أفريقيا

مصر والقرن الإفريقي… مصالح مشتركة وتهديدات متباينة

تُشكل زيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الصومالي “محمد عبد الرازق” إلى القاهرة في الواحد والعشرين من مارس 2021، نقطة جوهرية في خضم التعاطي المصري مع دول القرن الإفريقي، وتأتي تلك الزيارة كذلك في أعقاب زيارة وفد مصري برئاسة السفير “شريف عيسى” مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية إلى جيبوتي في التاسع عشر من مارس للعام الجاري لبحث سبل التعاون على كافة الأصعدة.

ولعل تلك الزيارات المتلاحقة لتلك الدول تأتي في إطار الاستراتيجية الجديدة التي انتهجتها القاهرة منذ ثورة 2013 رغبة في إعادة ترتيب الأوراق مرة أخرى للانخراط الإيجابي في القارة الإفريقية بصورة عامة، والقرن الإفريقي على وجه الخصوص، في ظل سياق إقليمي وتشابك مستجد على خلفية معادلة البحر الأحمر.

أهمية استراتيجية وأهداف متعددة

تنطلق أهمية كل من الصومال وجيبوتي كأحد الدول الحيوية داخل القرن الإفريقي من الموقع الاستراتيجي لتلك الدول وخاصة كونها تطل على أهم الممرات الملاحية وما يتطلبه ذلك من حتمية تنسيق مشترك؛ إذ إن المتأمل للأهمية الاستراتيجية لإقليم شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي في العمق منه، وما تبعه من تسارع إقليمي ودولي لخلق موطئ قدم بدول تلك المنطقة، يجد أنه يستمد حيوته من كونه على أهم ممرين ملاحيين يربطان دول شرق آسيا ودول غرب أوروبا وهما قناة السويس في شمال البحر الأحمر ومضيق باب المندب في أقصى جنوب البحر الأحمر والذي تطل عليه كل من جيبوتي وإريتريا والصومال واليمن، وبالتالي فإن أجندة الدول الإقليمية والدولية تتضمن وجود أسواق حيوية لها.

واتصالاً بالسابق؛ فإن الموقع الجغرافي والخصوصية الثقافية لدول تلك المنطقة يجعلها إحدى دوائر الاهتمام لدى السياسة الخارجية لمصر، وذلك لكونها تحمل جانبين؛ الأول إفريقي والثاني عربي، وما يربط الموقع الجغرافي المُطل على باب المندب واتصاله المباشر بحركة السفن المؤدية لقناة السويس، يدفع القاهرة للتحرك بخطوات ثابتة نحو تعزيز التعاون مع دول المنطقة.

إضافة إلى ذلك يُشكل غاز القرن الإفريقي أهمية استراتيجية لدول القرن الإفريقي وبصورة خاصة الصومال وجيبوتي، وتُمثل الخطط المختلفة المستهدفة من جانب دول القرن الإفريقي لاكتشاف وإنتاج الغاز الطبيعي وما يتصل بها من مساعي لتحقيق التكامل الطاقوي بين دول تلك المنطقة، خاصة في ظل توجه بعض دول المنطقة لإصدار قوانين جديدة للاستثمار في مجال البترول والغاز على غرار الصومال التي أصدرت قانونًا جديدًا في شهر فبراير من العام الماضي، الأمر الذي يُعطي ميزة تفضيلية بها، ويجعلها نطاقًا جغرافيًا حيويًا للتكالب الإقليمي والدولي. 

ولعل الأهداف الكامنة وراء تلك الزيارات المتلاحقة بين المسؤولين لدى القاهرة وكلاً من جيبوتي والصومال بصورة خاصة للآتي:

تحقيق توازن في ضوء معادلة البحر الأحمر: وبالأخص في ظل التزاحم الخليجي وكذلك تركيا إلى جانب تشابك إسرائيل بمصالحها العسكرية والأمنية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي في هذا النطاق، في ظل موازين القوى المتغيرة في هذا النطاق الحيوي، وهو الأمر الذي يتطلب العمل بصورة متباينة عن النهج القديم الانعزالي عن دول القرن الإفريقي، ويتطلب تنسيقًا مشتركًا بين القاهرة ودول القرن المطلة على البحر الأحمر.

موازنة وجود القوى الإقليمية: أحد الأهداف التي ترمي القاهرة لها في تعزيز وجودها داخل القرن الإفريقي يتمثل في موازنة القوى الإقليمية الأخرى ذات الطبيعة التنافسية مع القاهرة وعلى رأسها تركيا خاصة في ظل مساعيها لتحقيق مبارزة استراتيجية تستهدف من خلالها كسب نفوذ أوسع في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، علاوة على المساعي الإيرانية المختلفة بالأدوات العسكرية أو الناعمة في التغلغل داخل منطقة القرن الإفريقي وما تبعه من تداعيات مختلفة على المضائق البحرية الدولية.

الردع الطاقوي وكسر دائرة السيطرة:  تستهدف القاهرة كسر حالة السيطرة التي تمارسها إثيوبيا على دول القرن الإفريقي في مجال الطاقة وبصورة خاصة مع كل من جيبوتي والصومال، في ظل إقحام “أديس أبابا” ملف “أرض الصومال” والتعاون الإيجابي بين القاهرة والصومال في المجالات المختلفة وفي ملف سد النهضة، علاوة على انتهاجها سياسة خلط الأوراق، علاوة على المساعي التركية لاختراق المجال الحيوي لمنطقة القرن الإفريقي وبصورة خاصة الصومال التي تستهدف أنقرة فرض سيطرتها على مصادر الطاقة في المياه الإقليمية الصومالية المطلة على البحر الأحمر وذلك في ضوء الاتفاقية الموقعة بين تركيا والصومال مطلع يناير عام 2020، وكذلك مع الجانب الإثيوبي الذي وقع مع أنقرة في فبراير 2020 اتفاقاً للتعاون في قطاع البترول وتعزيز الاكتشافات المختلفة للغاز والنفط.

تحييد الصومال وجيبوتي في معادلة سد النهضة: حيث جعل الغياب المصري خلال الآونة الماضية عن القارة الإفريقية الصومال ترتبط بصورة كبيرة مع السياسية الإثيوبية الإقليمية، وبرز ذلك بصورة كبيرة حيال ملف سد النهضة، حيث ترى تقارير كثيرة أن هناك تقاربًا صوماليًا جيبوتيًا تجاه الموقف الإثيوبي فيما يتعلق بملف سد النهضة، وقد برز ذلك بصورة كبيرة إعلان الصومال تحفظها على مشروع قرار الجامعة الدول العربية الصادر في الرابع من شهر مارس الجاري الخاص بتضامن الجامعة مع دولتي المصب والتأكيد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل ورفض أي إجراءات أحادية من الجانب الإثيوبي. وأيضاً تحفظ كل من الصومال وجيبوتي على قراري الجامعة العربية بشأن سد النهضة يونيو 2020. وفك ذلك الارتباط يتطلب بصورة كبيرة العودة للحاضنة الإفريقية بكافة الأدوات.

دلالات متباينة

إن المتأمل للتحركات المصرية في القرن الإفريقي في الآونة الأخيرة، وبصورة خاصة كل من جيبوتي والصومال يجد أنها تأتي للتزامن مع عدد من المتغيرات الداخلية والإقليمية يمكن توضحيها في النقاط التالية:

  1. اقتراب انتهاء بعثة الاتحاد الإفريقي والتي تُعرف باسم “أميصوم” بصورة رسمية بنهاية عام 2021، وهو الأمر الذي يحمل في طيات تبعات متعددة على الداخل الصومالي، خاصة في ظل عدم استعداد الأخيرة على تحمل الأبعاد الأمنية المختلفة الناجمة عن هذا المسار، إضافة إلى أن هذا الأمر يتزامن مع المشهد الإثيوبي المرتبك وتحديدًا في إقليم “تيجراي”، وهو الأمر الذي يتطلب معه سحب “أديس أبابا” لبعض القوات التابعة لها في الصومال مما يُشكل عامل إضعاف لتلك القوة، وكل تلك العوامل تتطلب زيادة التنسيق بين القاهرة ودول القرن الإفريقي وعلى رأسها الصومال لإقرار السلام وتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي.
  2. مساعي إثيوبيا لإعادة تشكيل التحالفات في منطقة القرن الإفريقي وذلك من خلال التقارب بين إريتريا والصومال والعمل على تأسيس تكتل إقليمي جديد يُعرف باسم ” مجلس تعاون القرن الإفريقي”.
  3. تدعيم “مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن“: الذي تم الإعلان عنه في يناير 2020 بين كل من مصر وجيبوتي والصومال ومصر وإريتريا والسعودية والسودان والأردن واليمن، والذي يستهدف بصورة رئيسة تحقيق الاستقرار والأمن وكذلك التعاون في منطقة البحر الأحمر، وما يتطلبه ذلك من إدارة منسقة لمنطقة البحر الاحمر.
  4.  المساعي الأمريكية المختلفة لتعزيز وحضورها في منطقة القرن الإفريقي واحتدام التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة، وذلك من خلال قيام واشنطن باستخدام الأداة الاستثمارية في قطاعات النفط والغاز، والتي برزت بصورة كبيرة في تدشين خط أنابيب عُرف باسم “خط أنابيب القرن الإفريقي HOAP والذي يربط كلًا من جيبوتي وإثيوبيا، وهو ما يُشكل منفذًا للتنافس الصيني الأمريكي في هذه المنطقة.

مجالات التعاون المشتركة

ثٌم هناك مجالات متعددة للتعاون بين القاهرة والصومال وقد عددها وزير الخارجية الصومالي خلال لقائه الصحفي، وتتمثل تلك المجالات في الآتي:

  • التنسيق في مجال الاكتشافات النفطية والغازية: إن أحد ملفات التعاون المشترك بين الصومال ومصر، يتمثل في تكثيف التنسيق المشترك بين الجانبين في مجالات مصادر الطاقة وعلى رأسها النفط والغاز، وهو ما أبداه وزير الخارجية الصومالي خلال المقابلة التي أجراها أثناء زيارته إلى القاهرة، خاصة في ظل توجه الصومال إلى مزيد من الاكتشافات النفطية وكذلك المتعلقة بالغاز.
  • التعاون في المجال الأمني: وتحقيق قدر من التفاهمات المشتركة حول مستقبل الوضع الأمني في الصومال، خاصة في ظل تردي الأوضاع الأمنية ورغبة الدولة في تقويض الجماعات المسلحة هناك، ولعل ذلك يتطلب الكثير من التنسيق حول تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية الصومالية، إضافة لذلك فإن ثٌم هناك توترات بين الحكومة المركزية وبين الحكومات الأقاليم المختلفة وبصورة خاصة إقليم “جوبالاند”، ولعل هناك تخوفًا من تكرار السيناريو الإثيوبي – إقليم تيجراي- داخل الصومال والانزلاق في حالة فراغ سياسي، وانشغال أديس أبابا بالتحديات الداخلية، الأمر الذي يتطلب معه تنوع الشركاء الإقليميين وعلى رأسهم مصر.
  • التعاون في المجال الأمن المائي: والعمل على تحقيق المصالح المشتركة الأمنية والسياسية الناجمة عن تفاهمات تأسيس المجلس الجديد لدول البحر الأحمر، وكذلك التنسيق من أجل تأمين حركة الملاحة البحرية وبحث الفرص الاستكشافية لمصادر الطاقة المختلفة، وهو ما انعكس بصورة كبيرة في المباحثات المختلفة حول بحث سبل التعاون والاستفادة من الموانئ الجيبوتية والصومالية المختلفة.

 ختاماً؛ إن عودة القاهرة لإعادة التنسيق والتفاهمات المتزايدة في العمق الإفريقي، يُعزز من مكانتها كدولة محورية في إطار القارة الإفريقية، ولعل التنسيق المتنامي بين مصر ودول القرن الإفريقي وعلى رأسها الصومال وجيبوتي يحول دون انفراد دولة بعينها للسيطرة على تلك الدول، وهذا النهج يُعد مغايرًا تمامًا لما كان عليه الوضع إبان الفترات الماضية.


+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى