أفريقيا

دلالات إعلان “جوهر محمد” ترشحه…وفرص “آبي أحمد” في انتخابات 2020

جوهر محمد الحليف السابق لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، والخصم الجديد والناشط والإعلامي البارز، والذي تسبب مؤخراً في موجة الاحتجاجات التي تقودها جماعة الأورومو والتي ينتمي إليها أبي أحمد ذاته، قرر مؤخراً في مداخلة هاتفية أن يرشح نفسه في الانتخابات المقبلة، معرباً أنها الوسيلة الوحيدة للتأكد من نزاهة الانتخابات، والتي قد تجعله يتخلى عن الجنسية الأمريكية للتمكن من الترشح، ليضع تحدي جديد أمام أبي أحمد ويلقى الضوء على فرص فوزه في الانتخابات في ظل رغبة الأخير دمج تحالف الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية الحاكمة في حزب موحد يحاول به إقناع الإثيوبين بأنه يمثل كل العرقيات التي فرضها الدستور، مواجهاً بذلك منافس يعتمد على قومية الأورومو ذات الأغلبية في الدولة الإثيوبية رافعاَ شعار “أورومو أولاً”.

إعلان جوهر محمد الترشح في الانتخابات الإثيوبية القادمة 2020

عقب سفر جوهر محمد للولايات المتحدة، أعلن عن رغبته في  الانضمام إلى السباق الانتخابي في الانتخابات المقرر عقدها مايو  2020 للتأكد من أنها “حرة ونزيهة” على حد تعبيره، وهي الانتخابات التي سبق وان طلب من أبي أحمد ان يتم تأجيلها خوفاً من فوز التكتل الحاكم للسلطة، وخسارته لاستقرار الدولة نظراً للصراعات العرقية المسلحة الموجودة داخل الدولة الإثيوبية، والتي ستؤثر على نتيجة الانتخابات.

يتمتع جوهر محمد بشعبية لدى جماعة الأورومو، وينظر إليه من قومية الاورومو بأنه بطل قاد الاحتجاجات التي جاءت بحكم أبي أحمد خلفا لرئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين، ويصرح دائماً بأنه ليس على خلاف مع آبي أحمد الذي جاء به غلى الحكم باعتباره شخصية توافقية، ولكنه يختلف معه، ويعتبره البعض بأنه انتهازي يحاول الوصول للسلطة، ولكنه يراهن على قومية الأورومو ذات الأغلبية في الدولة الإثيوبية – وتمثل حوالي 34,4% من نسبة السكان في إثيوبيا – والتي خرجت في حركات احتجاجية عقب تصريحات أبي أحمد أمام البرلمان حول حرية الإعلام، وأعقبها سحب الحرس الشخصي لجوهر والتي اعتبرها الأخير محاولة للقضاء عليه، فخرج الشباب من قومية الأوروموفي أكتوبر الماضي والتي يخاطبهم جوهر بلغتهم الأمهرية على صفحته على الفيسبوك، تنديداً بآبي أحمد، وتأييداً لجوهر والتي أسفرت عن مقتل 86 شخصاً حسب التقديرات الرسمية الإثيوبية.

وعقب إعلان جوهر عن خوضه للانتخابات، صرح إنه لم يقرر بعد أقرر أي منصب أو أي حزب، سيخةض الانتخابات من خلاله، ولكنه قال قررت فقط الانضمام للسباق الانتخابي.

وعلق مازحاً على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، أنه قرر أن يدشن حزب جديد ويطلق عليه “KFC”  Kegna Federalist Coalition، وتعني تحالف كيجنا الفيدرالي، وكيجنا باللغة الأمهرية تعني الأورومو في الثقافة الإثيوبية.  

ويرى جوهر محمد في رئيس الوزراء الحالي أنه يسعى نحو مركزية السلطة وهو ما لا يتفق مع الطبيعة الفيدرالية على حد قوله، وهو نظام فيدرالي مبني على التقسيم العرقي والإثني للأقاليم، ويدعمه دستوره الانفصالي، ومن متابعة نظام الحكم في إثيوبيا فيعتمد النظام السياسي في إثيوبيا إدارياً على النظام المركزي من خلال هيمنة الجبهة الديمقراطية الثورية الإثيوبية الحاكمة، وسياسياً لا يوجد فصل بين سياسة الحكومة الفيدرالية وسياسات حكومة الولايات.

جدير بالذكر، أن دعم جوهر محمد على صفحته فيس بوك – والتي يخاطب من خلالها مؤيديه والتي يصفهم البعض بأنهم فقط من شباب المعارض من الأورومو وتعني بالأورومية ” قيرو Qeerroo”- الاستفتاء التي تجريه قومية سيداما من أجل الإعلان عن لحكم الذاتي، معتبراً إياه حق يتحقق في ظل تاريخ من النضال، وهو ما يختبر قدرة الدولة الإثيوبية بعد عام من إصلاحات آبي أحمد على إدارة المطالب العرقية، في ظل تصريحاته حول القدرة على إجراء الانتخابات وأن تأجيلها سيربك الوضع الإثيوبي أكثر. 

ويعد مطلب إقليم سيداما مطلباً قديم مستمر منذ عام 1995، وفي حال الإعلان عنه نتيجة الاستفتاء لصالح التمتع بالحكم الذاتي، سيصبح الإقليم العاشر في البلاد، وهو ما كان يلاقي رفضاً من الحكومة الفيدرالية حتى لا تشجع القوميات الأخرى على انتهاج نفس الأمر. وهو ما قد يمثل عقبة جديدة أمام آبي احمد. حيث يوجد  8 مجموعات عرقية أخرى تستهدف الحصول على الاستقلال الذاتي، فقامت  بعض مناطق قومية “الولايتا” برفع العلم الخاص بها إلى جوار العلم الإثيوبي الفيدرالي في يوليو الماضي.

آبي أحمد والشكل الحزبي في إثيوبيا

وفي ظل تشجيع جوهر محمد لسياسته القائمة على الحرية العرقية والتي تتفق والثقافة الإثيوبية القائمة على التفسيم العرقي، وربما كانت السبب في تزايد النزاعات، والتي مثلت تهديداً لم تستطع سياسة آبي أحمد الإصلاحية القضاء عليها، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي تصديق اللجنة التنفيذية  للجبهة  الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية الحاكمة علي توحيد  الإئتلاف الحاكم  ليكون حزباً موحداً،  وهي الأحزاب الوطنية التي  تحكم الأقاليم الأربعة، وهي إقليم عفار وإقليم الصومال وإقليم بنيشنجول جموز وإقليم جامبيلا. واعتبرتها صحيفة “والتا” الإثيوبية بأنها خطوة نحو إسدال الستار حول حكم الجبهة الحاكمة التي استمرت 27 عاماً، تحت اسم  الجبهة الديمقراطية  الثورية للشعوب الإثيوبية.

يتكون تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي ” “EPRDFالحزب الحاكم من ثلاثة أحزاب عرقية من أمهرة وأوروميا وتيجراي، وحزب يمثل الجزء الجنوبي من البلاد مع أكثر من 40 مجموعة عرقية، حول الاندماج لحزب وطني واحد وتمت تسميته “حزب الإزدهار”. 

موقف الأحزاب المعارضة ومستقبل الحزب الموحد الجديد

https://cdn.al-ain.com/lg/images/2019/5/14/79-000401-ethiopia-opposition-parties-coalition-2.jpeg

عن موقف الأحزاب المعارضة أعلن زعيم الإئتلاف الحزبي المعارض زعيم حركة “قنبوت سبات”  برهانو نغا عن دعمه لسياسة آبي في الإندماج، ويتكون الإئتلاف من 5 أحزاب، وتضم “المجلس الانتقالي الوطني، حركة الشعوب الإثيوبية، حزب الفصح الإثيوبي الديمقراطي (توسا)، اتحاد شعوب أومو الديمقراطي، وحركة نجوم جنوب إثيوبيا الخضراء الديمقراطية”. وتم إطلاق اسم “الحزب الديمقراطي الإثيوبي الموحد”، والتي تم الإعلان عنه خلال أول مؤتمر تأسسي لأحزاب “الديمقراطي الإثيوبي، وحركة قنبوت سبات، والأزرق، والجيل الجديد، وجامبيلا، والوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة، وعموم إثيوبيا”.

وبدأت بعض الأحزاب في الظهور مثل حزب “الوياني الثالث” وهو حزب سياسي شبابي جديد في إقليم تيجراي يعرف بانه حركة إصلاحية، وقد اقتبس الإسم من حزب جبهة تحرير شعب تيجراي.

واعتبر بعض المراقبين خطوة آبي بأنها خطوة نحو تأسيس نظام فيدرالي حقيقي من خلال الإندماج بين أعضاء الجبهة والأحزاب التابعة سيمهد الطريق أمام الفيدرالية الحقيقية، بينما في الواقع هو نفس المفهوم مع تغيير الإسم إذا لم يقدر على اقناع الشعب الإثيوبي بمفهوم المواطنة. 

وعلى النقيض يرى وليام دافيسون، المحلل الإثيوبي في مركز أبحاث المجموعة الدولية للأزمات، لوكالة “رويترز” إن التحول السريع للجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة “قد يخلق مزيدًا من عدم الاستقرار وسيؤدي ذلك إلى تفاقم بيئة صعبة بالفعل لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.

ويعكس المشهد الحزبي في إثيوبيا تشتت أحزاب المعارضة في ائتلافات بدلًا من التكتل ككتلة واحدة لإحداث تغيير في الوزن التصويتي، كما اندمج أو أيد بعض الأحزاب المعارضة لفكرة الحزب الواحد الحاكم؛ مما سيضعف من موقف المعارضة معتمدين على فكرة الإندماج مقابل التمثيل في الحكومة، وهو ما سيعيد المشهد الانتخابي لعدم وجود منافسة حقيقية باستثناء موقف جوهر محمد الذي أظهره بوضوح ولكن اعتمد فيه على عرقية واحدة مقابل استخدام أبي أحمد مفهوم المواطنة لجذب المزيد من الكتل التصويتية له. 

نظام الحكم والدعوة للانتخابات في إثيوبي

ومع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية في البلاد في مايو 2020م التي دعت إليها رئيسة إثيوبيا سهلورق زودي، ودعت الاحزاب لخوض المعركة الانتخابية، بشكل يقوم على المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية بعيداً عن الإثنية العرقية التي يتمتع بها النظام الإثيوبي، قامت عدد من الأحزاب السياسية بالاعتراض على إجراء الانتخابات في الموعد المحدد بسبب بعض الاضطرابات التي شهدتها الأقاليم الإثيوبية، وأسفرت عن نزوح أكثر من مليونين من مواطنهم، كما تأجل تعداد عام السكان في البلاد مرتان؛ مما قد يضعف من الاستعدادت اللوجيستية للتصويت، بما يشمل تحديد الدوائر الانتخابية، وذلك عقب إقرار مسودة قانون الانتخابات والأحزاب السياسية، التي واجهت معارضة سياسية باعتبارها جاءت منحازة للإئتلاف الحاكم لما وصفوه بأن قانون الانتخابات فرض مزيدًا من القيود على قيام الأحزاب؛ من حيث زيادة عدد التوقيعات لتسجيل حزب من 150 إلى 1000 توقيع، وبالنسبة للأحزاب الإقليمية 4000 توقيع بدلًا من 750 توقيع، والتي وصلت لحد التلويح بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، لكن وقع الائتلاف الحاكم و100 حزب وتنظيم سياسي على ميثاق شرف ينظّم العمل السياسي في البلاد.

وتتبع إثيوبيا نظام الجمهورية البرلمانية الفيدرالية، ويمثل رئيس الوزراء رئيس الحكومة ويرأس السلطة التنفيذية، ويتكون البرلمان الإثيوبي من مجلسين؛ يتمثل في المجلس الفيدرالي ويضم 112 عضواً ، بينما يتكون مجلس نواب الشعب الإثيوبي (الغرفة الأولى) من 547 نائباً، عن طريق الانتخاب كل خمس سنوات.

ويمثل الدستور الإثيوبي هو حجر الأمان لدعم الحركات الانفصالية، والتعددية العرقية ودعم غقامة الأحزاب على أسس عرقية، حيث جاء دستور إثيوبيا لعام 1994 كنتيجة مباشرة لسعي الحكومة لتحقيق سياسة “الديمقراطية العرقية”. 

فرص آبي أحمد في الانتخابات المقبلة

يواجه ىبي أحمد والانتخابات الإثيوبية لأول مرة منذ عقدها منافسة والمتمثلة في جوهر محمد المدعوم من بعض عرقية الأورومو أكبر القبائل الإثيوبية مقابل محاولة آبي أحمد من استخدم مفهوم المواطنة والمشاركة الحزبية المختلفة من خلال الحزب الواحد، ولكن يسيطر عليه الجبهة الإئتلافية الحاكمة، وبالتالي فإن آبي أحمد لديه خياران، الأول هو السعي بنشاط لجدول الأعمال الموحد الذي سيجعله يتمتع بشعبية، ولكنه سيعزل دائرته الانتخابية في أورومو، والآخر هو التوافق مع مصالح الحركة القومية لأورومو، وهذا من شأنه تأمين الدعم الانتخابي لقاعدته السياسية في أوروميا. 

سيطر على الانتخابات الإثيوبية فوز الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي منذ عام 1992، والتي قامت بالسيطرة على الانتخابات الإثيوبية نتيجة عقد الانتخابات في بيئة لم تنعقد في بيئة تنافسية، وسط انسحاب الأحزاب السياسية وسط دعوات تأجيل الانتخابات، والتي لم تنجح المعارضة في تكوين إئتلافات لمواجهة الإئتلاف الحاكم، ومع إجراء أول انتخابات طبقًا لدستور 1994 في مايو 1995 قاطعت معظم الأحزاب المعارضة للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الانتخابات بسبب إقصائها عن العملية الدستورية، واكتسبت الجبهة قوة أكبر، وكانت الأكثر منافسة انتخابات عام 2005، والتي رفضت الجبهة فيها إعادة فرز الأصوات فترتب عليها احتجاجات كثيرة. 

وفي ظل حالة عدم الاستقرار الأمني في الداخل الإثيوبي، فإن آبي أحمد يواجه تحديات متمثلة في النزاعات العرقية، والمنافس غير الضعيف محمد جوهر، وكذلك الغرهاب الحدودي، والدعوات الانفصالية، إلى جانب نقد سياسة آبي أحمد نحو مواجهة الفساد في الدولة والتي اعتبرها المراقبون محاولة لإقصاد أعمدة قومية التيجراي من مفاصل الدولة، وتمكين قوميته الاورومو التي بدأ يتآكل شعبيته أمامها، وفي ظل محاولاته نحو تأسيس نظام مركزي إثيوبي عبر تأسيس حزب واحد، هو ما يروج له منافسيه فأصبح الامر بين الحفاظ على الفيدرالية العرقية من خلال جوهر أو القضاء عليها بدعوى المواطنة في ظل حكم مركزي في يد آبي أحمد هي عنوان المواجهة بين الطرفين، والتي تأخذ من فكرة آبي أحمد الموقف الداعم أمام المجتمع الدولي الذي يسعى لتمثيل كافة العرقيات كما يروج لنفسه. 

ومن المتوقع في حالة عدم التغيير في المشهد الحالي، وزيادة شعبية جوهر وتكوين حزب يمثل أوروميا، نتيجة ما يعانيه الداخل الإثيوبي نجد أن التحديات الأمنية، والنزوح والاحتجاجات العرقية هي العائق أمام إقامة الانتخابات والتي يؤدي إجراؤها إلى أن الائتلاف الحاكم هو الأقرب وضعف المنافسة ولكنها ستكون تحدي أمام آىبي أحمد الذي يسعى لتقوية الجيش بأسلحة تتفق والحرب الخارجية وليس التسليح من أجل القضاء على الإرهاب الداخلي وتقويض الجماعات المسلحة في البلاد، وانقسام داخل الحزب والجبهة الحاكمة وانتقام التيجراي نتيجة ما وصفه المراقبون بفشل إدارة آبي أحمد في معالجة الخلاف السياسي داخل الحكومة وتكرار الصراع العرقي وهو ما خلق مساحة معارضة للجهات الفاعلة الإقليمية،مما أدى إلى انقسام بين النخب والقوى الرئيسية الداعمة لآبي أحمد، وهي التحدي الأكبر الذي سيسعى آبي تهدئته وإلتفاف جديد حوله لدعمه خلال المرحلة القادمة، واهتمامه بالداخل إلى جانب الإهتمام بشكله في الخارج. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى