الصحافة الإسرائيلية

التحديات الداخلية تُقوض الأمن القومي الإسرائيلي

عرض/ آية عبد العزيز

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا خاصًا تحت عنوان “تميل تحديات الأمن القومي نحو الساحة الداخلية: رؤى من المؤتمر السنوي الرابع عشر لمعهد دراسات الأمن القومي” لـ “أودي ديكل”، العضو المنتدب في المعهد وزميل باحث أول، في 9 فبراير 2021، يستعرض فيه محاور المؤتمر السنوي الرابع عشر، الذي انعقد خلال الفترة من 26 إلى 28 يناير 2021، تحت عنوان “الأمن القومي في جو من الاضطرابات العالمية والداخلية“، شارك فيه وزراء خارجية (من ألمانيا والهند والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل)، وقادة الأحزاب في إسرائيل، وخبراء وضيوف من إسرائيل والخارج، وباحثو المعهد.

وفقًا للتقرير يهدف المؤتمر بشكل أساسي إلى عرض وتحليل حالة الأمن القومي لإسرائيل في الوقت الحاضر، برؤية متكاملة، وموجهة نحو الخارج والداخل. وذلك في سياق الاتجاه العالمي السائد الذي يتسم بالفوضى النابعة من المنافسة بين القوى العالمية التي قوّضت القواعد الدولية للعبة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التغييرات في التصور والسياسة خلال إدارة “ترامب” التي رفضت مبادئ التعددية، بجانب جائحة الفيروس التاجي “كوفيد-19″، الذي سلط الضوء على تضارب المصالح والتوترات بين الدول.

أما الاتجاه الثاني الموازي هو مفهوم موسع للأمن القومي، بحيث يتضمن، بالإضافة إلى القضايا العسكرية التقليدية، وجهات نظر حول التكنولوجيا والاقتصاد والمناخ والرعاية الصحية والرفاهية والرأي العام والتماسك الاجتماعي. وفي هذا المنظور، يعبر الأمن القومي عن العلاقة بين مجموعة التحديات الخارجية والداخلية التي تواجه الدولة، وقدرة الدولة على مواجهتها بنجاح.

واستكمل إن استقرار إسرائيل وقدرتها على التعامل مع التحديات التي تواجهها في عام 2021 وما بعده يتأثران بشكل قاطع، بشكل مباشر وغير مباشر، بموقفها فيما يتعلق بكل هذه القضايا. لقد كشفت الجائحة عن نقاط الضعف الداخلية في إسرائيل وأوجه القصور التي كانت موجودة منذ سنوات ولم تحظ بالاهتمام أو الاستجابة المناسبة في مجال الرعاية الصحية، بل وأكثر من ذلك، من حيث النسيج الاجتماعي والعلاقات بين الفئات في المجتمع الإسرائيلي.

وقد ركزت مناقشات المؤتمر ومحاضراته الضوء على أربعة محاور رئيسة ستؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي في العام المقبل. تعكس هذه القائمة أيضًا توسيع مفهوم الأمن القومي. ويتضمن شكلين مُتعلقين بالساحة الخارجية -إقليمي ودولي- واثنين بالساحة الداخلية:

  • اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية مع دول المنطقة وآفاق توسعها.
  • الإدارة الأمريكية الجديدة: الانتقال من إدارة “ترامب” إلى “بايدن” بهدف العودة إلى قواعد اللعبة السابقة القائمة على الدبلوماسية والتحالفات المتعددة الأطراف.
  • جائحة كورونا التي تسببت في حدوث أزمة مجتمعية واقتصادية وأزمة حوكمة في إسرائيل، ومن المتوقع أن يكون لها تداعيات طويلة المدى ومهمة بعد العام المقبل.
  • الضرر التراكمي في إسرائيل نتيجة الحملات الانتخابية المتكررة، مما يجعل من الصعب، ناهيك عن النجاح، معالجة نقاط ضعفها والتحديات التي تواجهها.

البيئة الإقليمية

وفقًا للتقرير ترمز اتفاقيات “إبراهيم” بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى انضمام إسرائيل إلى تحالف الدول السنية البراجماتية، الذي يمثل ثقلًا موازنًا للمحور الإيراني الشيعي والذي يسعى إلى ترسيخ الاستقرار والازدهار الإقليمي، وجرت مناقشة ذلك في المؤتمر بمشاركة وزراء خارجية البحرين والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

وذكر التقرير إنه كجزء من المؤتمر، أقيمت محاكاة تستند على سيناريو أعقب سلسلة من الهجمات الإرهابية والهجمات الصاروخية على أهداف في إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والقوات الأمريكية في العراق؛ حيث فسر هذه الهجمات على أنها انتقام إيراني لمقتل قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” ورئيس المشروع النووي الإيراني “محسن فخري زاده”. 

تم تصميم المحاكاة لفحص أهمية تشكيل المحور الجديد -الذي يضم دول الخليج وإسرائيل- فيما يتعلق بإمكانية العمل المشترك ضد إيران ووكلائها، وفي مقدمتهم حزب الله. حاولت جميع الجهات الفاعلة -إيران وحزب الله والولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج- السيطرة على الأحداث وإدارتها مع الحد من شدتها وعدد أيام القتال الفعلي، لكن اتضح أن ديناميات التصعيد يمكن ألا تتوقف. بعبارة أخرى، على الرغم من أن معظم الفاعلين لا يطمحون إلى حرب واسعة النطاق، إلا أن قواعد السلوك الخاصة بهم، والتي تتطلب استجابة لأي حدث، بالإضافة إلى لغة القوة المهيمنة في المنطقة وليس لغة الدبلوماسية، خلقت ديناميكية تصعيدية أدت إلى حرب بين إسرائيل وحزب الله.

كانت الرؤية الأخرى من المحاكاة هي أن إيران لديها سيطرة محدودة على وكلائها على المحور الإيراني الشيعي، مثل حزب الله على وجه الخصوص؛ حيث إنه ملتزم ظاهريًا بالأجندة الإيرانية للسع إلى الحفاظ على منظومة صواريخ التنظيم وتعزيزها، والتي تهدف إلى ردع إسرائيل أو الرد على هجوم إسرائيلي على المواقع النووية الإيرانية، والتزم بصورته كقوة مقاومة سعيًا للحصول على الفضل في بعض الإنجازات ضد إسرائيل. وكانت الرؤية الثاقبة الأخرى هي استحالة كبح التصعيد الإقليمي في ظل غياب آليات الإنهاء الدولية: إذ لم تكن روسيا ولا الولايات المتحدة قادرتين على وقف التصعيد الإقليمي. فحتى روسيا لم تكن قادرة على منع إيران وحزب الله من تحويل الأراضي السورية إلى ساحة معركة في مواجهة مع إسرائيل، ولم يتم صياغة آلية استقرار إقليمي.

بين الاستراتيجية والتشغيلية

كشف التقرير أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الليفتنانت جنرال أفيف كوخافي قدر خلال المؤتمر أن الوضع الأمني في إسرائيل يتحسن، بل إن قوة الردع التي تظهرها قد اشتدت. وفي رأيه، بشكل عام، لا يهتم أعداء إسرائيل ببدء نشاط هجومي ضدها، لكنهم ملتزمون بالرد (كما هو موضح بالفعل في محاكاة الحرب).

وتتمتع إسرائيل بميزة أخرى وهي القدرات الاستخباراتية والعملياتية: “نحن موجودون في العديد من الأماكن من حيث المعلومات الاستخبارية، ومن الناحية العملية لدينا حرية واسعة في العمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط”. وشدد رئيس الأركان على أن التهديد الرئيسي لإسرائيل يتمثل في برنامج إيران النووي، مُضيفًا أن “إيران تبني قدرات تسمح لها بالقفز لإنتاج قنبلة بوتيرة سريعة في شهور وربما أسابيع”.

وذكر التقرير أن التهديد الثاني الأكثر أهمية، بحسب “كوخافي” يتمثل في المليشيات الإرهابية التي تعد قوات مُعادية لديها معدات عسكرية قياسية، وأنشطتها عسكرية بالكامل، ولكنها أيضًا منظمات إرهابية لكونها تختبئ داخل مناطق حضرية وهدفها هو إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. وعليه فقد وضح أن الرد العملياتي للجيش الإسرائيلي يركز على منع المحور المتطرف من ترسيخ نفسه في الساحة الشمالية: “في عام 2020، هاجمنا أكثر من خمسمائة هدف” بهدف منع الحصول على أسلحة دقيقة والدفاع عن الحدود 

التحديات الداخلية

وفقًا للتقرير تسببت الجائحة في أزمة متعددة الأوجه؛ إذ أثرت على جميع جوانب ومكونات المجتمع الإسرائيلي والساحة السياسية. فمع اندلاع الأزمة الصحية، أصبحت المشاكل القائمة -الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية- أكثر حدة، وأدت الإجراءات المصممة للحد من انتشار المرض إلى إصابة أجزاء كبيرة من الاقتصاد بالشلل، وتسببت في أضرار اقتصادية جسيمة، خاصة للفئات العشرية 3-6. ونتيجة لذلك، تفاقمت عدم المساواة وانعدام الأمن في سوق العمل. وأدى ضعف الإحساس بالتضامن الاجتماعي وتقويض الروابط بين القطاعات التي يتألف منها المجتمع الإسرائيلي إلى ضرر للكثير من الناس على المستوى العادي. هذا بجانب نقص الشفافية في المعلومات ومنطق القرارات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الحكومية المركزية للأزمة المليئة بحروب الأنا بين السياسي والمهني، دون التقيد بالصرامة والتنفيذ، أثارت لدى عامة الناس إحساسًا بأن السياسة كانت مدفوعة باعتبارات سياسية ضيقة. وتفاقم هذا الشعور بسبب الأزمة السياسية التي جلبت إسرائيل إلى انتخابات الكنيست للمرة الرابعة خلال عامين، وتسبب في تراجع كبير في الثقة في القيادة. وعليه تتحدى كل نقاط الضعف هذه عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها، وتعبئة الجمهور للتعاون، ومواجهة التحدي المستمر للوباء على جميع المستويات. والنتيجة هي تقويض الأمن القومي.

الاستنتاجات والتوصيات

استكمل التقرير أن وضع إسرائيل الاستراتيجي في مواجهة التحديات الخارجية إيجابي. أما النظام الإقليمي فهو متورط في أزمة صحية واقتصادية ومجتمعية، والدول المحيطة بإسرائيل كلها تتعامل مع مشاكلها الخاصة. على هذه الخلفية لا يريد أعداء إسرائيل حربًا معها. علاوة على ذلك، قد تكون اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول السنية البراجماتية خطوة نحو توسيع التحالفات الإقليمية التي تشمل إسرائيل. من ناحية أخرى، فإن الاهتمام المركّز والعديد من الموارد ضروريان لإعادة الإعمار الاقتصادي والمجتمعي في إسرائيل.

لذا يجب ألا تركز عملية التعافي من الجائحة والأزمة المعقدة التي تلت ذلك على الأبعاد الصحية والاقتصادية فقط. لكن من الضروري تكريس الجهود لإحكام الخيط الذي يربط بين مختلف القطاعات في المجتمع الإسرائيلي، وتركيز الاهتمام على الرفاهية، بهدف الحد من عدم المساواة ومعالجة الفئات السكانية الضعيفة. ولن تتحقق هذه الأهداف دون تحسين فاعلية الحوكمة وشحذها، وتعزيز سلطة المؤسسات المدنية التي هي في صميم الديمقراطية، وتشجيع الحوار والاحترام المتبادل بين مختلف فئات المجتمع.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى