الصحافة الدولية

العقوبات الأمريكية علي خطوط الغاز الروسية..التوقيت ومواقف الأطراف والدلالات

وقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجمعة الموافق 20 ديسمبر 2019، على الميزانية الدفاعية للعام 2020 أو كما تسمى بـ”قانون إقرار الدفاع الوطني (NDAA)”؛ لتدخل بذلك الميزانية حيز التنفيذ بشكل رسمي.

ومن خلال قراءة في الميزانية الدفاعية الأمريكية، يُلاحظ الزيادة الكبيرة في ميزانية وزارة الدفاع خلال حقبة الرئيس دونالد ترامب، لتصل ميزانية العامل المقبل لرقم قياسي، هو 738 مليار دولار.

والقانون ينص على تخصيص 635 مليار دولار من الميزانية، للنفقات الأساسية، و 71.5 مليار دولار لصندوق العمليات المحتملة في الخارج، و23.1 مليار دولار للإنفاق الدفاعي، و8.1 مليار دولار نفقات دفاعية أخرى.

وبموجب القانون سيتم تزويد الولايات المتحدة بـ100 طائرة من طراز “إف-35″، و150 مروحية عسكرية، و4 غواصات من طراز فرجينيا، وسفينة حربية، وزيادة أجور العسكريين بنسبة هي الأكبر خلال السنوات العشر الأخيرة ومنحهم الكثير من المزايا.

كما نص قانون إقرار الدفاع الوطني علي إنشاء قوة فضاء تعد أول فرع جديد في الجيش الأمريكي منذ ما يزيد على 60 عاما. وكانت هذه القوة  تتصدر أولويات ترامب العسكرية.

عقوبات ضد روسيا

فرض الرئيس الأمريكي، خلال التوقيع على ميزانية النفقات الدفاعية، عقوبات تستهدف الشركات المساهمة في بناء خط أنابيب روسي للغاز الطبيعي يصل إلى ألمانيا وأخر إلي تركيا.

إذ تضمن قانون الميزانية الدفاعية للعام 2020، تخصيص أموال “لمواجهة روسيا” في مختلف المجالات، بما في ذلك  فرض عقوبات على خطي أنابيب الغاز “السيل الشمالي-2″ و”السيل التركي”.

وفرض العقوبات ناتج عن مخاوف في الكونغرس بأن يمنح هذا المشروع الكرملين نفوذاً على الحلفاء الأوروبيين.

والسؤال هنا بعد موافقة مجلس الشيوخ الامريكي علي مسودة قانون يفرض العقوبات علي “السيل الشمالي- 2” و “السيل التركي” وهما مشروعان استراتيجيان لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلي أوروبا، “ما معني هذه العقوبات وتوقيتها  في الوقت الذي وصل فيه المشروعان إلي مراحلهما النهائية ؟. 

للإجابة علي هذا التساؤل سنحاول في السطور القادمة إيلاء مزيد من التوضيح لكلاً من هذين الخطين، ودلالات الموقف الأمريكي من إدارجهم تحت بند العقوبات ومواقف الأطراف الروسية والاوروبية والتركية إزاء تلك العقوبات. 

  • السيل الشمال-2

السيل الشمالي -2 ، هو مشروع يقوم على بناء خطي أنابيب بطول 1224 كم لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق دون المرور بأراضي دول ترانزيت، بطاقة تصل إلى 55 مليار متر مكعب في العام، هذا الخط الذي تبلغ كلفته 9.5 مليار يورو حصة شركة الغاز الروسية “غازبروم” فيه تبلغ 50% بينما تمتلك الـ50% الأخرى خمس شركات أوروبية لكل شركة 10%.

وتشارك حوالي 350 شركة في بناء الرابط البحري، أبرزها شركة   Allseas ، وشركة ” Group S.A. “إلى جانب شركة “غازبروم” العملاقة الروسية، وشركتا Uniper وWintershall الألمانيتان، وOMV النمساوية، وEngie الفرنسية وShell البريطانية الهولندية.

المشروع تدعمه ألمانيا وتستفيد منه النمسا وإيطاليا، لكن أكبر المعترضين عليه أمريكا التي تعتبر المشروع يقوض أمن واستقرار الطاقة في أوروبا، وكذلك تعترض عليه المفوضية الأوروبية التي طالبتها ألمانيا بعدم التدخل في هذا المشروع.

والحقيقة أن دعم المشروع أو الاعتراض عليه لا يتعلق بأمن الطاقة وحدها فهناك جانب جيوسياسي مهم، فروسيا تتربع على عرش احتياط الغاز العالمي وتسيطر على جميع خطوط أنابيب نقل الغاز العاملة في أوروبا، وقبل أن تبدأ روسيا بتطوير هذه الخطوط وتعزيز اعتماد أوروبا عليها في مجال الطاقة الزرقاء، بادر حلف شمال الأطلسي وأمريكا والاتحاد الأوروبي بمحاولة تقليم مخالب الدب الروسي عندما عقدوا اتفاقية نابكو في أنقرة بمنتصف يوليو من عام 2009 والاتفاقية كانت قائمة على مد خط أنابيب غاز ضخم ينقل غاز آسيا عبر الأراضي التركية باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، وقد وقعت الاتفاقية أذربيجان وأربع دول أوروبية تمر الأنابيب في أراضيها وهي بلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا، وقد حضرت ألمانيا الاتفاقية بصفتها مشاركاً في المشروع لكنها لم توقع لأن المشروع لا يمر في أراضيها، كما حضر رئيس المفوضية الأوروبية وممثل الرئيس الأمريكي لشؤون الطاقة في آسيا، وأكد الحضور بشكل واضح دعم حلف شمال الأطلسي السياسي والاستراتيجي للمشروع، وفي الحقيقة الفكرة بنيت أساساً على استراتيجية حلف شمال الأطلسي لمنع روسيا من احتكار وسائل إمداد الطاقة وتقليل اعتماد أوروبا الكبير على روسيا في هذا المجال، كما يدعم تحرير جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق من هيمنة روسيا عليها، إلا أن روسيا اعتبرت المشروع تهديداً حقيقياً لوجودها وحاربت في أكثر من محور لإيقافه.

ومن المقرر أن يشحن خط الأنابيب الجديد ما يقرب من 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا مباشرة، وهو ما يضاعف من سعة خط الإنتاج الحالي لشركة “السيل الشمالي -2″، وترى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الشرقية أن الخط الجديد يمثل تهديدا لطريق العبور الأوكراني الذي كان قائما منذ عقود، ما كان يمثل عائدا لأوكرانيا، وهو ما يعطي روسيا نظريا القدرة على تجاوز أوكرانيا كممر عبور.

حرب الأنابيب هذه هي صراع بين أمريكا وروسيا على الهيمنة، ومشروع السيل الشمالي -2 يواجه اعتراضاً أمريكياً لكن هذه المرة يحصل على دعم من دول أوروبية على رأسها ألمانيا، وقد شق الاتحاد الأوروبي إلى شقين داعم ومعارض، هناك اعتراضات من الدنمارك التي سنت قانوناً لمنع مروره بمياهها في بحر البلطيق لكن المشروع إذا تم ونجح فستكون روسيا قد عرقلت مشروع نابكو وأنجزت مشروعاً يقوي موقفها في العالم لسنين قادمة.

  • السيل التركي
C:\Users\DELL\Desktop\11111.jpg

هو مشروع من خطي أنابيب لضخ الغاز من روسيا إلى تركيا ودول جنوب شرق أوروبا عبر قاع البحر الأسود والأراضي التركية.

وتبلغ قدرة “السيل التركي” الإجمالية 31.5 مليار متر مكعب سنويا. وسيغذي خط الأنابيب الأول، الذي يصل طوله إلى 930 كيلومترا ويمر عبر قاع البحر الأسود، الي تركيا. بينما من المقرر أن يلبي الخط الثاني، الذي يعبر الأراضي التركية وصولا إلى حدودها من دول الجوار وطوله يزيد عن 930 كيلومترا، احتياجات دول شرق وجنوب أوروبا.

ويتوقع بدء تشغيل هذا الخط  “السيل التركي” بحلول 8 يناير 2020 .

طبيعة العقوبات الأمريكية

فرض العقوبات ناتج عن مخاوف في الكونجرس أن يمنح هذا المشروع الكرملين نفوذا على الحلفاء الأوروبيين.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد صرح خلال زيارته لبولندا في فبراير الماضي، بأن مشروع “السيل الشمالي – 2” سوف يساعد في توجيه التدفقات المالية إلى روسيا، وبالتالي “تقويض الأمن القومي الأوروبي”. 

وأوضحت الخزانة الأمريكية أن “مراعاة شروط إنهاء الأعمال المنصوص عليها (في قانون الميزانية الدفاعية) تتطلب من الجهات التي قامت ببيع أو تأجير أو توفير السفن المشاركة في مد خطوط الأنابيب على عمق أكثر من 100 قدم تحت سطح البحر في إطار بناء “السيل الشمالي-2″ و”السيل التركي”، ضمان توقف تلك السفن فورا عن الأعمال المتعلقة بالبناء”.

وحسب توضيحات الخزانة الأمريكية، فإنه يسمح بـ”استثناءات بحسن نية” إذا كان إنهاء العمل يستغرق بعض الوقت لضمان سلامة خط الأنابيب وطواقم السفن والأشخاص الآخرين، وكذلك لحماية البيئة من “الأضرار الجسيمة”.

ويتعين على وزيري الخارجية والخزانة أن يقدما مقترحاتهما للجان الكونغرس المعنية حول الجهات التي يجب أن تستهدفها العقوبات، وذلك في غضون 60 يوما بعد بدء نفاذ القانون.

وكانت شركة “Allseas” السويسرية الهولندية المشاركة في مد الأنابيب لمشروع “السيل الشمالي-2” قد أعلنت في بيان لها السبت 21 ديسمبر 2019 تعليق عملها في انتظار توضيحات من السلطات الأمريكية.

وحذر السناتور الأمريكي راند بول، من أن العقوبات الجديدة ستشمل “Allseas”، وشركة “Saipem” الإيطالية، إضافة إلى عدد من الأفراد والشركات في النمسا وألمانيا وهولندا وفرنسا وفنلندا والسويد.

الإدانات الدولية 

استنكار ( أوروبي – روسي – تركي )

  • تعليق روسيا علي العقوبات الامريكية علي خطي الغاز

اعتبرت موسكو توجه واشنطن لـفرض عقوبات على مشاريع نقل الغاز الروسي انتهاكا للقانون الدولي ومنافسة غير نزيهة، معربة عن ثقتها في أن هذه الخطوة لن تفضي إلى نتيجة.

وعلق المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف قائلا “إن هذه التصرفات تمثل انتهاكا مباشرا للقانون الدولي ومثالا صارخا على منافسة غير نزيهة وبسط هيمنة مصطنعة على الأسواق الأوروبية عبر إجبار المستهلكين الأوروبيين على شراء منتوج أغلى وغير قادر على المنافسة، هو غاز طبيعي أكثر غلاء”. وتابع أن هذا التوجه “لا يروق لموسكو ولا لعواصم أوروبية، ولا يروق لبرلين وباريس”.

وردا على سؤال عما إذا كان بإمكان العقوبات الأمريكية المحتملة وقف بناء خط الأنابيب التابعة لـ “السيل الشمالي-2″، قال بيسكوف إن موسكو تنطلق من أن “هذا المشروع سيكتمل”.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن “السيل الشمالي – 2 والسيل التركي لن يتوقفا” وفقا لبيان نشرته وزارة الخارجية الروسية.

  • تعليق أوروبا والمانيا علي العقوبات الأمريكية

أعرب الاتحاد الأوروبي عن إدانته للعقوبات الأميركية التي تطال الشركات المشاركة في بناء خط أنبوب “السيل الشمالي 2”. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن “الاتحاد الأوروبي يعارض من حيث المبدأ فرض عقوبات على شركات أوروبية تمارس أعمالاً مشروعة”.

من جهتها، وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل العقوبات الأمريكية الجديدة بـ“غير المقبولة” وتعهدت بمعارضتها، وفي كلمة أمام نواب البرلمان الألماني، قالت ميركل: “نحن ضد عقوبات عابرة للحدود، وهذا الموقف لم نتخذه أمس، فقد واجهنا مشكلة مماثلة في سياق إيران”.

ورأت أنه لا حلول أخري سوى خوض محادثات حازمة (مع الولايات المتحدة)، والتأكيد أن أوروبا تعتبر مثل هذه الممارسة لفرض عقوبات عابرة للحدود غير مقبولة”.

من جانبه صرح وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قائلاً بأن “سياسة الطاقة الأوروبية لابد وأن تكون في أوروبا وليس في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ألمانيا نرفض بشكل أساسي أي تدخلات خارجية أو عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية، منتقداً العقوبات التي تخطط الولايات المتحدة لفرضها على الشركات التي تعمل في خط الأنابيب.

وقال إن “سياسات الطاقة الأوروبية تحدد في أوروبا وليس في الولايات المتحدة. وأن أوروبا تُعارض من حيث المبدأ التدخل الخارجي والعقوبات التي لها تأثير عابر للحدود الإقليمية”.

  • الموقف التركي من العقوبات الأمريكية

اتهمت تركيا الكونجرس الأمريكي بالسلوك “العدائي” بعد تصديق المشرعين بمجلس الشيوخ على قانون الميزانية الدفاعية. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إن “لغة التهديدات والعقوبات لن تثني تركيا عن اتخاذ خطوات حازمة لضمان أمنها الوطني.”

فيما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفرض عقوبات على واشنطن إذا فرضت الأخيرة عقوبات على أنقرة بسبب مشروع “السيل التركي”.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى