضرورة في تخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بتقليل كميات البترول المستوردة، وتصدير الفائض من الغاز الطبيعي، وجذب استثمارات أجنبية تدعم الاقتصاد الوطني.
مما سبق، يتضح أن ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية كان أمراً ضرورياً من أجل تحقيق الاستفادة من الموارد الطبيعية في البحر الأحمر، حيث أدى اتفاق ترسيم الحدود إلى طرح مزايدة لاستكشاف البترول والغاز الطبيعي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني المصري دون عوائق قانونية أو تهديد للمستثمرين الأجانب، كما هو الحال عقب ترسيم الحدود البحرية مع كل من قبرص واليونان، حيث أفضى ذلك الاتفاق أيضاً إلى اكتشاف أكبر حقل غاز في العالم باحتياطيات بلغت نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهو ما جذب الشركات العالمية لهذه المنطقة للتنقيب واستكشاف البترول والغاز الطبيعي، خاصة في منطقة شمال مصر، سواء في الدلتا التي تم اكتشاف عدد من الحقول بها، أو في المنطقة الغربية بالإسكندرية ومطرح والبحيرة.
باحث ببرنامج السياسات العامة



