العراق

لماذا وقع تفجيران بمنطقة الباب الشرقي في بغداد؟

وقع في العاصمة العراقية بغداد تفجران في منطقة الباب الشرقي في 21 يناير 2021 ونتج عنهما عدد من القتلى والجرحى ما بين 32 قتيلًا و110 جرحى وفقًا لوزارة الصحة العراقية؛ وجاء ذلك في سياق قيام اثنين من الإرهابيين بتفجير أنفسهما وسط المواطنين الموجودين بالمنطقة. وبعد دقائق من الانفجار الأول صرخ شخص باعتباره ضحية وجذب مزيدًا من المواطنين، وقام بتفجير نفسه مما تسبب في مزيد من الضحايا أثناء ملاحقته من قبل القوات الأمنية في منطقة الباب الشرقي ببغداد.

وهو ليس بسيناريو جديد في بغداد؛ إذ تتكرر التفجيرات من آن لآخر. حيث سبق ذلك تفجير في خط منصورية كركوك في 18 يناير 2021 وتفجير البرج رقم 131 بعد تعرضه لعمل إرهابي وفقًا لوزارة الكهرباء العراقية مما تسبب في أضرار بلغت 6 مليارات دينار عراقي، بما يعادل 4.1 مليون دولار.

ردود الفعل

هناك العديد من ردود الأفعال التي جاءت في سياق التفجيرين الإرهابيين اللذين شهدتهما منطقة الباب الشرقي في بغداد، سواء داخل العراق على المستوى الرسمي أو على المستوى الدولي يتم توضيحها فيما يلي:

على المستوى الداخلي: تسارعت ردود الفعل تعقيبًا على هذا التفجير الذي وقع بالأمس. فعبر الرئيس العراقي “برهم صالح” عن أن التفجير هو عمل إرهابي بهدف تعطيل المسار السياسي في العراق قائلاً “الانفجاران الإرهابيان ضد المواطنين الآمنين في بغداد، وفي هذا التوقيت، يؤكدان سعي الجماعات الظلامية لاستهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة”.

أيضا عقب المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في بغداد اللواء “تحسين الخفاجي” مفسرًا هذا الحادث بأنه محاولة لزعزعة الأمن في العراق ورغبة في إيصال رسالة بأن العاصمة ليست آمنة، وفى إشارة إلى أن داعش السبب وراء هذا التفجير قائلاً “عصابات داعش لا تمتلك القدرة لمواجهة قواتنا الأمنية وما نقوم به من ضغط على هذه المجموعات الإرهابية يدفعها إلى محاولة خرق الأمن، ولكننا الآن في مرحلة إنهاء وجود عصابات داعش من الوجود، ونحن مصممون على ذلك”.

وتم عقد اجتماع طارئ للقيادات الأمنية والاستخبارية في مقر قيادة عمليات بغداد، وجاءت رسائل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي معبرة ورادعة، مؤكدًا معاقبة المرتكبين وعدم السماح بالتكرار قائلا “حياة الناس ليست مجاملة، ولن نسمح بخضوع المؤسسة الأمنية الى صراعات بين أطراف سياسية، يجب أن نتعلم الدرس ونتعامل بمهنية عالية في المجال الأمني”.

وأضاف “أجهزتنا الأمنية قامت بجهد كبير خلال الأشهر الماضية وكانت هناك عمليات كبيرة ضد عصابات داعش الارهابية ونجحت اغلب عملياتنا، وهناك محاولات يومية لداعش للوصول الى بغداد تم إحباطها بعمليات استباقية، وللأسف تمكنت من ذلك يوم أمس وسالت دماء بريئة، ولن نسمح بتكرار الخروقات الأمنية”. وتابع “لن نسمح بتشتت الجهد الاستخباري او تعدد مصادر القرار في القوى الأمنية”.

واتخذ “الكاظمي” في سياق ذلك عددًا من القرارات، منها تكثيف جهود القوات الأمنية، وقيام قطعات الجيش العراقي ووحداته بتقديم الإسناد للقوات الأمنية الاخرى، وأن يضطلع الجيش بدوره في تهيئة الدعم الميداني والأمني، بالإضافة إلى إجراء تغييرات في الأجهزة الأمنية منها:

  1. إقالة وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق الركن عامر صدام من منصبه، وتكليف الفريق أحمد أبو رغيف وكيلًا لوزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات.
  2. إقالة عبد الكريم عبد فاضل “أبو علي البصري” مدير عام استخبارات ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية من منصبه، وتكليف نائب رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري بمهام إدارة خلية الصقور وربط الخلية بالقائد العام للقوات المسلحة.
  3. نقل قائد عمليات بغداد الفريق قيس المحمداوي إلى وزارة الدفاع وتكليف اللواء الركن أحمد سليم قائدًا لعمليات بغداد.
  4. 4.     إقالة قائد الشرطة الاتحادية الفريق الركن جعفر البطاط من منصبه، وتكليف الفريق الركن رائد شاكر جودت بقيادة الشرطة الاتحادية.
  5. 5.     إقالة مدير قسم الاستخبارات وأمن عمليات بغداد اللواء باسم مجيد من منصبه.

استمرارًا لردود الفعل الداخلية، عبّر رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي محمد رضا الحيدر، قائلاً “إن التفجيرات تمثل فشلًا استخباراتيًا”.

وعلى مستوى مواجهة الحادث وجه وزير الصحة العراقية حسن التميمي بسرعة توجيه سيارات الإسعاف واستقبال الطوارئ للجرحى وزيادة عدد الفرق الجراحية وكافة التخصصات الطبية لمتابعة الحالة الصحية للضحايا، واتخاذ الاجراءات اللازمة في المؤسسات الصحية ومنها مستشفى الكندي التعليمي ودائرة صحة بغداد الرصافة.

كما تابع مدير عام صحة بغداد الرصافة الدكتور عبد الغنى الساعدي الحالة الصحية للجرحى والمصابين من خلال زيارته مستشفى الكندي، بالإضافة إلى المتابعة عبر غرفة عمليات وزارة الصحة وصحة الرصافة لحركة الفرق الطبية المتخصصة.

على المستوى الخارجي: تسارعت ردود الفعل الدولية المنددة بهذا الهجوم والداعمة للدولة العراقية في جهودها لتحقيق الاستقرار؛ فقد أدانت مصر الهجومين الإرهابيين مؤكدة وقوفها بجانب العراق في مساعيه الرامية للحفاظ على الأمن والاستقرار ومواجهة كافة صور الإرهاب والتطرف.

أيضاً عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن تعازيه لأسر الضحايا وللحكومة والشعب العراقي ودعم الأمم المتحدة للعراق وشعبها في توطيد السلام، ووجه رسالة لشعب العراق برفض أي محاولات لنشر الخوف والعنف بهدف تقويض السلام والاستقرار والوحدة، داعيًا حكومة العراق بسرعة التعرف على مرتكبي الحادث.

وأيضًا وصف بيان السفارة الأمريكية في بغداد الهجوم بأنه: “عمل جبان ومشين يبرز مخاطر الإرهاب، التي لا يزال يواجها ملايين العراقيين”. وأدان القائم بأعمال وزير الخارجية دانيال سميث في إدارة بايدن قائلًا “إنها أعمال شريرة من القتل الجماعي وتذكير واقعي بالإرهاب الذي لا يزال يهدد حياة العراقيين الأبرياء”.

وقال واين ماروتو المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب: “هذا مثال آخر على قتل الإرهابيين لإخوانهم العراقيين وإلحاق الأذى بمن يسعوا إلى السلام”.  أيضا ندد البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بالهجوم في بغداد ووصفه بأنه “عمل وحشي أحمق” وحث العراقيين على مواصلة العمل لاستبدال العنف بالأخوة والسلام.

دلالات الحادث

  • وقوع الحادث للمرة الثانية في منطقة يسكنها الشيعة فإن ذلك يؤشر بأن المنطقة تحظى بأهمية من قبل الجماعات الإرهابية، وأنها منطقة للصراع الطائفي.
  • يدلل إعلان مسؤولية داعش عن ارتكابه للحادث وما سبقه من تفجير خطط منصورية كركوك وفقا لوزارة الكهرباء العراقية، وجود إرهابيي داعش في مخابئ جبلية في شمال وسط العراق، وأنها عناصر نشطة وتستهدف البنية التحتية والمناطق الحيوية.
  • وقع الحادث بمنطقة مكتظة بالمواطنين في سوق شعبي بساحة الطيران في العاصمة بغداد، وهي ليست المرة الأولى في هذه المنطقة تحديدًا؛ إذ سبق وقد وقع هجوم انتحاري في بغداد قبل عامين في 2018 وقتل أكثر من 30 شخصًا في الساحة ذاتها، مما يتطلب تأمين هذه المنطقة بكثافة الفترة القادمة.
  • يأتي الحادث بعد توقيت إعلان الحكومة في العراق تأجيل انتخابات مجلس النواب إلى 10 أكتوبر لمنح السلطات مزيدًا من الوقت لتسجيل الناخبين والأحزاب الجديدة، وكانت الانتخابات مطلبًا من قبل المتظاهرين في العراق منذ أكتوبر 2019.
  • من شأن ذلك الحادث أن يتكرر في الفترة القادمة إذا لم يتم إحكام سيطرة العراق والقوات الأمنية العراقية، وهو ما يؤثر بالطبع على الوضع الأمني في العراق بشكل خاص، وعلى وضع الدولة بشكل عام في ظل محاولة لاستعادة العراق إلى معادلة الأمن العربي وطموح العراق بتحقيق الاستقرار وبالتالي يمثل ذلك عبء وتحدى لحكومة مصطفى الكاظمي.
  • وفقاً لمجموعة سايت انتليجنس أعلن داعش مسؤوليته عن التفجير وكان داعش فقد الأراضي التي سيطر عليها في 2019 نتيجة هزيمته من قبل القوات الأمنية، حيث كان يسيطر على 88 ألف كيلومتر مربع من شرق العراق إلى غرب سوريا وبالتالي يمثل التفجير وما يسبقه مؤشر لسلسلة عمليات قادمة، وفرصة للعودة. حيث يشير تقرير لمجلس الأمن أغسطس 2020 بأن أكثر من 10 آلاف من مقاتلي داعش مازال نشط في العراق وسوريا ويعمل في المناطق الريفية ويستهدف قوات الأمن.
  • §        سيمثل ذلك التفجير وما يعقبه تحديًا أمنيًا أكبر للحكومة العراقية لاسيما بعد هزيمة التنظيم في العراق وبعد محادثات خفض عدد القوات الأمريكية في العراق إلى 2500 بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبين الكاظمي والذي رتب التزام العراق بتوفير الحماية لأفراد التحالف الدولي والمنشآت الدبلوماسية في العراق، بعد مغادرة بعض القواعد العسكرية، وخفض القوات القتالية في العراق.

ختاما؛ يمكن القول إن التحديات مستمرة وقائمة أمام حكومة الكاظمي في العراق، وأن المحافظة على الأمن في العراق تمثل مسؤولية كبيرة الفترة القادمة رغبة في استعادة سيادة الدولة، بالإضافة إلى تحديات أخرى على المستوى الصحي والسياسي وكذلك مواجهة الأطراف الخارجية التي تتدخل في العرا

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى