مصرإيران

إقرار باحترافية العمل الفني ودعوات للرد عليه .. كيف رأى الإيرانيون مسلسل “الحشاشين” المصري؟

منذ عرض فيلم “الممر” المصري في 2019، لم يستحوذ أي عمل سينمائي أو درامي مصري أو عربي على اهتمام هائل وضخم مثل ذلك الذي حصل عليه مسلسل “الحشاشين” الذي يُعرض في شهر رمضان الحالي. فقد تطرقت – ولا تزال- المصادر الإيرانية الناطقة بالفارسية إلى المسلسل من جميع جوانبه الفنية والتاريخية، حتى أن بعض المنافذ الإعلامية قد ترجمت حلقات المسلسل المعروضة حتى الآن إلى اللغة الفارسية وعرضتها مثل موقع “آبارات” البديل لـ “يوتيوب” في إيران، وهو أمر نادر الحدوث عند تعامل الإعلام الإيراني المرئي مع المسلسلات العربية.

إذ تركز عمليات ترجمة أو “دبلجة” الأعمال الدرامية أو السينمائية في الداخل الإيراني على الأعمال التركية تليها الأوروبية، وكانت بعض الأعمال التاريخية العربية تُتَرْجم على الأغلب من جانب إيرانيين يقيمون في الخارج؛ نظراً لاختلاف كثير من الآراء في داخل إيران حول الأحداث التاريخية التي تتعرض لها.

وعلى أي حال، يعود جزء كبير من الاهتمام الإيراني المحلي الواسع وتسليطه الضوء على مسلسل “الحشاشين” لتناول المسلسل لأحداث تخص التاريخ الإيراني والمذهب الشيعي وبعض المناطق الإيرانية وأبرزها محافظة أصفهان وقم ومدينة الري التاريخية الواقعة في محافظة طهران اليوم، وهي البيئة والظروف التي كان يعيشها بطل القصة “حسن الصباح”.

وعلى الرغم من إقرار جميع الآراء والتقارير المنشورة في المواقع الإعلامية الإيرانية باحترافية العمل الفني الممثل في مسلسل “الحشاشين”، إلا أن النقاد والكتاب والمعنيين بالتاريخ ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي  من المواطنين قد تناولوا المسلسل بمنظور مختلف.

روايات المواقع الإلكترونية “شبه الرسمية” وتناولها للأحداث التاريخية

بعد التأكيد على قيمة العمل الفني، كانت السمة الأبرز عند تناول النقاد والكتاب الإيرانيين والتقارير المعنية في الداخل لمسلسل “الحشاشين” هي انتقادهم لبعض أحداث المسلسل التاريخية وتاريخ الفرقة الإسماعيلية النزارية في عهد حسن الصباح، أي أنها مقارنة بين أحداث وتاريخ الفرقة والمسلسل. ولذا، فإننا نجد أن “الحشاشين” قد أعاد مرة أخرى توجيه الأنظار في الداخل الإيراني نفسه إلى تاريخ هذه الفرقة.

إذ بدأت العديد من المواقع الإيرانية المحلية الناطقة بالفارسية في الحديث مرة أخرى عن حسن الصباح والفرقة الإسماعيلية النزارية، ومقارنة ما يسردونه من تاريخ مع أحداث المسلسل.

وكان من بين أبرز هذه المواقع المعروفة بشدة في الداخل الإيراني موقع “عصر ايران” الذي نشر تقريراً يوم 29 مارس 2024 تحت عنوان “إلى أي مدى يُعد مسلسل الحشاشين واقعياً؟ / جميع ما يجب أن تعرفونه حول حقيقة تاريخ حسن الصباح والفرقة الإسماعيلية”، حيث تطرق من وجهة النظر الإيرانية إلى تاريخ هذه الفرقة “الصحيح”، وهو النهج الذي سارت عليه كثير من المواقع و”اليوتيوبرز – Youtubers” الإيرانيين في موادهم المنشورة بالفارسية التي تحدثت عن العمل الفني.

وقد وصف موقع “عصر ايران” الشهير المسلسل قائلاً إنه “يستحوذ على اهتمام بالغ في الدول الإسلامية”، إلا أنه انتقد التناول التاريخي في بعض الأحداث والتي من بينها ما قال إنه “استخدام المواد المخدرة من جانب الفرقة الإسماعيلية لتحويل المحاربين إلى آلات قتل”.

أما موقع “نوانديش” الإيراني الخبري التحليلي، فقد نشر في تقرير له يوم 26 مارس 2024 تحت عنوان “هل أغضب مسلسل الحشاشين المصري الإيرانيين!”، يقول إن المسلسل “يستحوذ على اهتمام بالغ بشدة من جانب الإيرانيين؛ حيث إن قصة هذا المسلسل تأتي من عمق التاريخ الإيراني وتتطرق لحياة حسن الصباح”.

ويزعم التقرير أن “هذا المسلسل العربي قد أغضب الإيرانيين”، متوجهاً في ذلك إلى بعض الآراء المحلية.

دعوات لعمل فني مماثل: كيف رأى المواطنون العاديون في إيران مسلسل “الحشاشين” ؟

أما فيما يخص وجهات نظر المواطنين العاديين في إيران ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إزاء مسلسل “الحشاشين”، فإننا يمكننا القول إنها على الرغم من اتفاقها مع قيمة المسلسل الفنية الضخمة وأهمية مشاهدته وانتقادها لبعض الوقائع التاريخية، إلا أنها وجّهت انتقادات واضحة للمسؤولين الإيرانيين خاصة المسؤولين عن الدراما والسينما، حيث طالبوهم بعمل مسلسل بحجم “الحشاشين” والرد فيه عليه و”إظهار” الأحداث التاريحية من وجهة النظر الأخرى.

واستناداً لهذا، نرى أحد صناع المحتوى – “يوتيوبرز” – الإيرانيين في محتواهم الفارسي ويُدعى “محمد حسين رحيم” يقول إن المسلسل كان به بعض السرد غير الواقعي من وجهة نظر الطائفة الإسماعيلية، ومن بينها، حسب قوله، “زراعة الحشاشين” للنبات المخدر الذي يحمل الاسم نفسه، مضيفاً أن هذه الآراء منقولة عن المستكشف الإيطالي “ماركو بولو”. وأضاف رحيم أن “كلمة الحشاشين كانت تُطلق على الأفراد الذين يبيعون الأدوية وليس المواد المخدرة”.

كما علّق مستخدم أخر – يحمل اسم “علي رضا” – على المسلسل من وجهة النظر ذاتها قائلاً “بعض المخالفين للإسماعيليين يعتقدون أن حسن الصباح رئيس الفرقة الإسماعيلية كان يعطي مخدر الحشيش لمريديه؛ حتى يجعلهم مطيعين وفدائيين”.

وعليه، نرى اتفاقاً بين الروايات الإيرانية شبه الرسمية وبين بعض الأفراد العاديين فيما الأحداث التاريخية التي عرضها المسلسل.

ومع ذلك، فقد أبرز الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعية على وجه التحديد في إيران إعجابهم بضخامة المسلسل واحترافيته العالية، داعين إلى ضرورة مشاهدته، وأكد أخرون على أن المسلسل لم يحمل أي وجهة نظر مخالفة من زاوية التاريخ في مخالفة لوجهات نظر مواقع عدة، ومشددين على أنه لم يحمل أحداثاً غير حقيقية.

وكان من بين هؤلاء مستخدم باسم “رييس على دلاورى” الذي قال في تعليقه “لقد رأيتُ بالأمس 8 حلقات من المسلسل، وإنصافاً للحق، لم أر أية عداوة مع التاريخ، فقد كان التصوير واللوكيشن رائعين، والمسلسل بشكل عام يستحق المشاهدة”.

وفي الوقت نفسه، فإننا نجد انتقادات واضحة من جانب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعية في إيران لصناع الدراما والسينما في إيران من حيث عدم إنتاجهم لمسلسل بهذا الحجم يوضح مثل هذه الأحداث التاريخية، مطالبين إياهم بعمل مسلسل مماثل لـ “الحشاشين” للرد عليه.

كما حذّر بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعية في إيران الدولة من ترك هذه السرديات التاريخية في أيدي “أخرين” من غير الإيرانيين، على حد وصف كثير منهم.

وعلى هذا النحو، نجد أحد هؤلاء المستخدمين يقول في تعليق له على “يوتيوب” إنه “عندما لا يتقبل نظامنا رواياتنا ولا يقوم بتجسيدها فنياً، يصبح من المتوقع أن يقوم الأخرون بتغيير التاريخ لصالحهم. كم هي كثيرة قصصنا التي يمكن أن تتحول لأفلام ومسلسلات”.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى