الأزمة الأوكرانيةآسيا

كوريا الشمالية ومساندة روسيا في أوكرانيا.. منفعة متبادلة ومبرر للبرنامج النووي

حينما صوتت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية 141 عضوًا على قرار يطالب روسيا بالتوقف عن استخدام القوة في أوكرانيا، صوتت 5 دول ضد القرار بالطبع على رأسهم روسيا الاتحادية نفسها وإريتريا وسوريا وبيلاروسيا وأخيرًا كوريا الشمالية. يعكس هذا التصويت التضامن من جانب كوريا الشمالية التي تربطها علاقات قوية مع روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي والذي طالما ساند كيم إل سونغ مؤسس الدولة الشيوعية وحاكمها منذ1948 وحتى 1994. 

إلا أن هذا لا يعد الموقف الأول الذي تسجله بيونغ يانغ لصالح موسكو داخل المحفل الدولي منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. ففي الأول من مارس 2022 أرجعت كوريا الشمالية على لسان سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة كيم سونغ أسباب الأزمة الأوكرانية إلى ما وصفه بالـ “الهيمنة الأمريكية”، ذاكرًا مواقف الغرب في العراق وأفغانستان وليبيا بذريعة السلام والأمن الدوليين.

لماذا تساند كوريا الشمالية روسيا؟

إضافة إلى العلاقات التاريخية التي أشرنا إليها سريعًا في المقدمة، فإن العلاقات بين زعيمي الدولتين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون تمثل أيضًا أهمية كبرى مع قيادتين تؤثر رؤيتهما الشخصية بنسبة كبيرة في سياسات بلادهما الخارجية، فمنذ عام 2015 كانت هناك مساعٍ من جانب بوتين للتواصل مع كيم حينما تمت دعوته لحضور احتفالات الذكرى السبعين للانتصار على النازية، إلا أن الدعوة لم تتكلل بالنجاح، إلا أن كيم وفقًا لموقع نورث 38 ظلت لديه دعوة لزيارة روسيا منذ عام 2018.

وهو ما لم يتحقق سوى في أبريل 2019، فكان لقاء القمة بين سيد الكرملين والزعيم الكوري الشمالي لأول مرة في فلاديفوستوك في توقيت غاية في الأهمية؛ إذ أتى بعد فشل قمة هانوي التي جمعت كيم بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومساعي إحلال السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية التي كان يعمل عليها الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن، فكان على كيم استعادة الروابط التقليدية مع روسيا التي تظل دائمًا أحد البدائل إلى جانب الصين في إيجاد داعم في المحافل الدولية.

وذلك وسط الانتقادات الواسعة ضد بيونغ يانغ بسبب برنامجها النووي والصاروخي أو ملف حقوق الإنسان، إضافة إلى التعاون التجاري وسط عقوبات خانقة، فيما وجدت موسكو في هذه القمة فرصة لاستعادة دورها في شبه الجزيرة الكورية كما كانت قبلًا خلال المحادثات السداسية 2003- 2009.

هذا اللقاء كان الأساس الذي استندت إليه كوريا الشمالية في المرحلة التالية، ويدلل على ذلك ما ورد عن روسيا خلال الخطة الخمسية التي وضعها حزب العمال الحاكم في بيونغ يانغ خلال مؤتمر الحزب الحاكم في يناير عام 2021 حيث أشار إلى وضع حجر الأساس “لتوسيع العلاقات الودية”. 

هدف المساندة الدولية من موسكو أتى ثماره بالفعل حينما قدمت الصين وروسيا مشروع قرار في نوفمبر 2021 يحث مجلس الأمن على إنهاء مجموعة من العقوبات ضد كوريا الشمالية بما في ذلك حظر صادرات المأكولات البحرية والمنسوجات بعدها منعت موسكو وبكين عقوبات ضد 5 مسؤولين في كوريا الشمالية بمجلس الأمن الدولي في يناير من عام 2022 عقب سلسلة من التجارب الصاروخية فقالت في مبررات الفيتو الخاص بها إن  هنالك حاجة لمزيد من الأدلة لمساندة طلب الولايات المتحدة لفرض العقوبات. 

وعلى مستوى العلاقات الثنائية، وقبيل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اجتمع السفير الروسي في بيونغ يانغ مع نائب وزير خارجية كوريا الشمالية في فبراير 2022؛ لمناقشة “تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل وجهات النظر حول تطور الوضع الدولي في سياق الأحداث حول أوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية” بحسب وكالة أنباء تاس الروسية. 

السلاح النووي لكوريا الشمالية والأزمة الأوكرانية

المفارقة أن جزءًا من برنامج كوريا الشمالية الذي بدأ مطلع تسعينيات القرن العشرين قد بدأ على أكتاف العلماء الأوكرانيين وفقًا لمجلة تايم؛ إذ إن عددًا كبيرًا من العلماء المتخصصين في هذا المجال أصبحوا عاطلين عن العمل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وبحسب السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا كارلوس باسكوال فإنه كانت “هناك إغراءات هائلة للعلماء لأخذ بعض معارفهم وربما بيعها في مكان آخر”، الأمر ذاته تحدث عنه الخبير في شؤون كوريا الشمالية ميكانو يوشيهرو في لقاء نقلته صحيفة دونغ آه إلبو الكورية الجنوبية عن راديو آسيا الحرة. 

ورغم الدعم الكوري الشمالي للعمل العسكري الروسي في أوكرانيا، يطرح البروفيسور ليم إل تشول الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأقصى التابع لجامعة كيونغ نام الكورية الجنوبية في حديث لوكالة أنباء يونهاب نقطة أخرى غاية في الأهمية، وهي أن هذا الغزو يُوجِد مبررًا لبيونغ يانغ للاحتفاظ بترسانتها النووية والصاروخية؛ إذ إن أوكرانيا التي تخلت عن ترسانتها النووية عام 1994 بتوقيع مذكرة بودابست –حيث تخلت عن الترسانة النووية للاتحاد السوفييتي مقابل ضمانات أمنية- أصبحت عرضة الآن للهجوم من قوى عظمى مثل روسيا.

الأمر ذاته يتحدث عنه السفير الكوري الجنوبي السابق لدى روسيا وأوكرانيا لي يانغ غو في حديث لموقع ان كيه نيوز المتخصص في شؤون كوريا الشمالية، فيرى أن بيونغ يانغ ستكون على قناعة أن أي اتفاق حول أسلحتها النووية مع الغرب سيفشل مثل مذكرة بودابست، مشيرًا إلى صعوبة إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن سلاحها النووي بعد هذه الأزمة. 

المساندة الشمالية لروسيا وتأخر رد الفعل الجنوبي

تأخرت إدارة الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن في إدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ووصفها بالغزو قبل اتخاذ موقف تشدد في الأيام الأخيرة، إلا أنها في الوقت نفسه حصلت على إعفاء من الولايات المتحدة من قيود التصدير الموسعة التي تفرضها على روسيا نتيجة حربها في أوكرانيا، فضلًا عن أن سول تجنبت فرض عقوبات أحادية مثل التي تبنتها أستراليا واليابان حلفاء واشنطن، إذ أشارت خارجيتها قبيل بدء العمليات العسكرية الروسية إلى أن سول ستنضم إلى المجتمع الدولي في فرض قيود على التصدير ضد موسكو حال حدوث غزو لأوكرانيا. 

يُرجع عدد من الخبراء ذلك إلى رغبة كوريا الجنوبية في عدم خسارة روسيا في دعم عملية السلام في شبه الجزيرة الكورية. فالإدارة الكورية الجنوبية -ستغادر مايو 2022 – تضع نصب عينيها مشروعين مهمين تشترك فيهما كوريا الشمالية وروسيا، الأول هو السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، والثاني هو خط أنابيب الغاز الروسي بطول 1200 كيلو متر والذي يعبر كوريا الشمالية من أجل الوصول إلى مركز الصناعة في جنوب شبه الجزيرة الكورية، وكليهما ضمن سياسة مون للتعاون تجاه الدول الواقعة شمال كوريا الجنوبية “كوريا الشمالية، وروسيا، والصين، ودول آسيا الوسطى، ومنغوليا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا” بحسب المحلل المتخصص في شبه الجزيرة الكورية جون لي في تصريحات لـ إن كيه نيوز.

الخلاصة

يأتي موقف كوريا الشمالية المؤيد للحرب الروسية في أوكرانيا في إطار المساندة المتبادلة مع موسكو التي أسهمت مع الصين في منع فرض مزيد من العقوبات على بيونغ يانغ ومسؤوليها، والإبقاء على موسكو كأحد البدائل القليلة جدًا للتبادل التجاري وإن كان بصورة أقل كثيرًا من بكين. إضافة إلى ذلك، يعزز الغزو الروسي لأوكرانيا من موقف كوريا الشمالية فيما يتعلق بتبرير عدم التخلي عن البرنامج النووي والصاروخي للنظام الشيوعي، مع عدم نجاح مذكرة بودابست التي تخلت أوكرانيا بموجبها عن الترسانة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي مقابل الضمانات الأمنية في حمايتها من غزو قوة عظمى مثل روسيا. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى