
في مسحه الاستراتيجي الأول لعام 2022.. معهد الأمن القومي يقدم عشر توصيات للرئيس الإسرائيلي
عرض – هبة شكري
نشر معهد الأمن القومي بإسرائيل “المسح الاستراتيجي الأول لعام 2022” والذي تم عرضه على الرئيس الإسرائيلي. وقدم المسح وفد من الباحثين وكبار المسؤولين في معهد دراسات الأمن القومي. ويلخص التقييم السنوي النقاط الرئيسة لتحليل البيئة الاستراتيجية لإسرائيل فيما يخص الأمن القومي، آخذًا في الاعتبار التهديدات والفرص المحتملة، ويحدد مجموعة من التوصيات لصانعي القرار.
وقد قدم باحثو المعهد للرئيس الإسرائيلي القضايا السياسية والأمنية في كل من البيئتين الإقليمية والمحلية لإسرائيل، والتحديات التي تواجه أمنها القومي في بداية عام 2022. واستنادًا إلى تحليلاته، شدد المعهد على الحاجة إلى نهج استراتيجي متكامل من شأنه أن يساعد اسرائيل على التعامل مع التحديات التي تواجهها.
أشار التقرير إلى أنه في بداية عام 2022، تفتقر دولة إسرائيل إلى نهج استراتيجي متكامل ومتسق طويل المدى فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها، حيث تميز الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بفشها في تعظيم إمكاناتها الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في استجابتها للتحديات السياسية والأمنية والداخلية التي تواجهها؛ ويرجع ذلك إلى عدم وجود نهج استراتيجي متكامل ومتسق وطويل الأجل.
وأشار إلى أن إيران ما زالت تقع في قلب التحديات، وذلك في ظل سعيها المتواصل للوصول إلى العتبة النووية، وفي ظل امتلاكها بالفعل للقدرات اللازمة لخلق سلاح نووي في غضون أسابيع. في الوقت نفسه، لا تزال مصممة على بناء خياراتها العسكرية لتهديد إسرائيل في عدة مناطق على طول حدودها، بما في ذلك، استخدام وكلاء لها في هجوم مضاد بالصواريخ ومركبات الهجوم الجوي بدون طيار والنيران الدقيقة.
بالنسبة للساحة الفلسطيني، رألا التقرير أنها ما زالت تمثل تحديًا خطيرًا للغاية لرؤية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وآمنة وأخلاقية -خاصة بسبب الانجراف نحو واقع الدولة الواحدة- وهو ما يشكل مخاطر ملموسة على إسرائيل قد تتحول إلى تصعيد أمني محتمل. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضعف المتزايد للسلطة الفلسطينية، إلى درجة يمكن وصفها بشبه العاجزة عن العمل والوصول إلى حالة انعدام الحكم. بالتوازي مع ذلك، فإن الوضع في هذه الساحة يتحدى الموقف السياسي والقانوني الدولي لإسرائيل.
فيما يتعلق بداخل إسرائيل، ألمح التقرير إلى أن هناك تكثيفًا لاتجاهات الاستقطاب بين المجموعات المختلفة، والتحريض والحكم الضعيف، لا سيما في الجيوب غير الخاضعة للسيطرة، مما يفاقم تآكل الثقة في مؤسسات الدولة؛ ورأى أن كل ذلك يشكل تهديدًا حقيقيًا على المرونة الاجتماعية والأمن القومي.
على المستوى العالمي، أوصى التقرير بضرورة استعداد إسرائيل لمجموعة من الأحداث المتطرفة؛ بسبب تغير المناخ، والأزمات الاقتصادية المتكررة، والتغيرات في المعايير في أعقاب جائحة كوفيد-19، وزيادة المخاوف بشأن مرونة الديمقراطيات الليبرالية. مشيرًا إلى أنه رغم استمرار اعتماد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة، لكن المساعدة التي يمكن أن تقدمها واشنطن لإسرائيل تواجه تحدي الاستقطاب الأمريكي الداخلي، حتى مع تركيز اهتمام أمريكا على مشاكلها الداخلية والصراع مع الصين، على حساب انخراطها في الشرق الأوسط.
في إطار ذلك، فإن الإدارة الأمريكية أقل استعدادًا للاهتمام بمصالح ومخاوف إسرائيل، سواء فيما يتعلق بإيران أو في السياق الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة أقل استعدادًا للاستثمار في تمديد وتكثيف اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية البراجماتية.
وبشكل عام، تمثلت أهداف المسح الاستراتيجي لإسرائيل 2022، الذي يناقش تلك الموضوعات بتوسع، إلى الإسهام في النقاش العام حول هذه التحديات وحلولها المحتملة، ومساعدة صانعي القرار في صياغة نهج استراتيجي سليم ومستنير.
وجاء تعليق الرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوغ” على المسح الاستراتيجي كالآتي: “يوجد اليوم إدراك إقليمي ناشئ بأن مستقبل الشرق الأوسط هو مستقبل للتعاون في مواجهة التهديد الإيراني ووكلائه الخطرين في المنطقة، لذلك يجب أن نتعاون مع أصدقائنا، ليس فقط من أجل مواطني إسرائيل، ولكن من أجل جميع سكان الشرق الأوسط باعتبار ذلك مصلحة إقليمية من الدرجة الأولى. إذ يرتبط أمن إسرائيل ارتباطًا وثيقًا بمرونتها الوطنية وبقدرتنا على التعامل مع الخلافات الأكثر عمقًا، دون التخلي عن إيماننا بأنفسنا. إذ إن لدينا القدرة على العيش معًا والعمل كشعب واحد، وربما يكون تجسير الانقسامات، بما في ذلك الانقسامات السياسية، هو أهم خطوة للحفاظ على أمن إسرائيل واستقرارها وازدهارها”. وشكر معدي المسح على عملهم الاحترافي واعتبر التقرير نتاج الاهتمام الحقيقي بالشعب والدولة.
في السياق ذاته، حدد التقرير ثلاثة تهديدات رئيسة تواجه إسرائيل عام 2022، وأكد معدو التقرير أن التهديدات الثلاثة التالية متساوية في خطورتها، وأن التحدي الرئيس يكمن في تحديد طريقة متكاملة للتعامل معها. وتتشكل في كالآتي:
- النشاط النووي الإيراني: تمثل طهران أخطر تهديد خارجي لإسرائيل؛ أولًا وقبل كل شيء بسبب سعي إيران إلى امتلاك القدرة النووية العسكرية، ذلك بالإضافة إلى أن الخطورة تكمن في عدم قدرة إسرائيل الهيكلية على التعامل بمفردها مع جميع التحديات التي يفرضها سلوك إيران، فضلًا عن الحاجة المتزايدة إلى زيادة التنسيق مع الولايات المتحدة وتوثيق العلاقة الخاصة معها – سواء تم التوصل إلى اتفاق بين إيران وإيران أم لا.
علاوة على ذلك، تواصل إيران برنامجها التخريبي الإقليمي، بما في ذلك مساعيها لتطويق إسرائيل وتهديدها بالهجوم، لا سيما من خلال مشروعها الصاروخي الدقيق لحزب الله في لبنان ووكلائه في سوريا. وبصرف النظر عن آلاف الصواريخ، تزود إيران وكلاءها بآلاف الصواريخ الهجومية الجوية، بما يمكنهم من اختراق سماء إسرائيل من جميع الجبهات.
وأشار التقرير إلى أن تقدم إيران في برنامجها النووي قلل من مدة قدرتها على الوصل للسلاح النووي، إذا قرر النظام في طهران القيام بذلك. بالنسبة لإيران، فإن هذا التقدم يعزز إغراء عدم العودة إلى الاتفاق النووي دون مكافآت كبيرة، وقد لا تملك الإدارة الأمريكية القدرة ولا الرغبة في منحها. وقد أسهم ذلك في زيادة ثقة إيران واستعدادها لمهاجمة أعدائها من خلال وكلائها.
واستطرد التقرير أن إسرائيل من جهتها في مأزق استراتيجي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. فالسيناريوهات المختلفة الممكنة للحوار بين إيران والقوى العظمى، سواء نتج عنها اتفاق جزئي أو تباطؤ طويل في المحادثات أو حتى انهيار المحادثات، كلها سلبية بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك، فإن معارضة التسوية بين القوى وإيران، والتي تركز على تجميد البرنامج النووي، ستترك إسرائيل معزولة مع الخيار العسكري فقط لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
- الساحة الفلسطينية ليست ساحة ثانوية يمكن احتواؤها بأوهام فارغة حول “الحد من الصراع”. حيث اتضحت هذه الحقيقة العام الماضي خلال عملية “حارس الجدران”. إذ رأى التقرير أن عدم وجود حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل تهديدًا خطيرًا لهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ويهدد مكانتها على الساحة الدولية. حيث يقترب الوضع الأمني في الضفة الغربية من نقطة الغليان بسبب ضعف السلطة الفلسطينية في مواجهة معارضة موحدة من مختلف الفصائل وعصابات الشوارع.
صحيح أن الوضع لا يزال تحت السيطرة بفضل النشاط المحدد للجيش الإسرائيلي ووكالة الأمن الإسرائيلية، ومن خلال التعاون الأمني مع آليات السلطة الفلسطينية؛ إلا أنه على الرغم من ذلك، تم إضعاف السلطة الفلسطينية ويمكن أن تتوقف عن العمل، في حين أن الإحباط المتزايد لجيل الشباب من الفلسطينيين يدفعهم إلى التفكير في واقع الدولة الواحدة.
على الصعيد الدولي، هناك انتقادات متزايدة لإسرائيل، والتي تعمل في الواقع على إفشال فرص تنفيذ حل “دولتين لشعبين”، وتزيد من خطر التحركات القانونية ضد إسرائيل وتعريفها كدولة فصل عنصري. بالنسبة لقطاع غزة، تواجه إسرائيل حاليًا نفس المعضلة المعقدة وطويلة الأمد، والتي تتمثل في الحاجة إلى استجابة عاجلة للوضع الإنساني، مع تجنب التصعيد الأمني، بالإضافة إلى الضغط من أجل عودة الأسرى والمفقودين لدى حماس، ومنع حماس من تحقيق مزيد من السيطرة العسكرية والسياسية.
- الساحة الداخلية الإسرائيلية: هناك مؤشرات على ظهور مشكلة اجتماعية خطيرة بسبب الاستقطاب والانقسامات والتوترات والتطرف سواء كان أيديولوجيًا أو لفظيًا أو ماديًا، بالإضافة إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية. وفي الوقت نفسه، هناك فجوات في الاستعداد لسيناريوهات حرب متعددة الجبهات وخسائر كبيرة، ولحوادث عنيفة تشمل اليهود والعرب. هذه الساحة مليئة بالتحديات بشكل خاص بسبب ضعف الشرطة وتطور الجيوب الخارجة عن السيطرة، وقبل كل شيء غياب الآليات الوطنية للتعامل المتكامل مع جميع القضايا المعنية، حيث تؤثر عواقب نقاط الضعف هذه على الاستجابات لتحديات الأمن القومي الأخرى.
واعتبر التقرير أن تقارب التحديات يتطلب تغييرًا في الترتيب الوطني للأولويات، مع التركيز على استعادة سيطرة الحكومة داخل البلاد، ورأب الصدع بين مختلف الفئات في المجتمع. في ضوء التهديدات الخارجية، يجب على إسرائيل تحسين جاهزية قوتها العسكرية، مع تنمية واستغلال أصول القوة الناعمة مثل إنجازاتها في مجالات التكنولوجيا والعلوم وتحلية مياه البحر والطاقة،
على خلفية تلك التحديات، قدم باحثو المعهد عشر توصيات تتعلق بالسياسات، على النحو التالي:
- إعداد استراتيجية محدثة ومبتكرة وشاملة ومناسبة لبيئة استراتيجية وتشغيلية متغيرة، تقوم على التجهيز المتزامن للتحديات الناشئة في إيران، والساحة الفلسطينية، والجبهة المحلية.
- وضع آليات للتخطيط الحكومي المتكامل والعمل لاستعادة القانون والنظام والحكم في الجيوب غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية؛ فضلًا عن معالجة الجريمة في المجتمع العربي، وتقليل التوتر والعداء وعدم المساواة بين المجتمعات في إسرائيل.
- الاستعداد لاتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى، وكذلك لغياب أي اتفاق. هناك حاجة لبناء خيار عسكري موثوق به لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ويفضل أن يكون ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
- مواصلة وتحديث استراتيجية مواجهة إيران وتشكيل ميليشياتها بالوكالة على طول حدود إسرائيل. وفي الوقت نفسه، التصدي لكل عناصر التحدي الإقليمي الإيراني، مع التأكيد على وقف مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان، وإحباط مساعي إيران لممارسة النفوذ.
- تعزيز تحركات البنية التحتية السياسية والاقتصادية لتقوية السلطة الفلسطينية وتحسين نسيج الحياة المدنية؛ وتجنب الخطوات التي يمكن أن تعجل الانزلاق إلى حالة الدولة الواحدة، وتخلق الظروف للانفصال والترويج المستقبلي للخيارات الأخرى.
- فيما يخص قطاع غزة، أوصى بمواصلة الجهود لصياغة التحركات بروح “الاقتصاد مقابل الأمن”، بمشاركة مصر وعناصر دولية وإقليمية، والسلطة الفلسطينية. ورأى أن الهدوء يتوقف على حل قضية الأسرى والجنود المفقودين والتخفيف من بعض القيود المفروضة على القطاع.
- تصعيد التنسيق مع الولايات المتحدة، إلى جانب العلاقة الخاصة وتعزيز الثقة على مستوى الحزبين، والتأكيد على قيمة إسرائيل للولايات المتحدة بوصفها جهة فاعلة مسؤولة، وكأصل في مجالات التكنولوجيا والعلوم والمشاريع والثقافة.
- تمديد اتفاقيات إبراهيم وكذلك العلاقات مع الأردن ومصر، بهدف التعاون الإقليمي في مجموعة من المجالات، بما في ذلك الاستخبارات والدفاعات الجوية والطاقة والزراعة والمياه والرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل توسيع اتصالاتها الاقتصادية مع دول شرق البحر المتوسط ، وتخفيف التوترات مع تركيا.
- تعمل الثورة التكنولوجية والفضاء الإلكتروني على تسريع “منافسة التعلم”، مما يعني أنه يجب على إسرائيل الاستثمار في تطوير العلوم والتكنولوجيا والدراسات التكنولوجية من أجل الحفاظ على ميزتها النسبية وتوسيعها، والتي تعد أحد الأصول لأمنها القومي ومكانتها العالمية.
- الاستمرار في الحشد العسكري على غرار برنامج “تنوفا” (الزخم) متعدد السنوات للجيش الإسرائيلي؛ للحفاظ على التفوق التشغيلي والتكنولوجي لإسرائيل في عصر المعلومات والأنظمة المستقلة والسيبرانية، وتكييف الخطط التشغيلية وتحسين الجاهزية المدنية للنزاعات المحدودة وكذلك الحرب متعددة الجبهات.



