
مصر وتجمع بريكس .. الجمهورية الجديدة في قلب العولمة البديلة
شهدت الصين خلال الشهر المنصرم أعمال القمة السنوية لتجمع بريكس، حيث وجهت الصين الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في أعمال القمة، وذلك للمرة الثانية بعد أن شاركت مصر في قمة بريكس عام 2017 التي عقدت أيضًا بالصين.
ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة عبر فيديو كونفرانس، كان أبرز ما فيها استعراض تجربة مصر التنموية في ضوء انضمام مصر لبنك التنمية الجديد في ديسمبر الماضي. وتأتي هذه المشاركة عقب بضعة أيام من حضور مصري مميز في روسيا، على ضوء اختيار مصر ضيف شرف منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي في أعمال دورته السادسة.
بريكس.. عولمة بديلة
لجأت روسيا والصين إلى تأسيس عدد من التكتلات الاقتصادية والسياسية، من أجل منافسة آليات العولمة الغربية، وتحضير بديل للعولمة الأمريكية حال سقوطها، وذلك مع المحافظة على التواجد في محافل العولمة الغربية والاشتراك بها والاستفادة منها بل واخترقها كما فعلت الصين.
وتشكل “مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة” BRICS واحدة من أهم محاولات الصين وروسيا لتأسيس نظام عالمي موازٍ يصلح أن يكون البديل اللائق حال ترنح أو تآكل النظام العالمي الحالي.
ويضم تحالف بريكس بنك التنمية الجديد وصندوق الطوارئ، حيث ينظر لهما باعتبارهما نظيرا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويضم تحالف بريكس كلًا من الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، مما يشكل 25 % من مساحة العالم و40 % من سكان الأرض.
السياسة الخارجية المصرية وتجمع بريكس
في هذا السياق تخطت مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، فكرة الانتساب لمعسكر بعينه أو دعم تكتل محدد، ولكن الرئيس عبد الفتاح السيسي سن سياسة خارجية عصرية، تضمن لمصر التواجد في كل المعسكرات بشكل ندي وليس تابعًا، فمصر قطب في حد ذاته ولا تنتمي لأقطاب دولية متصارعة بل هي شريك لكل الأطراف الدولية في تجمعات سياسية واقتصادية، تضمن مصالح مصر وشعبها، والمصالح المشتركة بين مصر والعالم، دون توريط مصر في الانتساب لمعسكر بعينه كما كان الحال في بعض سنوات الحرب الباردة.
نجاح تجربة الإصلاح الاقتصادي المصرية عزز هذا التوجه، حيث قبلت المحافل الاقتصادية الدولية فكرة التعاون المشترك مع مصر على أمل الاستثمار في أسواقها الواعدة وتجربتها الاقتصادية الصاعدة، وبدأت التجربة المصرية تحصل على صفة مراقب في تلك التجمعات الجديدة، أو الحصول على رتبة “ضيف شرف” في إحدى دورات دور الانعقاد السنوي من أجل عرض تجربتها وفرص الاستثمار في الأسواق المصرية.
ورحبت روسيا والصين والهند بفكرة انضمام مصر إلى بنك بريكس، بنك التنمية الجديد، والذي يلعب نفس دور البنك الدولي، في تمويل المشاريع التنموية بقروض ميسرة يمكن لاحقًا أن تتحول إلى أصول استثمارية، وكان موضع هذا الترحيب الثلاثي هو قدرة الاقتصاد المصري في تحمل تبعات جائحة كورونا وقدرة مصر على تجاوز عامي 2020 و2021 لتضمنهما أزمة الإغلاق الكبير ثم متحور دلتا ومتحور أوميكرون.
أهمية كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أنها أول مشاركة مصرية عقب انضمام القاهرة إلى بنك التنمية الجديد، وعقب سلسلة العقوبات الغربية على روسيا واندلاع الحرب الأوكرانية، إضافة إلى الانقسام الدولي مع أو ضد روسيا، وبالتالي كان واجبًا على كل دولة تنتمي إلى بريكس سواء بشكل مباشر أو عبر بنك التنمية الجديد أن توضح قدرتها على الالتزام بالشراكة الاستثمارية المنتظرة.
وهكذا قدمت القاهرة أوراق اعتمادها رسميًا إلى بريكس في قمة يونيو 2022، وكانت مصر قد سعت منذ عام 2014 إلى الحصول على عضوية تجمع بريكس الذي بدأ عام 2009.
قمة تاريخية في توقيت استثنائي
شهدت قمة بريكس هذا العام تطورات استثنائية على ضوء الظرف التاريخي الذي يمر به العالم، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده سوف تستبدل الأسواق الغربية بالتوجه شرقًا، ويقصد بشكل الصين والهند.
كما أعلن بوتين أن دول بريكس وتحديدًا الصين وروسيا بصدد إصدار عملة ورقية ذات غطاء واضح وموثق بالذهب من أجل تداولها حول العالم بدلًا من عملة الدولار، حيث يروج بوتين منذ أبريل الماضي أن الدولار فقد قدرته على أن يكون عملة الاحتياطي النقدي للدول الناشئة، وأن الذهب أو العملات البديلة هي الأكثر ثقة.
العملة الجديدة لن تكون بديلًا عن اليوان الصيني والروبل الروسي، ولكن عملة بجانب عملات دول بريكس يمكن استخدامها في التبادل التجاري مع دول العالم على ضوء وجود غطاء واضح للعملة الجديدة. ولم تصدر بكين أو نيودلهي أي تعليق حول عملة بريكس التي أعلن بوتين عنها، وإن كانت الفكرة من الناحية الاقتصادية يمكن تحقيقها إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدول تجمع بريكس.
وكانت أسهم جنوب أفريقيا قد انخفضت في تجمع بريكس في السنوات الأخيرة، وكذلك البرازيل، على ضوء الأزمات الداخلية والاقتصادية في كلا البلدين، حتى أن أغلب التقارير الصحفية تشير إلى بريكس باعتباره تحالفًا بين الهند والصين وروسيا فحسب. ويبحث الثلاثة الكبار على حلفاء جدد، وعلى أسواق وفرص استثمارية جديدة، ما يعضد فرصة انضمام مصر بشكل كامل لتجمع بريكس في السنوات المقبلة.
باحث سياسي