
“قلق وترقب ومصير مجهول”: ماذا يترتب على صعود اليمين القومي إلى السلطة في إيطاليا؟
هزَّ انتصار زعيمة اليمين القومي في إيطاليا “جورجيا ميلوني” أوساط أوروبا، وهو الفوز الأول لليمين القومي في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، مما زاد مخاوف بشأن تحول يميني جديد في القارة التي تكافح بشدة وتواجه الصعوبات الاقتصادية، وتواجه في نفس الوقت حربًا قاسية على جناحها الشرقي، ولكن في النهاية كانت الكلمة لإرادة الشعب الإيطالي التي كانت الفصل في انتصار ميلوني التي أعلنت عن تشكيل وقيادة حكومتها في أقرب وقت؛ لمواجهة المشكلات العديدة التي تمر بها البلاد.
انفراجة جديدة لليمن القومي في أوروبا
دخلت إيطاليا يوم 25 سبتمبر مرحلة جديدة بفوز “جورجيا ميلوني” أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في البلاد، وزعيمة حزب “إخوة إيطاليا” اليميني القومي بالانتخابات التشريعية؛ إذ ستتاح لها فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام 1945، وذلك على رأس ائتلاف شعبوي منقسم يتحتم عليه التوافق والاجتماع من أجل تشكيل حكومة جديدة، ويتكون من حزب “الرابطة” بقيادة “ماتيو سالفيني” الفائز بنسبة 8.8%، و”فورزا إيطاليا” اليمني بقيادة “سيلفيو برلوسكوني” الفائز بنسبة 8.1%. وسيتعين تشكيل الحكومة الجديدة لمواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة، ومعالجة مخاوف البلاد الداخلية والخارجية، وذلك قبل نهاية أكتوبر على أقرب تقدير.
وحصلت ميلوني على أكثر من 26% من الأصوات في الانتخابات التي شهدت نسبة مقاطعة بلغت 36%، بينما حصل ائتلافها اليميني مع الحزبين الآخرين على نحو 44% من الأصوات، وهذا ما سيضمن لها غالبية في مجلسي الشيوخ والنواب. وتعد هذه أعلى نسبة أصوات سجلها اليمين القومي في تاريخ أوروبا الغربية، مع العلم أن أي تحالف يفوز بـ 40% يضمن الفوز بما يقرب من 60% من المقاعد.
ولكن حتى الآن، قرار تعيينها كرئيسة للوزراء ليس بيدها، وإنما يكمن في يد الرئيس الإيطالي “سيرجيو ماتاريلا”؛ إذ يلعب الرئيس دورًا محوريًا في الدستور الإيطالي، ويستطيع في أي وقت حل البرلمان، علاوة على أنه -نظريًا- يحمي البلاد من الديكتاتورية. وربما لهذا السبب ترغب ميلوني وحلفاؤها في إدخال تغيير جوهري على دور الرئيس إذا تولت المنصب، وذلك من خلال تعديلات متوقعة على الدستور ستجعل منه رئيسًا منتخبًا للدولة بشكل مباشر بدلًا من كونه شخصية حيادية يتم اختيارها من قبل البرلمان.
وبعد الفوز، حرصت ميلوني على طمأنة جميع المؤيدين والمعارضين من خلال كلمة مقتضبة تضمنت دعوات كثيرة إلى التهدئة والسلام، فقالت: “في 25 سبتمبر، سنحت لنا فرصة فريدة لإحياء إيطاليا ومنع اليسار من العودة إلى الحكومة بعد سنوات من الكوارث والقيود. نحن مستعدون للقيام بدورنا، إذا دعُينا لحكم هذه الأمة فسنفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين، وسنفعل ذلك بهدف توحيد الناس وتعزيز ما يوحدهم وليس ما يفرقهم”.
ومنذ 2018، كان حزب “إخوة إيطاليا” في صفوف المعارضة، فارضًا نفسه كبديل رئيس، فارتفعت حصته من الأصوات من 4.3% عام 2018 إلى نحو ربع الأصوات تقريبًا (بين 22% و26%)، وذلك بسبب ميلوني التي استطاعت استقطاب الكثير من الغاضبين من سياسات بروكسل وغلاء المعيشة، تحت شعار: “الله، الوطن، العائلة”، وارتكز برنامجها على ثلاثة محددات (لا للمثلية، لا للعولمة، لا للمهاجرين) مع تخفيف حدة الخطاب الموجه ضد الاتحاد الأوروبي، والتركيز على طرح سياسات إصلاحية.
يرى المحللون والسياسيون أن فوز ميلوني سيشكل زلزالًا حقيقًا في إيطاليا، أهم الدول المؤسسة لأوروبا، وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، فضلًا عن المعاناة التي تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي الآن الذي يفكر كيف سيتعامل مع السياسية القريبة من مسؤولين معاديين لبروكسل.
أما عن أحزاب اليسار في إيطاليا، فقد اعترف الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط بقيادة “إنريكو ليتا” بهزيمته في الانتخابات التشريعية بما يقرب من 29.5%، مؤكدًا اعتزامه تشكيل أكبر قوة معارضة في البرلمان المقبل، بينما أتى تحالف “النجوم الخمس” في المركز الثالث بقيادة “غوسيب كونتي” بنسبة 15.4%.
أما تحالف الوسط الذي تشكَّل بصورة رئيسة من التحالف بين حزب “أتسيوني” بزعامة كارلو كاليندا وزير الاقتصاد السابق، وحزب “إيطاليا فيفا” بقيادة رئيس الوزراء الإيطالي السابق “ماتيو رينزي”، فقد حصل على 7.7% تقريبًا من الأصوات في المجلسَيْن. وقبل الانتخابات، كانت أحزاب الوسط واليسار في إيطاليا ترمي إلى تشكيل تحدٍ مشترك لمواجهة ائتلاف ميلوني، لكنها فشلت في الاتفاق فيما بينها ولم تقدر على خوض سباق الانتخابات معًا بالرغم من اشتراكها في العديد من السياسيات.
سبب ميل إيطاليا نحو اليمين
يبدو أن الشعب الإيطالي مثله مثل باقي الشعوب الأوروبية التي سمحت مؤخرًا بوصول اليمين إلى السلطة كانت لديه العديد من الأسباب للموافقة على السياسات التي تتبناها تلك الأحزاب أمام عدد من الأزمات ويأتي في مقدمتها الهجرة واللجوء، إلى جانب أزمة الهوية التي خلقتها العولمة، ثم من بعد ذلك الصراعات الدولية وأزمات الاقتصاد، وارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة، وفداحة الضرائب، والمستوى السيئ للنظام التعليمي، وهذا كله أدى إلى حالة من الغضب الشعبي في البلاد.
وإيمانًا بأن الأحزاب اليمينية قادرة على مواجهة هذه الأزمات بحزم، والتصدي لأي تهديد قد يحلق فوق رؤوس الشعوب الأوروبية؛ أصبح الميل نحوها هو القرار الآمن، ففي الفترة الأخيرة على سبيل المثال، ومع تداعيات جائحة كورونا على العالم، وكذلك اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تزايد نفوذ القوى اليمينية في أوروبا، خاصة بعد أن تصاعدت دعواتها للانغلاق على الوطن في سبيل الإنقاذ، والتمرد ومعاداة كل ما هو أجنبي أو دخيل. وهو ما انعكس بعد ذلك على نتائج الانتخابات التي دفعت وبقوة هذه الأحزاب، في إشارة واضحة إلى مدى تصديق الناخبين لخطابات زعماء اليمين الشعبوي التي تلاقي استحسانًا لأهواء شريحة اجتماعية عريضة تسيطر عليها مشاعر التعصب العرقي والثقافي والضجر من قيم الحرية والمساواة والتضامن.
وربما تكون “الهجرة” هي الملف الأكثر تأثيرًا على أصوات الناخبين، خاصة بعدما شهدته أوروبا في الفترة الأخيرة من موجات اللجوء والنزوح إليها، وهي الورقة الضاغطة التي استخدمتها ميلوني وائتلافها، والتي لاقت ترحيبًا كبيرًا لكل مناهض للمهاجرين واللاجئين، ومثلت نقطة محورية في الحملة الانتخابية للتحالف.
فميلوني ترى أن موجات الهجرة غير الشرعية نفذتها قوى ذات نفوذ لاستقدام العمالة منخفضة الأجر وطرد الإيطاليين من عملهم، أو بمعنى آخر ما يطلق عليه اسم “الاستبدال العرقي” لصالح غير الأوروبيين، ولهذا يعد ملف الهجرة من الملفات الحساسة التي يترقبها الكثيرون في إيطاليا وأوروبا كلها بشكل عام، والمسلمون بشكل خاص؛ فوفقًا لتقارير مكتب الإحصاء الوطني الإيطالي، يُقيم نحو 5.2 مليون مهاجر في إيطاليا مشكّلين نسبة 9% من سكان البلاد، فيما يصعب تحديد أرقام المهاجرين السريين.
ومع تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، صرحت ميلوني خلال حملتها الانتخابية مرارًا أنها جاءت لمحاربة “الأسلمة”، والتي تصفها بأنها تطرف وعنف، متوعدة بغلق هذا الملف تمامًا إذا فازت بالانتخابات، ومتعهدة أن تنتهج سياسة “صفر مهاجرين” التي تركّز فيها على نقطتين أساسيتين: تشديد العمليات العسكرية الأوروبية ضد زوارق المهربين في عرض المتوسط للحيلولة أمام رسوّهم على شواطئ البلاد، والتنسيق مع السلطات الليبية والتونسية لتشديد الحراسة على الشواطئ.
ومن الأسباب أيضًا التي دعمت ميلوني بشكل كبير هو حذرها الشديد قبل الانتخابات؛ فقد حثت حلفاءها على عدم تقديم تعهدات لا يمكنهم الوفاء بها، ووعدت بأن تكون أمينة على إدارة الحسابات العامة الهشة في إيطاليا، وطمأنت المؤسسة الإيطالية القائمة برسالة قوية مؤيدة للغرب تعهدت فيها بزيادة الإنفاق الدفاعي والوقوف في وجه روسيا والصين.
وشهدت الأشهر الأخيرة تحولات في المشهد السياسي الإيطالي تمت ترجمتها بتفكك الائتلاف المكون لحكومة الوحدة الوطنية، بعد أن دخلت حركة “الخمس نجوم” أبرز قوى التحالف في صراع مع رئيس الحكومة السابق “دراجي”، الأمر الذي أدى إلى تراجع شعبية الحزب ونتائجه الانتخابية، واستفادة اليمين من هذا التفكك وتكوين ائتلاف قوي يحصد أصواتًا أكثر.
وقد يكون هذا الانتصار التاريخي لليمين الإيطالي عقابًا للأحزاب الكلاسيكية التي لم تتسم برامجها بتقديم أي حلول خلال السنوات الماضية من حكمها للشعب الإيطالي، أكثر منه اقتناعًا بتوجهات وأفكار اليمين القومي، فقد كانت دعوات اليسار إلى الاستمرارية أقل إقناعًا بالنسبة للناخبين الفقراء الذين يعانون في إيطاليا المغرقة بالديون والتضخم، إذا ما قورنت بوعود اليمين، وهو ما جعل الإيطاليين يفقدون الثقة بالنخب التقليدية ويسخطون عليها.
شكل الحكومة الجديدة والعقبات التي تواجهها
تواجه الحكومة الجديدة –القومية من وجهة نظر الكثرين- التي لم تتشكل بعد العديد من العقبات الثقيلة داخليًا وخارجيًا، والتي يأتي في مقدمتها الأزمة الاقتصادية؛ ففي البداية، سيتحتم عليها التركيز بشكل كبير لمعالجة قضايا الداخل الإيطالي، وذلك من خلال معالجة الأزمة الناتجة عن الارتفاع الحاد في الأسعار في الوقت الذي تواجه فيه إيطاليا دينًا يمثل 150% من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة بعد اليونان، فضلًا عن التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية بلغت 9%، والذي أسهم في ارتفاع فاتورة الغاز والكهرباء والإثقال على كاهل الأسر والشركات، وسط ركود قريب يلوح في الأفق.
ولهذا، يبدو من الواضح أن إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته لإنعاش الاقتصاد بعد وباء كوفيد-19، وقد تم إثبات أن إيطاليا كانت من أوائل البلاد التي استفادت من هذا الدعم، وبفارق كبير عن البلدان الأخرى، بعد أن تفاوض “ماريو دراجي” رئيس الحكومة السابق مع بروكسل أن تمنحها مساعدات مالية تقارب قيمتها 200 مليار يورو، في مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية عميقة. كل هذا بجانب ملف الهجرة، فمن الواضح أن الحكومة الجديدة ستنتهج سياسات متشددة في عدائها للاجئين، بعد أن كانت إيطاليا البلاد الأكثر استقبالًا لهم في الاتحاد الأوروبي.
أما عن شكل الحكومة، فتشير التوقعات إلى عدة نقاط تتلخص فيما يلي:
– استبعدت ميلوني إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، معربة أن ثقتها بالكامل ستكون في تمكين اليمين من نيل الأغلبية البرلمانية.
– يفترض أن يكون هناك وفاق مع شركاء ائتلاف ميلوني اليميني “بيرلسكوني” و”سالفيني”، خاصة وأن لكل منهما رؤى مختلفة بخلاف تجاربهما السابقة في الحكم، فبيرلسكوني مثلا يتذكره الجميع بالأزمة المالية التي لم تخرج منها إيطاليا حتى الآن عقب رحيله في 2011، أما سالفيني فانتهت تجربته كوزير داخلية بمواجهة مساءلة قانونية تتعلق بأدائه في قضايا الهجرة واللاجئين في جزيرة صقلية بعد منعه سفينة إنقاذ من دخول ميناء الجزيرة ورجوعها مرة أخرى.
– ومن مصلحة ميلوني ألا تخسر شعبيتها أيضًا، لذا سنجد أنها ستتناغم مع عموم التوجهات الأوروبية والأطلسية، حتى لا ترضخ وتتجه لأقصى اليمين.
– بما أن حزب “الرابطة” لم يحصل على أصوات كبيرة، فميلوني -حتى الآن- غير ملزمة بإعطائه وزارات سيادية يمكن أن تؤثر على السياسات الاستراتيجية لحكومتها، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة، ولهذا لا يمتلك سالفيني قدرة كبيرة على التفاوض لنيل حقائب وزارية محددة.
– يقترح داخل إخوة إيطاليا تولى وزير المالية الأسبق “جوليو تريمونتى” والذي ظل وزيرًا لمالية حكومات بيرلسكونى حتى آخر حكومة في 2011، فبالرغم من وصفه بأنه رجل أسهم في الانهيار المالي لإيطاليا، إلا أن لديه نفس توجهات ميلونى ضد العولمة مع تفضيل سياسات حمائية، وربما يكون توليه مسؤولية المالية أولى خطوات الصدام مع الاتحاد الأوروبي.
– في ضوء نتائج الانتخابات، من المؤكد أن تعود حركة “الخمس نجوم” إلى صفوف المعارضة.
مخاوف أوروبية وأمريكية
تعدّ إيطاليا أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وعضوًا في حلف شمال الأطلسي، وبرغم أن ميلوني عملت بجهد لتحسين صورتها السياسية من خلال إعلان مساندتها لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، لكن آراءها المناهضة للاتحاد الأوروبي تشير إلى المخاوف التي تتوقع بأن تكون السياسة السائدة لها ستتمثل في الحركة الفاشية التي أسسها “بنيتو موسوليني”، الزعيم الإيطالي السابق، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، والمفضل بالنسبة إليها.
وعلى نهج كل قائد يميني متطرف يريد الوصول إلى السلطة، معلنًا في برنامجه الانتخابي اعتزامه الخروج من الاتحاد الأوروبي والاستغناء عن اليورو من أجل “الدفاع عن المصلحة الوطنية بوجه المصالح الأوروبية”، والتأكيد على أن سياسات الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن تحل محل سياسة البلد نفسها؛ يتخوف الاتحاد الأوروبي من أن وصول ميلوني يعني أن تتبنى هذا النهج الذي قد يسير على خطاه العديد والعديد من القادة اليمينيين من بعدها إذا أتيحت لهم فرص الوصول إلى السلطة.
ويعتقد الاتحاد الأوروبي أن ميلوني قد تقف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل، ولكن هناك احتمالات كبرى بأنها لن تفعل هذا –في الوقت الراهن- بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادها، فهي بحاجة إلى دعم الاتحاد الأوربي بشكل أو بآخر، ولكنها قد تناور بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي فرضتها بروكسل.
ويتخوف الاتحاد الأوروبي كذلك من أن وصولها وحزبها المناهض للهجرة إلى السلطة قد يؤدي إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويًا عشرات الآلاف من المهاجرين، وخاصة الفارين من أفريقيا، فضلًا عن مطالبتها الاتحاد الأوروبي بترك الميثاق العالمي بشأن الهجرة، ما يثير تساؤلات جدية حول ملف حقوق الإنسان.
أما أمريكيًا، فقد قوبل انتصار ميلوني بقلق عميق في البيت الأبيض، ولكنه احترم العملية الانتخابية التي أدت إلى فوزها، معربًا عن ثقته في أن إيطاليا ستظل شريكًا ثابتًا مع الغرب، فهي بالأساس حليف في الناتو، وشريك في مجموعة السبع وعضو في الاتحاد الأوروبي، ولهذا، أكد البيت الأبيض أنه سيعمل مع الحكومة الإيطالية الجديدة على النطاق الكامل للتحديات العالمية، والتي تأتي في مقدمتها “دعم أوكرانيا وهي تدافع عن نفسها ضد العدوان الروسي”.
ولكن ما يقلق إدارة بايدن أيضًا هو موجة الانتصارات المتتالية لليمين الراديكالي في السويد والمجر، بينما كان الفوز قريبًا للغاية في فرنسا خلال الانتخابات الأخيرة، والتي فاز فيها ماكرون بفارق بسيط، وهذا ما أدى –من وجهة نظر البيت الأبيض- إلى زعزعة استقرار مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي وقفت بقوة هذا الصيف في ألمانيا لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
وربما يرى البيت الأبيض أن فوز ميلوني المذهل في إيطاليا يأتي في وقت يتم فيه اختبار عزم التحالف من أجل التحدي القادم مع فصل الشتاء، في ظل العقوبات المتحدة على روسيا، وانقطاع إمدادات الطاقة عن القارة الأوروبية وارتفاع أسعارها؛ ولهذا يشعر مسؤولو الإدارة الأمريكية بالقلق من أن ميلوني قد تفضل ألا تلتزم إيطاليا بوعودها تجاه القارة، بدعوى أن بلادها في حاجة إلى هذه الموارد، خاصة إذا انزلقت أوروبا نحو ركود كبير هذا الشتاء.
ومن المخاوف أيضًا فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، أن تبدأ دولة من دول مجموعة السبع في الاعتماد على كييف في إيجاد حل للتفاوض في الحرب –بدلًا من تمويلها- مما يزيد من احتمالية أن تحذو باقي دول المجموعة حذوها، وفي النهاية نشهد ضعف تصميم وإرادة القارة. ولكن في الوقت الحالي، لا يمتلك البيت الأبيض سوى الأمل في أن تقف روما بحزم مع كييف، وأن ترفض كل الأفكار القائلة إن التحالف يمكن أن ينهار، خاصة بعد انتشار الأخبار حول احتمالية تحالف إيطاليا مع بولندا والمجر اللتين تتبنيان مواقف متعارضة مع بروكسل، بالإضافة إلى التحالف الداخلي لميلوني مع سالفيني وبيرلسكوني اللذين يمتلكان علاقات وثيقة مع روسيا، وأثيرت مؤخرًا شبهات حول تلقي حزبيهما تمويلات روسية.
وربما يكون هناك تخوف من تشكيل “تحالف يميني إقليمي”؛ فمع صعود واقتراب صعود اليمين القومي بأكثر من دولة أوروبية، يخشى البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي تشكيل تحالف يميني إقليمي على امتداد أوروبا، وهو أمر قد يؤدي إلى استقطاب سياسي حاد داخل الدول الأوروبية.
وإجمالاُ لما سبق، تترقب أوروبا تأثيرات نتائج هذه الانتخابات عن كثب وسط تخوفات كثيرة من أن يسيطر اليمين في لحظة حاسمة من التاريخ الغربي على مجريات الأمور في بلد يُعَد مهد الحضارة الأوروبية الحديثة، حيث من المرجح أن تؤثر ميلوني في صناعة القرار الأوروبي وتُنشئ تحالفات قوية حكومات أوروبية مشابهة، هذا مع تخوفات أخرى بشأن أسلوب تعاملها وحكومتها- التي قد تتقاتل داخليًا- مع ملفات ساخنة وحيوية بالنسبة لإيطاليا، فضلًا عن القضايا الجوهرية في أوروبا والعالم. ولكن من المؤكد أن الحكومة اليمينية القادمة عليها أن تتخذ قرارات سياسية صعبة، وهو ما سيجعلنا نعرف مدى اتجاه إيطاليا نحو اليمين، ولكن يبقى التساؤل الأدق: “إلى أي مدى سيكون اليمين القومي متطرفًا في إيطاليا؟”.
باحثة بالمرصد المصري