
“حزام أمني للمحيط الهندي”..عنوان المناورات العسكرية البحرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران
أطلقت كلاً من روسيا والصين وإيران مناورات بحرية مشتركة في المحيط الهندي وخليج عمان يوم الجمعة 27 ديسمبر 2019 وتستمر لمدة أربعة أيام. وتُعد تلك المناورات الأولي من نوعها التي تضم تلك الدول. في إشارة واضحة للحد من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. كما تعكس هذه الخطوة تعاونًا متزايدًا بين الخصمين الرئيسيين الدوليين للولايات المتحدة، فضلاً عن الجمهورية الإيرانية الإسلامية التي تخضع للعقوبات الأمريكية.
وتأتي هذه المناورات في سياق توتر تشهده مياه الخليج العربي، بعد أن أطلق تحالف بحري بقيادة الولايات المتحدة، وبريطانيا وألبانيا والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولاً أخري، عمليات في الخليج في نوفمبر الماضي لضمان الإمداد الآمن للنفط من المنطقة. هذا التحالف الذي استثني قوي أخري مهمة كروسيا والصين وإيران.
وتبلغ مساحة منطقة المناورات 17 ألف كيلومتر مربع في المحيط الهندي وخليج عُمان، وتتضمن المضائق الثلاثة المهمة وهي باب المندب ومالاغا ومضيق هرمز.
تكتيكات المناورات والتدريبات كما جاء علي لسان مساعد قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال غلام رضا طحاني تتنوع ما بين عمليات لإنقاذ السفن من القرصنة والإرهاب البحري وتحريرها والرمي علي اهداف محددة.
وتتمثل أهم أهدافها في:
- تعزيز أمن التجارة الدولية.
- مواجهة القرصنة والإرهاب البحري.
- تبادل الخبرات في مجال عمليات الإنقاذ البحري.
والهدف الأهم لهذه المناورات وفقاً للجانب الإيراني إنها رسالة تفيد بأن جمهورية إيران الإسلامية لا يمكن عزلها، إضافة لإظهار أن العلاقات بين إيران وروسيا والصين قد وصلت إلى مستوى جديد مرتفع قد يستمر في السنوات المقبلة.
الرسالة من هذه المناورات
في شهر يوليو 2019 كانت روسيا قد تقدمت بمقترح في الأمم المتحدة من أجل خلق منظومة أمنية مشتركة، وربما تكون هذه المناورات هي الرسالة الموجهة من قبل روسيا للولايات المتحدة الأمريكية نظراً لقيام الاخيرة بعمل سلسلة واسعة من التحالفات في المنطقة.
وهي رسالة تقول أنه من غير الواضح أن تأتي الولايات المتحدة بالأمن بدون إشراك روسيا والصين وإيران.
الرسالة أيضاً ربما تُمثل دعوة لأن يكون تأمين المنطقة من خلال جهود مشتركة تضم جميع الأطراف من أجل ضمان الملاحة البحرية والتجارة الدولية.
نقاط التحول
أصبح الخليج نقطة تحول بين واشنطن وطهران بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية وفرض عقوبات على طهران في مايو 2018. من جانبها أسقطت طهران طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار في يونيو واستولت على ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني لانتهاكها المياه الإقليمية في يوليو الماضي.
قيادات عسكرية إيرانية أكدت ان هدف المناورات يتمثل في تعزيز أمن الممرات المائية في المنطقة وهي مهمة مُلحة بالنظر إلي تصاعد الهجمات وما وُصفت بحرب الناقلات قبل أشهر. عندما ألقت الولايات المتحدة باللوم علي إيران وعززت وجودها العسكري في الخليج واقترحت مُهمة لتأمين الممرات المائية بقيادتها دون إشراك طهران، ورغم أن صدي الدعوة الأمريكية لم يكن كما تمني الساسة في واشنطن، فقد رأت طهران في ذلك أمراً غير مقبولاً باعتبارها دولة مُطلة علي الخليج ومضيق هُرمز الذي يعبر منه خُمس (1/5) النفط العالمي تقريباً. وبإشتراك روسيا والصين في هذه المناورات يُثبت عملياً أن إيران لا يمكن تجاهلها فيما يخص الأمن الملاحي في المنطقة.
مواقف القوي الثلاث من المناورات
رغم الأهداف التي أعلنتها طهران بشأن المناورات، إلا أن بعض المراقبين يرون، أن هذه المناورات تأتي رداً من الدول الثلاث على خطط الولايات المتحدة الأمريكية في القيام بمهمة بحرية لحماية السفن في مياه الخليج. أما فيما يتعلق بمواقف الدول الثلاث، فقد جاءت علي النحو التالي:
1- الموقف الإيراني
عارضت إيران مرارًا وتكرارًا وجود قوات أجنبية في الخليج وهددت بجعل شحنات النفط غير آمنة لجميع البلدان إذا تم حظر مبيعاتها من الخام بواسطة الولايات المتحدة أو دول المنطقة. واتهمت الولايات المتحدة إيران بمهاجمة ست سفن نفط على الأقل في المنطقة في مايو ويونيو، وهي اتهامات تنفيها طهران.
المسؤولون والخبراء الإيرانيون يقولون تعليقاً على المناورات وأهميتها انها تأتي لضمان أمن الملاحة في الممرات المائية الحيوية، معتبرين أنها مبادرة مهمة لتعزيز استقرار المنطقة خاصة في هذه الظروف التي تصاعدت فيها التوترات المختلفة من قبل االولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة.
وهو ما أكده وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، باستعداد ايران للتعاون مع جيرانها من أجل ضمان أمن الخليج الفارسي، معتبراً أن المناورات المشتركة مع روسيا والصين “تثبت التزام ايران تجاه أمن الممرات المائية المهمة”.
2- الموقف الروسي
تري روسيا أن المناورات البحرية المشتركة مع ايران والصين تعزز استقرار المنطقة. وأن “هذه المناورات المشتركة المقامة تحت عنوان “الحزام الأمني البحري” غير مسبوقة، إذ لم تجر الدول الثلاث مناورات مشتركة بهذا المستوى من قبل. وتُمثل “مؤشراً لمستوى التعاون بين الدول الثلاث، ومن شأن ذلك رفع مكانة ايران في المنطقة وهي الحليف القوي للروس.
الجانب الروسي يؤكد أن المناورات المشتركة ليست مُوجهة ضد أي دولة اخرى، موضحاً أن الهدف منها هو تطوير هيكلية التعاون الأمني وتعزيز الأمن في المحيط الهندي ومكافحة الارهابيين. وأن المناورات المشتركة بين الدول الثلاث تمهد للتعاون فيما بينها مستقبلا في هذا المجال ومن المحتمل بعد تقييم النتائج استمرار هذا التعاون ولربما تشارك دول اخرى ايضا منها الهند.
واستناداً بذلك جاءت تصريحات المتحدثة بإسم وزراة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اتصالاً بالسابق مؤكدة إن التدريبات المشتركة قانونية، وتركز على ضمان الاستقرار الإقليمي. مؤكدة أن بلادها تتتعامل مع قضايا الحفاظ على الاستقرار في المنطقة والأمن ومكافحة الإرهاب”. “وأن هذا التعاون والتفاعل مبنيان على أساس قانوني وأيضاً علي أساس ثنائي ومتعدد الأطراف.”
3- الموقف الصيني
اعتبر الجانب الصيني أن “عرض القدرة لضمان السلام الدولي يُعد من أهم اهداف المناورات المشتركة”. وإن الهدف من المناورة المشتركة يتمثل في تعميق التبادلات والتعاون بين القوات البحرية من الدول الثلاث، وعرض حُسن النية والقدرة من الجوانب الثلاثة لضمان السلام الدولي والأمن البحري بشكل مشترك، وبناء مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك. واعتبر الصينيون أن المناورة المشتركة “تعتبر ترتيبا عاديا للتبادل العسكري بين الدول الثلاث، ويتوافق مع القوانين والممارسات الدولية ذات الصلة، وليس له ارتباط مع الوضع الإقليمي الحالي”. ارتباطاً بذلك تري الصين أن”التدريبات البحرية هدفها تعزيز التبادل والتعاون بين أساطيل الدول الثلاث وإظهار الإرادة والقدرات القوية للأطراف الثلاثة للحفاظ على السلام والأمن البحري العالميين بشكل مشترك، مع بناء مجتمع بحري نشط ومستقبل مشترك.
موقف واشنطن “تضائل النفوذ الأمريكي”
لا شك أن إيران وبالإشراك مع روسيا والصين في تلك المناورات البحرية المُتاخمة للوجود الامريكي الضخم تبعث برسالة تأكيد لاستحالة تجاهلها في معادلة الأمن الملاحي في المنطقة ليس فقط من الناحية العسكرية ولكن أيضاً كما يؤكد الساسة في طهران دوماً باعتبار إيران مصدراً أساسياً للنفط العابر لمضيق هرمز، رغم العقوبات الأمريكية القاسية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علي النفط الإيراني بالتزامن مع انسحابه من الاتفاق النووي. وهي جميعها عوامل تضافرت لتصعيد التوتر في المنطقة التي تجري علي تخومها الأن المناورات الإيرانية الروسية الصينية.
ورداً علي المناورات المشتركية بين القوي الثلاث، حذرت الولايات المتحدة من أن إجراء أي مناورات بحرية مشتركة، أمر يهم جميع الدول التي لها مصلحة في حماية حرية الملاحة في المنطقة.
وهو ما أكده جوناثان إيال، المدير المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن التدريبات البحرية المشتركة قد صممتها الدول الثلاث لإرسال رسالة مفادها أن النفوذ الأمريكي في المنطقة يتضاءل. وأن هذه المناورات تُمثل تمرين محسوب بعناية يكون فيه جميع المشاركين الثلاثة فائزين: إيران تدعي أنها قوة إقليمية، وروسيا تُظهر دورها كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط ويمكن للصين أن تُظهر أنها قوة بحرية عالمية. وذلك في رسالة استراتيجية بأن البلدان الثلاثة هم من يشكلون الأحداث في الشرق الأوسط.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية




