إيران

هل تصل المفاوضات النووية الإيرانية إلى طريق مسدود؟

يوم الجمعة 3 سبتمبر الجاري، شدد المبعوث الأمريكي الخاص بشئون إيران، روبرت مالي، على أن الولايات المتحدة لن تنتظر “إلى الأبد” قرارَ إيران بشأن استئناف المفاوضات النووية الرامية لإحياء الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015.

وقال مالي، في تصريحات لوكالة أنباء “بلومبيرج” الأمريكية، إن واشنطن لم ترَ حتى الآن أي دليل على استعداد حكومة الرئيس الجديد في طهران، إبراهيم رئيسي، للانخراط في الجولة السابعة من المفاوضات النووية بعد انتهاء السادسة في شهر يونيو الماضي.

وعبّر المسئول الأمريكي في الوقت نفسه عن قلقه إزاء التقدم الذي تحرزه إيران في مجال الأنشطة النووية.

وتأتي هذه التصريحات في أعقاب تولي حكومة الرئيس الإيراني الجديد المحافظة خلفاً لنظيرتها الإصلاحية السابقة برئاسة حسن روحاني. فمنذ نجاح “رئيسي” في الانتخابات الرئاسية خلال شهر يونيو 2021، تصاعدت الشكوك في الغرب حول مستقبل المفاوضات النووية وإمكان تعثرها أو حتى فشلها في النهاية، لذا بدأت الولايات المتحدة والدول الغربية تضغط باتجاه الإسراع في استئناف المفاوضات النووية، أو على الأقل استكشاف نوايا الحكومة الجديدة. إذ أن واشنطن يساورها هاجس استغلال إيران لعامل الوقت في إحراز تقدم بالمجال النووي يضع المفاوضات أمام أمر واقع.

وفي ظل ضبابية المشهد، تصبح العديد من الخيارات فيما يخص مستقبل المفاوضات و”الملف” النووي نفسه مطروحة على الطاولة. إذ لم تتضح الرؤية بعد. وعليه، هل يُعد فشل هذه المحادثات ووصولها إلى طريق مسدود في عهد الرئيس الإيراني الحالي أمراً محتملاً؟  

لماذا تعثرت المفاوضات النووية منذ يونيو الماضي وحتى الآن؟

لقد تزامن انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات النووية الإيرانية مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو 2021 والتي انتهت بفوز رئيس القضاء السابق المحافظ إبراهيم رئيسي.

وفي أواخر أغسطس الماضي، صادق البرلمان الإيراني، الذي يسيطر عليه المحافظون، على التشكيلة الوزارية الجديدة التي غلب عليها الطابع المحافظ، وكان من أبرزهم وزير الخارجية الجديد “أمير حسين عبد اللهيان” الذي من المقرر أن يكون على رأس الوفد التفاوضي حال استئناف المحادثات النووية من جديد.

ويُعد عبد اللهيان، 57 عاماً، من أبرز الشخصيات الدبلوماسية المحافظة في إيران، وكان من بين المقربين بشدة لقائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري قاسم سليماني، قبل مقتله في غارة جوية أمريكية بالقرب من مطار بغداد الدولي العراقي في يناير من العام الماضي، فضلاً عن ولائه التام للمرشد الأعلى، علي خامنئي.

ويرجح عبد اللهيان توظيف ما أسماها “الدبلوماسية الدفاعية” في سياسة بلاده الخارجية، وأكد قبل ذلك، إلى جانب إبراهيم رئيسي، أن الاتفاق النووي لن يكون محور سياسة إيران الخارجية.

(أمير حسين عبد اللهيان يزور موقع استهداف قاسم سليماني في العراق)

ومنذ انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات، أخدت حدة التصريحات منحنى تصاعدياً بين طهران وواشنطن، حتى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نفسه قد بدأ يطرح عبارة “خيارات أخرى” فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني وذلك خلال أول لقاء ثنائي له في 27 أغسطس الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني الجديد، نفتالي بينيت، الذي وصل هو الآخر إلى منصبه تزامناً مع تنصيب إبراهيم رئيسي. قال بايدن آنذاك إنه إذا لم تنجح الدبلوماسية في حل الأزمة النووية الإيرانية، فإن بلاده “مستعدة للتحول إلى خيارات أخرى”. وأكد الرئيس الأمريكي للصحفيين بعد الاجتماع أن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات غير محددة إذا لم تسفر المفاوضات مع طهران عن نتائج.(1)

ولم يستغرق أمينُ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وقتاً طويلاً للرد على تصريحات بايدن، حيث كتب في تغريدة له على تويتر في اليوم التالي إن الأخير “يهدد إيران بشكل غير قانوني” وأن إيران لديها الحق في الرد المتبادل على مسألة “الخيارات” الأمريكية.

شروط إيرانية وإلزام بالعودة للالتزامات

ولتفهم أسباب هذا التصعيد من الجانبين، ينبغي علينا العودة أشهراً قليلة إلى الوراء. ففي أبريل الماضي وقبيل انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية فيينا، اشترط المرشد الأعلى خامنئي رفع الولايات المتحدة عقوباتِها أولاً عن بلاده من أجل تنفيذ إيران التزاماتها النووية. وقد أكد هذا النهج، المسؤولون الإيرانيون الذين شاركوا في جولات المفاوضات لاحقاً، وكان من بينهم على سبيل المثال، الرئيس السابق حسن روحاني في شهر مايو 2021 حينما شدد على أنه لا خيار أمام الولايات المتحدة إلا رفع العقوبات التي تتعارض مع الاتفاق النووي.(2)

وفي السياق ذاته، ترى طهران أن على واشنطن العودة إلى تنفيذ كامل التزاماتها في الاتفاق النووي إذا ما أرادت من إيران القيام بالأمر نفسه. وأكد على هذا وزير الخارجية الإيراني الجديد عبد اللهيان في محادثة هاتفية له مع نظيره الفرنسي، جان آيف لودريات، في الأول من سبتمبر الجاري.  

رفض أمريكي ومطالب بطرح الملف الصاورخي والإقليمي

وقد رفضت واشنطن مطلب رفع العقوبات، وأوضحت أن على طهران وقف تخصيب اليورانيوم أولاً، وذلك حسبما جاء على لسان مسؤولين أمريكيين. وزاد هذا الاشتراط وذلك الرفض من صعوبة الموقف، أو أن تحرز جولات المفاوضات الست نتائج إيجابية. بل إن الولايات المتحدة حينما أزالت في شهر يوليو الماضي أسماء ثلاثة أشخاص من قائمة العقوبات لاتهامهم بدعم برنامج الصواريخ الباليستي لبلادهم أكدت على أن “عمليات الإزالة هذه لا تعكس أي تغيير في سياسة عقوبات الحكومة الأمريكية تجاه إيران” وأن رفع هذه العقوبات لا علاقة له بالمحادثات النووية الجارية في فيينا.(3)

وهذا ما ثبُت يوم 3 سبتمبر الجاري حينما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 4 إيرانيين، فيما يتصل بملف الناشطة الأمريكية من أصل إيراني “مسيح علي نجاد”.

ولم يقتصر الأمر على هذا، لأنه إذا كان عدم رفع العقوبات قد أغضب الجانب الإيراني، فإن واشنطن هي الأخرى أبدت اعتراضها بشدة على رفض إيران مناقشة الملف الصاروخي والإقليمي وطرحهما للنقاش على طاولة المفاوضات.

ولا ترى الإدارة الأمريكية الجديدة على وجه الخصوص أن هذين الملفين بأقل أهمية من أنشطة إيران النووية، خاصة وأن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية قد وضعت أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ خلال شهر مايو 2021 تقريراً جاء فيه أن إيران، التي وصفها التقرير بـ”المنافس”، “تسعى إلى توسيع قدراتها العسكرية” ومن بينها الصواريخ الباليستية.

الولايات المتحدة واستكشاف نوايا الحكومة الجديدة في إيران

وإذا كانت هذه الملفات قد شكلت بالأساس عوائق منذ بدء المفاوضات في عهد حسن روحاني، فإن عدم تيقن الولايات المتحدة من التوجهات المستقبلية للحكومة الإيرانية الجديدة في يونيو الماضي قد عزز لديها احتمالات عدم استئناف المفاوضات ودفعها للتريث، إذ أن واشنطن تعلم أن هناك اختلافاتٍ جمة بين روحاني ورئيسي وبين ظريف وعبد اللهيان. وعلى المنوال ذاته ولكن في طهران، عززت تجربة حكومة روحاني مع الاتفاق النووي بعد خروج الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، منه في مايو 2018 ميول حكومة رئيسي إلى عدم الثقة في الولايات المتحدة والانتظار طويلاً من أجل الحصول على المزيد من الضمانات التي ستكون أولاها رفع العقوبات.     

هل فُقد الأملُ في نجاح مفاوضات فيينا النووية؟

على الرغم من العوائق سالفة الذكر، إلا أن الحديث عن فشل المفاوضات النووية إلى جانب أنه يبدو سابقاً لأوانه، فهو غير واقعي ولا يتسق مع مجريات الأمور. إذ أن الأطراف الأوروبية والأمريكية والإيرانية لديها رغبة حقيقية في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أو حتى التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً تخضع لبنوده أنشطةُ إيران الصاروخية والإقليمية. وكل طرف يرمي من وراء ذلك إلى تحقيق أهداف مختلفة.

وحول الاتفاق الأكثر شمولاً المُشار إليه، تجدر الإشارة إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص للشئون الإيرانية، روبرت مالي، قد ألمح إليه في أواخر أغسطس الماضي حينما قال إنه من المنطقي أن تكون “العودة إلى الصفقة مطروحة” بالفعل، مضيفاً أن الولايات المتحدة تملك خياراتٍ بديلة في حال عدم إعادة إحياء الاتفاق الذي أُبرم عام 2015 ومنها صياغة اتفاق جديد آخر منفصل تماماً عن اتفاق لوزان الذي ينتهي بالأساس في عام 2030.

الاتفاق النووي أولوية لإدارة بايدن

إن ما يؤكد ترجيح استئناف المفاوضات النووية الإيرانية الغربية خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة وضع الرئيس الأمريكي الحالي، حتى قبل دخوله البيت الأبيض، التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران على جدول أولويات إدارته فيما يتصل بالتعامل مع الشرق الأوسط. فإدارة الديمقراطيين الأمريكية ترى أن الطريق الأمثل للتعامل مع النشاط النووي الإيراني يكون عبر اتفاق نووي، علاوة على رؤيتها بضرورة عقد اتفاق أوسع يشمل الملفين الصاروخي والإقليمي. ويتناقض هذا مع رؤية الإدارة الجمهورية السابقة برئاسة ترامب التي خرجت من الاتفاق وسلكت طريق العقوبات القاسية المكثفة لمعالجة ما كانت تسميه بـ “سلوك” إيران.

بايدن يؤكد لإسرائيل منع إيران من امتلاك سلاح نووي

ويعزز احتمالية اسئتناف المفاوضات أيضأ تأكيدُ الرئيس الأمريكي بايدن لنظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال لقاء جمعهما في العاصمة واشنطن في 28 يونيو من العام الجاري أن إيران “لن تحصل أبداً” على سلاح نووي في عهده، ما يعني أنه ماضٍ بقوة في المفاوضات النووية، لأنها هي الخيار الأمثل لإدارته كما أوضح، على الرغم من طرحه مؤخراً “خيارات أخرى” وهي في الواقع لا تعدو عن كونها تهديداً؛ إذ أن الولايات المتحدة التي خرجت من أفغانستان وفي طريقها للخروج من مناطق أخرى بالشرق الأوسط، لا يمكن لها أن تنخرط عسكرياً في دولة كبيرة مثل إيران، حتى لو كان ذلك بمشاركة الحلفاء؛ إذ أنها تعلم جيداً تكلفة مثل هذه الخطوة.

الأوروبيون ما بين آمال ومخاوف من الشرق الأوسط

أما بالنسبة للأوروبيين، فإنهم يفضلون لا شك خيار التفاوض مع إيران للعديد من الأسباب من بينها ضمان استقرار منطقة الخليج العربي، التي يمر منها النفط، وعدم تفاقم الأزمة في المنطقة إلى حد اندلاع مواجهة عسكرية تتضرر منها الدول الأوروبية قبل الولايات المتحدة عند الحديث عن موجات هجرة لا تزال تعاني منها أوروبا. وتريد الدول الأوروبية من زاوية أخرى عودة شركاتها للاستثمار في السوق الإيراني، إذ أنه يُعد من الأسواق الجاذبة الكبرى حال حدوث استقرار في العلاقات الإيرانية مع الخارج، مثلما حدث بعد عام 2015 حين سارعت كثيرٌ من الشركات الفرنسية والبريطانية وغيرها إلى الاستثمار في السوق الإيراني.

إيران ورغبة أكيدة في رفع العقوبات  

ولم تدع إيران مجالاً للشك حول رغبتها في إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 سواء في عهد الرئيس السابق حسن روحاني أو الحالي إبراهيم رئيسي الذي أكد منذ الظهور الأول له رئيساً للبلاد على مواصلة جادة المفاوضات.

 بل إن إبراهيم رئيسي صرّح علناً مرة أخرى يوم السبت 4 سبتمبر الجاري بأن بلاده تسعى لمفاوضات تقود إلى رفع العقوبات الأمريكية، حيث قال إن “المحادثات على جدول الأعمال، ونحن نسعى لمفاوضات تفضي إلى تحقيق الهدف، وهو رفع العقوبات عن الأمة الإيرانية”.(4)  

وفي الواقع، ترغب إيران من وراء الانخراط في المفاوضات النووية في التخلص من العقوبات المفروضة عليها؛ ذلك لأن الأخيرة ساهمت في تدهور اقتصاد البلاد بشدة خلال الأعوام الماضية، خاصة في السنوات الأخيرة من حكم ترامب الذي فرض حزماً متتالية ومتتابعة من العقوبات على طهران. ويبدو هذا التوجه من تصريحات مختلف المسئولين الإيرانيين خلال الفترة الحالية. وأيضاً، يستلزم تحقيق الرؤية الاقتصادية لحكومة إبراهيم رئيسي خلال الفترة القادمة رفع العقوبات عن طهران، وإلا فستكون هذه الرؤية مقيدة إلى حدٍ كبير.

سيناريو الأيام المقبلة

إذاً، فالأمل في استئناف المفاوضات النووية بجولتها السابعة قوي، ولكن التوقيت سيظل المشكلة. حيث يُرجح أن يحاول الطرفان الغربي والإيراني استخدام أوراق الضغط خلال الأيام المقبلة لزيادة رصيد كل منهما على طاولة المفاوضات المرتقبة في فيينا. وهذا ما يتضح من خلال تصريحات الطرفين المُشار إليها من جانب والتصعيد في بعض مناطق الإقليم من جانب آخر.    

فحكومة الرئيس “رئيسي” ستحاول تأمين أكبر قدرٍ من المكاسب الاقتصادية قبل وأثناء المفاوضات النووية عن طريق الضغط لرفع كامل العقوبات وإبعاد الملفين الصاروخي والإقليمي عن طاولة المحادثات. أما الولايات المتحدة والأوروبيون فسيحاولون ممارسة ضغوط على إيران من أجل عدم تقديم تنازلات كبرى لها في مسألة العقوبات المفروضة إلى جانب الدفع بقوة باتجاه طرح الملف الصاروخي والإقليمي على طاولة المفاوضات. وفي هذه الأثناء، سيظل خيار استبعاد اتفاق 2015، وصياغة اتفاق جديد آخر، قائماً.

……………………………………..

المصادر:

  1.  “اطمینان دهی بایدن به اسرائیل برای جلوگیری از ساخت بمب اتمی توسط ایران”، دويتشه فيله النسخة الفارسية، 28 أغسطس 2021.    
https://cutt.us/xd7F7
  • 2-  می خواهیم تحریم را برداریم، اما عده ای عزاداری می کنند/مردم از کاندیداها برنامه می خواهند”، وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا)، 19 مايو 2021.      
https://cutt.us/gzWuN
  • 3-  أمريكا ترفع العقوبات عن 3 شخصيات إيرانية “دعمت” برنامج الصواريخ الباليستية”، “سي إن إن”، 2 يوليو 2021.     
https://cutt.us/U9Our
  • 4-  رییسی: اعتماد آسیب‌دیده مردم باید بازسازی شود/ تامین ۱۰۰ میلیون واکسن”، وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية (إيرنا)، 4 سبتمبر 2021.      
https://cutt.us/gF6zU
+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى