القضية الفلسطينية

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يعرض رؤية الحركة لمنطلقات خطة وطنية فلسطينية

ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية كلمة خلال اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي تستضيفه مصر بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويُعقد في مدينة العلمين الجديدة. أكد خلالها أن الفلسطينيين أمام مرحلة استثنائية في مسار الصراع مع إسرائيل، بما يفرض عليهم التفكير بشكل جماعي واتخاذ قرارات استثنائية في كيفية مواجهة ومقاومة هذه السياسات وكبح جماح هؤلاء المتطرفين، وأن يضعوا الخطط المناسبة لتعزيز صمود الشعب المرابط في القدس ودعم المنتفضين والمقاومين.

وفيما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين

الإخوة الحضور الكرام

شعبنا المجاهد العظيم

أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انطلاقا من قوله تعالى “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص”، وفي ظلال هذا البلد العظيم الذي هو كنانة الله في أرضه ولأجل القضية المباركة المقدسة فلسطين التي بارك الله فيها للعالمين وأسرى إليها بحبيبه خاتم الأنبياء ووفاءً لدماء وتضحيات شعبنا العظيم وأمتنا المعطاءَة التي سالت على أرض فلسطين ولأجل أمهات الشهداء وعذابات الأسرى وقسوة اللجوء ولأجل هذه القضية المقدسة؛ فإننا في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وفي هذا المقام والمناسبة والمنعطف التاريخي نود أن نسجل لله والتاريخ والقضية موقفنا في هذه الوثيقة في هذه المناسبة في هذا البلد الطيب في نقاط محددة واضحة.

ونتوجه بالشكر والتقدير للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ولإخوتنا واشقائنا في الدين والدم والمصير في جمهورية مصر العربية على ما بذلوه في سبيل هذه القضية في كافة مراحلها، بدءًا بالشهداء الأبرار انتهاء بهذا الجهد الذي لا يتوقف في رعاية مصالح شعبنا وجمع كلمته، والحرص عليه باعتباره وقضيته جزءًا لا يتجزأ من أمن مصر واستقرارها ومستقبلها.

كما نشكر كل من بذل جهدا وما زال لرأب الصدع الفلسطيني ونخص هنا الإخوة في الجزائر وقطر وتركيا والمملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية. ونشكر الأخ الرئيس أبو مازن على هذه المبادرة بالدعوة لعقد لقاء الأمناء العامين للفصائل والذي هو مطلب الجميع كصيغة مؤقتة على طريق توحيد الوضع الفلسطيني ضمن منظومه وطنية فلسطينية تضم الجميع، ونؤكد على أهمية استمرار هذه اللقاءات حتى إنجاز الصيغة الوطنية الجامعة الدائمة.

كما نتقدم بالتحية والتقدير لشعبنا العظيم في كافة أماكن تواجده في القدس حيث المرابطين والمرابطات في الأقصى المبارك، وفي الضفة الثائرة الصابرة، وفي غزة العزة المقاومة العنيدة، وفي الـ 48 الأصالة والعطاء، وفي الشتات المتحفز للعودة والتحرير، وأيضًا التحية للأسرى الميامين الشم الرواس في سجون الاحتلال .

الإخوة الحضور الكرام :

ينعقد اجتماعنا هذا في ظل أحداث وتطورات خطيرة تمر بها قضيتنا وشعبنا في ظل حكومة فاشية متطرفة، وليس خافيًا عليكم حجم الممارسات العدوانية التي تمارسها قوات الاحتلال الغاشم بحق شعبنا الأعزل في القدس والضفة والتنكيل بأهلنا بذرائع واهية فضلًا عن حصاره لغزة ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والاعراف الدولية.

وتعمل هذه الحكومة المتطرفة على تحقيق مخططها بـ ” حسم الصراع ” بكل أبعاده عبر هجماتها الارهابية على شعبنا من أجل ترحيله وممارسة الحرب الدينية بدءا من محاولات تقسيم المسجد الاقصى المبارك زمانا ومكانة كمقدمة للسيطرة عليه وكذلك حرق المصحف الشريف واطلاق الشتائم والسباب بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في باحات الاقصى.

ولا تتوقف آلة القتل ساعة من ليل أو نهار في مجازر دموية متتالية واجتياحات واقتحامات متكررة، كما يمعن الاحتلال في جرائم الاعتقال التعسفي وهدم البيوت واطلاق اوسع حملات التوسع الاستيطاني ومصادرة الاراضي.

كما لم يسلم أهلنا في الـ 48 من الاجراءات العنصرية والارهابية لهذه الحكومة عبر عمليات الهدم والتهجير والقوانين العنصرية والتضييق المتواصل فضلا عن تنكره لحق العودة، وكذلك التضييق على الاسرى واتخاذ القرارات التعسفية بحقهم لزيادة معاناتهم وأهلهم.

كما بدا واضحًا أن هذه الحكومة المتطرفة لا تلقي بالا للانتقادات الدولية ولا تبالي بأي تحذيرات من التمادي في اجراءات تغيير الواقع بالقوة في القدس والضفة انطلاقا من رؤيتها الدينية والقومية المتطرفة.

كل ذلك يعني أننا أمام مرحلة استثنائية في مسار الصراع مع العدو بما يفرض علينا التفكير بشكل جماعي واتخاذ قرارات استثنائية في كيفية مواجهة ومقاومة هذه السياسات وكبح جماح هؤلاء المتطرفين، كما يفرض علينا أن نضع الخطط المناسبة لتعزيز صمود شعبنا المرابط في القدس ودعم المنتفضين والمقاومين.

وفي إطار قراءة واعية لمجمل التطورات التي تمر بها قضتينا على الساحة الدولية والاقليمية والمحلية نجد انشغال القوى الكبرى والمؤثرة على مستوى العالم وخاصة الادارة الامريكية وأوروبا بمستقبل وطبيعة النظام الدولي والحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها المحتملة ولم تعد منطقة الشرق الاوسط ولا القضية الفلسطينية على سلم أولوياتها في ظل حكومة إسرائيلية تصفها الاطراف الدولية بما فيها الادارة الأمريكية الحالية بالمتطرفة.

ولا يخفى على أحد بأن ما يسمى “عملية التسوية” وصلت إلى طريق مسدود واستفاد منها الاحتلال طوال الاعوام الثلاثين الماضية وحول أرضنا إلى معازل وكانتونات والتهم الاستيطان معظم اراضي الضفة وسعى من خلال سياسة البطش والارهاب والقتل والاعتقال لمنع تطور مشروع المقاومة في الضفة المحتلة مثلما تطور هذا المشروع في قطاع غزة وهذا كله كنا قد حذرنا منه مرارا وتكرارا منذ توقيع اتفاق اوسلو.

ورغم كل ذلك فإننا نملك نافذة فرص علينا استثمارها فالاحتلال يعاني من الانقسام الداخلي غير المسبوق، وتوتر علاقاته الدولية وعدم قدرته على كسر ارادة شعبنا ومقاومته المتصاعدة.

وفي مقابل ذلك فإن شعبنا الفلسطيني يقف على أرض صلبة ويراكم كل يوم انجازات جديدة حيث يواصل تعزيز عناصر القوة بمستوياتها المختلفة ويخوض المعركة تلو المعركة ويشعل الانتفاضة تلو الانتفاضة كحل وحيد في مواجهة غطرسة الاحتلال وقد نجح في تسجيل محطات وانجازات مهمة ذات طابع استراتيجي وخاصة في “سيف القدس” ومعركة جنين وغيرها من المحطات التي شكلت انعطافات مهمة في مسار الصراع مع هذا العدو مما يجعلنا جميعا أمام مسؤولية عظيمة وخيار وحيد هو تطوير هذه المقاومة والانتفاضة البطلة ودعمها لنتمكن من انجاز أهدافنا في انهاء الاحتلال واقتلاع الاستيطان واستعادة سيادتنا الكاملة على ضفتنا المحتلة كمقدمة لفرض سيادتنا على كل أرض فلسطين التاريخية باعتبار المقاومة بكل أشكالها وخاصة المقاومة المسلحة، مرورا بالمقاومة الشعبية والاعلامية والسياسية ومقاومة التطبيع حق شعبنا بل واجبه الإنساني والديني والوطني حتى زوال الاحتلال.

الحضور الكرام

شعبنا البطل في كل مكان

إن حركة حماس كانت ولا زالت وستظل ركنا فاعلًا وإيجابيًا في العمل على توحيد الصف الفلسطيني وستظل تبادر وتستجيب للمبادرات في هذا الإطار ولا يثنينا كثرة العقبات والتجارب انطلاقا من قناعتنا أن الحوار واللقاء هو السبيل للنجاح في مهمتنا لأن البديل هو الفرقة والصراع والفشل والهزيمة.

ونود التأكيد في هذه المناسبة على موقفنا الذي أعلناه مرارًا وتكرارًا أن حركة حماس تبحث عن الوحدة والقواسم المشتركة، وقد عملت على ذلك في كل المحطات وتدعوا لذلك قولًا وعملًا، وترفض رفضًا قاطعًا سياسة الاقصاء والتهميش وكل قول أو سلوك يؤدي إلى توتير العلاقات وتسميم الأجواء الوطنية.

ونحن نرى أن غياب فصائل فلسطينية مقاومة اليوم هو ثلمة في هذا اللقاء ولا يكتمل عقدنا وتمضي استراتيجيتنا الا بوحدتنا جميعًا ووقوفنا صفًا واحدًا في مواجهة عدونا ونؤكد على أن مطلب الاخوة في الجهاد بالإفراج عن المعتقلين على خلفية المشاركة في مقاومة الاحتلال أو على خلفية الانتماء السياسي هو مطلبنا جميعا ونؤكد عليه، فاستمراره يشكل إساءَة عميقة لنا جميعًا ولنهج المقاومة والثورة الذي نرى فيه الخلاص لهذا الشعب، وكنا نتمنى مشاركة الجميع لأننا نرى أن اللقاء والحوار هو طريق حتمي لا يجب التنازل أو التخلي عنه في كل الظروف ومهما كانت الالام لأن البديل سيكون أشد وأقسى علينا جميعًا.

إننا وفي إطار مواجهة مخططات الاحتلال وسياسة حكومته الفاشية وسعيا لتحقيق وحدة شعبنا نرى ضرورة تبني خطة وطنية فاعلة تستجيب للتحديات ذات الطابع الوجودي الذي فرضته الحكومة الصهيونية الحالية في بعديها المتعلق بالاحتلال أو المتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلية ترتكز على المنطلقات الآتية:

أولًا: انتهاء مرحلة أوسلو فشعبنا اليوم أمام مرحلة سياسية وميدانية جديدة.

ثانيًا: التناقض الرئيس هو مع العدو الصهيوني.

ثالثًا: المرحلة الراهنة هي مرحلة تحرير وطني.

رابعًا: الشراكة السياسية على أساس الخيار الديمقراطي الانتخابي هي المنطلق لبناء الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني بكل مكوناته ومستوياته.

خامسًا: قضية فلسطين ومحورها القدس هي قضية وطنية عربية إسلامية إنسانية.

وترجمة هذه المنطلقات في الخطة الوطنية التي ندعو إليها يتمثل في الآتي:

على الصعيد الوطني:

1- تبني خيار المقاومة الشاملة وتعزيز صمود شعبنا ونضاله ضد جرائم الاحتلال والمستوطنين في الضفة والقدس وإزالة كل العقبات من طريقها وكل الالتزامات التي تتناقض مع حق شعبنا في مقاومة الاحتلال.

2- إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل مجلس وطني جديد يضم الجميع على أساس الانتخابات الديمقراطية الحرة.

3- تشكيل المؤسسات الفلسطينية في الضفة والقطاع على أساس الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

4- دعم صمود أهلنا في القدس والضفة والعمل على إنهاء الحصار عن قطاع غزة.

5- إنهاء كل أشكال التنسيق الأمني مع العدو ووقف وتحريم كل أشكال الملاحقة والاعتقال على خلفية المقاومة أو الانتماء الفصائلي أو العمل السياسي.

6- تعزيز صمود أهلنا في الشتات وضمان مشاركتهم وتعزيز دورهم الوطني والنضالي.

7- دعم صمود أهلنا في الـ 48 وحماية حقهم في النضال السياسي والمدني وقطع الطريق على كل محاولات التهجير والاستفراد بأهلنا هناك.

8- وضع برنامج وطني للإفراج عن أسرانا في سجون الاحتلال.

ثانيا على الصعيد الخارجي:

1- حشد طاقات الأمة لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته وصموده.

2- إطلاق حملة سياسية وإعلامية ودبلوماسية واسعة لعزل وإدانة الاحتلال وممارسات حكومته المتطرفة ومستوطنيه.

3- اتخاذ كل الخطوات القانونية على كل المستويات لمحاكمة قادة الاحتلال وجنوده أمام المحاكم الدولية على ما يرتكبونه من جرائم بحق شعبنا.

4- دعوة الجامعة العربية للانعقاد لاتخاذ قرارات واضحة بوقف التطبيع مع العدو المحتل كخطوة أولى على طريق محاصرته ومعاقبته.

ولضمان تطبيق هذه الخطة الوطنية فإننا ندعو إلى وضع الآليات التالية:

1- دورية لقاء الأمناء العامون.

2- تشكيل لجنة فصائلية للمتابعة تكون مهمتها متابعة نتائج هذا اللقاء ووضع الآليات لمواجهة التحديات وسياسة الحكومة الصهيونية الراهنة.

3- إحياء وإعادة تشكيل لجنة الحريات العامة وإنهاء ملف الاعتقال السياسي.

4- وضع برنامج وآليات إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس الانتخابات والتوافق حيث تعذرت.

5- تشكيل قيادة مشتركة لمتابعة ومواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

ختامًا نتوجه بالتحية والاعتزاز والفخار لشهداء شعبنا وأمتنا ونسأل الله لهم الرحمة ونعاهدهم أننا ماضون على درب الشهادة والمقاومة لا نخلف عهود الشهداء الأبرار من عز الدين القسام وياسر عرفات وأحمد ياسين وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى وصولًا إلى أخر ثلة من الشهداء الأبرار الذين ارتقوا على درب الجهاد والمقاومة والعزة والكرامة.

ونسأل الله الشفاء للجرحى والحرية للأسرى الأبطال القابعين خلف القضبان منذ عشرات السنين في ملحمة لم يعرف العالم لها مثيلًا وأن نكون على قدر المسؤولية لانتزاع حريتهم رغمًا عن أنف الاحتلال المجرم ولأهالي الجرحى والأسرى الذين هم نجوم تزين سماء هذا الوطن لأمهات الشهداء والأسرى وزوجاتهم وأبنائهم وكل أحبائهم.

كما نوجه تحية فخر واعتزاز للمقاومين الابطال ونشد على أياديهم ونؤكد احتضاننا الكامل لهم على طريق التحرير والعودة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى