الصحافة المصرية

“المناطق المهمشة” .. رؤية حكومية متكاملة واستراتيجية مغايرة

أدركت الحكومة ضرورة وجود استراتيجية مغايرة للمناطق المهمشة ورؤى بشأن نهج متكامل للتنمية المحلية باعتبارها الطريقة المثلى للحد من الفقر في تلك المناطق مثل صعيد مصر وعليه أطلقت الحكومة المصرية “برنامج التنمية الاقتصادية الشاملة للمناطق المهمشة”.

يهدف برنامج التنمية الاقتصادية الشاملة للمناطق المهمشة بدلا عن نموذج “الاستثمار المخطط له مركزيا فحسب” المتبع بالماضي، وفق لنهج أكثر شمولية للتنمية المحلية. وبذلك يعالج البرنامج إحدى نقاط الضعف الأساسية في صنع السياسات على المستوى المحلي، لما كان له انعكاس في تمكين المحافظات من تخطيط السياسات والنفقات وتنفيذها مع زيادة المساءلة وإشراك المواطنين والأعمال التجارية في عملية صنع القرار. وفقا لما ينص عليه الدستور وخاصة المواد  ٢٧ و١٧٦ و٢٣٦ و٢٤٢  والتي تؤكد نهج إشراك المواطنين لتوجيه تنمية المناطق المهمشة.

وينص على التنفيذ التدريجي للامركزية خلال خمس سنوات من إقرار الدستور؛ ويقوم على مبدأ تحقيق الرخاء عبر التنمية المستدامة. تنص المادة 236 تحديدًا على ما يلي: “تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة.

وتحسين الاستدامة في تقديم الخدمات والبنية التحتية هو أحد الأهداف الجوهرية لبرنامج التنمية الاقتصادية الشاملة للمناطق المهمشة. سوف يعزز البرنامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية عن طريق إجراء إصلاحات مؤسسية وإدارية لتحسين عمليات تقديم الخدمة والبنية التحتية وعن طريق برامج اجتماعية مستهدفة تهدف إلى تحسين وسائل كسب العيش للأفراد الأكثر احتياجًا.

خطوات نحو التنمية

في ضوء اهتمام القيادة السياسية والحكومة بصعيد مصر، وتنفيذًا لنهجها في مواجهة مشكلات الصعيد والعمل على تحقيق التنمية المستدامة بجميع المحافظات ومن أجل تجلي هذا على أرض الواقع وضعت خطة لإسراع هذه التنمية.

إذ جاءت هيئة “تنمية جنوب الصعيد ” من ضمن البرنامج الانتخابي للرئاسة الذي قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014، لإحداث تنمية صناعية حقيقية وخلق تجمعات صناعية متكاملة في مختلف محافظات الصعيد.

 وتعتمد بصفة أساسية على الميزات التنافسية لكل محافظة. وقد جاء انشاء الهيئة بالقانون رقم 157 لسنة 2018، وفق رؤية واستراتيجية الدولة 2030 لدعم الصناعة بمصر، والعمل على وضع خطة للإسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية الشاملة وتوفير فرص عمل للشباب والارتقاء بالخدمات العامة المقدمة لهم.

وبدأ تنفيذ برنامج “التنمية المحلية لمحافظات صعيد مصر”، لمحافظات صعيد مصر الممول من البنك الدولي يقدر بمبلغ 500 مليون دولار، وقع الاختيار على محافظتي قنا وسوهاج من محافظات الصعيد؛ لبدء تنفيذ البرنامج وذلك على أساس مجموعة من المعايير المتمثلة في عدة نقاط ومنها: (حجـم السكان، ومعدلات الفقر، والتجاور الجغرافي، والقدرات الاقتصادية).

يقدم البرنامج المساعدة العملية على تحسين التنسيق مع القطاع الخاص واستثماراته لتحقيق هدفه في جذب المزيد من الشركات المحلية والأجنبية للاستثمار في هاتين المحافظتين الذي وقع الاختيار عليهم. كما يمنح البرنامج للأجهزة المحلية في المحافظتين صلاحيات تضمن في اتخاذ القرارات يعكس مردود إيجابي على التنمية المحلية المتمثلة منح الاراضي الصناعية بالمجان في كافة المحافظات لتشجيع المستثمرين على الاستثمار، وإتاحة فرص عمل متبعة نهج قائم على المشاركة يعتمد على إشراك المواطنين على جميع المستويات وبذلك يتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. إذ أشادت بعثة البنك الدولي ببرنامج “التنمية المحلية بصعيد مصر”، والتقدم الملحوظ الذي شهده البرنامج في سوهاج وقنا، خلال الفترة الماضية على كل المستويات التنافسية والبنية التحتية والخدمات.

مشروع “تعميم وتسريع ودعم السياسات” الخاص بتنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة والمنفذ من قِبل وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة. ونظرًا لتعاون في تنفيذ هذا المشروع يمثل نموذجاً يحتذى به للشراكة المثمرة بين مختلف شركاء التنمية. وعليه، خصص البرنامج مبلغ يقدر بحوالي 60 مليار جنيه لتدعيم خطط التنمية بمختلف محاورها بكافة المحافظات.

المشروعات التنموية الجديدة بصعيد مصر.. تركيز على المشروعات العملاقة

تجمعات صناعية متكاملة، أنشئت في كافة محافظات الصعيد ترتكز بصفة أساسية على الميزات التنافسية لكل محافظة، وتضم محافظات الصعيد 2973 مصنعًا ‏بحجم استثمارات 75 مليار جنيه، وقيمة انتاج تصل الى 119 مليار جنيه؛ مما يعكس بشكل إيجابي على اتاحه 127 ألف فرصة عمل. كما أن الصعيد يضم 50 منطقة صناعية من إجمالي 135 منطقة صناعية منتشرة على مستوى جميع انحاء الجمهورية وهي تمثل ‏نحو 37% من المناطق الصناعية في مصر، وتتركز معظم المصانع في منتصف ‏وشمال الصعيد.‏

وبالنسبة لوضع المستثمر، تم إطلاق خريطة الاستثمار الصناعي التي تتيح له التعرف على معلومات وبيانات أولية حول كل مشروع من حيث الطاقة الانتاجية وتنوع المنتجات وموقع التنفيذ المقترح وكذا استهلاك الكهرباء والغاز الطبيعي والمياه والمساحة المطلوبة للتنفيذ. فضلًا عن المواد الخام والمستلزمات الرئيسية للمشروع مع اتاحة معلومات استرشاديه حول أهم الآلات والمعدات اللازمة لهذا النشاط الصناعي بالإضافة الى العمالة المطلوبة والاسواق المستهدفة. ويصل إجمالي الفرص الاستثمارية التي توفرها الخريطة إلى 3843 فرصة استثمارية بكافة محافظات مصر منها 1524 فرصة للمشروعات بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة بمحافظات الصعيد.

المشروعات المتوسطة والصغيرة، منذ عام 2014 حتى الآن، استطاع جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر أن يقدم تمويل يصل لـ 16 مليار جنيه، منها 10 مليارات جنيه للمشروعات الصغيرة، و6 مليارات جنيه للمشروعات متناهية الصغر، استفاد منها حوالي 830 ألف مشروع وفرت أكثر من 1.1 مليون فرصة عمل مباشرة، وبلغت نسبة استفادة محافظات الصعيد من هذا التمويل 39 %. كما منحت الدولة أراضي مرفقة بالمجان بكافة المحافظات الصعيد، وذلك تشجيعًا للشباب والمستثمرين.

مشروع المثلث الذهبي، ويُعد هذا المشروع تجمع عمراني متكامل يضم منطقة إدارية اقتصادية زراعية وصناعية وتجارية وسياحية وخدمية كبيرة تكون ركيزة للتجارة والتعاون مع دول الخليج ودول أفريقيا وجنوب شرق آسيا. ويقع بين محافظة قنا شرقا والبحر الأحمر غربا ومحصورة بين مدينتي سفاجا شمالا والقصير جنوبا وتغطى مساحة 1.5 مليون فدان. ويعتبر هذا المشروع نقطة انطلاق لتنمية وركيزة تنموية متنوعة لدعم الاقتصاد المصري، فضلًا عن تنمية قطاع السياحة بالمنطقة؛ لما يوفره من 500 ألف فرصة لشباب محافظات الصعيد، كما تبلغ استثمارات المشروع 18 مليار دولار.

المدينة الشمسية، يقع المشروع بالظهير الصحراوي لقرية بنبان التابعة لمركز دراو، ويصل لإنتاج 2000 ميجا وات بما يعادل 90%، من الطاقة المنتجة من السد العالي، لتدعم الشبكة القومية الموحدة للكهرباء. وعليه يترتب عديد من العوائد تتوافق مع التصور العام للمخطط الاستراتيجي اسوان 2052، المتمثلة في خلق مجتمع عمراني جديد غرب النيل، وكذلك تحقيق مردود إيجابي من قبل الشركات الاستثمارية المشاركة بالمشروع وإتاحة فرص عمل لشباب.

تطوير شبكة النقل والطرق والكباري، تم إنفاق مبلغ 4,2 مليارات جنيه لصالح تطوير وإنشاء الطرق والكباري بمدن الصعيد، بالإضافة إلى اعتماد مبلغ 3 مليارات جنيه وتطوير خدماتها وزيادة كفاءتها. ومن بين هذه الطرق المنفذة، «طريق الصعيد – البحر الأحمر»، وازدواجه بطول 180كم بتكلفة 1156 مليون جنيه، و«قنا – سفاجا» بطول 120كم بتكلفة 632 مليون جنيه، وتشمل إنشاء 3 حارات جديدة. و«وصلة المنيا – رأس غارب» بطول 55كم بتكلفة 625 مليون جنيه ويشمل إنشاء طريق جديد مزدوج 3 حارات بكل اتجاه. فضلًا عن رفع كفاءة طريق (أسوان – أبوسمبل) بطول 100 كم، وإنشاء وصلات ربط كباري النيل بالطرق الرئيسية بشرق وغرب النيل «وصلة بني مزار» بتكلفة 634,5 مليون جنيه.

أما في مجال الكباري، تم انشاء كباري «دهشور – الفيوم» بتكلفة 80 مليون جنيه. وعدد 2 كوبري على مصرف المحيط وترعة الجيزاوية على امتداد وصلة «دائري بني سويف» بتكلفة 92 مليون جنيه، وكباري «أسيوط» على السكة الحديد بتكلفة 21 مليوناً، وكباري «أسيوط» على النيل بتكلفة 15 مليون جنيه. علاوة على كباري «سوهاج» على السكة الحديد بتكلفة 22 مليون جنيه، وكباري «دهشور – الفيوم» بتكلفة 80 مليو جنيه، بالإضافة إلى إنشاء عدد 2 كوبري على مصرف المحيط وترعة الجيزاوية على امتداد وصلة «دائري بني سويف» بتكلفة 92 مليوناً.

إنشاء مدن جديدة، واستطاعت الدولة الانتهاء من عدة مشروعات متعلقة بالإسكان الاجتماعي بكافة محافظات الصعيد، فضلًا أن الوزارة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تعمل حاليا على تنفيذ 9 مدن جديدة بالصعيد، ضمن ما يعرف بمدن الجيل الرابع، باستثمارات بلغت 11 مليار جنيه حتى الآن في قطاعات الإسكان والمياه والصرف الصحي»؛ لاستيعاب حوالي 4.5 مليون نسمة، بمناطق سكنية كافية لاستيعاب حوالي 900 ألف أسرة، وتوفير 1.4 مليون فرصة عمل، حيث إن حوالي 10 % من مساحات تلك المدن مخصصة للأنشطة الصناعية والحرفية، بجانب إتاحة مشروعات سياحية على واجهة نيلية مميزة بمساحة 1050 فداناً.

تطوير المناطق العشوائية، نجحت الدولة في الانتهاء من مشروع تطوير منطقة السماكين بمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج، بتكلفة 28,13 مليون جنيه، وبه 207 وحدات سكنية لتسكين ألف نسمة، ومشروع تطوير منطقة الترعة «الضمرانية» بنجع حمادي بمحافظة قنا، وبه 260 وحدة سكنية ومحلات تجارية بالدور الأرضي، ويجرى الانتهاء من مشروع تطوير منطقة «عشش محفوظ» بمحافظة المنيا، بتكلفة 103 ملايين جنيه، وبه 859 وحدة سكنية بالإضافة لـ 89 وحدة تجارية، لتسكين 2220 نسمة.

في مجال الكهرباء والطاقة، تم إنشاء محطة كهرباء بني سويف بقدرة 4800 ميجاوات بإجمالي استثمارات 2 مليار يورو، وكذلك تم إنشاء محطة كهربــاء غــرب أسيــوط بإجمالــي قــدرة يبلغ 1000 ميجاوات وبتكلفة استثمارية بلغت 746 مليون دولار. كما تم إنشاء عدد من وحدات إنتاج الطاقة الكهربائية المتنقلة بمحافظات سوهاج وأسيوط والمنيا وتم دخول هذه الوحدات إلى الخدمة تباعًا منذ مايو 2015.

منطقة النوبة، وفق لتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ختام المؤتمر الوطني الثاني للشباب بمدينة أسوان، المنعقد في يناير عام 2017 بحل مشكلة المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالي، ممن لم يسبق تعويضهم. من خلال تمليكهم الأراضي التي قاموا بالبناء عليها أو منحهم حق الانتفاع بها حسب الأحوال.

وعليه ، شكلت الحكومة اللَجنة الوطنية برئاسة وزير العدل لحصر من لم يتم تعويضهم من المتضررين، وقام بمتابعة عملية التنفيذ برئاسة وزير شئون مجلس النواب، وذلك وفقًا لقواعد والآليات التنفيذية لصرف التعويضات.

وأتاحت اللجنة على أنماط متعددة من التعويضات حتى يستطيع أهالي النوبة الاختيار من بينها بما يناسب رغباتهم. إذ انطلقت الدفعة الأولى في 20 يناير الجاري، بتصريف من كل نوع من أنواع التعويضات سواء: ملكية مساكن وأراض أي أن تعويض مالك المسكن الواحد بمسكن واحد داخل أو خارج محافظة أسوان، وحق انتفاع بأراضي طرح النهر، ودفع مبالغ نقدية عن المسكن بمبلغ 225 ألف جنيه. إذ قام رئيس الوزراء، ومحافظ أسوان بتسليم التعويضات لعدد من المستحقين للتعويض.

فضلًا أن الدولة وجهت إتمام على إنهاء كافة المشروعات التنموية بمنطقتي (نصر النوبة ووادي كركر)؛ لذا تم تخصيص مبلغ يقدر بحوالي 320 مليون جنيه. وكذلك استبعاد منطقة (خور قندى) والمقدرة بمساحة تبلغ 12 ألف فدان المطروحــة بشركـــة الريـف المصري، مع وضع تصور متكامل بشأن هذه المنطقة.

وختاما، يعتبر المشروع القومي لتنمية محافظات الصعيد بمثابة انطلاقة تنموية شاملة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية، لما كان له تأثير في تحريك الاقتصاد المصري، وزيادة الاستثمارات ورفع معدلات النمو، ولتوفير فرص عمل جديدة للشباب، ومن ثم تقليص نسبة البطالة والفقر في هذه المحافظات، وضمان حياة كريمة للمواطنين في الحاضر والمستقبل وذلك من خلال برامج مستهدفة من شأنها تحسين وسائل العيش لديهم مثل برامج دعم الدخل (كبرنامج تكافل وكرامة) التي تدعم القرى في ريف مصر وتوفر إسكانا اجتماعيًا. بالمحصلة يمكن تحقيق أهداف برنامج التنمية على تحسين الحوكمة وإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص لخلق فرص عمل والدمج الاجتماعي على رأس أولويات مجموعة البنك الدولي في مصر، طبقًا لما ورد في إطار الشراكة القطرية لمجموعة البنك الدولي للسنوات المالية ٢٠١٥ـ ٢٠١٩.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى