
الاستخبارات الأمريكية تحذر.. تغير المناخ يؤجج الصراع العالمي
ضمن تقدير استخباراتي هو الأول من نوعه حول ما يعنيه المناخ للأمن القومي الأمريكي، أصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية تقريرًا تحت عنوان “تغير المناخ والاستجابات الدولية يزيدان من التحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي حتى عام 2040” حذر من أن تغير المناخ سيؤدي إلى تصاعد التوترات الدولية.
وحدد التقرير إحدى عشرة دولة ومنطقتين إقليميتين سيكون تأمين الطاقة والغذاء والماء والصحة فيها عرضة للخطر جراء التغير المناخي، كونها الأفقر والأقل قدرة على التكيف، مما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار والصراع الداخلي وتنامي الإرهاب والتطرف. وأصدر البنتاجون أيضًا تقريرًا آخر حول “تحليل مخاطر تغير المناخ” وكيفية دمج المؤسسة العسكرية الأمريكية قضايا المناخ في استراتيجيتها الأمنية.
على عكس الإدارة الأمريكية السابقة التي تجاهلت التقييمات الأمنية المتعلقة بالمناخ لأنها لا تتناسب مع موقف ترامب المتشكك في علوم المناخ، أولت إدارة “جو بايدن” اهتمامًا بقضايا تغير المناخ، ووضعته ضمن أهم أولوياتها، ووجه الرئيس “بايدن” بضرورة أن يلعب تغير المناخ دورا أكثر بروزا في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية، وطالب بتخصيص 617 مليون دولار من ميزانية عام 2022 لدعم خطط الاستعداد للتغير المناخي والتكيف مع آثاره والتخفيف منها. وأعلن البيت الأبيض أنه سيستحدث منصب مستشار المناخ الوطني الذي سيقود مكتب سياسة المناخ المحلية في البيت الأبيض.
ويأتي هذا الاهتمام في الوقت الذي بدأت فيه الجيوش والوكالات الأمنية حول العالم تضع الاحتباس الحراري العالمي في تخطيطها؛ فأصدرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة خلال شهر أغسطس الماضي تقريرًا حول العواقب المترتبة على ارتفاع درجة حرارة الأرض، وأن كوكب الأرض يتجه نحو الاحترار الكارثي بمقدار 2,7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما سيتسبب في تأثيرات مدمرة للغاية.
أما حلف شمال الأطلسي “الناتو” فقد جعل تغير المناخ محل تركيز أساسي للتحالف الدفاعي مع إجراء إصلاح لخططه الاستراتيجية. وكشف الجيش البريطاني عن تقرير الاستدامة الذي يقدم مشورة من أجل إجراء إصلاح شامل للعمليات العسكرية، وأوصى بالاستعداد لعمليات انتشار أكثر مرتبطة بالتغير المناخي في العقود المقبلة. وأصدرت الحكومة البريطانية تقريرًا خلال شهر أكتوبر الجاري تحذر فيه من تغير المناخ.
واتساقًا، مع الاهتمام العالمي بتغير المناخ، ظهر تقرير الاستخبارات الأمريكية، وتقرير وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ليؤكدا على أن الاحتباس الحراري يهدد الاستقرار العالمي، وأن زيادة خطر النزاعات بسبب قلة المياه وحركات الهجرة بعد 2030، ستؤدي إلى توتر الأوضاع الجيوسياسية لأنه ستحدث خلافات بين الدول حول طريقة تقليص انبعاثات غازات الدفيئة لتحقيق أهداف اتفاق باريس. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في بيان مرافق لتقرير البنتاجون، “إن التغير المناخي يغير المشهد الاستراتيجي، ويشكل البيئة الأمنية، ويمثل تهديدات معقدة للولايات المتحدة ودول حول العالم. ومن أجل ردع الحرب وحماية بلادنا، يجب على وزارة الدفاع أن تفهم الطرق التي يؤثر بها التغير المناخي على المهام والخطط والقدرات”.
رسم تقرير الاستخبارات الأمريكية صورة لعالم يفشل في التعاون، مما يؤدي إلى منافسة خطيرة وعدم استقرار، ويحذر من أن الدول ستحاول الدفاع عن اقتصاداتها والسعي إلى الحصول على ميزة في تطوير تكنولوجيا جديدة، وأن بعض الدول أيضًا قد تقاوم الرغبة في العمل؛ إذ تعتمد أكثر من 20 دولة على الوقود الأحفوري للحصول على أكثر من 50٪ من إجمالي عائدات التصدير، وأن انخفاض عائدات الوقود الأحفوري سيزيد من إجهاد دول الشرق الأوسط التي من المتوقع أن تواجه تأثيرات مناخية أكثر حدة.
كيف يؤجج تغير المناخ الصراع والتوتر العالمي؟
أصبح المناخ جزءًا أساسيًا من التفكير الأمني، وتدرك الحكومات جيدًا أن تغير المناخ يفاقم تهديدات الأمن الإنساني ومن ثم الأمن القومي للدول بشكل لم يسبق له مثيل، حيث لا يمكن فصل الاعتبارات المناخية عن الشواغل الأمنية الأخرى. ومن المتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية إلى آثار تشمل صعود الجماعات المتطرفة، والعنف، والصراع بين المواطنين والدول التي تتنافس لتأمين الموارد لمواطنيها.
وفي ظل زيادة التوترات الجيوسياسية، أظهرت التقديرات الاستخباراتية الأخيرة المشاكل الصارخة التي تنتظر العالم، وأظهرت القلق المتفاقم داخل المؤسسة الأمنية الأمريكية من أن التغيرات المناخية يمكن أن تعيد تشكيل المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وتقدم فرصا جديدة لمنافسين مثل الصين وروسيا، وتزيد عدم الاستقرار في الدول النووية مثل كوريا الشمالية وباكستان. وبالتالي سيلقي تغير المناخ بتداعياته ويؤجج الصراع وعدم الاستقرار في العالم عبر:
- خلق حدود جديدة للمنافسة:
من المتوقع أن يؤدي ذوبان الجليد في القطب الشمالي، وارتفاع درجات الحرارة إلى “خلق حدود جديدة للمنافسة الجيوستراتيجية”، وقد اتخذت الصين خطوات ملموسة في هذا الشأن، عندما نشرت كتابًا أبيض حول سياستها إزاء القطب الشمالي في عام 2018 تحت عنوان “سياسة الصين إزاء القطب الشمالي”، ودشنت مع روسيا التعاون بشأن طريق البحر الشمالي، وبناء “طريق الحرير الجليدي”.
وترى الصين أن “طريق الحرير الجليدي” يتسم بمزايا آمنة وسريعة مقارنة بالطريق التقليدي الذي يعبر مضيق ملقا وقناة السويس، حيث يمكن التخلص من تهديد القراصنة الصوماليين وقراصنة المحيط الهندي، ومن جهة أخرى، يمكن تقصير الرحلة بشكل كبير وتقليل تكاليف النقل. ولدى روسيا أيضًا خطط طموحة للشحن عبر طريق بحر الشمال، مدعومة بزيادة القدرة العسكرية للعمل في مياه القطب الشمالي الأكثر انفتاحًا.
وتتطلع الصين وروسيا إلى تطوير مشترك لموارد النفط والغاز والمعادن وغيرها من مصادر الطاقة غير الأحفورية والصيد والسياحة في المنطقة مع دول القطب الشمالي. وقد حذر البنتاجون من أن تعميق الأنشطة الصينية والروسية في منطقة القطب الشمالي، قد يمهد الطريق لوجود عسكري قوي، بما في ذلك نشر غواصات لمواجهة أي هجوم نووي، ويزيد من تفاقم التوتر والمنافسة مع الولايات المتحدة التي لا يسعدها ظهور مثل هؤلاء اللاعبين في المنطقة.
- تهديد مهام الجيوش الأمريكية في العالم:
يشكل تغير المناخ تهديدًا للقواعد الأمريكية المنتشرة حول العالم، في ظل تأثر المنشآت العسكرية بالعديد من التحديات البيئية المتزايدة، وعلى رأسها الأعاصير التي دمرت البنية التحتية في بعض الوحدات. وكذا، تهدد حرائق الغابات بعض القواعد العسكرية غربي الولايات المتحدة، إلى جانب احتمال تأثر بعض العمليات بسبب سرعة ذوبان الجليد في منطقة التربة الصقيعية القطبية. فضلًا عن ارتفاع منسوب مياه البحار بسبب الأعاصير وفيضانات المد التي يزيدها تغير المناخ، سيمثل خطرًا على قواعد عسكرية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وعلى ساحل خليج المكسيك.
ويشكل التغير المناخي أيضًا تهديدًا خطيرًا للعمليات العسكرية الأمريكية، إضافة إلى خلق مصادر جديدة للصراع السياسي العالمي. حيث تتعامل القوات الأمريكية مع العواقب الخطيرة والمتنامية لتغير المناخ، بدءًا من الأعاصير وحرائق الغابات التي تلحق أضرارًا باهظة بالمنشآت الأمريكية، وتحد من قدرات الجيش على التدريب والتشغيل، وصولًا إلى درجات الحرارة الخطيرة والجفاف والفيضانات التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث أزمات وعدم استقرار في جميع أنحاء العالم.
- تسخير التقنيات لتهديد الدول الأخرى:
وثمة باعث آخر على القلق يتمثل في إقدام دول بعينها على تسخير تقنيات الهندسة الجيولوجية في مواجهة التغير المناخي. ومن ذلك على سبيل المثال إرسال جزيئات عاكسة إلى طبقات الجو العليا في محاكاة لعملية تبريد الأجواء الناجمة عن ثوران البراكين، أو استخدام جزيئات الأيروسول العالقة في الهواء لتبريد بقاع معينة.
لكن استخدام دولة ما لتلك التقنيات كفيل بإزاحة المشكلة عن أجوائها إلى أجواء منطقة أخرى وبالتالي استعداء دول تلك المنطقة التي ستتأثر سلبًا. وينظر باحثون في دول عدة بينها أستراليا، والصين، والهند، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، فضلًا عن الاتحاد الأوروبي في أمر تلك التقنيات، ولكن في ظل عدم وجود غير القليل من القواعد والقوانين المنظمة.
- تهديد الدول الأكثر فقرًا:
يعمق تغير المناخ من أوجه عدم المساواة بين الدول، لأن بعض الدول أكثر عرضة للتهديد من غيرها، خاصة الدول الفقيرة التي لا تملك الموارد الكافية للتعامل مع المشكلة. وحدد تقرير الاستخبارات الأمريكية، إحدى عشرة دولة ومنطقتين إقليميتين سيكون تأمين الطاقة، والغذاء، والصحة فيها عرضة للخطر جراء التغير المناخي.
ويعزي التقرير تأثر هذه الدول أكثر من غيرها إلى أنها أكثر فقرًا وأقل قدرة على التكيف، مما يتركها فريسة لعدم الاستقرار والنزاع الداخلي. ومن شأن الموجات الحارة، والجفاف أن تؤثر على توفير خدمات كالكهرباء. وتقع خمس من الدول الإحدى عشرة في جنوب وشرق آسيا (أفغانستان، وبورما، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية). وثمة أربع دول في أمريكا الوسطى والكاريبي (جواتيمالا، هايتي، والهندوراس، ونيكاراجوا)، ويتبقى بذلك العراق وكولومبيا. وتعد أفريقيا الوسطى ودويلات في المحيط الهادئ عرضة للخطر أيضًا.
ويرجح التقرير أن يدفع التغير المناخي بشرًا كثيرين إلى النزوح، ومن ثم تنامي مظاهر الهجرة والنزوح الجماعي، وزيادة انتهاكات حقوق الإنسان، وزيادة الضغوط على المؤسسات العامة والبنية التحتية، وبالتالي، تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية للدول. فعلى الصعيد العالمي، بلغ متوسط عدد الأشخاص النازحين داخل بلدانهم سنويًا في الفترة ما بين 2008 وحتى 2020 نحو 21,8 مليون شخص، وذلك بسبب الكوارث المرتبطة بالطقس، والمتمثلة في الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات، والعواصف، وحرائق غابات.
- تفاقم مشاكل المياه والأمن الغذائي:
سيكون للتغيرات المناخية أثر على تأمين مصادر المياه، خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإلى جانب القضايا المائية طويلة الأمد بين باكستان والهند، قد يسبب حوض نهر “الميكونج” مشاكل بين الصين وكمبوديا وفيتنام. وأكد البنتاجون أن منطقة الهند-المحيط الهادئ التي أصبحت محور عمل الولايات المتحدة التي تسعى إلى احتواء صعود الصين، ضعيف في مواجهة ارتفاع مستوى المياه.
وسيؤدي عدم القدرة على التنبؤ بالأمطار إلى زيادة التوتر حول الوصول إلى مياه الأنهار العابرة للحدود. وسيؤثر تغير المناخ على الأمن الغذائي، وظهور العديد من الأمراض الحيوانية والنباتية التي ستساهم في نقص المحاصيل، وبالتالي ارتفاع معدلات المجاعات وسوء التغذية، فضلًا عن زيادة أسعار السلع والمنتجات الغذائية. ليس هذا فحسب، بل سيمتد أثر تغير المناخ على الصحة العامة للشعوب، وسيساهم في زيادة انتشار الأمراض المُعدية الناشئة والأمراض المنقولة.
هل سينجح مؤتمر المناخ COP26 في حل الأزمة؟
بينما تستعد بريطانيا لاستضافة مؤتمر المناخ COP26 في جلاسكو، فإنها تنتهج سياستين متناقضتين تقوض فرص نجاحه. فمن ناحية، فهي تسعى إلى تحقيق استجابة عالمية موحدة لأزمة المناخ مع موافقة الدول على أهداف للحد من انبعاثات الفحم والنفط، لكنها في الوقت نفسه، انضمت إلى الولايات المتحدة في تصعيد حرب باردة جديدة تستهدف مواجهة الصين وروسيا في كل منعطف.
السياستان لهما أهداف متعارضة؛ فبريطانيا تحاول إقناع الصين -المسؤولة عن 27% من انبعاثات الكربون العالمية- بالحد من بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم، ولكنها في نفس الوقت تقوم بتشويه صورة الصين كدولة منبوذة سياسيًا. وبالتالي، يجب ترجيح ميزان المخاطر بشكل حاسم نحو إعطاء الأولوية للحد من تغير المناخ عند مقارنته بالتهديدات الأمنية التقليدية الناشئة عن المنافسة بين الدول، فالخطر الأكبر الذي يهدد الغرب الآن ليس الاحتمال غير المرجح أن يغزو الرئيس “شي جين بينغ
تايوان أو أن يفعل الرئيس “فلاديمير بوتين” الشيء نفسه في أوكرانيا، وإنما اختفاء الجليد في القطب الشمالي الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر.
من المتوقع عدم حضور الرئيسين الصيني والروسي شخصيًا لمؤتمر الأمم المتحدة، وحضور مندوبين عنهما، وهو ما يعد انتكاسة لطموحات القمة. خاصة أن ابتعاد الرئيس الصيني قد يكون مقدمة لرفض الصين وضع أهداف جديدة لتغير المناخ وسط أزمة الطاقة الحالية، في الوقت الذي يتوقع فيه أن تنشر جميع البلدان أهدافًا جديدة لتغير المناخ، وهي الأهداف المعروفة باسم المساهمات المحددة وطنيًا NDC.
وإذا فشلت القمة في نشر المساهمات المحددة وطنيًا الخاصة بها، أو إذا قدمت مساهمات لا تؤدي إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، فقد يؤدي ذلك إلى إفشال محاولات الوصول إلى اتفاق يجعل العالم يسير على الطريق الصحيح للحفاظ على هدف الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية. خاصة أن الصين مسؤولة عن 27% من انبعاثات الكربون العالمية وأن الرئيس الصيني حضر قمة باريس للمناخ في عام 2015، التي وافقت على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل بكثير من درجتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وتتفاقم المخاوف مع إعلان بكين اعتزامها تسريع بناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وأن الرئيس الصيني التزم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060 وأن تصل الانبعاثات إلى ذروتها بحلول عام 2030، لكن هذا لم يتم تحويله إلى مساهمات وطنية محددة، ولن يكون كافيًا لإبقاء العالم في نطاق 1.5 درجة من الاحترار.
وتعهدت الصين في الأمم المتحدة هذا العام بوقف الاستثمار في مشاريع الفحم الخارجية الجديدة لكنها لم تقدم أي التزامات محلية أخرى؟ وتأمل بريطانيا في أن يتمكن “شي جين بينغ” أو المبعوث الصيني للمناخ الذي سيحضر مؤتمر جلاسكو من اتخاذ المزيد من التحركات. وتشير التقديرات إلى أن تخلي الصين عن الفحم درب من دروب الخيال، وأن الرئيس الصيني لا ينوي القدوم إلى جلاسكو للتوقيع على مذكرة إعدام الفحم، وأن غيابه عن مؤتمر Cop26 سيكون أكثر من مجرد عمل دبلوماسي على حافة الهاوية، وسوف يشير ذلك إلى إحجام شديد عن السماح بوضع الصين في قفص الاتهام كأكبر ملوث في العالم.
إن التناقضات الواضحة في مواقف الصين، وإدمان بكين المتزايد للمادة السوداء(الفحم)، من المحتمل أن يؤدي إلى فشل مؤتمر جلاسكو إذا لم تستطع الصين الالتزام بمسار متسارع للخروج من استخدام الفحم في هذا العقد. هذا علاوة على أن الأمر لا يقتصر على حرق الصين للفحم أكثر مما تحرقه بقية دول العالم مجتمعة، وإنما لأنها أيضًا ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة، فالمصانع في الصين تستهلك ضعف ما يستهلكه بقية اقتصاد الدولة، حيث تحتاج المصانع إلى طاقة تزيد بنسبة تتراوح بين 10 و30 في المائة عن نظيراتها الغربية.
ختامًا، إن التعاون الضروري من أجل وقف ارتفاع درجة حرارة الكون سيكون مستحيلًا في سياق الحرب الباردة المتصاعدة بين الدول الرائدة، وسوف تظل قضية أزمة المناخ والحرب الباردة التي أعيد إحياؤها منفصلتين في أذهان النخب السياسية والجمهور على حد سواء. والعواقب الأكثر ترويعًا لأزمة المناخ لم تأت بعد، حتى لو كانت هناك مؤشرات على وقوع كوارث في حرائق الغابات في أستراليا وكاليفورنيا وتزايد التصحر في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من العراق إلى تشاد. إن مؤتمر Cop26 سيكون مليئًا بالنداءات البلاغية للعمل والتضامن العالميين. ولكن، الفعل الحقيقي، إذا كان هناك فعل من الأساس، سيكون من قبل الدول القومية التي تعمل لمصالحها الخاصة. على الرغم من كل التوقعات المروعة لكارثة المناخ، فإن اللحظة التي تعتقد فيها هذه الدول حقًا أنها تواجه تهديدًا وجوديًا لم تأتِ بعد.



