
دلالات وتداعيات فشل التصويت على قانون حل الكنيست الإسرائيلي
صوت الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 12 يونيو 2025، لصالح رفض حل نفسه بأغلبية 61 صوتًا معارضًا مقابل 53 صوتًا مؤيدًا، أدى إلى إلغاء المراحل التشريعية التالية التي كانت ستؤدي إلى إقراره، وذلك بعد العديد من التغيرات في موقف كتلة “ديغل هتوراه” التي طالبت بتأجيل التصويت لأسبوع، وإعلان حزب “شاس” رفضه حل الكنيست قبل ساعات من التصويت على مشروع القانون الذي دعت إليه المعارضة بعد أن أعلنت الكتل الحريدية في الكنيست عن انتهاء المهلة التي حددتها لصياغة قانون التجنيد وتأكيدها أنها ستسعى لدفع حل الكنيست. وتوازيًا مع الدفع بمشروع القانون، أعلنت كتلتا “ديغل هتوراه” و”أغودات يسرائيل”، اللتان تشكّلان معًا حزب “يهدوت هتوراه”، أنهما ستدعمان حل الكنيست، ممثّلين بـ7 أصوات. أما حزب “شاس” الذي يمثل 11 صوتًا، أرجأ الإعلان عن موقفه حتى اليوم، وسط تقارير تشير إلى أنه كان يضغط لتأجيل التصويت.
تغيرات مؤثرة
كسب الوقت: أُدرج التصويت على قانون حل الكنيست في آخر جدول أعمال الكنيست يوم 11 يونيو 2025. ونتيجة لذلك، استمرت مناقشات الكنيست حول قوانين وأحداث أخرى طوال اليوم أبرزها إعلان نقل السفارة الأرجنتينية من تل أبيب إلى القدس، والذي استحوذ على اهتمام إعلامي وسياسي واسع، متجاوزًا في أهميته التصويت على حل الكنيست نفسه بالنسبة للعديد من الأعضاء.
ولم يكن هذا الترتيب المتأخر للبند تفصيلًا إداريًا فحسب، بل كان له تأثير سياسي مباشر؛ فقد أتاح وقتًا كافيًا لأعضاء حزب الليكود، الموالين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ لممارسة ضغوط على ممثلي الأحزاب الحريدية لتغيير موقفهم من التصويت. كما أن إدراج التصويت في نهاية اليوم البرلماني يعكس على الأرجح نية نتنياهو في إنهاك الأعضاء واستنزاف طاقاتهم، بما يفتح المجال للتأجيل أو للوصول إلى تسوية بين رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين والكتل الحريدية بشأن قانون التجنيد، قبل لحظة الحسم في التصويت على حل الكنيست.
حراك مكثف: قبل ساعات من التصويت على حل الكنيست، شهدت الساحة السياسية حراكًا مكثفًا قاده رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين؛ بهدف التوصل إلى تسوية مع الفصائل الحريدية بشأن قانون التجنيد. وفي النهاية أعلن “إدلشتاين” عن تحقيق نجاح سياسي مهم، تمثل في التوصل إلى اتفاق على المبادئ الأساسية لمشروع القانون.
وهو ما ترتب عليه أن أصدر الحاخام دوف لانداو، الزعيم الروحي لحركة “ديغل هتوراه”، تعليماته لأعضاء الكنيست التابعين للحركة بالاستعداد لتأجيل التصويت على حل الكنيست لمدة أسبوع؛ فأصدر حزبا شاس وديغل هتوراه بيانًا مشتركًا أعلنا فيه أنه تم التوصل إلى تفاهمات حول المبادئ الأساسية لمشروع قانون التجنيد، بما يحفظ مكانة طلاب المدارس الدينية. كما ظهرت انقسامات داخل كتلة “أغودات إسرائيل” خلال التصويت، إذ صوت يعقوب تيسلر وموشيه روث لصالح حل الكنيست، فيما صوّت يسرائيل آيشلر ضد الاقتراح، الذي عارض مبادرة الحل التي كان يقودها حاخام غور.
دلالات وتداعيات
تزايد قوة كتلة المعارضة: أصرت المعارضة على طرح مشروع قانون حل الكنيست للتصويت، رغم إدراكها المسبق بعدم توفر الأغلبية اللازمة لإقراره، وهو ما يعني بشكل واضح أن الهدف من التصويت لم يكن تمرير القانون، بل استخدامه كأداة تكتيكية لتسليط الضوء من قبل المعارضة على الانقسامات داخل الائتلاف، وخصوصًا التباينات داخل الأحزاب الحريدية. ووفقًا لقواعد الكنيست الإسرائيلي، لن تكون هناك فرصة لتقديم مشروع مماثل لحل الكنيست إلا بعد 6 أشهر، إلا إذا تقدم 61 عضوًا بطلب لحل الكنيست، وهو أمر مستبعد في ضوء التفاهمات الأخيرة التي توصلت إليها الكتلة الحريدية مع رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين المتعلقة بقانون التجنيد.
وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى الهدف الذي سعت إليها كتلة المعارضة وهو حل الكنيست، فإن جمعها 53 صوتًا مؤيدًا لمشروع قانون حل الكنيست يمثل إنجازًا سياسيًا يسهم في إظهار حجم تأثيرها المتزايد في المشهد السياسي، لا سيّما وأن هذا العدد من الأصوات يعد مرتفعًا نسبيًا لمشروع قانون من هذا النوع، فضلًا عن أنه يبعث برسالة واضحة مفادها أن المعارضة تملك قوة مؤثرة وقدرة حقيقية على التأثير في مستقبل الكنيست ومسار التشريعات القادمة. كما يكشف هذا التصويت هشاشة كتلة “نتنياهو” البرلمانية، ويعكس بدرجة أعمق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي المتفاقم داخل المجتمع الإسرائيلي.
انقسام الكتلة الحريدية: يظهر التصويت على مشروع قانون حل الكنيست أن هناك انقسامًا في الكتلة الحريدية بالكنيست؛ إذ ظهرت الفجوة بين فصائل مثل “ديجل هتوراه” و”أغودات إسرائيل”، ما أضعف صورة التماسك داخل الحكومة، وأحرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادات الائتلافية، بل وسحب الفرصة من الحريديم أيضًا لاستخدام ورقة حل الكنيست خلال 6 شهور قادمة من أجل ابداء اعتراضهم.
كما ظهر هذا الانقسام في إعلان وزير البناء والإسكان يتسحاق غولدنوبف المنتمي لـ”أغودات إسرائيل” استقالته من الحكومة؛ تنفيذًا لتوجيه مباشر من حاخام “غور”، الزعيم الروحي لأغودات إسرائيل، الذي طلب منه الانسحاب من الحكومة إذا لم يُقرّ قانون حل الكنيست في القراءة التمهيدية ولم يحظَ بدعم كامل من الكتل الحريدية، وحاليًا هناك صراع على حقيبة البناء والإسكان ومن المتوقع أن يتولى الليكود هذه الحقيبة. وقد أعلن حزب “يهدوت هتوراة” أن “غولدنوبف” لم يكتفِ بالاستقالة من الحكومة فحسب، بل غادر أيضًا الائتلاف، مما خفّض عدد أعضائه إلى 67. وتشير التقديرات إلى أن عضو الكنيست يعقوب تيسلر، وهو أيضًا من “أغودات إسرائيل”، سينضم إلى المعارضة مع غولدنوبف، مما يزيد من ضعف الائتلاف.
وعلاوة على ذلك، تسببت استقالة “غولدنوبف” في تغييرات داخلية معقدة داخل تركيبة كتلة “يهدوت هتوراة”، التي تتكون من حزبي “أغودات يسرائيل” و”ديغل هتوراه”. فبموجب القانون النرويجي (قانون إسرائيلي خاص بأعضاء الكنيست) كان غولدنوبف قد استقال سابقًا من الكنيست عند تعيينه وزيرًا، وحل محله عضو بديل من حزبه. لكن مع عودته الآن إلى عضوية الكنيست، يتعيّن على هذا العضو البديل التنحي، ما يستدعي إعادة ترتيب داخلي للحفاظ على التوازن بين الحزبين. ونتيجة لذلك، سيضطر عضو الكنيست إلياهو باروخي، من “ديغل هتوراه”، إلى الاستقالة.
كذلك، قد تستوجب الظروف عودة نائب الوزير أوري ماكليف، أيضًا من “ديغل هتوراه”، إلى الكنيست، ما سيدفع عضو الكنيست موشيه روث، من “أغودات يسرائيل”، بدوره إلى مغادرة الكنيست. تأتي هذه التغييرات في إطار التزام الكتلة الداخلية بتمثيل متوازن بين الحزبين المكوّنين لها، مما يفرض تحركات برلمانية دقيقة مع كل استقالة أو عودة.
مكاسب لنتنياهو: يُجيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استخدام استراتيجية المماطلة كوسيلة سياسية، خصوصًا في القضايا الخلافية التي يصعب حسمها، مثل قانون تجنيد الحريديم، حيث يُدرك نتنياهو استحالة التوصل إلى صيغة تُرضي جميع الأطراف المعنية؛ الأحزاب الحريدية، والجمهور الإسرائيلي العام، وقيادة الجيش. لذلك فإن الاستراتيجية الوحيدة المتاحة أمامه هي كسب الوقت وتأجيل الحسم، بدلًا من المجازفة بقرارات تُهدد استقرار الائتلاف أو تُثير صراعًا شعبيًا واسعًا، وبالتالي من ناحية سياسية تعد المماطلة ليست فشلاً بالنسبة لنتنياهو بل تكتيك مدروس للبقاء السياسي في ظل توازنات معقّدة.
ورغم أن مشروع قانون التجنيد الجديد يبدو ظاهريًا كأنه خطوة حقيقية نحو فرض الخدمة العسكرية على الحريديم، إلا أنه في الواقع يشكّل صيغة مُخففة ومرنة تسمح باستمرار الوضع القائم مع بعض التعديلات الشكلية. أحد أهم البنود التي سمحت للحريديم بتمرير القانون هو تحديد سن الإعفاء الكامل عند سن 26، ما يتيح لمعظم طلاب المعاهد الدينية تجنّب الخدمة عبر البقاء في الدراسة لعدة سنوات ثم الخروج دون تجنيد أو عقوبة. كما أن العقوبات المدرجة على المتهرّبين ليست فعالة في المجتمع الحريدي، إذ تشمل منع الحصول على رخصة قيادة أو دعم أكاديمي، وهي امتيازات لا يسعى لها الغالبية منهم أساسًا.
إضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ العقوبات الأكبر، مثل خصم الموازنات أو الدعم المالي، مؤجل ومشروط بعدم تحقيق أهداف التوظيف لاحقًا، ما يمنح الحريديم وقتًا للمناورة وإعادة التفاوض. أما الأهداف التي حددها القانون فهي أيضًا مرنة، حيث يُعتبر تحقيق 95% من الهدف نجاحًا كاملاً، ما يفتح المجال لتقديم التزامات جزئية دون تغيير جوهري في الواقع. كما أن القانون مؤقت لمدة ست سنوات، ويمكن إسقاطه تلقائيًا إن لم تُحقق الأهداف بعد أربع سنوات، ما يعزز قناعة الأحزاب الحريدية بإمكانية تعديله لاحقًا أو حتى إلغائه سياسيًا. بهذه الطريقة، وافق الحريديم على القانون لأنهم رأوا فيه مخرجًا سياسيًا آمنًا يرضي شركاءهم في الائتلاف من جهة، دون أن يفرض عليهم تغييرًا حقيقيًا في نمط حياتهم من جهة أخرى، وهو ما كان يسعى إليه الحريديم.
فرصة لمزيد من التشدد تجاه جبهتي إيران وغزة: بعد إفشال مشروع قانون حل الكنيست، حقق نتانياهو انتصارًا سياسيًا مهمًا حافظ من خلاله على تماسك ائتلافه الحاكم، فرغم الضغوط الكبيرة التي شكلتها الأحزاب الحريدية بملف قانون التجنيد إلا انه استطاع اقناعهم بصيغة تفاهميه للقانون، وبالتالي فإن هذا الانتصار لا يعكس فقط قدرة نتانياهو على تجاوز أزمة داخلية جديدة، بل يؤكد أيضًا استعادته لزمام المبادرة السياسية في لحظة حساسة تشهد فيها إسرائيل تصعيدًا متزايدًا مع إيران. وبما أن هذا التطور أتاح لحكومته البقاء مؤقتًا دون خطر وشيك بالسقوط، فمن المرجح أن يستغل نتانياهو هذا الاستقرار النسبي الداخلي للتركيز على الملفات الأمنية الكبرى الخارجية، وعلى رأسها الملف الإيراني، الذي يشهد توافقًا واسعًا في إسرائيل بين الحكومة والمعارضة، بل وحتى الأحزاب الحريدية. وبناءً على هذا المناخ، قد يتجه نتانياهو إلى مزيد من التشدد، ليس فقط تجاه إيران، بل وربما في توسيع العمليات العسكرية في غزة، خاصة إذا استطاع تأطير هذه الجبهة باعتبارها امتدادًا للتهديد الإيراني، من خلال الربط بين الدعم الإيراني لحماس وبين الهجمات الأخيرة. وبالتالي تصبح غزة جزءًا من استراتيجية أوسع تتيح له تعزيز صورته كقائد قوي في لحظة وطنية حساسة، وهو ما سعى إليه نتنياهو دائمًا. وفي ظل عدم وجود مؤشرات على قرب سقوط الحكومة، بل على العكس، وجود فرصة لاستكمال مدتها حتى أكتوبر 2026، فإن نتانياهو يتحرك الآن بثقة أكبر، مدعومًا بتماسك داخلي مؤقت، وتفويض شعبي نسبي، ما قد يدفعه إلى سياسات أكثر جرأة في المرحلة المقبلة مع الأخذ في الاعتبار القبول الدولي لهذا التصعيد خاصة ضد إيران.
باحثة بالمرصد المصري