
هل هناك حاجة لنظام عالمي جديد في ضوء مشروع قرار مجلس الأمن بشأن الأمن المناخي؟
بالرغم من وصول العالم للثورة الصناعية الرابعة وإجماع قادة العالم على خطورة التغير المناخي وضرورة الحد من الاحتباس الحراري، إلا أنه لم يتخذ أية خطوات حقيقية في هذا الصدد على الصعيد العالمي والمتعدد الأطراف سوى صياغة مشروع قرار أممي بشأن الأمن المناخي وعقد قمة باريس في ٢٠١٥، إلى جانب القيام بالعديد من المبادرات غير الرسمية. لكن هناك من يرى أن النظام العالمي الحالي ليس قادرًا على التعامل مع هذه الأزمة الطارئة التي تهدد السلم والأمن الدوليين. وبالتالي، هناك من يوصي بضرورة خلق نطام عالمي جديد يضع التغير المناخي والتنوع البيولوجي كأولوية في الأجندة الدولية وتبني مشروع القرار الأممي الذي لا يزال محل خلاف حتى الآن.
ما هو مشروع القرار الأممي المزمع صدوره؟
تقول مجموعة الأزمات الدولية، إن مشروع القرار الأممي بشأن الأمن المناخي الذي قدمته أيرلندا والنيجر بنهاية سبتمبر الماضي يهدف لخلق قاعدة أساسية لإجراء مناقشات ممنهجة حول تأثير التغير المناخي على السلام والصراع في العالم وكيف يشكله؛ حيثُ إن هناك صلة وثيقة بين التغير المناخي وانعدام الاستقرار في العديد من المناطق التي تعمل بها الأمم المتحدة مثل منطقة الساحل التي اندلع فيها العنف بالمزارعين والرعاة بسبب تجريف الأرض الذي نتج عن التغير المناخي، وجنوب السودان الذي يعاني من انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي بسبب استمرار الفيضان لثلاث سنوات والذي أدى إلى تشريد ما يزيد عن نصف مليون شخص.
ويدعو مشروع القرار الأمين العام للأمم المتحدة لإعداد تقرير كبير عن الأمن المناخي خلال عامين والذي يجب أن يقدم توصيات عامة حول كيفية التعامل مع المخاطر الأمنية المرتبطة بالمناخ. ولأول مرة يدعو مشروع البعثات الميدانية للأمم المتحدة برصد الأمور المتعلقة بالمناخ، وكذلك يطالب مشروع القرار أنطونيو جوتيرس بتعيين مبعوث للأمن المناخي. ولذا، ترى مجموعة الأزمات الدولية أن مشروع القرار الأممي في حال تمريره، سيكون بمثابة حجر الأساس لمناقشة قضايا الأمن المناخي على نحو منتظم في المستقبل على عكس ما يحدث الآن.
هل النظام العالمي الحالي على استعداد للتعامل مع هذا التهديد الوجودي؟
هذا القرار المزمع صدوره يقودنا للحديث عن مدى إمكانية تمرير مشروع القرار ووضع مسألة الأمن المناخي على رأس أولويات الأجندة الدولية للنظام العالمي الحالي، لاسيما بعدما فشل النظام المتعدد الأطراف في الاستجابة والتعامل مع هذه الأزمة بشكل قوي، على الرغم من اتخاذ أمريكا والاتحاد الأوروبي خطوات لتقليل وتيرة الاحتباس الحراري وتقليل الصوب الزراعية، نظرًا لعدم وجود ضمانات لالتزام الدول بتعهداتها ولتشجيع دول مثل الصين والهند لتقليل اعتمادها على الكربون. يقول ستيورت إم باتريك في مقاله بمجلة فورين آفيرز الأمريكية أن النظام العالمي الحالي بمؤسساته فشل في إدارة وحل الأزمة التي تشكل تهديدًا على الكوكب.
نظام. مشتت: اتساقًا مع ذلك، تقول مجموعة الأزمات الدولية إن الأمم المتحدة تعاملت مع قضية الأمن المناخي بشكل محدود ومتخصص، لاسيما في ظل غياب استراتيجية للتغير المناخي وتركيز الأمم المتحدة على منطقة الساحل وبحيرة التشاد بخلاف المناطق الأخرى. فعلى سبيل المثال، نجحت بعض الدول الأوروبية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية في إدخال هذه المسألة ضمن صلاحيات بعض عمليات حفظ السلام التابعة للمنظمة، وهو ما شجع البعثات الأممية على تقييم المخاط المتعلقة بالمناخ في مناطق عملها ومساعدة السلطات الوطنية لإعداد استراتيجيات لإدارة المخاطر. ولكنها أشارت في الوقت نفسه إلى الدور الأممي آخذ في التطور؛ حيثُ وفرت السويد في ٢٠١٨ عندما كانت عضوًا بمجلس الأمن تمويل لألية الأمن المناخي الجديدة والتي تضم أفراد من مختلف الإدارات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة، ومنها إدارة الأمم المتحدة للشئون السياسية وبناء السلام والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إضافة قيام المنظمة بإيفاد مستشار أمني لبعثها في الصومال لتحليل المخاطر المتعلقة بالمناخ.
وفي ٢٠٢٠، شكلت ألمانيا بالتعاون مع النيجر مجموعة غير رسمية للأمن المناخي تضم عددًا من الخبراء بحيث تكون منتدى غير رسمي لمناقشة هذه المسألة بشكل تفصيلي. ويتضح مما سبق، أن النظام الأممي يفتقر للتناغم والتنسيق عندما يتم التعامل مع مسألة الأمن المناخي نظرًا لأنه لم يتم الربط بين المناقشات التي تدور حول التغير المناخي والظواهر المرتبطة به مثل نقص الغذاء في المناطق المهددة، وهو ما يشير إلى إمكانية تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ المتعلقة بخفض انبعاثات الكربون، حسب قول باتريك.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك بعض المبادرات الفردية التي تأتي خارج إطار الأمم المتحدة ومنها إنشاء كل من فرنسا وكوستاريكا ائتلاف عالي الطموح من أجل الطبيعة والناس بنهاية 2020 بهدف حماية 30٪ من سطح الأرض البري والبحري بحلول عام 2030 والذي اعتمدته إدارة بايدن في سياسته الداخلية.
مواقف مختلفة ومصالح متعارضة حول مشروع القرار الأممي: إن تباين الرؤى حول مشروع القرار الذي راعته ألمانيا يعكس اختلاف المواقف بشأن قضايا التغير المناخي وتضارب المصالح. فعلى الرغم من أن مجلس الأمن يركز على قضية التغير المناخي في إفريقيا، إلا ًجنوب إفريقيا كانتً متشككة من مشروع القرار. في حين أن النيجر وكينيا وتونسً وأغلب أعضاء مجلس الأمن يأملون في أن يتم تمرير القرار في ديسمبر.
كما نجد الولايات المتحدة تحت الإدارة الحاليةً مؤيدة للقرار، على عكس الإدارة السابقة، إلا أنها لم تشارك بقوة في مناقشات المجلس حول القرار تجنبًا للدخول في صراع مع الصين وروسياً اللتان تغيبا، إلى جانب الهندً أيضًا عن حضور القمة الافتراضية التي عقدت في فبراير ٢٠٢١ً والتي شاركت فيها بوريس جونسون وجون كيري؛ المبعوث الأمريكي للتغير المناخًي. ً
وفي الوقت نفسه، نجد أن الصين وروسيا والهند يتحفظون على نص القرار نظرًا لأنهم قلقون من انخراط مجلس الأمن في ملف التغير المناخي الذي يدخل في نطاق المنتديات الأممية الأخرى، فضلاً عن أنهم متشككون من أن يكون هناك منهجيات متطورة لتقييم الصراعات المرتبطة بالمناخ. كما تعارض روسيا بشكل خاص جهود توسيع مفهوم السلام والأمن.
شًكل النظام العالمي الجديد وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها؟
ولذا، يرى ستيورت إم باتريك أن هناك ضرورة لإحداث تغير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية بحيث تكون قائمة على أساس وضع “سياسات تتعلق بحماية الكوكب” واعتبارها مسألة أمن قومي وهدفًا استراتيجيًا قوميًا ودوليًا، وهو ما يتطلب التوصل لتفاهم مشترك حول واجبات الدول والتزاماتها بشأن التنمية المستدامة، فضلاً عن استحداث مؤسسات دولية مبتكرة وتبني مفهوم أوسع للسيادة بحيث تشتمل على مبدأ مسئولية الحماية لحماية المصالح الدولية المشتركة إلي جانب تعزيز القواعد المؤسسية والقانونية للتعاون البيئي الدولي.
تغيير مفهوم السياًة: ومن أجل التوصل لتفاهم مشترك حول واجبات الدول وفي خضم الخلاف حول مفهوم السيادة بمعناه التقليدي الذي يرى أن الدولة لها الحق في ممارسة سيادتها حتى عندما يتعلق الأمر بالبيئة، وبين المفهوم الشامل الذي تبناه إمانويل ماكرون والذي يرى أن باقي دول العالم طرفًا في المسألة، لابد من تبني مفهوم أوسع، حسبما أوصى باتريك، بموجبه يكون أمن كل دولة قائمًا على وجود بيئة صحية ومستقرة، وهو ما يوسع مع دائرة المصالح الوطنية لتضم أمن وحماية البيئة. ولذلك، لابد من التخلي عن المفهوم التقليدي للسيادة الذي عبر عنه الرئيس البرازيلي عندما اندلعت حرائق الأمازون في ٢٠١٩؛ حيثُ يرى أن لبلاده الحق المطلق في تطوير غابات الأمازون كما تشاء، والترويج لفكرة مفاداها أن للدول الحق في حماية الأرض وإلزام الدول بالامتناع عن القيام بأي نشاط من شأنه يغير أو يدمر النظام البيئي، وذلك بقيادة الولايات المتحدة.
وهذا يتطلب سد الفجوة بين الخريطة الجغرافية لكوكب الأرض والتقسيم الجيوسياسي للكوكب والذي تعطيه الحكومات أهمية أكبر.
توسيع مفهوم المصالح الدولية المشتركة: وكذلك، لابد من توسيع المفهوم الخاص الصالح الدولي العام ليشمل كل النظام البيئي والدورات الطبيعية والاتفاق حول طبيعة الأنشطة التي تمثل تهديدًا لسلامة المحيط الجوي والسماح بالتفتيش الخارجي للتأكد من امتثال الدول للقواعد الدولية ومنها مبدأ “عدم الإضرار” الذي يرى باتريك أنه من الصعب تطبيقه نظرًا لعدم وجود توافق دولي حول الإضرار البيئي العابر للحدود والتزامات الدولة، حسب قول باتريك.
تغيير مفهوم الثروة: لابد من إعادة النظر في مفهوم الثروة – الذي يعتبر الابتكار التكنولوجي ومحفزات السوق كوسيلة للتحرر من قلة الموارد – نظرًا لتراجع مخزون كوكب الأرض من رأس المال الطبيعي بنسبة ٤٠٪ من الناتج المحلي للفرد منذ ١٩٩٢، حسبما أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة. فمن ثم، يقول باتريك إنه لابد أن يشتمل المفهوم الجديد على تقدير قيمة الموارد الطبيعية وفوائدها والتي توفر ما يزيد من نصف المخرجات العالمية أي ٤٤ تريليون دولار في العام، حسب إعلان المنتدى الاقتصادي العالمي في عام ٢٠٢٠. وبالتالي، يحتاج ذلك إلى وضع قيمة مالية للموارد الطبيعية لحث الشركات والأفراد على عدم التعامل مع البيئة ومواردها الطبيعية بشكل مطلق واخذها في الحسبان عندما يتم احتساب الناتج المحلي الإجمالي.
تغيير التشريعات والحوافز الاقتصادية: لابد من تبني تشريعات وتوفير حوافز للشركات لاحتساب التكاليف البيئية لسلوك السوق؛ حيثُ تقدر التكلفة السنوية لكل الحوافز التي تضر بالبيئة ما بين ٤ تريليونات إلى ٦ تريليونات دولار سنويا. في حين أن الحكومات تخصص ٦٨ مليار دولار سنويًا للاستدامة. ويضيف باتريك إن الحكومات يمكنها أن تستخدم الضرائب للتأكد من أن أسعار السلع والخدمات تغطي القيمة الاجتماعية للأصول الطبيعية التي تم استخدامها في عملية الإنتاج.
تعزيز دور المؤسسات المالية الدولية في الرقابة البيئية: على المؤسسات المالية الدولية تشجيع الحكومات الشريكة على جرد أصول رأس المال الطبيعي ووضع تشريعات لحمايتها، حسب باتريك.
تعزيز دور المنظمات المدافعة عن البيئة في الرقابة على الشركات: يمكن أن تلعب منظمات حماية البيئة مثل مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية الدور الرقابي على الشركات من خلال الكشف عن الالتزامات الجوفاء والتشجيع على مقاطعة الشركات في حال عدم الامتثال لتلك الالتزامات وغيرها من الأدوار المجتمعية، حسب توصية باتريك.
إصلاح قواعد التجارة العالمية: نظرًا لاتساع الفجوة بين المفاوضات التي تتم برعاية أممية وبين الحقائق التي حددتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي، لابد من إصلاح القواعد الحاكمة للتجارة العالمية بحيث تقوم الدول الملتزمة بخفض انبعاثات الكربون بالتمييز ضد الدول غير الملتزمة والتي تصر ممارسة الأعمال التجارية كالمعتاد. كما يجب أن تسمح الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بعمل تعديلات حدودية للكربون في صورة ضرائب على الواردات وخصومات على الصادرات، وهو ما يمكن الاتحاد الأوروبي بمعاقبة واردات الاسمنت – الذي يتسبب في الكثير من الانبعاثات – القادمة من روسيا وتركيا ومكافئة أولئك الذين بتبنوا سياسات خضراء. فمن ثم، يخلق “نوادي للمناخ” تضم الدول الملتزمة بخفض الانبعاثات.
تغيير النماذج التنموية: يجب إتباع نظام تنموي جديد بحيث يقوم الشركاء الدوليين مثل البنك الدولي بمساعدة الدول النامية التي تضرر كثيرًا من الصناعات الاستخراجية مثل التعدين في الحفاظ على البيئة من خلال إعطاء المساعدات الفنية بشأن التكاليف الخاصة بالتدهور البيئي وبالتالي تصبح الدول النامية قادرة على محاسبة الشركات المتورطة في التدهور البيئي وإجبارها على تحمل تكاليف ذلك. ويقترح باتريك أيضًا بأن تقوم الولايات المتحدة والدول الغنية بتشجيع التنمية الصديقة للبيئة من خلال جزء كبير من المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف للجهود الدولية المتعلقة بحماية البيئة مع ربطها بتبني سياسات تعمل على استدامة البيئة.
تعزيز الإطار القانوني الدولي: لابد من تفعيل اتفاقية التنوع البيولوجي والعمل على خفض وتيرة تدمير التنوع البيولوجي. ويضيف باتريك لابد من أن تتبني الولايات المتحدة النتائج التي توصلت إليها اتفاقية التنوع البيولوجي البحري التي راعتها الأمم المتحدة لكونها تخلق إطارًا لحماية الموارد المائية والنظام البيئي الخارج إطار السلطات الوطنية. والأهم من ذلك، يجب أن تدعم الولايات المتحدة الميثاق العالمي للبيئة (Global Pact for the Environment) الذي يتم التباحث حوله منذ ٢٠١٨ لأنه سيخلق حالة من التناغم في النظام القانوني الخاص بالبيئة، ناهيك عن أنه سيرسخ التزام سيادي الدول والشركات الخاصة بعدم التسبب في اضرار للدول الأخرى أو الصالح الدولي العام وسيخلق قاعدة خاصة بحقوق الإنسان وهي الحق في بيئة نظيفة وصحية. ولذا، يري باتريك أن هذا الميثاق يجب أن يتضمن نصوص توصي بإعداد تقارير دورية ونصوص تحدد قواعد المسئولية، ونصوص توصي بوضع آلية لحل النزاعات البيئية العابرة للحدود بشكل سلمي.
ضرورة تمرير مشروع القانون الأممي: ترى مجموعة الأزمات الدولية أنه يتعين على مؤيدي مشروع القرار إقناع كل من روسيا – التي قد تمرر القرار في حال موافقة الصين – والصين والهند بتمرير القرار لكونه سيكون بمثابة خطوة بسيطة نحو توضيح مفهوم مجلس الأمن بالآثار المترتبة للتغير المناخي على السلم والأمن الدوليين وأنه سيكون خطوة على الطريق الصحيح.
وختامًا، يمكن القول إن تمرير مشروع القرار الأممي سيكون خطوة على الطريق الصحيح لأنه سيخلق قاعدة دولية للتعامل مع قضية التغير المناخي التي باتت تهدد السلم والأمن الدوليين لكونها تحولت من مسألة فنية بحتة إلى مسألة أمنية في ضوء مفهوم الأمن الإنساني الذي يركز على أمن الفرد من كافة أشكال المخاطر والذي يؤثر بدوره على أمن الدولة بمفهومها التقليدي. وخضم الاتجاه نحو عسكرة الموارد الطبيعية، لابد من خلق إطار ونظام دولي جديد يراعي البعد الإنساني والبيئي مع احترام مبدأ السيادة بمفهومها التقليدي دون الحاجة من التدخل الخارجي.
المصادر: