
قراءة في مؤتمر الحزب الحاكم في كوريا الشمالية.. العودة إلى المربع صفر
انتهى المؤتمر الثامن لحزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية في فعاليات استمرت لمدة ثمانية أيام بدأت في الخامس من يناير من عام 2021، وقد أعطى مؤشرات للعديد من سياسات النظام الشيوعي خلال السنوات القليلة المقبلة؛ إذ قُيّمت الخطة الاقتصادية السابقة، والسياسة الخارجية والسياسات العسكرية، وأعيد تحديد البوصلة الخاصة، وأعيد تشكيل بنية القيادة الحزبية وتنقيح اللوائح الداخلية لتتناسب مع متطلبات المرحلة وفقًا لوجهة نظر النظام.
واختتم مؤتمر الحزب بعرض فني أعقبه عرض عسكري ظهرت فيه نوعية مطورة من الصواريخ الباليستية التي تطلق من غواصات بحسب ما أظهرته الصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل الإعلام المركزية في كوريا الشمالية.
مؤتمرات حزب العمال الكوري
يُعد مؤتمر الحزب الحاكم في كوريا الشمالية هو أعلى هيئة داخل الحزب ويعقد المؤتمر عبر اللجنة المركزية للحزب التي تعلن موعده قبل الانعقاد بـ6 أشهر، لكن هذا المؤتمر انعقد بعد موعده المحدد بحوالي شهر وفقًا لنورث 38.
هذا المؤتمر”الثامن” هو الثاني منذ وصول كيم جونغ أون للحكم أواخر أيام عام 2011 حيث عقد المؤتمر السابع عام 2016، وشهد وضع الخطة الاقتصادية لخمس سنوات مقبلة قُيّمت في المؤتمر الثامن.
وفي الفترة بين 1946 و1980 عُقدت المؤتمرات الستة الأخرى، أي أن هذه الهيئة لم تنعقد في العقد الأخير من حقبة مؤسس الحزب كيم إل سونغ وحقبة ابنه كيم جونغ إل “1994 – 2011” رغم أن لوائح الحزب تنص على انعقاده كل 5 سنوات.
لذلك أُسقطت هذه القاعدة من ميثاق الحزب عام 2010، في إشارة إلى ترك هذا المؤتمر لعقود، لكن الزعيم كيم جونغ أون أعاد إحياء المؤتمر مرة أخرى، ودعا إلى عقد هذا المؤتمر بانتظام، في إشارة إلى أن الزعيم الجديد يحاول الحفاظ على الشكل التقليدي للحزب، وعُدلت لوائح الحزب خلال المؤتمر المنعقد مؤخرًا لتثبت قاعدة انعقاد هذه الهيئة كل خمس سنوات وأن يتم الإعلان عن الموعد المحدد قبل ذلك بعدة أشهر.
فشل الخطة الاقتصادية وخطة جديدة
تعد مراجعة وتقييم الخطط الموضوعة في المؤتمر السابق أحد أهم بنود المؤتمر المنعقد، وخلال المؤتمر الثامن أشار زعيم كوريا الشمالية في الخطاب الافتتاحي إلى فشل الخطة الاقتصادية لخمس سنوات والتي كانت موضوعة عام 2016 قائلًا إن أهداف الخطة الخمسية جاءت أقل بكثير من المستهدف في العديد من القطاعات.
هذه الخطة الاقتصادية كانت تركز بشكل أساسي على ميكنة الزراعة وأوتوماتيكية الصناعة بصورة أكبر والمزيد من إنتاج الفحم، إضافة إلى ذلك فقد اقترح حينها بناء اقتصاد اشتراكي مستقل يشكل أمة قوية تقوم على اقتصاد مستقل قائم على المعرفة.
وعلى الرغم من أن اقتراح جونغ أون بوضع خطة اقتصادية خمسية وتحمل تبعاتها نهجًا مغايرًا لما كان عليه الأب “كيم جونغ إل” إلا أن مراكز الأبحاث في كوريا الجنوبية حينما قيمت رؤيته بناء على أرض الواقع لاحقًا رأت أنها لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي لكوريا الشمالية، وأن السياسة الصناعية لم تتلاءم مع ذلك، ما قلل من الكفاءة في تخصيص الموارد وقلل من الإنتاجية، وأضر بالنمو الاقتصادي المستقبلي لكوريا الشمالية.
ووفقًا لمعهد كوريا للوحدة الوطنية في سول عام 2018 فإن بيونغ يانغ لم تستثمر في الصناعات الكيماوية الثقيلة، وعملت على تعزيز الصناعات الخفيفة وهو ما خفف من وطأة هذا الأمر. لكن هذه السنوات الخمس شهدت أيضًا متغيرات وضعت المزيد من الضغوط على الاقتصاد الشمالي؛ فقد وصف كيم في خطابه الافتتاحي هذه السنوات بأنها “التجارب الأسوأ” وأنها وضعت المزيد من العقبات لتحقيق النجاح للـ”ثورة”.
هنا ينبغي الإشارة إلى العديد من الأحداث التي أثرت بشكل مباشر على اقتصاد الدولة الشيوعية خلال السنوات الخمس، فمع تجاربها النووية والصاروخية أصدر مجلس الأمن الدولي عقوبات تمنع بيونغ يانغ من تصدير إنتاجها من المعادن والفحم والعمالة الشمالية للخارج، وتحجيم واردتها من البترول والمنتجات الزراعية. يضاف إلى ذلك ما فرضته جائحة كورونا من إغلاق للحدود لا سيما مع الصين –أكبر شريك تجاري- وتعطل خطط التعاون مع الجنوب، والكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد خلال عام 2020 أيضًا والتي وصفها كيم جونغ أون بالسنة الصعبة.
وفي كلمته الختامية للمؤتمر تحدث كيم جونغ أون عما تركز عليه الخطة الاقتصادية الجديدة قائلًا “إن المهمة المحورية لخطة السنوات الخمس الجديدة لتنمية اقتصاد الدولة هي تحفيز تنشيط الاقتصاد الفعال من خلال التمسك بالصناعتين المعدنية والكيميائية كحلقة مفتاحية لتنمية الاقتصاد وتوثيق الروابط العضوية بين فروع الصناعات الرئيسية، ورفع مستوى معيشة الشعب إلى مرحلة أعلى عبر تحسين الأسس المادية والتقنية لقطاع الزراعة وإعلاء نسبة الإنتاج المحلي للمواد الخام في قطاع الصناعة الخفيفة”.
اللافت هو إعطاء الأولوية للصناعات المعدنية والكيميائية بصفتهما قاطرة للنهوض بالقطاعات الأخرى، إضافة إلى تنظيم الاقتصاد من أجل الاستثمار الرامي إلى زيادة قدرة إنتاج المواد الحديدية والفولاذية والمنتجات الكيميائية بدرجة كبيرة.
وفي قطاع الصناعات الخفيفة ركز كيم على إعادة تدوير الموارد وإنتاج المواد الخام محليًا، مع التركيز على إنتاج السلع الاستهلاكية، وربما يرجع ذلك إلى العقوبات التي تمنع كوريا الشمالية من استيراد العديد من المواد الخام. أما الزراعة فتستهدف الخطة –وفقًا لكلمة كيم- معالجة قضية الحبوب الغذائية لإنتاجها دون شروط، مع بيعها بشكل إلزامي إلى الدولة عبر خطة توضع لاحقًا.
رغم ذلك، فهذه الخطة لا تعطي أي إشارة إلى تحسن الوضع الاقتصادي مع استمرار الإغلاق الذي يفرضه تفشي مرض كوفيد-19 واستمرار العقوبات التي تمنع بيونغ يانغ من الحصول على العديد من المواد الخام أو تصدير مواد خام –كالفحم- تشكل مصدرًا للدخل القومي للبلاد.
السياسة الخارجية
منذ الانتخابات الأمريكية في نوفمبر2020 والإعلان عن فوز المرشح جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة التزم النظام في كوريا الشمالية الصمت حيال واشنطن أو الإدارة الأمريكية -التي لم تدخل حتى كتابة هذه السطور- إلى البيت الأبيض، لكن تقرير كيم جونغ أون للحزب خلال المؤتمر أعطى مؤشرات واضحة لرؤية النظام الشيوعي للإدارة الأمريكية ولمستقبل مفاوضات النزع النووي.
فقد عاد كيم في تقريره المقدم للحزب لاتهام الولايات المتحدة بالتسبب في الانقسام الكوري، وأن السياسة الأمريكية لا تتغير بغض النظر عمن يوجد في السلطة وأن النوايا الحقيقية لا تتغير أبدًا، وأشارت إلى أنها -أي أمريكا- لا تزال أكبر أعدائها، مع التعهد بتطوير القدرات العسكرية والنووية، وشدد على أن هناك استراتيجية سيتم وضعها تجاه الولايات المتحدة والتوسع في التحالف مع مناهضي واشنطن.
هذا الحديث يشير إلى أن سياسة كوريا الشمالية تجاه الولايات المتحدة ستعود إلى مرحلة ما قبل عام 2018، ما يؤدي إلى وجود صعوبة لانعقاد أي قمة بين كيم جونغ وجو بايدن الذي يتخذ من الدبلوماسية التقليدية والتركيز على قضايا حقوق الإنسان نهجًا يصعب من البناء على الخطوط العريضة جدًا الموضوعة في بنود قمة سنغافورة بين كيم وترامب.
رغم ذلك لم تغلق كوريا الشمالية باب الحوار تمامًا؛ فقالت إن مفتاح بدء علاقات جديدة بين واشنطن وبيونغ يانغ يكمن في انسحاب الولايات المتحدة مما تراه السياسة العدائية تجاهها، وأن العلاقات ستقوم على مبدأ القوة مقابل القوة وحسن النوايا أمام حسن النوايا.
هذا يظهر أن بيونغ يانغ غير عازمة على بدء الخطوة الأولى للدخول في مفاوضات مرة أخرى، في الوقت الذي أشار فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنه مستعد للقاء كيم جونغ أون إذا وافق الأخير على تقليص قدرات بلاده النووية.
أما الصين والتي تشكل الحليف الرئيس لكوريا الشمالية، فإن التقرير أشار إلى تعزيز الصداقة في السنوات الأخيرة بين بكين وبيونغ يانغ بما يتلاءم مع متطلبات العصر، مع وضع هدف مستقبلي يتمثل في إعطاء أولوية لخصوصية العلاقات مع الصين.
وجاء في تقرير كيم إلى الحزب أن “اللجنة المركزية للحزب عززت الاتصالات الاستراتيجية، والتفاهم المتبادل، وعمقت الثقة المتبادلة بين الطرفين من خلال خمس جولات من محادثات القمة بين كوريا الديمقراطية والصين، وبالتالي قدمت ضمانًا ثابتًا لتنمية جديدة للعلاقات بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية والصين”، وأشار أيضًا إلى أن “البلدين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض في النضال من أجل قضيتهما المشتركة”.
هنا ينبغي الإشارة إلى أن العلاقات الصينية الكورية الشمالية تطورت في المرحلة اللاحقة لمفاوضات النزع النووي عام 2018، فقبل ذلك كانت العلاقات بين الجارتين في أدنى مستوياتها خاصة مع دعم بكين للعقوبات الأممية التي فرضت على بيونغ يانغ مع تجربتها النووية السادسة وما سببه هذا الأمر من إحراج لموقف الصين الدولي.
ولذلك مثلت زيارة كيم جونغ أون إلى الصين في مارس 2018 –القمة الأولى بين كيم وشي- بداية كسر حالة التوتر في العلاقات بين البلدين، وجاءت قبل شهر واحد من القمة الكورية – الكورية الثالثة تاريخيًا والأولى لكيم جونغ أون.
وربما يرجع ذلك إلى رغبة بكين في إيجاد دور لها في التحرك السياسي الذي كان متوقعًا حينها في شبه الجزيرة الكورية وما بين واشنطن وبيونغ يانغ أيضًا لإيجاد ورقة سياسية أخرى تواجه بها الولايات المتحدة.
بالنسبة لروسيا فقد مر التقرير عليها سريعًا بالقول إنها وضعت حجر الأساس “لتوسيع العلاقات الودية”، إضافة إلى حديث التقرير عن توسيع العلاقات مع كوبا وفيتنام الشيوعيتين.
العلاقات الكورية-الكورية
ترى كوريا الشمالية أن العلاقات مع الجنوب قد عادت إلى ما كانت عليه قبل إعلان بان مون جوم الموقع في أبريل 2018 وأن الأمل في إعادة التوحيد الوطني أصبح بعيدًا، وأن سول تركز على قضايا غير أساسية كالتعاون من أجل من دخول جائحة كورونا، والسياحة الفردية والمساعدات الإنسانية، متهمًا سول بعدم تنفيذ الاتفاقات الكورية الكورية، وتجاهل التحذيرات الشمالية المتعلقة بتحديث المعدات العسكرية والتدريبات المشتركة مع الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير الحزب فإن كوريا الشمالية ستتعامل مع الجنوب وفقًا لاستجابة سول لمطالبهم، وأن العلاقات يمكن أن تعود لما كانت عليه سابقًا قبل 3 سنوات –خلال القمم الكورية الكورية- تبعًا لموقف السلطات في سول.
هذا الموقف مغاير –إلى حد ما– عن تصريحات أصدرها كيم جونغ أون خلال خطابه في العرض العسكري الذي شهدته البلاد في أكتوبر 2020 في ذكرى تأسيس الحزب حيث قال إنه يأمل أن تشتبك يدا الشمال والجنوب مرة أخرى في المستقبل القريب.
ويمكن قراءة موقف كوريا الجنوبية في تصريحات رئيسها مون جيه إن للصحفيين بمناسبة العام الجديد؛ إذ أشار إلى أن كيم جونغ أون “لديه إرادة واضحة لحلول السلام وإجراء الحوار وتحقيق النزع النووي”، وأنه على استعداد للقائه في أي وقت وأي مكان.
ويستند مون في ذلك إلى الرؤية القائلة بأن كوريا الشمالية تسعى للحصول على ضمانة أمنية تحفظ بقاء النظام، وهو ما أشار إليه من خلال حديثه عن مطالب كوريا الشمالية خلال قمة هانوي في فبراير 2019 والتي انتهت دون الوصول إلى اتفاق.
لكن هذه الرؤية المتفائلة يعيقها أمران مهمان الأول هو أن الرئيس مون جيه إن يتبقى له حوالي سنة في البيت الأزرق –مقر الحكم في سول- حيث تقام الانتخابات الرئاسية في مارس 2022، ولا يستطيع خوض السباق الانتخابي مرة أخرى وفقًا للدستور، وفي هذه الحالة لا يمكن ضمان استكمال خليفة مون لهذه الجهود خاصة إذا صعد التيار اليميني المتمثل حاليا في حزب قوة الشعب المعارض، فتشير توقعات الرأي إلى أن 47% من الكوريين الجنوبيين يرغبون في تغيير النظام الحاكم وفقًا لوكالة أنباء يونهاب.
هذه المشكلة يدركها رئيس كوريا الجنوبية الذي أشار خلال المؤتمر ذاته بالقول إنه ليس لديه وقت كافٍ حيث يستكمل عامه الخامس والأخير في السلطة.
المشكلة الأخرى تتمثل في أن الإدارة الأمريكية الجديدة تفضل التفاوض من أسفل إلى أعلى عكس إدارة ترامب رغم أن النظام في كوريا الشمالية يرجع القرار الأخير للزعيم والذي تنفذه مجموعات العمل وليس العكس، إضافة إلى ذلك أن معظم المؤشرات تقول إن إدارة بايدن ستركز بشكل أكبر في بداية حكمها على حل المشكلات الداخلية للولايات المتحدة وهي القضية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لها.
السياسة العسكرية
استعرض تقرير كيم جونغ أون للمؤتمر حول أعمال اللجنة المركزية السابعة التطورات التي تمت خلال السنوات الخمس منذ المؤتمر السابع، فقد ركز في التقرير تطوير صناعة القنبلة الهيدروجينية والوصول إلى صاروخ باليستي عابر للقارات وقادر على حمل رؤوس نووية متمثل في صاروخ “هواسونغ 15” والذي تم اختباره في نوفمبر 2017، مع الإشارة إلى القاذفة ذاتية الدفع ذات 11 محورًا والتي ظهرت في العرض العسكري بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب في الذكرى 75 في أكتوبر 2020.
ووفقًا للتقرير فإن اللجنة المركزية السابعة –المشكلة عام 2016- نجحت في ” تحقيق الهدف العظيم المتمثل في بناء القوة النووية للبلاد”، إلا أن التقرير يحث على تطوير التكنولوجيا النووية وجعل الأسلحة النووية أصغر وأخف وزنًا للاستخدامات التكتيكية.
ووضع التقرير هدفًا عسكريًا يتمثل في ” تحقيق قدرة متقدمة على القيام بضربة نووية استباقية وانتقامية من خلال زيادة معدل الدقة الجيدة بما يكفي لضرب وإبادة أي أهداف استراتيجية في نطاق 15000 كيلومتر بدقة بالغة”.
إضافة إلى وضع مجموعة من المهام تتمثل في الوصول خلال فترة قصيرة إلى رؤوس حربية انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت hypersonic gliding flight warheads لاستخدامها في نوعية جديدة من الصواريخ الباليستية حيث انتهت الأبحاث حولها وتتبقى عملية الصناعة التجريبية، إضافة إلى تطوير صواريخ باليستية أرضية وأخرى تنطلق من الماء، والقدرة على تصنيع غواصات نووية من أجل رفع القدرة على القيام بهجوم نووي.
وتستهدف كوريا الشمالية الفترة المقبلة –وفقًا للتقرير- تطوير القدرة على جمع المعلومات عبر إطلاق قمر صناعي عسكري في المستقبل القريب، والبحث من أجل تطوير طائرات الاستطلاع بدون طيار وغيرها من وسائل الاستطلاع القادرة على استكشاف عمق يصل إلى 500 كم بدقة.
ووفقًا لموقع DAILY NK المعني بشؤون كوريا الشمالية فإن بيونغ يانغ اختارت الصواريخ فائقة السرعة كسلاح استراتيجي جديد، وأن النظام الشيوعي أنشأ مركزًا للأبحاث يعنى بهذا النوع من الصواريخ، حيث أشار مصدر للموقع أنه مع اكتمال البرنامج النووي للدولة تحولت أموال الحزب إلى هذه النوعية من الأبحاث، وأنها بدأت التركيز على هذه الصواريخ منذ نجاح إطلاق “هواسونغ 15” في نوفمبر 2017 أي قبل أكثر من 3 سنوات.
ويشير الموقع نفسه في تقرير آخر إلى أن كيم جونغ أون يسعى للوصول إلى غواصة تعمل بالطاقة النووية وقادرة على حمل أسلحة نووية بحلول عام 2022 وتستطيع حمل صواريخ بوك غوك سونغ 5 وهي أحدث أنواع الصواريخ الباليستية التي تنطلق من غواصات SLBM توصلت إليها كوريا الشمالية وشوهدت في العرض العسكري الذي أتى ختامًا للمؤتمر الثامن.
العودة للسياسة المتوازية “بيونغ جين”
اقترح زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون عام 2013 استراتيجية تتبنى تطوير القدرات الاقتصادية للدولة بالتوازي مع تطوير القدرات النووية فيما عرف بطريق بيونغ جين أو الطريق المتوازي في اجتماع للجنة المركزية لحزب العمال الحاكم، وقد اعتمد الحزب هذا الطريق في مؤتمره السابع عام 2016 كثقافة عامة.
عام 2018 قبيل قمة مون جيه إن – كيم جونغ أون أعلنت كوريا الشمالية تعليق التجارب النووية والصاروخية والتركيز على التنمية الاقتصادية ما يعني التخلي عن طريق بيونغ جين، لكن هناك عودة لهذا النهج أكدها التقرير المقدم إلى المؤتمر.
فمطلع 2020 تحدث كيم جونغ في خطاب خلال اجتماع للحزب وأعلن أن النظام سيعمل على تطوير برنامجه النووي والعمل للوصول إلى سلاح استراتيجي في المستقبل القريب إذا لم تنهي الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية.
حينها أشار المحللون إلى عودة بيونغ يانغ للسياسة المتوازية خلال 2020، وقال معهد استراتيجيات الأمن القومي الكورية الجنوبي –الممول من سول– إن الجارة الشمالية تتمسك رسميًا بموقف” بناء الاقتصاد “، بينما تعود من الناحية العملية إلى خط بيونغ جين لتطوير الأسلحة الاستراتيجية، وأنها لا تعلن ذلك رسميًا تحت ضغوط سياسية وتأثيرات خارجية وفقا لصحيفة كوريا هيرالد.
ومن خلال ما سبق الإشارة إليه، يؤكد التقرير المقدم من قبل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى المؤتمر الثامن للحزب إلى أن النظام عاد إلى طريق بيونغ جين دون الإشارة إلى ذلك صراحة، ويأتي ذلك عبر تطوير كفاءة السلاح النووي وإجراء مزيد من الأبحاث لتطوير الأسلحة الاستراتيجية بعد مرحلة الوصول إلى السلاح النووي والتي انتهت بالفعل.
إعادة تشكيل البنية الحزبية وتعديل اللوائح
عدّل حزب العمال اللوائح الخاصة بعمله لتتناسب مع المتغيرات الحادثة مؤخرًا، ففي بنية الحزب عدل منصب الرئيس ونائب الرئيس في اللجان الحزبية على اختلاف المستويات إلى منصب الأمين المسؤول والأمين ونائب الأمين، وتعديل المجلس السياسي التنفيذي إلى مجلس الأمناء والهيئة السياسية التنفيذية إلى هيئة الأمناء.
وركزت التعديلات الجديدة على التأكيد على المبادئ الأيدولوجية المتمثلة في أفكار كيم إل سونغ وكيم جونغ إل، لكن الأهم هو ما يتعلق بفتح الطريق لتعزيز القدرات العسكرية فعدلت المضامين لتشير إلى “ضرورة التعجيل بانتصار الاشتراكية الكامل عبر إرساء الأسس المادية والتقنية للاشتراكية بمتانة وتوطيد تفوق النظام الاشتراكي وإطلاق العنان له بصورة أكبر، وتعزيز القوات المسلحة للجمهورية سياسيا فكريا، وعسكريا تقنيا باطراد“.
أما حزبيًا فقد عززت مهام هيئة رئاسة المكتب السياسي للجنة الحزب المركزية بـ”قيامها بمناقشة وتقرير المسائل الهامة المطروحة على عجل سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ومناقشتها لمسألة تعيين الكوادر الرئيسيين للحزب والدولة، وعن إمكانية ترؤس أعضاء هيئة الرئاسة للمكتب السياسي اجتماع المكتب السياسي بالتكليف من رئيس الحزب”.
وكذلك، أضيفت إمكانية “عقد اجتماع اللجنة العسكرية المركزية للحزب بحضور الأفراد اللازمين بغض النظر عن نسبة تشكيله بموجب طابع مسألة النقاش بحيث يوفر الضمانة التنفيذية القادرة على تأمين السرعة في مناقشة المسألة العسكرية المطروحة عاجلا”. على هذا الأساس أعيد تشكيل الهيئات القيادية الحزبية والتي يأتي على رأسها كيم جونغ أون الذي انتخب أمينًا عامًا “سكرتيرًا عامًا” للحزب.
الناظر إلى بنية القيادة سيجد صعودًا للبعض وتراجعًا لآخرين، فصعد جو يونغ وون إلى هيئة رئاسة المكتب السياسي للجنة الحزب المركزية ليصبح رقم 5 في النظام الشيوعي، إضافة إلى أمانة اللجنة المركزية، وعضوية اللجنة العسكرية حيث كان عضوًا في اللجنة المركزية السابعة وكان يظهر بصحبة كيم جونغ أون في جولاته، خاصة تلك المرتبطة بالاقتصاد ويظهر كأحد النجوم الصاعدين.
اللافت أيضًا تراجع رتبة عدد من الشخصيات التي ارتبط اسمهم بالمفاوضات مع الجنوب والولايات المتحدة، فبحسب وسائل الإعلام الكورية الجنوبية تراجعت نائبة وزير الخارجية تشوي سون هي والتي كانت معنية بالتعامل مع سول وواشنطن في أحد مراحل المفاوضات إلى عضو مناوب في اللجنة المركزية بعد أن كانت عضوًا دائمًا، ويشير موقع ديلي إن كيه في أكتوبر 2020 إلى أنها أُرسلت إلى أحد معسكرات العمل وإعادة التأهيل الأيدولوجي لمدة 3 شهور، فيما بقي وزير الخارجية ري سون-كوون محافظا على منصبه عضوًا مناوبًا في المكتب السياسي.
الشخص الآخر هو كيم يونغ تشول الذي حمل رسالة كيم جونغ أون إلى دونالد ترامب فقد تراجع من أمانة اللجنة المركزية للحزب بعد أن كان الرجل الثالث في النظام إلا أنه ظل عضوًا في المكتب السياسي للحزب.
المفاجأة الكبرى كانت في ابتعاد نائبة رئيس اللجنة المركزية والشقيقة الصغرى للزعيم كيم جونغ أون “كيم يو جونغ” والتي لم يظهر اسمها على قائمة الأعضاء المناوبين في المكتب السياسي للحزب. ورغم تخفيض رتبتها إلا أنه لا يزال من الواضح أنها تحتفظ بدورها في التعامل مع سول حيث وجهت كيم يو جونغ للجنوب في 12 يناير 2021 –عبر بيان- انتقادًا حادًا لكوريا الجنوبية لإعلانها أن جيشها يتتبع بشكل دقيق ويراقب عن كثب العرض العسكري –الذي كان محتملا حينها– واصفة القيادة الجنوبية بأنها غريبة ويصعب فهمها بحسب وكالة الأنباء المركزية لكوريا الشمالية.
الملخص
يبرز مؤتمر حزب العمال الحاكم رقم 8 في كوريا الشمالية تغير اتجاهات بيونغ يانغ، فمع فشل الخطة الاقتصادية الموضوعة في المؤتمر السابع نتيجة العقوبات وجائحة كورونا والكوارث الطبيعية اتخذ النظام خطة جديدة يتوقع أن تعيقها العوامل السابقة والتي لاتزال مستمرة إذا لم يحدث ما يبدلها، إضافة إلى ذلك فإن هذه الخطة لا تشير إلى سعي بيونغ يانغ لأي تحول اقتصادي حقيقي.
ويشكل ما جاء في المؤتمر الاستراتيجية الشمالية في التعامل مع واشنطن في ظل وجود إدارة بايدن داخل البيت الأبيض، والتي من الواضح أنها ستركز على المشكلات الداخلية في بداية عملها، إضافة إلى اتخاذها الدبلوماسية التقليدية نهجًا في العلاقات الدولية وتركيزها على قضايا حقوق الإنسان والتي ستشكل عائقًا أكبر في الدخول في أي مفاوضات مع النظام الشيوعي الذي لم يغلق باب الحوار لكنه لن يكون البادئ به سواء مع واشنطن أو مع سول التي يأمل رئيسها في عودة مسار المفاوضات رغم عدم واقعية ذلك في الوقت الحالي؛ مع بقاء عام واحد لإدارة مون جيه إن في البيت الأزرق واستمرار كوريا الشمالية في تطوير أسلحتها الاستراتيجية لتصبح أكثر تأثيرًا، والعودة –بشكل غير رسمي – لطريق بيونغ جين الذي يسير النهج الاقتصادي إلى جانب تطوير القدرات العسكرية التي عدلت من أجلها لوائح الحزب. ويضاف إلى ذلك تخفيض رتبة كل من كان له صلة بالمحادثات الكورية الشمالية – الأمريكية، أو الكورية – الكورية.