دول المغرب العربيسياسة

“مصر وتونس”.. التعاون الراسخ وتنسيق الضرورة

تعد العلاقات المصرية التونسية؛ علاقات تاريخية وراسخة فهي ليست وليدة اللحظة، وقد شهدت توافقا وتميزت بالإيجابية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، وخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر دعمت مصر الحركة الوطنية التونسية وكفاحها ضد الاحتلال الفرنسي، كما تبنت مصر القضية التونسية في مجلس الأمن آنذاك؟

وقد شهدت العلاقات بين الدولتين توافقا حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تمس أمن البلدين خاصة، والأمن العربي عامة، مما يتطلب التنسيق المشترك بين مصر وتونس بشأن هذه القضايا ومنها: مكافحة الإرهاب والقضية الفلسطينية والملف الليبي، حيث تعد كل من مصر وتونس عضوين في اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار الليبي، ووقعا في السابق مع الجزائر إعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية في ليبيا في فبراير 2017.

أيضا تحظى العلاقات باهتمام على المستوى الاقتصادي حيث بلغ التبادل التجاري بين الدولتين 572.3 مليون دولار في 2019 وفقا لمكتب التمثيل التجاري المصري في تونس. وتمثل الاستثمارات المصرية في تونس ما يقرب من 2.5 مليون دولار، وقد بلغت الاستثمارات التونسية في مصر ما يقرب من 35 مليون دولار في قطاعات السياحة والصناعات الغذائية والاتصالات في عام 2019.

أي أن العلاقات تعاونية سواء على المستوى السياسي والاقتصادي، كما أن للدولتين إرثا مشتركا أيضا كان لدى كل من مصر وتونس نصيب مشابه من حيث تغلل الإخوان المسلمين بمؤسسات الدولة ومحاولة السيطرة عليها، وكذلك التهديدات الإرهابية للأمن القومي للدولتين عقب هذه الثورات.

 ومنذ عقد الانتخابات الرئاسية في تونس في أكتوبر 2019، كانت مصر من أوائل المهنئين للدولة التونسية وللشعب التونسي بتنفيذ الاستحقاق الرئاسي، متمنيه للرئيس قيس سعيد السداد والتوفيق، وكانت من أوائل الدول التي سارعت بالاطمئنان على صحة الرئيس التونسي، عقب قضية الطرد المشبوه الموجه للضرر بصحة الرئيس سعيد.

وقد زار الرئيس السيسي تونس مارس 2019، وشارك في القمة العربية والتي ناقشت القضية الفلسطينية والملف الليبي وملف الجولان السورية، وكذلك التدخل الإيراني في الشؤون العربية.

 وتعد زيارة الرئيس قيس سعيد إلى مصر الأولى له منذ توليه المنصب، والتي استغرقت ثلاثة أيام خلال الفترة من 9-11 أبريل 2021 تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد استقبل الرئيس السيسي الرئيس التونسي بمطار القاهرة بعد ظهر الجمعة.

وتنبع أهمية الزيارة من التوقيت الذى جاءت فيه لاسيما في ضوء المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية بالنسبة للدولتين مصر وتونس، وقد تضمن برنامج الزيارة تفقد الرئيس التونسي المواقع التاريخية في مصر ومنها المتحف القومي للحضارة الذى تم افتتاحه مؤخرا بعد نقل المومياوات الملكية المصرية إليه، كما زار الرئيس قيس سعيد مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، وقلعة صلاح الدين الأيوبي، كما يقوم الرئيس التونسي اليوم الأحد بزيارة متحف ومسارح دار الأوبرا المصرية، وحضور حفل في السادسة مساء لكل من لطفى بوشناق وريهام عبد الحكيم، والفرقة القومية العربية للموسيقى بقيادة المايسترو مصطفى حلمى.

ونظرا لأهمية الثقافة في التصدي لمخاطر التطرف الفكري التي تواجهها دول المنطقة، تم الاتفاق على إعلان عام 2021-2022 عاماً للثقافة المصرية التونسية، من خلال تفعيل الأنشطة الثقافية والفنية المشتركة في كل من مصر وتونس، بما يعكس التاريخ المشترك بين الشعبين والتواصل القائم بينهما.

أيضا التقى الرئيس التونسي برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وتم التشاور حول الاجتماع القادم للجنة العليا المشتركة بين مصر وتونس على أن يسبقها التحضير لجدول الأعمال، وعقد اجتماعات اللجان النوعية ولجان الخبراء المنبثقة عنها، كما أن الاجتماعات التي عقدت بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وقيس سعيد بعثت بعدد من الرسائل الهامة سوف يتم توضيحها في التالي:

رسائل مهمة

تم عقد مؤتمر صحفي عقب المشاورات بين الرئيس السيسى وقيس سعيد وجاءت كلمات الرئيسين عاكسة للرؤى المشتركة بينهما في القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك القضايا العربية والإقليمية وكانت رسائل رادعة في مضمونها وفى طريقة إلقاؤها ومنها:

  • الأمن القومي لمصر هو أمن تونس، والموقف المصري في أي محفل دولي هو موقفنا ونظرا لقراءة التاريخ واستشراف المستقبل، عن قناعة تامة، لن نقبل بأن يتم المساس بالأمن المائي لمصر، والبحث عن حل عادل، لكن ليس على حساب مصر والأمة العربية”، وتؤكد الرسالة الدعم التونسي لمصر في ملف سد النهضة الإثيوبي والحفاظ على حقوق مصر المائية خلال المحافل الدولية والإقليمية، وذلك لأن تونس هي عضو غير دائم في مجلس الأمن في الوقت الحالي. وقد ثمن الرئيس التونسي الجهود التي تبذلها مصر للتوصل إلى اتفاق عادل وشامل بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. وتم التأكيد على العمل المشترك على الساحة الأفريقية وكيفية دعم العمل الأفريقي، في ظل الدور الهام الذي تلعبه كل من مصر وتونس في هذا الشأن.
  • أكد الرئيس قيس سعيد أن “القاهرة المعزية، هي التي تستطيع أن تقهر كل الصعاب، وسوف نقهر معاً كل الصعاب، لأننا نؤمن بأن نعى المخاطر وضرورة التصدي لها بكافة الوسائل” وهي إشارة إلى الدعم التونسي لمصر خلال الفترة القادمة وكذلك الدعم المصري لتونس، وهو ما سوف نشهده خلال الأيام القادمة عقب هذه الزيارة.
  • أشاد الرئيس التونسي قيس سعيد بما حققته مصر في مجالات الأمن والاستقرار والتنمية، واستعادة دورها الفعال على المستوى الإقليمي والدولي، والذي سينعكس على العمل الأفريقي والعربي المشترك، ومحاولة التوصل لتسويات سياسية للأزمات القائمة بالمنطقة العربية.
  • أيضا أكد الرئيس قيس سعيد على “أمن الشعوب العربية وطالما أن الشعوب بخير، فإن المنطقة ودولها سوف تكون بخير”، وهي تأكيد على ضرورة التضامن والتلاحم والتماسك الداخلي ووحدة الدولة الوطنية العربية.
  • التأكيد على أن “ليبيا تسير في الاتجاه الصحيح وأنه لا مجال لتقسيم ليبيا، وأن ليبيا دولة واحدة، والتقسيم مقدمة لتقسيمات أخرى ليست على القانون ولكن بواسطة القانون”.
  • التنسيق المشترك فيما يتعلق بالملف الليبي، حيث تمثل كل من مصر وتونس دولتي جوار مباشر وتتقاسمان حدودا ممتدة مع ليبيا، ومن ثم تمثل القضية الليبية وانعكاساتها جزء من الأمن القومي للدولتين، وقد رحبت كل من مصر وتونس بتشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، وتم التأكيد على دعائم السلام والاستقرار في ليبيا، والحفاظ على المؤسسات الوطنية الليبية، ورفض التدخل الخارجي رغبة في تحقيق الاستقرار وانطلاق الدولة الليبية نحو مسار البناء والتنمية والاستقرار. وتقديم كافة أشكال الدعم لها بما يمكنها من أداء دورها في إدارة المرحلة الانتقالية، وعقد الانتخابات في موعدها المقرر نهاية العام، وإنهاء التدخلات الخارجية وخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين والإرهابيين الأجانب من ليبيا بما يضمن استعادتها لاستقرارها الكامل والمنشود وصون سيادتها ووحدة أراضيها ومقدرات الشعب الليبي الشقيق.
  • أكد الرئيس السيسى على “تعزيز التعاون بين مصر والتونس سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي من حيث مواجهة التحديات المشتركة، من خلال تحقيق التنمية الشاملة، ومواجهة التدخلات الإقليمية في المنطقة، ومنع تقويض الدولة الوطنية، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، فمصر دائما ما تؤكد على ذلك مرارا وتكرارا، وربما نشهد مزيد من التعاون العربي الفترة القادمة، والتنسيق العربي المشترك الثنائي أو متعدد الابعاد في هذه المرحلة الحرجة وفى ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، من حيث قضايا الأمن العربي وفى ظل وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض برئاسة جو بايدن، مما يتطلب تنسيق عربي جديد في ظل إدارة ورؤية مختلفة.
  • التأكيد على أهمية مواصلة الجهود العربية من أجل دعم القضية الفلسطينية كونها القضية المحورية للعالم العربي، وضرورة بذل الجهود لتطبيق مبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
  • أهمية دعم العمل العربي المشترك، والحفاظ على الأمن القومي العربي، وحماية وحدة أراضي وسلامة واستقلالية الدول العربية، وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية، ورفض كافة محاولات التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول العربية.
  • تم التأكيد على استشراف آفاق التعاون في التجارة وتبادل الاستثمارات وهو يمثل خطوة نحو ضرورة التكامل العربي الاقتصادي والسياسي، أيضا التعاون على الصعيد الأمني وتبادل المعلومات لاسيما في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وتدعيم التعاون الأمني وتبادل المعلومات، التصدي الشامل للإرهاب سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي وكذلك الفكري والايدلوجي، ومواجهة التنظيمات الإرهابية دون استثناء وتجفيف منابع تمويلها وتمثل هذه الإشارة أهمية كبرى نظرا لأن تونس تواجه تغلل الإخوان المسلمين في مؤسسات الدولة وفى الشأن الداخلي والخارجي، في محاولة لزعزعة استقرار الدولة الوطنية التونسية.

“ختاما”

تمثل الزيارة أهمية كبيرة للدولتين وتزداد أهميتها من ترجمة ما تم التوصل إليه على أرض الواقع الفترة القادمة، أيضا التعاون بين مصر وتونس ليس وليد اللحظة ولكنه تاريخي ومترسخ، ويدعمه في ذلك الرؤى المشتركة في كثير من القضايا وكذلك المصالح المشتركة للدولتين.

وتمثل الزيارة أيضا تحالفا واجبا وتنسيقا ضروريا لكل من مصر وتونس، لاسيما في ضوء الأزمات الداخلية التي تشهدها تونس وما يمكن أن تقدمه لها في مصر في هذا الصدد، والدور المحوري الذى تلعبه مصر في الحفاظ على الأمن العربي وأن أي ضرر يصيب مصر سوف يمثل ضررا للمنطقة برمتها، ومن ثم تمثل مساندة تونس كدولة عربية وإفريقية لمصر في ملف أمنها المائي، خطوة نحو دعم وتعزيز العلاقات العربية- العربية التعاونية وضرورة التنسيق والتحالف والتكامل العربي، وتنحية المصلحة الخاصة جانيا في ضوء أزمات الدول العربية العديدة، والتي تتطلب الاستيقاظ العربي بما يحقق المصلحة المشترك للدول مجتمعة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى