
فلسفة “الانتحار” داخل التنظيمات الإرهابية
تتبنى التنظيمات الإرهابية فلسفة (الفاشية الدموية، والعدمية التدميرية) وتمجيد الانتحار؛ فضمت هذه التنظيمات فئة من الراغبين في تدمير وسحق كل ما حولهم لميولهم النفسي القوي نحو الموت، حيث تعتبر الأُسس النفسية مساهمًا في تبني سلوك عدواني قابل للتحول من خلال وضعه في إطار فكري وتنظيمي إلى سلوك مدمّر وقاتل في حالة مرور الفرد بحالة التخويف والاكتئاب؛ فيما يؤثر ذلك بشكل فعال وغير مرئي على تركيبة دماغه وتفعيل النواقل العصبية، مما يلحق ضررًا بالفرد تجعله رافضًا للمجتمع، معتبرًا سلوكيات الآخرين العادية معادية له ومقصودًا من ورائها إيذاؤه؛ فتحوله لشخص عدواني مؤهل نفسيًا للتحول لإرهابي لم يكتفي بارتكاب الأعمال الإجرامية في حق المخالفين عنه، بل يصل إلى ارتكابها في حق نفسه من خلال قيامه بأعمال انتحارية، وهذا ما يسمى “بالإرهاب الانتحاري”، والذي تجلى فيما قام به زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي عندما فجر نفسه بحزام ناسف مع أولاده الثلاثة.
وفي هذا الصدد، يشير عالم الأنثروبولوجيا، “سكوت أتران” إلى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الإرهابيين الذين يرتكبون أعمال عنف ليسوا مضطربين نفسيًّا أو “تم غسل أدمغتهم”، مؤكدًا أن هؤلاء يعانون من أقصى حالات الاكتئاب، إلى أن يصل بهم الحال لقيامهم بأعمال إرهابية فردية، مثل أولئك الذين يطلق عليهم “الذئاب المنفردة”، وقد يصل بالمكتئب الحال لارتكاب أبشع الجرائم في حق نفسه بإنهاء حياته عبر قيامه بعملية انتحارية ذاتية .
علاقة «الاكتئاب» بـ “الانتحار”
يجمع علماء النفس على أن كثيرًا ما يكون الانتحار ناجمًا عن هشاشة عميقة بالنفس البشرية بعدما أُصيب الإنسان بحالة يأس كلية مما جعله يصعب تجاوزها؛ ويوضح موقع “مايد إن أمريكا”، (موقع علمي أمريكي متخصص لرصد ومتابعة الأمراض النفسية)، من خلال دراسة أعدها، أنه كلما ازدادت مدة شعور المكتئب بالغضب المتولد من الوحدة المفرطة والانعزال تأثر سلوكه بنزوعه إلى التطرف للتنفيس عن شعوره بالغضب المكمون بداخله.
فيما يجعله يبحث عن الخلاص مما يُعاني به، وقد يتطرق إلى تفكيره اللجوء إلى التخلص من حياته عن طريق الانتحار، أو الانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية خاصة أن تلك الجماعات بدورها تستغل الشباب الذين يعانون من ضغوط اجتماعية، ونفسية؛ لتستخدمهم كـ “قنابل بشرية” في سفك أرواح الأبرياء عبر قيامهم بعمليات انتحارية ذاتية.
وتتباين دوافع الانضمام للجماعات الارهابية عند كل من المتطرفين القادمين من الغرب عن الدوافع لدى المتطرفين العرب؛ حيث أن الشباب الغربي لا يعاني من معاناة اقتصادية ولا من أسباب مادية التي يعاني منها الشباب العربي، بل تلعب كثير من الدوافع الاجتماعية والأسرية والنفسية والتربوية والدينية الدور الأكبر وراء هجرة هؤلاء الغربيين إلى الأماكن التي يسيطر عليها الإرهابيون. إلا أنهم يشتركون في سعيهم للتخلص من حياتهم عن طريق الانتحار. اعتقادًا منهم أنهم يحصلون على ملاذ الانتقام الذاتي ، ويكون ذلك ناتج عن طريق أذى نفسي، أو عاطفي لحق بهم، أو إقصاء اجتماعي، أو أسري، أو وظيفي تم التعرض له صعب عليهم تجاوزه. لذا، فإن أن التحولات الاجتماعية التي يتعرض لها الشباب المتطرف (نفسيًا وفكريًا) تصبح سبب أساسي في جعل هؤلاء فريسة سهلة تقع في براثن الجماعات الإرهابية والقيام بعمليات انتحارية ارهابية.
الإرهاب الانتحاري
يُعد “الإرهاب الانتحاري” من أكثر أشكال الإرهاب فتكًا خاصة أنه مبني على أيدلوجية العدمية، وكذلك ناتج عن مرور الإنسان بحالة نفسية ضعيفة؛ فيصبح فريسة سهلة للجماعات المتطرفة .
وعرفت “رف آمي بيدازر” الإرهاب الانتحاري خلال كتاب بعنوان (Ami Pedahzar: Sucide Terrorism. 2005) ، بأنه يشمل أشكالا متنوعة من الأفعال العنيفة يرتكبها أشخاص يعرفون أن احتمال عودتهم بعد القيم بها قريب من الصفر. كما يعرف عساف مغادام الإرهاب الانتحاري في كتابه (Assaf Maghadam: The roots of Suicide Terrorism: a Multi-Causal Approach. 2006) ، أنه الذي يعتمد نجاحه على موت المهاجم.
واثبتت الدراسات والاحصائيات أن “الإرهاب الانتحاري” في ارتفاع في الفترة من عام 1998 إلى عام 2010، وتشير الاحصائيات التي تم تجميعها من خلال مجموعة بيانات تضم 2448 حادثًا إرهابيًا انتحاريًا مأخوذة من قواعد بيانات الأحداث الإرهابية الرئيسية الثلاثة، أي الإرهاب الدولي: سمات الأحداث الإرهابية (ITERATE)، وقاعدة بيانات الإرهاب العالمية (GTD ، (RAND).
أما في عام 2013، تم تنفيذ 384 عملية إرهابية انتحارية في 18 دولة. ومن المؤسف أن تلك العمليات الانتحارية لم تقتصر على الأفراد التي تنفذها، بل تسبب في مقتل ضحايا سالمين وصل عددهم 3743. علاوة على ذلك، تضيف الاحصائيات أن نسبة الإرهاب الانتحاري زادت بنسبة 46% مقارنة بعدد الهجمات في عام 2012، وزيادة عدد الإصابات المُميتة بنسبة 66%. ويضاف أن، نسبة الإرهاب الانتحاري منذ عام 2003، حتى عام 2014، بلغ عددها أكثر من 3500.
وتشير احصائيات المؤشر العالمي للإرهاب لسنة 2017 ، أن هناك تزايداً ملحوظاً في عدد هجمات الذئاب المنفردة حيث تزايدت الهجمات من هجوم واحد فقط سنة 2008 إلى 56 هجوماً سنة 2016، حيث شهدت بريطانيا أغلب هذه الهجمات. كما تمّ تنفيذ 1913 تفجيرًا إرهابيًّا وهجومًا مسلّحًا و804 عمليات انتحارية بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.
فيما أسفر ذلك عن مقتل 16643 من المدنيين وقوات الأمن وإصابة 13617آخرين إلى جانب اختطاف 3601 من قِبَل المسلّحين، وأثبت التقرير أن في فترة 17 سنة الأخيرة 99 % من ضحايا الإرهاب سقطوا في دول تعاني من صراعات سياسية.
الدافع الأيدولوجي والديني
من الناحية الإيمانية، كل الأديان تجمع على تحريم قتل النفس لأن الروح ليست ملكًا للإنسان، ولكنها ملك لخالقها. إلا أن الأمر متناقضًا عند الانتحاريين بالجماعات الإرهابية، حيث يتم تبديد روح الإنسان بالقتل الذاتي والنسف بحزام التفجير، باسم الدين؛ فأصبح مصير الإنسان وروحه وملكية جسده، ليست بيده ولا بيد الله، ولكن بيد مجموعة من يزعمون أنهم يملكون مفاتيح الجنة وجهنم فيفتحونها لمن يشاؤون ويغلقونها أيضًا في وجه من يشاؤون.
ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد من الحكم على المرء بالجزاء الأخروي، بل وصل إلى اعتقادهم أن الروح قد انتقلت من القوة الإلهية إلى سلطان قوتهم. إذ تتلاعب الجماعات الإرهابية المتطرفة في الدائرة الدينية خاصة فيما يتعلق بمسألة الانتحار-الذي ينتج عنه قتل جمع من الناس- لإعطاء شرعية له بمختلف الحجج الجهادية وإباحة فعله، لما تجد أنه خلاصًا دينيًا نحو عالم أبقى، وأكثر راحةً وخلوداً. كل هذه الاعتقادات الافتراضية عبر تفسيرات لا تستند لصحيح الدين، تزرعها تلك الجماعات في خيال الفرد المنتحر إلى أن يقتنع أن هذا الموت يمنحه قدسيه أي أنه “موت مُقدس” ليس نهاية أو فناء، لكنه حالة استمرارية ضمن قانون إلهي أكثر عدلًا. باعتباره سبيلا للجنة التي لا تخرج عن العناصر الإيديولوجية التي رسمها أمير التنظيم أو الجماعة، الذي شكلها من تخيلات لم يقرها القرآن ولا السنة النبوية.