مصر

مصر تستطيع.. القدرات المصرية كلمة السر في حل أزمة ” السفينة الجانحة”

كشفت أزمة سفينة الحاويات البنمية “إيفر جيفن” التي جنحت بالمدخل الجنوبي للمجرى الملاحي لقناة السويس التابعة لشركة “إيفر جرين” في 23 مارس الجاري، ونجح رجال هيئة قناة السويس في تعويم السفينة العملاقة في 29 مارس بمعدات مصرية خالصة عن حجم القدرات النوعية الموجودة في مصر والتي تضاهي نظيرتها العالمية بل وتتفوق عليها؛ إذ أعادت الأزمة تسليط الضوء على هذه القدرات المصرية وما تمتلكه مصر من مقومات فنية وتقنية وبشرية تستطيع إنجاز المستحيل، لا سيّما وأن أزمة جنوح هذه السفينة العملاقة تضمنت تفاصيل فنية معقدة من كافة الجوانب، جعلت الكثير من الخبراء والمحللين العالميين يتوقعون استمرار تعليق الملاحة بقناة السويس لأسابيع قادمة. فرغم كل هذه التعقيدات استطاعت الأيادي المصرية إعادة تعويم السفينة في ستة أيام فقط، وبدون أي مساعدة دولية.

“ترسانة بورسعيد” حجر الزاوية

جهود لافتة من قبل مهندسي وعمال هيئة قناة السويس كانت محل إشادة من العالم أجمع، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لمقر الهيئة والممر الملاحي للقناة أن مشهد إعادة تعويم السفينة في هذا الوقت كان مشرفًا للغاية ويدل على خبرات وقدرات كبيرة، و”بالرغم من التحديات التي واجهتها الهيئة لتعويم السفينة إلا أنها تمت دون خسائر مادية أو بشرية وباحترافية” وكذا عبّرت شركة “إيفر جرين” المشغلة للسفينة “إيفر جيفن” عن شكرها وغاية امتنانها لهيئة قناة السويس وجميع العاملين فيها على تقديم المساعدة والدعم”.

وهي جهود نتجت عن قدرات تستحق النظر إليها عن قرب؛ منذ اللحظة الأولى لجنوح السفينة اتجهت أنظار العالم إلى قناة السويس وخاصة بعد تعليق المرور في القناة التي يمر من خلالها قرابة 12% من حجم التجارة العالمية، وعلى الرغم من عرض بعض الدول تقديم المساعدات الفنية في عملية التعويم نظرًا لحجم السفينة الضخم التي يصل طولها إلى 400 مترًا وعرضها 59 مترًا وتبلغ حمولتها الإجمالية 223 ألف طن، إلا أن مصر قررت الاعتماد على عقول وسواعد أبنائها وباستخدام معدات مصرية.

وقد شاركت في عملية التعويم 10 قاطرات وعلى رأسهم القاطرة بركة ١، والقاطرة عزت عادل والتي صُنعت بأيادٍ مصرية في ترسانة بورسعيد البحرية التي يصل عمرها إلى ما يزيد عن مائة وخمسين عام، حيث كان يطلق عليها الورش العمومية لشركة قناة السويس العالمية وقت تدشين الورش عام 1868 بالجانب الغربي لقناة السويس الأصلية واقتصر عملها آنذاك على صيانة المعدات والوحدات البحرية المملوكة للشركة العالمية، وفي 23 ديسمبر 1960 وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس لترسانة بورسعيد البحرية. 

وتمكنت ترسانة بورسعيد البحرية منذ ذلك الوقت من تعزيز نشاط بناء سفن البضائع العامة ببناء 15 سفينة خلال 32 عامًا، ونجحت في تطوير أسطول كراكات هيئة قناة السويس ببناء 4 كراكات، وساهمت في دعم أسطول قاطرات الهيئة ببناء 18 قاطرة منذ 1992 وحتى 2019، وتم خلال العام الماضي تدشين أربعة قاطرات جديدة من طراز مصاحب، بقوة شد 70 طنًا، وهي القاطرات (عبد الحميد يوسف – علي شلبي – مصطفى محمود – لطفي جاد الله) ليصبح إجمالي ما تم بناؤه 22 قاطرة. وكذا ساهمت الترسانة في إنجاز العديد من المشروعات القومية العملاقة داخل هيئة قناة السويس منها المشاركة في بناء خمسة كباري. فضلًا عن إعلان الترسانة في يونيو 2019 تدشين أحدث ناقلة نفط ضخمة يبلغ طولها 85 مترًا وحمولتها 3500 طن بتصميم وتنفيذ مصري خالص.

وقد ساهمت مشاركة القاطرتين (عبد الحميد يوسف) و(مصطفى محمود) في عملية إعادة تعويم سفينة الحاويات البنمية (إيفر جيفن) وهي المشاركة الأولى لهما منذ إنتاجهما من قبل ترسانة بورسعيد البحرية وتتمتعان بقوة شد 70 طنًا لكل منهما، بصنع فارق كبير ساهم في إنجاح العملية، جنبًا إلى جنب مع القاطرات التابعة للهيئة (بركة 1) و(عزت عادل) و(بورسعيد 1) و(بورسعيد 2) و(تحيا مصر 1) و(تحيا مصر 2)، والقاطرة (ماراديف) التابعة لشركة الخدمات الملاحية والبترولية “ماراديف” والقاطرة الهولندية (APL GUARD).

وتمثل هذه المجهودات التطويرية اللافتة داخل ترسانة بورسعيد البحرية جزءًا لا يتجزأ من منظومة متكاملة عملت وفقًا لها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية لتطوير وتحديث الصناعة الوطنية في المجالات الحيوية، ومنها تطوير القدرات التي تملكها هيئة قناة السويس لتواكب المخططات التي تتم في محور قناة السويس، ولا سيّما منذ افتتاح قناة السويس الجديدة في 6 أغسطس 2015.

الصناعة العسكرية الوطنية

لم يقتصر تطوير القدرات المصرية على الجانب المدني فقط، فقد أولت القيادة السياسية اهتمامًا كبيرًا بتوطين الصناعات العسكرية ونقل التقنيات إلى مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في إطار خطة استراتيجية للارتقاء بالصناعات التسليحية الوطنية وتطوير ونقل التكنولوجيا الحديثة من خلال وزارة الإنتاج الحربي بالتعاون مع عدد من الشركات العالمية، والعمل على امتلاك قاعدة صناعية وطنية متطورة بهدف تلبية احتياجات القوات المسلحة واستغلال الفائض الإنتاجي منها لتلبية احتياجات السوق المحلي وهو ما ظهر بشكل واضح في خطة الدولة لمواجهة فيروس كورونا، إذ تم الاعتماد بشكل كبير على المصانع الحربية لتوفير المطهرات وأدوات الوقاية والتعقيم المختلفة. 

تقوم مصر بإنتاج الدبابة الأمريكية “ابرامز” من طرازM1A1 داخل مصنع “200 الحربي” بموجب اتفاقية موقعة بين الحكومة المصرية والأمريكية ووصلت نسبة التصنيع المحلي للدبابة إلى أكثر من 90%، كما تم الاتفاق بين شركة أبو زعبل للصناعات المتخصصة في ذخائر الأسلحة المتعددة الصغيرة والمتوسطة والقذائف، وشركة CZ التشيكية لتوطين تصنيع بعض الأسلحة والبنادق الآلية والمعدات العسكرية في مصر لتوفير مطالب الجهات المعنية بمصر والتصدير، بالإضافة إلى تأسيس الأكاديمية المصرية للهندسة والتكنولوجيا المتقدمة لتخريج كوادر فنية على درجة عالية من التأهيل تلبى احتياجات الصناعة من العمالة الفنية المدربة على أعلى مستوى.

وفي يوليو 2014 أبرمت مصر اتفاقاً مع فرنسا تحصل بموجبه على 4 فرقاطات شبحية من طراز جوويند 2500 ونص الاتفاق على أن يتم تصنيع الفرقاطة الأولى في الأحواض التابعة لشركة Naval Group الفرنسية المنتجة للفرقاطة، مع نقل تكنولوجيا بناء القطع الـ 3 المتبقية إلى مصر وتصنيعهم في شركة ترسانة الاسكندرية البحرية.

وبالفعل، تسلّمت القوات البحرية المصرية الفرقاطة الأولى التي حملت اسم (الفاتح 971) في سبتمبر 2017، ثم في إبريل 2018 اكتمل بناء الفرقاطة (بورسعيد) داخل شركة ترسانة الإسكندرية البحرية وانضمت إلى أسطول القوات البحرية في يناير 2021 بعد أن خضعت لمدة عامين للاختبارات اللازمة، وفي مايو 2019 دشنت الفرقاطة الثالثة (المعز 981).

وأنشأت مصر مجمع الصناعات الدفاعية الذي عمل على إعادة توزيع المصانع العسكرية المصرية خارج الكتلة السكنية، وتطويرها بشكل كامل ودعمها بالمختبرات والمعامل اللازمة لتنفيذ التقنيات المعقدة، كما أفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير 2020 مصنع 300 الحربي الذي عزز الصناعات العسكرية الوطنية لما يتضمنه من قدرات تصنيعية متطورة، ونتيجة لهذا الاهتمام الكبير ظهرت عدد من المعدات العسكرية المصرية الحديثة خلال معرض إيديكس 2018 مثال الرادار المصري الصنع الجديد ESR-32، والمدرعتين (ST500 –ST100).

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى