
“ترميم المعابد اليهودية”.. خطة الإدارة المصرية لرفع كفاءة المناطق الأثرية
كجزء من خطة التنمية والتطوير الشامل، شرعت الإدارة المصرية خلال الفترة الماضية على رفع كفاءة المناطق الأثرية لتستعيد رونقها والذي فقدته على مدى سنوات عانت خلاله من الإهمال. وعملية التطوير هذه لم تقتصر فقط على منطقة أثرية بعينها ولا قطاع واحد من الآثار، فقد شمل جميع المناطق الأثرية والقطاعات، سواء كانت أثار إسلامية أو قبطية أو يهودية أو فرعونية. في هذا التقرير سنحاول رصد ما تم تطويره في قطاع الأثار اليهودية المصرية والتي هي جزء لا يتجزأ من الإرث الأثري المتنوع والغزير الذي تتمتع به مصر، وهي دليل قاطع أن هذا البلد بهويته الوطنية كان ولا يزال جامع لكل الثقافات والأديان.
تقوم الحكومة المصرية ممثلة في وزارة السياحة والآثار بترميم الآثار المصرية المسجلة عبر خطة تم إدراجها في قطاع المشروعات بالوزارة، وتقتصر عملية الترميم حاليًا على الآثار المسجلة فقط. ففي الفترة الأخيرة حرصت الدولة على إعادة تأهيل المعالم الدينية التراثية بعمليات ترميم وصيانة شاملة، حيث أن الوزارة بدأت بالأثر الأكثر ضررا لإنقاذه سواء معبد يهودي أو كنيسة أو مسجد. وكان من أبرز عمليات الترميم، ترميم معبد “ إلياهو هانبي “ بمحافظة الإسكندرية.
ترميم “المعابد اليهودية” هي خطوة هامة للتعايش بين الأديان والجذب السياحي، فقد أكد من قبل الرئيس السيسي تأكيدًا على أن مصر تحتضن جميع الأديان وتبين ذلك في قوله: “لو إحنا عندنا في مصر ديانات أخرى كنا هنبني لهم دور عبادة، لو في يهود سنبني لهم”. تابع: “إن الدولة أصبحت معنية ببناء الكنائس لمواطنيها لأن لهم الحق في العبادة”. جاء ذلك خلال جلسة “دور قادة العالم في بناء واستدامة السلام” ضمن فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الثانية بمدينة شرم الشيخ، بعام 2018.
لا نقبل تبرعات لترميم “المعابد المصرية”
أفتتح معبد “إلياهو هانبي” المعروف باسم المعبد اليهودي بالإسكندرية، في العاشر من الشهر الجاري وذلك بعد الانتهاء من ترميمه الذي استمر حوالي عامين ونصف من تاريخ بدء أعمال الترميم له التي أجريت بشكل كلي من خلال كوادر فنية متخصصة في معالجة العناصر الإنشائية، حيث شهد المعبد أولى أعمال ترميم منذ إنشائه المتمثلة في أعمال صيانة دورية فقط.
إلا أن الحكومة المصرية نصبت اهتمامها ترميمه بشكل كلي بتكلفة قدرت بحوالي 67 مليون جنيه، وذلك بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية في مايو 2017، من بين تكلفة مليارا و 270 مليون مصري التي خصصتها الوزارة في الانتهاء من أعمال ترميم 8 مشروعات بالوزارة وهي: “المعبد اليهودي – المتحف القومي للحضارة المصرية – هضبة الأهرامات – قصر البارون – قصر محمد علي بشبرا – استراحة الملك فاروق بمنطقة أهرامات الجيزة – المتحف اليوناني الروماني – قصر الكسان بأسيوط”، وكل ذلك يدخل في سياق بروتوكول تعاون بين وزارة الأثار والهيئة الهندسية للقوات المسلحة على انتهاء هذه المشروعات.
من المهم الإشارة إلى أن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة السياحة والأثار، أعلنت أكثر من مرة رفضها القاطع تلقي أي تبرعات سواء كانت داخلية أو خارجية لترميم المعابد المصرية بشكل عام، وهو ما أوضحته الوزارة من قبل حين كثرت التساؤلات حول ترميم المعابد اليهودية، حيث أكدت الوزارة أنها هي من تقوم بكافة التكاليف الخاصة بالمعابد اليهودية ولا تقبل التبرع أو المعونة من أي جهة، لأنها أثر مصري.
في عام 2016 تعرض معبد “إلياهو هانبي” لانهيار جزئي لسقف «شخشيخة» السلم لمصلى السيدات بالطابق الثالث للمعبد، خلال إحدى نوات الشتاء، هذا الأمر دفع وزارة السياحة والآثار إلى ترميمه حفاظا على المبنى الأثري، ووضعت له ميزانية تطوير ورفع كفاءة بلغت 67 مليون جنيه.
في عام 1354، شيّدت الجالية اليهودية المعبد الواقع في شارع النبي دانيال بمنطقة الرمل بالإسكندرية، ويُنسب المعبد إلى النبي “إلياهو هانبى” أحد أنبياء بنى إسرائيل الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، تم تشيده على يد معماري إيطالي وسُجل في قوائم الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالقرار الوزاري رقم 16 لعام 1998.
ويبلغ مساحة المعبد الإجمالية 4200 متر مربع، وهو عبارة عن طابقين: أحدهما للرجال والآخر للسيدات، ويحتوي على مكتبة مركزية قَيّمة، ويعود تاريخ بعض وثائقها إلى القرن الخامس عشر؛ فيحتوي على عدد من الأسفار المحفوظة في 85 صندوقا مخصصا لهذا الغرض. كما يضم عددا من المكاتب الخاصة التي قدّمت الخدمات إلى أبناء الطائفة. ويضم المعبد صفوفًا من المقاعد الخشبية تسع 700 شخص، بالإضافة إلى صناديق من الرخام مخصصة لجمع التبرعات لليهود من الفقراء والمرضى.
تعرض المعبد للتدمير على يد الحملة الفرنسية، لاعتراض مبانيه لمسار نيران المدفعية، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850م في عصر عباس حلمي الأول، كما أعيد بناءه عقب الحرب العالمية الأولى حيث تم زيادة مساحته وتكسية الأعمدة بمادة الأسكاجولا “عجائن الرخام”،
معابد القاهرة
يُعد معبد “عدلي” من أشهر المعابد اليهودية بالقاهرة، يقع بشارع عدلي بوسط العاصمة، فقد وبنى عام 1905 برعاية عدة عائلات يهودية أرستقراطية على رأسها عائلة “موصيري”. وتزخر مكتبته بنوادر المخطوطات التي جمعت من المعابد اليهودية المصرية المغلقة، وسميت “مكتبة التراث اليهودي”.
كما يوجد معبد “بن عزرا” الذي يقع في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة. ويعد هذا المعبد واحدا من أكبر وأهم المعابد، وخصوصا مع تولي الحكومة المصرية رعايته وترميمه، وتحويله لآثر ومزار سياحي؛ لاحتواء مكتبته على نفائس الكتب والدوريات اليهودية التي تؤرخ لوجود طائفة اليهود في مصر.
ومعبد “موسى بن ميمون”، الذي يقع في منطقة العباسية بمحافظة القاهرة. وكانت تقام فيه الشعائر الدينية حتى عام 1960، وفي عام 1986 سُجّل المعبد كآثار بسبب أهميته التاريخية والدينية والمعمارية، حيث شيّد هذا المعبد في نهاية القرن الـ 19 في نفس المكان الذي أقام فيه موسى بن ميمون إثر وصوله لمصر هاربا من الأندلس التي كان اليهود يتعرضون فيها للاضطهاد. علاوة على ذلك يأتي من أهم المعابد في القاهرة معبد “مائير عينايم” الذي أقامه اليهودي مائير بيطون.
معابد الإسكندرية
في الإسكندرية، كان هناك 20 معبدا حتى عام 1930، منتمية إلى أعراق ومجتمعات متباينة ما بين يهود مغاربة وأتراك وإيطاليين وإسبان وفرنسيين ويهود مستعربين. كما كان للطائفة مجلس عام يتكون من حاخام باشي، ونائب الحاخام، ورئيس، ونائبه، وسكرتير. أسس البارون يعقوب عام 1860 بميدان المنشية معبد “منشه”، ومعبد “إلياهو حزان” بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928.
وشيدت عائلة جرين “معبد جرين” بحي محرم بك عام 1901، ومعبد “يعقوب ساسون” الذي شُيّد خلال عام 1910 بمنطقة جليم بالإسكندرية، و“معبد كاسترو” الذي أنشأه موسي كاسترو بعام 1920 بحي محرم بك، فضلًا عن معبد “نزاح اسرائيل الاشكنازي”، ومعبد “شعار تفيله” الذي أسسته عائلتا “انزاراوت” و”شاربيه” عام 1922 بحي كامب شيزار.
خلاصة القول، تبين من خلال العدد الكبير المُشيّد من المعابد اليهودية المنتشرة بمصر أن اليهود تمتعوا بكامل حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية عبر بناء المعابد الخاصة لأدائها، وقد ساندتهم الحكومة المصرية في تيسير عمليات البناء ومنحهم الأرض مجاناً. ما يؤكد أن مصر كانت ولا تزال هويتها الوطنية تستوعب الجميع من مختلف الديانات والثقافات، ولم تفرق يوما بين كل من يعيشون على أرضها بما فيهم ضيوف مصر من مختلف العالم وضيوفها الذين فروا من الدول المجاورة بسبب الحروب والنزاعات والعمليات الإرهابية داخل دولهم.
بالمحصلة يمكن الإشارة أنه لا بد من التوثيق بشكل جيد لكل المعابد المتواجدة بمصر سواء الشهيرة منها أو غير متعارف عليها، والاطلاع على كل ما يتعلق بالمعابد وكل ما يخص الآثار اليهودية القديمة التي كانت موجودة، لما تعنيه أن المعابد اليهودية تعتبر من ضمن الثروات الأثرية، وكذلك الاهتمام بالدعاية كعنصر مهم لتسويق مثل هذا الأمر الذي يعد مهما للكثيرين في الخارج، سواء على مستوى العاشقين للآثار المصرية القديمة أو اليهود الموجودين في أماكن متعددة في العالم ومن بينها أميركا وأوروبا.